صوفيا مارتينيز
صوفيا مارتينيز


عرافة تسيطر عـلى مدينة بأكملها فى فرنسا

أخبار الحوادث

الأحد، 09 يونيو 2024 - 12:30 م

مى‭ ‬السيد

على مدار 4 سنوات، تحول رئيس مدينة ساحلية شهيرة فى فرنسا إلى دمية فى يد عرافة أو ساحرة أو مخادعة، كما أطلقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة، وخلال تلك الفترة، أنفق العمدة مئات الآلاف من اليوروهات من أجل تنفيذ طلباتها، بل وصل الأمر إلى قيامه بالاختلاس حتى يتمكن من نيل رضاها بعدما وصل به الأمر إلى أن اعتبرها رئيسة الملائكة وقادرة على فعل أشياء خارقة للطبيعة.

رغم الكشف عن تفاصيل القضية منذ 3 أشهر تقريبا، إلا أن الزخم حولها لم يكن بهذا الحجم فى الشارع الفرنسى، ولم تكن تحظى بتلك التغطية الإعلامية المكثفة على مدار تلك الأسابيع، لولا الاعترافات المثيرة التى أدلى بها المخدوع الذى كان يحتفظ بمنصبه الرفيع منذ 20 عامًا بسبب الثقة التى يحظى بها بين مواطنى المدينة السياحية، وهى الفرصة التى انتهزتها المعارضة وانهالت عليه بكيل من الاتهامات حتى تمكنت من تحقيق أغراضها وتمكنت من إقصائه تماما من المشهد، على وقع المثل المصرى القائل "تكثر السكاكين حول الذبيحة عندما يسقط أرضا".

منذ أيام كانت الاستقالة التى تقدم بها جيل ديتور عمدة مدينة آجدي، بطل الواقعة، هى أحدث تطور لتلك القضية التى وصفتها المعارضة بأنها لم تجعل المدينة فقط أضحوكة، بل جعلت فرنسا كلها أضحوكة أمام العالم، وذلك بسبب التغطية الإعلامية العالمية التى حظيت بها تفاصيل القضية المثيرة.

بلاغ الزوجة

كان الخيط الأول للقضية، بحسب صحيفة "ميديليبر الفرنسية"، بدأ ببلاغ تقدمت به زوجة العمدة المستشارة جيرالدين ديتورى والتى تعمل مستشارة إقليمية، وانفصل عنها زوجها منذ فترة، حيث نددت خلال البلاغ بالنفوذ الذى اكتسبته وسيطة روحية تدعى "صوفيا مارتينيز" على زوجها منذ عدة أشهر، حيث وصفت بأنها تتواصل معه بصورة كبيرة جدًا عبر الهاتف وبطريقة منتظمة.

فى آخر 10 أيام من شهر مارس الماضى، وفقا لصحيفة "لا ديباش الفرنسية"، فوجئ مجتمع المدينة الفرنسية، بقيام لواء الجرائم المالية فى مونبلييه بي جيه، بالقبض على ديتور البالغ من العمر 55 عامًا واحتجازه فى قسم الشرطة لمدة 48 ساعة، بأمر من القاضى، بعد أن وجهت له تهم الفساد السلبى والحصول على فوائد غير مشروعة بجانب اختلاس الأموال العامة.

كما تم القبض على الوسيطة الروحية، صوفيا مارتينيز، والتى تبلغ من العمل 44 عامًا، واحتجزت فى سجن "نيم" الفرنسى، واتهمت أيضا بالاختلاس والفساد، وألقى القبض على زوجها المدير الحالى للخدمات الفنية فى مجلس مدينة آجدى، وبعد 48 ساعة أصدر القاضى قراراته المفاجئة.

أمر القاضى، بحبس نائب البرلمان الفرنسى السابق ورئيس المدينة، ونفس الأمر بالنسبة للعرافة أو رئيسة الملائكة كما لقبها رئيس المدينة، إلا أنه أخلي سبيل زوجها، ومنعه من ممارسة وظيفته ومن الاتصال بكل الأطراف الفاعلة فى القضية، وأصبح الاتهام الرئيسى هو اختلاس ديتور أموال عامة لصالح العرافة.

متهمون جدد

وفى تطور جديد فى القضية، تم توجيه الاتهام إلى ثلاثة أشخاص جدد، وهو مطور عقارى واثنين من أقارب الوسيطة الروحية، فى القضية، بما فى ذلك ابنتها، وفق النيابة، واتهم المطور العقارى، البالغ من العمر 63 عامًا، بتهمة إساءة استخدام أصول الشركة وخيانة الأمانة على حساب شركاته والفساد النشط مع عمدة مدينة آجى".

كما تم توجيه الاتهام إلى شخصين آخرين فى هذه القضية، بتهمة خيانة الأمانة والتزوير واستخدام التزوير، وهما بحسب المدير العام  من المديرين التنفيذيين الإقليميين لمجموعة بناء شهيرة يشتبه فى تورطهما فى التمويل السرى للعمل الذى تقوم به الوسيطة فى المنزل، كما اتهمت أيضا ابنة العرافة، البالغة من العمر 20 عامًا بجانب صديقة مقربة منها، تبلغ من العمر 42 عاما، بالتستر والاستيلاء غير القانونى على الفوائد، حيث تم توظيفها لعدة أشهر فى مجلس المدينة لعدة أشهر على التوالى بموجب عقد تدريب مهنى، واستولت على الأموال المخصصة من حاجز رسوم قرية سياحية فى البلدية ووضعا تحت المراقبة القضائية.

حيل مرعبة

أيضًا كشفت التحقيقات أن صوفيا كانت تتصل برئيس المدينة عشر مرات على الأقل فى اليوم، وفى كل مرة تتصل فيها، بحسب فرانس بلو الفرنسية، كان يرد عليها بنفسه، إلا أن صوتها كان مختلفًا فى كل مرة، وهى المفاجأة التى فجرتها التحقيقات بأنها استخدمت مهاراتها فى التحدث من بطنها لإقناع رئيس البلدية بدفع أموال لها، أو مساعدتها فى أمور تنتهى فى النهاية بدفع أموال.

تظاهرت صوفيا الساحرة، بأنها رئيسة الملائكة، واستخدمت من أجل ذلك حيلتها للتكلم من البطن والتنويم المغناطيسى والوساطة الروحية المزعومة، من أجل إقناع رئيس المدينة أنها يمكن أن تتصل بوالده العمدة الراحل، وعندما طلب منها القيام بذلك، فوجئ بصوت أجش يخرج من العدم، دون أن تحرك شفتيها، وهو ما صدقه رئيس البلدية ووقع فى شباكها.

اعترافات صادمة

أوضح المدعى العام فى بيزييه، رافاييل بالاند؛ أن العرافة من خلال استخدام هذا الصوت، الذى وصفه بالرجولى الهادئ والأجش على الهاتف، تمكنت من جعلهم يعتقدون أنهم كانوا فى محادثة مع كائن خارق للطبيعة من وراء البحار، وذلك ما شجع رئيس البلدية بشكل أساسى على الاهتمام برفاهيتها بما فى ذلك ماديًا.

وأشار المدعى العام إلى أنها خلال التحقيقات أبدت ندمها على تصرفاتها وأنها دخلت فى دوامة لم تعد قادرة على الهروب منها، مؤكدًا أنها أيضا متهمة بالإعلان عن نشاط سمح لها فيما بعد بتكوين قاعدة عملاء كبيرة من خلال شهرتها اكتسبتها بسبب هذه الطريقة، ولفتت أن عمدة المدينة اختلس الأموال العامة لتقديم سخاء كبير لهذه العرافة المخادعة.

وبالتالى يعد ديتورى قد ارتكب جريمة الاستيلاء غير القانونى على الأموال العامة من خلال تجنيد الأشخاص والذى قام بتوظيفهم فى البلدية، مشيرًا إلى أنه اعترف أثناء احتجازه أنه كان مقتنعًا بوجود الصوت وأن العرافة التى اعتبرها ابنته تتمتع بقوى خارقة، وأشار خلال اعترافاته بأنه لم يدرك أنه تعرض للاحتيال إلا عندما أظهر له المحققون مقطع فيديو للمرأة وهى تغير صوتها.

مخلوق خارق

وتعتبر مسألة التحدث من البطن أو التحدث دون تحريك الشفاه هى مسألة مركزية فى القضية، حيث تظاهرات صوفيا بأنها مخلوق خارق للطبيعة من أجل إقناع الشخص المختار باتخاذ القرارات لصالحها، مشيرين إلى أن ذلك الأمر هو أصل الجرائم الجنائية للعرافة ولهذا السبب تم توجيه الاتهامات إليها.

ويعد التكلم من البطن، كما يشير الباحثون فى حديثهم لوسائل الإعلام الفرنسية أنه لا يعد ممارسة علاجية أو روحانية أو معتقد دينى، كما أنه لا يعتمد على قدرة غير عادية، ولكنه صاحبه يستغل خصائص معينة فى انتاج الكلام وأنظمة الإستماع، مشيرين إلى أنه يستبدل حركات الشفاه بإنقباضات اللسان أو الفم الرخو أو الحنجرة، مع إبقاء الفم مفتوحًا قليلًا، أو بدونه كما يقولون لا يمكنه الكلام.

ولفت الباحثون إلى أن الضغط الذى يمارس على الحبال الصوتية والمزمار الربانى يضغط على الرئتين بفضل عضلة الحجاب الحاجز، يجعل من الممكن إنتاج الأصوات دون تحريك الشفاه، أو حتى اللسان، وهو ما يطلق عليه التحدث من البطن، مشيرين إلى أن أدمغتنا تجعل أعيننا تعتقد أن الصوت يأتى من المكان الذى نتخيل أنه يأتى منه، وفى حالة رئيس البلدية أعتقد أن الأرواح هى التى تحدثه.

أين ذهبت الأموال؟

استغلت العرافة أو الساحرة صوفيا ما وصفته وسائل الإعلام بسذاجة رئيس البلدية، وجعلته ينفق أموالًا فى العديد من الأمور منها على سبيل المثال حفل زفافها الضخم الذى تم فى عقار فخم فى منطقة شهيرة تسمى هيرلوت، بحضور ديتورى نفسه، حيث تكلف حفل الزفاف ما يقرب من 80 ألف يورو.

كما اعترفت العرافة خلال التحقيقات بأنها استفادت من العديد من الخدمات من مختلف الأنواع، لاسيما تمكنها من تشغيل 5 أشخاص داخل البلدية والعديد من أفراد أسرتها أو المقربين منها بما فى ذلك زوجها، الذى قامت بتشغيله فى المدينة بصفته المدير الفنى بمجلس المدينة.

وذكر المدعي العام  أن رجل الأعمال، الذى وضع تحت المراقبة القضائية، مول من شركاته المطبخ المجهز لمنزل الوسيطة، وجزء من بوفيه حفل زفافها وتذاكر الطائرة إلى باريس، كل ذلك مقابل 17 ألف يورو، كما تلقت مبالغ مالية نقدية من رئيس البلدية، وهو الأمر الذى دفعه لاختلاس 300 ألف يورو من المال العام.

استقالة منتظرة

أمام ذلك لم يجد جيل ديتورى، سوى تقديم استقالته من مهامه كرئيس للبلدية ورئيس مجتمع ما يسمى بتجمع هيرولت-البحر الأبيض المتوسط، أمام تلك الاتهامات بالفساد، وبحسب لوفيجارو، تولى نائبه الأول، سيباستيان فراى، مسئولية الشؤون اليومية فى مجلس مدينة آجدى، وسيتعين على فريق البلدية انتخاب رئيس البلدية القادم، وهى الإستقالة التى لاقت ترحيبًا كبيرًا من قبل المعارضة خاصة تييرى نادال، الذى أكد أنه دعى لذلك منذ أسابيع، لافتًا إلى أنه لم نشهد خلال السنوات الأربع فقدانه لأعصابه، أو أظهر أى علامات جنون، وأكد زعيم المعارضة أن الجميع يشعرون بالقلق بعد تلك الأزمة الكبيرة والخيانة فى نفس الوقت لأنهم خدعوا لسنوات عديدة.

وحول المرشح للمنصب الجديد، أكد زعيم معارضة المدينة أنه سيتم الاجتماع فى أقرب وقت مع جميع المرشحين لاتخاذ الموقف المناسب، لافتًا إلى أنه يطالب باستقالة فريق المدينة بأكمله وهو الأمر الذى وصفه بالضرورى، حيث لابد من تنظيم الانتخابات المبكرة لاستعادة الثقة وطى صفحة الماضى.

خيبة أمل

"لذلك يمكننا أن نضحك قليلًا من كل ذلك إذا لم نكن نتحدث عن مدينة يبلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة مع أكثر من 1000 وكيل إقليمى، مدينة على حالها، فى عام 2024، والتى تبلغ ميزانيتها حوالى 120 مليون يورو قيد التشغيل و نحن نتحدث عن أشياء جدية على الرغم من ذلك ، لدينا انطباع بأن النائب الأول سيتخلى عن جيل ديتورى، لكنه لا يملك الشجاعة بعد ليطلب استقالته بوضوح.

من جانبه أكد محامى جيل ديتورى، جان مارك داريجاد؛ أن موكله يشعر الدفاع بخيبة أمل لأن قرارات النيابة تتضمن إبقاء رجل يبلغ من العمر 56 عاما فى السجن، ولم تتم إدانته مطلقا، وأب أسرة، وكان رئيس بلدية لمدة 23 عامًا، ورئيس منطقة حضرية، وأجاب على جميع الأسئلة التى تم طرحها خلال سبع جلسات استماع خلال فترة احتجاز مرهقة.

ولفت المحامى إلى أن العرافة صوفيا معروفة بقدرتها بين السكان على محادثة الموتى؛ ولذلك طلب منها العمدة ديتور أن تمكنه من التواصل مع أبيه المتوفى فنجحت في تلبية طلبه بصورة مخادعة، مشيرا إلى أنها عندما كانت تستحضر روح والد العمدة تغير صوتها فجأة وتحول إلى نبرة والده المتوفى.

اقرأ أيضا : مطاردة جماعة الإخوان فى فرنسا ودول أوروبية جعلها تغير بوصلتها تجاه إفريقيا وآسيا

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة