د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

د. محمد أبوالفضل بدران يكتب: آن لوسطية الأزهر أن تسود العالم

د.محمد أبوالفضل بدران

الخميس، 11 أبريل 2024 - 06:24 م

رأينا كيف تهاوى أصحاب هذا الفكر المتشدد وراحت فتاواهم التى خالفت فتاوى الأزهر التسامحية وقبول الآخر، هوت فتاواهم وكأنّ سَيْلا أتى على كوم ملح فلم يذر منه شيئا

جَرَّبَ العالم اتجاهاتٍ وجماعاتٍ دينية متشددة نمَتْ فى ظل الأديان السماوية وغير السماوية وساد فى بلدان كثيرة منها المتشدّد الذى أحلَّ قتْل النفس البريئة حتى لو كان هذا الشخص من ديانته لآنه مختلف معه فكريا فى مسائل صغيرة لا تستوجب الخلاف، وجرّب  العالمُ حركات تحارب الأديان وتحاول القضاء عليها لأنها رأت أن اللادين أفضل، وقد رأينا العجب العجاب من هؤلاء وأولئك فحروب تبيد شعوبا باسم الدين، ورأينا من يقتل المصلين وهم يصلّون صلاة الجمعة والقاتل يكبّر وهو يقتل المقتولين الذين يكبّرون الله أيضا وفى خضم شطط هؤلاء وأولئك يأتى دور الأزهر الوسطى الذى يفهم دوره فى نشر الوسطية الدينية دون تكلّف ودون لَيّ النصوص الدينية لتنتج هوى القتلة وتبرر أفعالهم الشنيعة، اتخذ الأزهر نهج التعاون مع أصحاب الأديان السماوية وغيرها من أجل صالح الإنسانية ومن منطلق «لكم دينكم ولى دين» ومن يقرأ وثائق الأزهر والفاتيكان ولاسيما وثيقة الأُخوّة الإنسانية ووثيقة حقوق المرأة ير الفهم الصحيح للتعايش الإنسانى والتسامح فى أجَلِّ صُوَره وكيف جَدّد الخطاب الدعوى ليجعل قلب الإنسان قابلا  كلَّ صورة دون أن يمس ركائز دينه؛ بدا الإنسان متعايشا مع أخيه الإنسان الذى يقاسمه هذا الكوكب ويتجاور معه، جابهَ الأزهرُ صولات وجولات ومؤامرات لتحويله إلى التشدد والتكفير، رفض هذا علانيةَ، أخذوا منه بعض أساتذته وعلمائه ليعيدوا تشكيلهم فى بلدان أخرى وفق التشديد والتفجير والتكفير وها نحن رأينا كيف تهاوى أصحاب هذا الفكر المتشدد وراحت فتاواهم التى خالفت فتاوى الأزهر التسامحية وقبول الآخر، هوت فتاواهم وكأنّ سَيْلا أتى على كوم ملح فلم يذر منه شيئا، أين فتاوى تحريم قيادة النساء للسيارات؟ وأين فتاوى قتل غير المسلم المسالم؟ بل أين فتاوى قتْل المُتَمَتْرِس بهم والتى راح ضحيتها مئات الأبرياء؟ أين فتاوى تحريم الموسيقى والفلسفة وغير ذلك؟، لقد انقلبت هذه الفتاوى على ألسنة مُفتيها ليبيح ما حرمه بالأمس دور حمرة الخجل، فما كان عندهم حراما بواحا البارحة صار حلالا سائغا شرابه اليوم وعادوا لفتاوى الأزهر يستقونها فى فتاواهم الجديدة. هل أطلب من الأزهر وهيئة كبار العلماء والمفتى أن يُغربلوا الفتاوى التى اتخذها المُكَفِّرون والمفجّرون وقاتلو غيرِهم دون وجه حق حتى يوضّحوا للأجيال القادمة رأْى الدين الحق فيها وبيان أسانيد واضعيها ومُعتنِقيها الواهية واستنباطاتهم العمياء وبهذا يُسدِى للأمة وللعالم هديةً تنقذ شبابا رأى فيها الصواب فانساق وراءها وربما فقدَ حياته وقتَل أبرياء مَوْؤُودِين دونما جريرة ارتكبوها ، فأنقِذوا العالم ولْتكنْ هناك وثيقة بين الأديان لغربلة ما صدر عن مُتشدِّديها دونما وجه حق ولْيعتذر الجميع عن هذى الفتاوى المحرّضة على القتل ولْيتنصلْ زعماء الأديان منها؛ فمازال صوت الأزهر مسموعا فى مصر وخارجها وهذا دور الأزهر المنشود ولا سيما فى هذا الزمان.

◄ الأزهر قوة ناعمة مؤثرة
مَنْ يساقر خارج مصر يعرف قدْر الأزهر ودوره الدعوى فى العالم، ويشاهد تأثير خريجي الأزهر فى نشر الإسلام الوسطى فى العالم والتفاف الناس حولهم ولذا فإن المبعوثين للأزهر من خارج مصر هم أَوْلى الناس بالرعاية والإنفاق وعلى العالَم أن ينتبه لرعاية هؤلاء ماديا لأن الأزهر يعولهم فكريا وماديا وهو عبء ثقيل على ميزانيته لأنهم ألوف مؤلّفة وبعضهم مُبتَعث على نفقته الخاصة أو دولته لكنّ معظمهم على نفقة الأزهر وهم أحقُّ الناس بالزكاة فهم فى سبيل العلم متغرّبون عن ذويهم وأهليهم فحبذا لو اتجهت زكوات رجال الأعمال المصريين والعرب للإنفاق على المبعوثين للأزهر وليتنا خصصنا جزءا من معونات الدول لهم لأنهم صوت التسامح دون تفريط فى الأسس الثابتة وهم صوت الدعوة التى يجب أن تنتشر فى العالم أجمع لتقى العالم من غُلاة التشدد ودعاة التفكير وحماة التفجير، فكم من الجرائم ارتُكبت باسم الأديان وهى منها براء. حبذا لو ازداد عدد المبعوثين للأزهر وليتنا خصصنا لهم جزءا من مِنَح الدول وبعثاتها فهم الذين سينشرون الوسطية والاعتدال وقد جرّب العالم غير ذلك واكتوى كثيرا.   

◄ سوء الفهم يؤدى للتأويل القاتل
معظم الحركات الدينية المتشددة المكفّرة والمفجِّرة قامت على قراءة خاطئة لنص دينى ولم تجد من يصحّح لها مفاهيمها المغلوطة فآمنت بتفسيرها الشاذ وتركت ما أجمعتْ عليه الأمة، وجَدت فى هذا التأويل ما يروى عطشها للدماء وتفتيت الشعوب فاتخذته شعارا نظريا وعمليا لها، وما يلفت النظر أن أصحاب الفهم السقيم لا يعرفون قواعد اللغة ولا آليات التفسير وأركان التأويل ولا يؤمنون بالرأى الآخر ومَن خالفهم فهو عدو وجَب قتله، وهذا ليس فى بيئات بعض المسلمين فقط بل فى سائر بعض أتباع الأديان السماوية الأخرى وغيرها لأن الفهم الصحيح لغاية الأديان يقود إلى عبادة الله وسعادة البشر فلم تأت الأديان لزرع العداوة والبغضاء بل لنشر العدل والمساواة عبر المؤاخاة والتكافل والتسامح.. لدينا فى العالم أجمع قصص دامية قامت بسبب فَهْم سقيم وتأويل عقيم واستمرت تحصد من الأبرياء حتى امتلأ جوف أصحاب الأجندات الماكرة وباعة الأسلحة بدماء الأبرياء، فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. 

