أحمد الإمام
عصير القلم
لا تحارب فى الميدان الخطأ
السبت، 06 أبريل 2024 - 01:00 م
..لم يصدّق ضابط الاستطلاع الياباني أن الحرب العالمية الثانية قد انتهت، وظل 30 سنة في أدغال الفلبين ينتظر تعليمات جديدة من قائده الذي أمره ألا يبرح منطقة عملياته حتى يعود إليه.
هيرو أونودا آخر جندي يستسلم في هذه الحرب لأنه لم يصدق أن الجيش الذي لا يقهر انكسر أمام أعدائه ، وعجز عقله عن استيعاب فكرة رضوخ إمبراطوره للأمريكان وتوقيعه على وثيقة الاستسلام.
التحق أونودا بالجيش الياباني عام 1942، وكان عمره آنذاك 20 سنة و خضع لتدريب الكوماندوز ليصبح ضابط مخابرات.
وفي ديسمبر 1944 استدعاه قائده، الرائد يوشيمي تانيغوتشي ، ليخبره أنه سيهبط قريبًا في جزيرة لوبانغ الفلبينية مع عدد قليل من الرجال لمساعدة الحامية المحلية على تنفيذ أعمال قتالية هناك.
وقبل أن يودعه قائده أمره بالقتال حتى آخر رمق وعدم الاستسلام مهما كانت الظروف .
الأوامر كانت واضحة ونفذها أونودا حرفيا لدرجة أنه ظل يقاتل لمدة 30 سنة رافضًا الاستسلام .
رفض أنودا أن يصدق أن الحرب العالمية انتهت سنة 1945 وأن الجيش الياباني خسرها، فقرر الاختباء في الأدغال برفقة 2 من زملائه وخوض حرب عصابات قَتل خلالها 30 شخصًا اشتبه في أنهم أعداء لليابان.
قصة أونودا عرفت للمرة الأولى سنة 1950 حين عاد أحد الجنود اليابانيين الثلاثة إلى بلاده وأخبر قيادة الجيش بأن جنديين اثنين يابانيين آخرين لا يزالان مختبئين بأدغال الفلبين، على إثر ذلك ألقت الطائرات اليابانية منشورات في جزيرة لوبانغ الفلبينية التي كان يختبئ فيها أونودا ورفيقه الآخر تخبرهما فيها أن الحرب انتهت ، غير أن أونودا ورفيقه المخلصين للامبراطور الياباني لم يصدقا ذلك وظلا في موقعهما «القتالي»، بل واشتبكا مع الجنود الفلبينيين عدة مرات، دون أن يتمكن أحد من إلقاء القبض عليهما.
وبحلول سنة 1959 ظنت اليابان والفلبين أن أونودا ورفيقه توفيا فأوقفت عمليات البحث عنهما، غير أنه في سنة 1972 قتل رفيق أونودا بعد اشتباك مع جنود فلبينيين، فيما بقي هو على قيد الحياة وتمكن من الفرار مجددًا لتتأكد السلطات اليابانية ان المحارب الأخير مازال حيا.
أرسلت اليابان بعثات جديدة للبحث عنه لكنها جميعها عادت خالية الوفاض، وكان أول من نجح في كسب ثقة الجندي الوحيد هو شاب ياباني اسمه نوريو سوزوكي، إذ حطّ على جزيرة لوبانغ في ربيع عام 1974، وظل يتجول فيها دون وجل وليس معه سوى حقيبة ظهر إلى أن عثر على أونودا، فأوضح له حقيقة ما آلت إليه الأمور، لكن الجندي أخبره أنه سيوافق على الاستسلام، شريطة أن يأتيه أمر من قائده الذي أصدر له الأمر بعدم الاستسلام والقتال حتى النهاية.
و قبل سوزوكي التحدي، وعاد إلى اليابان، وبمساعدة السلطات تمكن من العثور على الرائد تانيغوتشي الذي أصبح بائع كتب، وأقنعه بالذهاب معه إلى جزيرة لوبانغ.
وكان مشهدا مؤثرا للغاية عندما التقى القائد مع جنديه الشجاع الذي التزم بأوامره طيلة 30 عاما.
تأثر الرجلان بشدة وانحنى كل منهما للآخر .. وفتح القائد السابق الذي ارتدى لهذه المناسبة، زيّه العسكري وثيقة وقرأ محتواها على الجندي أونودا قائلا «هذه الحرب قد انتهت، أعطيك الأوامر بوقف القتال».
أصيب أونودا بالذهول «أهذا صحيح، هل خسرنا الحرب حقا؟ كيف ظللت أقاتل لمدة 30 سنة من أجل لا شيء «
بعد ذلك انحنى المقاتل الشجاع وأفرغ بندقيته من الطلقات ووضع أغراضه على الأرض معلنا أخيرا استسلامه بعد 30 سنة أمضاها مقاتلا من أجل وطنه الذي استسلم قبله بثلاثة عقود كاملة!!
كم شخص منا يشبه أونودا .. كم شخص منا أهدر حياته يحارب في الميدان الخطأ ضد أعداء وهميين اخترعهم في رأسه .
قصة الجندي الياباني ملهمة بقسوة لمئات الأشخاص الذين ظلوا لسنوات أسرى لخدعة كبرى موجودة في رؤوسهم وحدهم مؤمنين بفكرة بالية سيطرت عليهم أنهم وحدهم من يمتلكون الكفاءة والموهبة والقدرة على انجاز أي عمل وتحقيق النجاح في أي مجال.
عاشوا حياتهم وهم مستسلمين لفكرة ـن الكون بأسره يحاربهم ويضطهدهم .. بداية من طابور الحاقدين والحاسدين الذين لاوجود لهم إلا في رؤوسهم المريضة ، مرورًا بالظروف الاجتماعية القاسية وسوء الحظ وغياب العدالة.
ويتناسون أن هناك مئات النماذج الناجحة الذين حاربوا كل الظروف وتغلبوا على كافة المعوقات حتى وصلوا إلى أبعد مكان على قمة سلم النجاح.
لا تخترع حروبًا وهمية ولا تقاتل طواحين الهواء ولاتهدر عمرك مستسلمًا لفكرة مجنونة .
قاتل في الميدان الصحيح وحارب الظروف الصعبة والعراقيل التي تعترض حلمك ولا تستسلم لأي مشاعر سلبية تقلل من عزيمتك ، وستنتصر في النهاية ولن تصبح أبدا نسخة جديدة من أونودا.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة