صورة موضوعية
صورة موضوعية


«القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي بـ«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي

آخر ساعة

السبت، 01 يونيو 2024 - 02:16 ص

■ إشراف: حسن حافظ

جاء فوز رواية «قناع بلون السماء» للأديب الفلسطيني باسم خندقجي، الأسير في السجون الإسرائيلية منذ 20 عاما، ليعيد الحديث عن الرواية الفلسطينية المسكونة بقضايا الدفاع عن الأرض، فى وقت تتعرض غزة لهجمة وحشية من جيش الاحتلال الصهيوني، ومن هنا أهمية استعادة دور فن الرواية الذى نجح فى حفر قضية الشعب الفلسطيني في الوجدان، وسلط الأضواء على حق الشعب المحتلة أرضه على منابر عربية ودولية، فتحولت الرواية الفلسطينية لمدفع يضرب سور الكذب الإسرائيلى ويكسر جدار العزل الدولى المضروب حول الحق الفلسطيني.

◄ الرواية الفلسطينية بدأت بخطوات متثاقلة حتى منعطف 1948

◄ كنفانى وحبيب وجبرا الآباء المؤسسون لرواية ما بعد النكبة

◄ نصر الله يؤرخ للقضية عبر سلسلة «الملهاة الفلسطينية» الروائية

عبر عقود طويلة من المعاناة والظلم أصبحت الرواية هى صوت المبدع الفلسطيني في الدفاع عن حق شعبه فى الحياة، تحولت الرواية الفلسطينية إلى ديوان الشعب داخل الأراضى المحتلة ورصد معاناته وجرائم جيش الاحتلال الصهيوني، وفى الخارج تحولت الرواية إلى ديوان الفلسطينيين فى الشتات، ترصد حيواتهم والحنين للعودة للوطن المحتل، كما تصدت الرواية الفلسطينية لعملية التزوير الكبرى والسرقة العلنية لتاريخ فلسطين وأرضها وتراثها على يد عصابات الصهيونية التى تحاول مسح فلسطين كشعب وأرض وتاريخ، لكن الرواية الفلسطينية ثبتت الحق وأعادت الأمور إلى وضعها الطبيعي، بجوار الشعر الذى مارس دوره الريادى هنا بشعراء بحجم محمود درويش وسميح القاسم.

◄ البدايات
بدايات الرواية الفلسطينية جاءت متأثرة بميلاد هذا الفن فى مصر بداية القرن العشرين، إذ تعد رواية «الوارث» 1920 لخليل بيدس، أول رواية فلسطينية كتبها فلسطينى وصدرت فى مطابع مدينة القدس، اللافت هنا أن أحداث الرواية تدور فى مصر لبطل سورى رغم أن الكاتب فلسطيني، لكنه يلمح إلى مكائد اليهود إذ يجعلهم الطرف الشرير فى الرواية الذى يسعى لإفساد البطل، وهنا نلاحظ هيمنة الأجواء المصرية على الرواية التى تمضى على نفس نمط المسرحيات التى كانت تقدم على مسارح القاهرة وتدور حول أجواء اجتماعية عن كيفية مواجهة مفاسد المجتمع الحديث، ويرصد الناقد الفلسطينى فاروق وادي، فى كتابه «ثلاث علامات فى الرواية الفلسطينية» العديد من أسماء الروايات الفلسطينية التى ظهرت فى عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وفيها يغلب مناقشة القضايا الاجتماعية مع الاهتمام المبكر لدى بعض الكتاب بالصراع مع الصهيونية الذى بدأ يفرض نفسه على المشهد وقتذاك.

من أشهر روايات تلك الفترة رواية «الملاك والسمسار» أو «سماسرة الأرض» 1934، لمحمد عزة دروزة، والتى ترصد الوسائل التى لجأت إليها الصهيونية لتوريط بعض الفلسطينيين فى بيع أراضيهم للمنظمات الصهيونية، وذلك من خلال قصة فلاح فلسطينى وقع فى براثن سمسار يهودى ورطه فى علاقة مع امرأة أغرته بإنفاق ما يملك حتى أفلس، فدفعته الحاجة إلى الاستدانة من السمسار اليهودي، الذى أجبره فى النهاية على بيع أرضه، ورغم ذلك ظل المنتج الروائى الفلسطينى قبيل لحظة 1948، ضعيفا ومحدودا ولا يعبر عن حجم الصراع الذى تشهده أرض فلسطين من مقاومة ومحاولة احتلال، ربما يكون الاستثناء لرواية «مذكرات رواية» 1943، لإسحق موسى الحسيني، والتى نشرت فى القاهرة بمقدمة كتبها الدكتور طه حسين بذاته.

◄ نقطة التحول
يشكل حدث النكبة 1948 وميلاد الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية العربية المحتلة نقطة تحول فى مسار الرواية الفلسطينية، فقبل هذا الحادث المأساوى لم يكن الإنتاج الروائى فى فلسطين على مستوى الحدث، وهو ما يقوله صراحة فاروق وادي: «إن مقارنة الإنتاج الروائى الفلسطينى قبل سنة 1948 بالأشكال الأدبية الأخرى، الأكثر قدرة على الاستجابة لحرارة الأحداث، تعطى صورة إجمالية شديدة التواضع لحجم ومستوى هذا الإنتاج، ففى حين اقتربت حركة الشعر الفلسطينى فى تلك المرحلة من حركة التاريخ... فإن الرواية ظلت عاجزة عن اكتساب حضورها كفنٍ متميز له خصوصيته ودوره ومعناه».

مع استيعاب صدمة النكبة وميلاد الكيان الصهيونى بدأت الرواية الفلسطينية فى التشكل والميلاد بشكل ناضج ومؤثر على يد غسان كنفاني، الذى وضع أسس الرواية الفلسطينية الناضجة المشغولة بقضية الاحتلال والشتات والمقاومة، فقدم رائعته «رجال فى الشمس» 1963، والتى تناول فيها أثر النكبة الكارثى على الشعب الفلسطينى المشتت، عبر تقديم شخصية اللاجئ، ثم قدم رائعته «ما تبقى لكم» 1966، والتى قدم فيها شخصية الفدائى الفلسطيني، ثم «عائد إلى حيفا» 1969، التى قدم فيها شخصية الثائر الفلسطينى والوعى الذى تكون بعد النكبة، وبمنجزه الروائى رسخ كنفانى اسم «كعلامة هامة من علامات الرواية الفلسطينية» بحسب فاروق وادي.

وفى نفس الفترة ظهر اسم روائى كبير فى سماء الرواية الفلسطينية، هو إميل حبيبي، الذى أصدر رواية «سداسية الأيام الستة» 1968، وترجع أهميتها فضلا عن أسلوبها الفنى الرفيع إلى أنها جاءت بعد هزيمة 1967، كما أنها «العمل القصصى الوحيد الذى وصل إلينا من الأرض المحتلة منذ عام 1948، وقد لاقت ترحيبا شديدا من النقاد العرب، وثار جدل حول شكلها الفني، هل هى قصة واحدة أو مجموعة قصص؟»، بحسب ما يقول دكتور صالح أبو إصبع فى كتابه «فلسطين فى الرواية العربية، وهو يرصد الإيقاع المشترك للعمل بطرح مشكلة الإنسان المقيم فى أرضه قبل عام 1948، والمرتبط بشعبه المشرد منذ هذا العام، وتصور ذلك الإحساس المعتم والشعور الحاد بآلام الفرقة واللقاء.

وترسخ وجود حبيبى بروايته الأشهر «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل» 1974، والتى كرست إميل حبيبى كأحد أبرز كتاب الرواية الفلسطينية وروايته كأحد العلامات المميزة فى تطور الفن القصصى الفلسطيني، إذ تميزت هذه الكوميديا السوداء بجدة الشكل وجدية المضمون، كما يذهب فاروق وادي، وحققت شكلا متفردا فى الرواية الفلسطينية وأسلوبا جديدا فيها يعتمد على السخرية الدالة، وقد اعتبرت هذه الرواية من أهم الإنجازات الروائية العربية خلال السبعينيات، وإضافة نوعية إلى الأدب الروائى العربى الساخر.

◄ الاسم الثالث
ثم جاء الاسم الثالث فى آباء الرواية الفلسطينية، جبرا إبراهيم جبرا، الذى عرف على المستوى العربى بروايته «السفينة» 1970، ثم صدور الترجمة العربية لروايته «صيادون فى شارع ضيق» 1974، وصولا إلى أهم أعماله الروائية «البحث عن وليد مسعود» 1978، التى يقدم فيها حيرة المواطن الفلسطينى وسط أزمات تحاصره من كل الاتجاهات، وبهذه الأعمال حفر جبرا لنفسه مكانة أساسية ضمن آباء الرواية الفلسطينية مع كنفانى وحبيبي، ويقول فاروق وادى عنه: «إن أعمال جبرا الروائية تشير إلى اسم يشكل علامة أخرى من علامات الرواية الفلسطينية، يطرح رؤياه من موقعه الطبقى والإيديولوجي، وهى رؤية برجوازية فى النهاية، يقدمها فنان فلسطينى قادر، جدير بموقعه إلى جانب غسان كنفانى وإميل حبيبى رغم اختلاف المنطلقات الإيديولوجية».

بعد ثبات صورة الرواية الفلسطينية المكرسة للقضية بكل جوانبها من حيث فقدان الأرض والشتات وأزمة الهوية والمقاومة، على يد كنفانى وحبيبى وجبرا، انفجر الإبداع الفلسطينى وظهرت أجيال من الروائيين والروائيات الذين كتبوا العديد من الروايات المهمة التى تناولت طيفا واسعا من قضايا الشعب الفلسطيني، كما نجد فى أعمال الروائية سحر خليفة التى نشرت روايتها الأولى «لم نعد جوارى لكم» 1974، ثم روايتها التى لفتت الأنظار «الصبار» 1976، والتى تناقش حياة الفلسطينيين فى ظل الاحتلال الصهيوني، لتتوالى بعد ذلك روايتها التى رسخت اسمها فى ميدان كتابة الرواية الفلسطينية المعنية بالقضية من جوانبها المختلفة، ثم نجد العديد من أسماء الروائيين الفلسطينيين أمثال ربعى المدهون (حصل على البوكر العربية 2016)، راضى شحادة، ونبيل خوري، ورشاد أبو شاور، وفاروق وادي، وغسان زقطان، وليلى الأطرش، وديمة جمعة السمان، وأسامة العيسة، وعدنية شبلي، وحزامة حبايب، ومن الأجيال الشابة ميس داغر وباسم خندقجي.

◄ مشروع نصر الله
فى العقود الأخيرة برز بشدة اسم الروائي إبراهيم نصر الله، والذى بدأ فى عام 1985، مشروعه الروائى لتأمل القضية الفلسطينية على مدى زمنى يستغرق 250 عاما، ورغم أن المشروع الممتد حتى الآن يحمل عنوانا بارزا هو «الملهاة الفلسطينية»، إلا أن روايات هذا المشروع تتميز بأن كل واحدة منها لها أجواء وبناء وشخوص مختلفة، أى أن هذه الروايات يمكن أن تقرأ منفصلة عن بعضها البعض، وصدر عن هذا المشروع 13 راوية، كما يعمل نصر الله على مشروع روائى موازٍ، هو مشروع «الشرفات» الذى يغوص من خلال رواياته فى المجتمع العربى وطبيعة مأزقه وأزماته، وتعتبر رواية «حرب الكلب الثانية» الأشهر فى هذه السلسلة خاصة أنها حصدت جائزة البوكر العربية 2018، ويعد نصر الله حاليا عميد كتاب الرواية الفلسطينية فى العالم العربي، إذ لا تزال القضية الفلسطينية قادرة على إخراج أجيال من المبدعين الذين يجاهدون بالورقة والقلم ويسجلون معاناة الشعب وأبطال المقاومة وجرائم الاحتلال.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة