الأربعاء، 27 مارس 2024 - 07:08 م

45- {اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}:

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة (كلمات ربي وآياته في القرآن والكون) للأستاذ الدكتور.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية) وحلقة اليوم عن {اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}

يقال: عمَّر الأرضَ: بنى عليها وأهَّلها.

واستعمره في المكان: جعله يعمره. والعِمارة: نقيض الخراب، وهي البنيان. والعُمْران: ما يعمَّر به البلد ويحسّن حاله بواسطة الفلاحة والصناعة والتجارة وكثرة الأهالي ونُجح الأعمال والتمدُّن.

والإعمار: مرتبط بالعمران وترقية الحياة على الأرض. يقال: أعمر الأرض إعمارًا، أي أصلحها لتعميرها (الوسيط).

اقرأ أيضًا|تأثير «القرآن» والابتهالات الدينية فى حياة «العندليب»

وقد وردت الصيغة الفعلية "استعمركم" في قوله تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (سورة هود: 61)، أي طلب منكم إصلاحها، وبناءها، وتهيئتها للاستعمال، وزراعتها، واستنباط مائها، وباختصار: جعلكم عُمّارها وسكانها إلى أن يستكمل الله جل وعلا حكمته من خلْقكم وخلقها.. ولهذا فإن الإنسان مطالب بمواصلة التنمية الشاملة المستدامة للحياة على الأرض، ومداومة الإصلاح والارتقاء الحضاري حتى تبلغ الأوج من كمال زخرفها وكمال زينتها وحسنها. قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} (سورة يونس: 24). ولعل معنى زخرف الأرض هنا هو حسنها وزينتها، وذلك على وجه التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتست وتزينت بأنواع الحلىّ.

وإلى جانب كلمة "استعمركم" التي وردت في آية هود، جاء في القرآن الكريم أربع كلمات من الثلاثي المجرد تدور حول نفس المعنى، وهو البناء والإصلاح، وتكون معها مجموعة دلالية واحدة، وهي:

عَمَر: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا} (سورة الروم: 9)

يعمر: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (سورة التوبة: 18) 

معمور: { وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} (سورة الطور: 4، 5)

عمارة: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (سورة التوبة: 19)

وقد قرئت آية سورة التوبة (17) كذلك بضم حرف المضارعة "أن يُعْمروا"، فتكون من الفعل "أعمر" (مزيد الثلاثي بالهمزة) ومعناه: أعان على عمارة الشيء. وفي اللسان: أعمر المنزل: جعله آهلاً، وأعمره المكانُ: جعله يعمره.

وفريضة "الإعمار الحضاري" بهذا المعنى القرآني مرتبطة بأداء أمانة الاستخلاف التي حمّلها الله – تعالى – للإنسان بعد أن أعدّه وأهَّله لما أراده له من مكان كريم خليفة له في أرضه. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(سورة البقرة: 30)؛ وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} (سورة الأنعام: 165).