◄ إلى الدكتور أحمد الطيب    
يا فضيلة الإمام الأكبر حان الاعتراف بدور الأزهر ووسطيته التى حمت الأمة والعالم على مدى العصور ولا تأبه بمن يود تقزيم دور الأزهر من الحركات المُسْتَدْيِنة التى هاجمت الأزهر منذ وجوده وكانوا كما قال الشاعر:
كناطحٍ صخرةَ يوما ليوهنها

فلم يضرْها وأَوْهَى قرنَه الوعلُ

والوعل هو تيس الجبل من المعز الجبلية له قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين، والشاعر هنا يقول إن هذا الوعل قد نطح صخرة ليكسرها وأعاد النطح فلم يستطع بداهةً تكسيرها وكسَّر قَرنيْه، هكذا كان حال من أرادوا بالأزهر شرا، الأزهر ليس مقدسا ولا رجاله من المعصومين ولا يدَّعون ذلك وهو فى حوْجٍ إلى تطوير وليس إلى هدم، فانقدوا الأزهر بغية إصلاح وليس تحطيما، يا فضيلة الإمام لقد تهاوت الحركات المتشددة من حولنا فطهّر البيت الأزهرى من هؤلاء الذين تأثروا بما اندثر الآن وجادلهم بالتى هى أحسن وحاورْهم عسى أن يرجعوا فقد انتهى الدعم المالى الخارجى ولم تعد قنواتهم قادرة على بث سمومهم نحو الدول والمجتمعات والأزهر، وإذا انتهى وصول الدولار فالرؤوس ستندار؛ حاورهم عسى أن يعرفوا للناس حقا وللفتاوى حدودا ولاحترام مؤسسات الدول واحترام أرواح البشر وملكية الناس وحرياتهم قدسية لا تقل حرمة عن حرمة الكعبة المقدسة. لقد فرحنا بعودة رواق الأزهر ودوره فى إيصال الدين للناس بالفهم الصحيح والدعوة بالتى هى أحسن؛ يا مولانا هذا قدرك وهذا دورك وسيعينك الله عليه.

◄ مبادرة الأشهُر الحُرُم
متى نُحيى مبادرة الأشهر الحرُم التى كانت فى الجاهلية إذ تتوقف سيوف القتال فيها وتنام الرماح وينعم الناس جميعا فيها بالسلام فإذا قابلت عدوك فيها فلا تقتله لأن القتال فيها مُحَرّم، فهل تتقدم إحدى الدول بهذه المبادرة وتعرضها على الأمم المتحدة لتتحول إلى اتفاقية  توقِّع عليها جميع الدول ليغدو تطبيقها ملزما  ومن يبادرْ فيها بحربٍ يجابَه بالفصل السابع  من ميثاق الأمم المتحدة الذى يوفر الإطار الذى يجوز فيه لمجلس الأمن الإنفاذ. ويسمح للمجلس أن يقرر «ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان» وأن يقدم توصيات أو يلجأ إلى القيام بعمل غير عسكرى أو عسكرى «لحفظ السلم والأمن الدوليين». ومن يرتكب فيها حربا يخاصمه العالم وتقاطعه جميع الدول. لقد تقلصت أمنياتنا فى هذا العصر الوحشى إلى درجة أننا نتمنى أن يُطَبّق ما كان فى الجاهلية من تحريم القتال فى أربعة أشهر  ذو القعدة، وذو الحجة، والمُحرَّم، ورجب .فلْنبدأ بتحريم القتال فى شهر واحد على الأقل ولْيكن شهر يناير الذى وُلد فيه رسول السلام عليه السلام.

◄ لا تقطعوا شجرة
هكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يوصى جيوشه، فالشجر هو المنفعة والظل والخضرة والجمال... فلماذا نقطع الأشجار تحت حجج واهية، الشجرة يحتاج نموّها سنوات ولدينا فى القرى أشجار زُرعت قبل مئات السنين، وتحولت إلى مَعلم من معالم الأمكنة وصار السَّمر تحتها ركنا رئيسا من حكايا الأمكنة والناس.. إذا لم تزرعوا شجرا  فاتركوا ما زرعه الأجداد من صدقة جارية وكفُّوا أيديكم ومناشيركم الحادة عن قطع الأشجار فنحن البشر والطير والجو نحتاج إليها يرحمكم الله.

فى النهايات تتجلى البدايات
قال أبوالعلاء المعري:
«مَن كان يَطلبُ مِن أيّامِهِ عَجبًا 
فلى ثمانونَ عامًا لا أرى عَجبا 
الناسُ كالناسِ والأيامُ واحدةٌ 
والدّهرُ كالدّهرِ والدنيا لمَن غَلَبا

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة