عادل القليعي
عادل القليعي


عادل القليعي يكتب: روحانيات.. كونوا مع الصادقين

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 28 مارس 2024 - 11:08 ص

سؤال يطرح نفسه، لماذا الكتابة عن هذا الموضوع.؟!

الإجابة واضحة بذاتها، لأنه أصبحنا في زمان إلا ما رحم ربي يصدق الكاذب بل ويعلو ويرتفع ويتبوأ أفضل المنتصب والمراكز، ويكذب الصادق وتهدر كرامته ويوضع أسفل السافلين.

لذا بات الصمت والسكون عن الكتابة في هذا الموضوع خطيئة ورذيلة قد يحاسبنا الله تعالى عليها.
الصدق لغة واصطلاحا:

معني الصدق في اللغة، الصدق ضد الكذب، صدق يصدق صدقا، وصدقه قبل قوله، وصدق حديثه. ويقال صدقت القوم، أي قلت صدقا، وتصادقا في الحديث والمودة.

الصدق اصطلاحا، الصدق هو الخبر عن الشيئ علي ما هو به، وهو نقيض الكذب.

الصدق خلق عظيم يجب أن يتحلي به الإنسان ليكون من المؤمنين.

وقد يتوهم البعض أن الصدق المقصود به صدق الأقوال وحسب، نقول هذا هو المعني الضيق للصدق أما المعني الشمولي فيتمثل في ما يلي:

صدق اللسان، وهو ما يمكن أن نطلق عليه صدق الأقوال، بمعني ألا يقول الإنسان إلا صدقا وحقا سواء في خبر نقله لا يزيفه، أو في إجابته علي سؤال طرح عليه، أو حديث يحدث به.

صدق النية، بأن يكون مخلصا لله تعالي في كآفة أعماله، وأن يجعل كل ما يقوم به من عمل حسبة لله تعالي.
صدق العزم، وهو الجدية في ما يعزم القيام به لا يسوف ولا يتراخي، بل يعزم عزما صارما أن يقول الصدق ولا يكذب مهما كلفه ذلك.

صدق العمل، وهو الإجتهاد في جعل أعمالنا الظاهرة هي هي الباطنة، أي أن تكون علانيتنا موافقة لسرائرنا.
صدق مقامات ومراتب الإيمان وهو أعلاها من وجهة نظري، من حب ورضا وزهد وخوف ورجاء وتوكل علي الله تعالي.

الصدق مع الله، بمعني المراقبة والمحاسبة لله تعالي في كل اعمالنا وكل ما نقوم به.

الصدق مع النفس، الإعتراف بالذنوب وعدم الإصرار علي المعصية والعمل علي تهذيب النفس وتربيتها.
الصدق مع الناس، في المعاملات، في الأسواق في البيوع والشراء، في الحديث دونما مراء ومداهنة ونفاق.
ونرى أن الصدق صفة جمال وجلال؟!!، لأن الله تعالي اسمه الصادق، والصادق إسمه وصفته الصدق والله تعالي يجمع بين الجميل والجليل، هذه واحدة.

أما الثانية، ارتباط هذه الصفة بالتقوي في قوله تعالي:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، فلا يجتمع كذب مع تقوي، وإنما العكس يجتمع الصدق مع الإيمان بل أهل الصدق يزداد إيمانهم بصدقهم، وتزداد خشيتهم وتقواهم لله تعالي.

والثالثة ارتباط هذه الفضيلة بواقعنا الذي نحياه، فإن كان الإنسان صادقاً في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ومعاملاته مع بني جنسه حقق الجمال، وفي نفس الوقت وقر الجلال، والجلال والقدسية هنا وقار الله تعالي وهيبته بمعني إدراكه أن ثم جليل يسمعه عندما يتحدث ويراه ويشهد عليه.

والرابعة، أن فضيلة الصدق من الفضائل العظيمة التي تحدثت عنها جميع الشرائع السماوية، بل وأمرت به وجعلته من مقومات الإيمان فلا يستقيم إيمان يخالطه كذب، بل وحذر الإسلام من ذلك، وجرم الكذب، "آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا أوتمن خان"، إذا الإسلام أنزل الكذاب منزلة المنافق المداهن وهذه المنزلة هي الدرك الأسفل من النار.

بل ونجد الإسلام أعلي من شأن هذه القيمة وهذه الفضيلة، في قوله تعالي، موضحا صفة الرجال الذين اخلصوا دينهم لله تعالي"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، الصدق في العهد.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عندما رأي الرجل مرمي بسهم في حنجرته قال، صدق الله فصدقه الله تعالي.

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلاك فإنه به النجاه، واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة ففيه الهلاك.

والنبي صلى الله عليه وسلم، قبل بعثته كان يلقب بالصادق الأمين، إذا الصدق معه الأمانة، هاهو سيدنا موسي،" قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"فالصادق قوي وأمين، والصادق يقول الحق ولا يخشي في الله لومة لائم.

أما الخامسة فهي تناول الفلاسفة لهذه الفضيلة بدءا من حضارات الشرق القديم، فنجد علي جدران المعابد الفرعونية رموز تشير إلي الصدق والأمانة وإلي الشجاعة وإلي العدالة، وكذلك حكيم الصين كونفوشيوس جعل الصدق من الحكمة فالحكيم لابد أن يكون صادقا في معاملاته مع بني جلدته ، ليس هذا وحسب، بل وجعل أساس بناء الدولة الصدق، وكذلك الأمر بالنسبة للطبيعيين الأوائل قبل الميلاد، فنجد علي سبيل المثال ديموقريطس، يقول الإنسان الصادق الذي يقدم علي فعل الخير يقضي نهاره منشرح الصدر يشعر بسعادة عارمة.

وكذلك تحدث عن هذه الفضلية سقراط وأفلاطون وأرسطو، وكذلك أئمة الأفلاطونية المحدثة، أفلوطين السكندري وتلاميذه كل هؤلاء أعلوا من شأن هذه الفضيلة، موضحين أن بالصدق تستقيم حياة الأمم، فلا يمكن بحال من الأحوال بناء أمة علي الكذب، حتي وان بنيت ستكون هشة ضعيفة لا تستقيم ولا تثبت أمام أي ريح، وستذهب هباء.

وإذا ما انتقلنا إلي فلاسفة الإسلام فنجد الكندي تحدث عن فضيلة الصدق وأن الصدق يحقق للانسان السعادة التي ينشدها، جاء ذلك في رسالته الحيلة في دفع الهم والأحزان، وكذلك الفارابي الذي جعل من ضوابط تحصيل السعادة أن يكون الإنسان صادقا، وكذلك نجد الشيخ الرئيس تحدث عن مفهوم الصدق في كتابه تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات والالهيات، وأن الصدق هو إخلاص النية والعزم علي قول الصدق، وأيضا الإمام الغزالي تحدث عن هذه الفضيلة في كتابه ميزان العمل والفيلسوف أحمد مسكويه ناقش مفهوم الصدق في رسالته تهذيب الحدث والصبيان، والذي يدعوا فيها إلي تربية النشء علي هذه الفضيلة.

أما فلاسفة العصر الحديث فنجد أمامهم كانط يجعل فضيلة الصدق رأس الفضائل، وأن الإنسان ينبغي عليه أن يكون صادقا لا من أجل أن يقال عليه صادق وانما من أجل احترام العقل والواجب الأخلاقي يحتم عليك أن تكون صادقا.

وللصدقة قيمة عظمي في حياتنا نبدأ بالأسرة، فلابد أن ننشأ أبنائنا علي الصدق وعدم الكذب ولابد أن يكون الأبوين علي هذه الشاكلة، أي لا يكذبون علي أبنائهم، لأن في ذلك صلاح لهم.

المدرسة، الجامعة، كل مراحل التعليم فعلي من يقوم بالتدريس، أول شيئ يعلمونه ويطبقونه في حياتهم بعد غرس قيم الولاء والانتماء، يعلموا تلاميذهم وطلابهم الصدق، لأن الصدق طريق للبناء والتقدم والتنمية، المصارحة والشفافية دون تزوير الواقع، بمعني لا نجمل الحياة ونزينها وندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام وانما نكون صادقين في تشخيص الداء، حتي نقدم له الدواء المفيد.

الصديق الحق هو من لا يخادعك ويخدعك ويكذب عليك، وأنما من يصارحك ولا يكذب عليك، فصديقك من صدقك وصدقك، وكما قال الإمام علي رحم الله رجلا بصرني واهدي إلي عيوبي ولم يكذب علي.

الصدق في كل مجالات الحياة، الطبيب في عمله يكون صادقا، والمهندس، المدرس، الأستاذ، القائد كل في مكانه، كل يتحمل مسؤوليته ويواجه بقلب قوي وعقل رشيد ولسانا لهاجا بالصدق، لماذا لأن الصدق منجاة من كل كرب ومن كل ضيق، حتي وإن كان قوله موجع ومؤلم في أوله، لكن في آخرته سيكون متقبلا وسنحمد صنيع من صدقنا ولم يكذب علينا.

فهل أعلينا من شأن هذه القيمة، وبدأنا بأنفسنا؟!!

فحياتنا لا ولن تستقيم بالكذب، لا الكذاب ليس له قدمين يقف عليهما، بل ستغوص به في أوحال من الكذب والوهم والخداع، فلا يزال الرجل يكذب ويكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذابا.

ولا يزال الرجل يصدق ويصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا.

تخير لنفسك هل تحب أن تكتب عند الله من الصديقين، أم تكتب من الكاذبين بكذبك؟!!!!
ما أحوجنا في زماننا هذا إلي إعلاء هذه القيمة، في زمن الكذابون يصدقون والصادقون يكذبون، زمن بات الصادقون مستترون، والكاذبون يناطحون السحاب بكذبهم.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة