الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي


خواطر الشعراوي.. بكة ومكة

الأخبار

الخميس، 20 يونيو 2024 - 06:34 م

يستكمل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 96 من سورة آل عمران: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ» بقوله: لم تقلق هاجر لأن إبراهيم اتجه إلى ما أمره الله، وهذا هو الإيمان فى قمته، ولو لم يكن الإيمان على هذه الدرجة الرفيعة فأى قلب لأم تترك أب الطفل يذهب بعيدا عنها وتعيش مع ابنها فى هذا المكان الذى لا يوجد به طعام أو فيه ماء، فهى لا تؤمن بإبراهيم، ولكنها تؤمن برب إبراهيم وعندما تقرأ القرآن الكريم تجد القول الحق على لسان إبراهيم: «رَّبَّنَآ إنى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوى إِلَيْهِمْ وارزقهم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» «إبراهيم: 37».

هكذا نعرف أنه ساعة إسكان إبراهيم لذريته كان هناك بيت وأن هذا البيت محرم، وعندما نقرأ عن رفع البيت الحرام نجد أن إبراهيم عليه السلام لم يرفع قواعد البيت بمفرده بل شاركه ابنه إسماعيل عليه السلام. «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم» «البقرة: 127».

اقرأ أيضًا| الزواج الفندقى.. يأس من العلاقات الرحيمة ..العلماء: يفتقد الأركان والشروط ومخالف مقاصد الشريعة

هكذا نعلم أن إسماعيل عليه السلام كان قد نضج بصورة تسمح له أن يساعد والده خليل الرحمن فى إقامة قواعد البيت الحرام، وهذا يدلنا على أن إسماعيل نشأ طفلا فى هذا المكان عندما أسكنه والده إبراهيم عند البيت المحرم، هكذا نتيقن أن البيت المحرم كان موجودا من قبل إبراهيم عليه السلام، وعندما ندقق النظر فى معنى كلمة «بكة» التى وردت فى هذا القول الكريم: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا» فإننا نعرف أن هناك اسما لمكان البيت الحرام هو «بكة» وهناك اسم آخر هو مكة، وبعض العلماء يقول: إن «الميم» و«الباء» يتعاونان، ونلحظ ذلك فى الإنسان «الأخنف» أو المصاب بزكام، إنه ينطق «الميم» كأنها «باء». والميم و«الباء» حرفان قريبان فى النطق، والألفاظ منهما تأتى قريبة المعنى من بعضها.

ولننظر إلى اشتقاق «مكة» واشتقاق «بكة». إننا نقرأ «بكّ المكان» أى ازدحم المكان، وهكذا نعرف من قوله الحق: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا» أى أنه مكان الازدحام الذى يأتى إليه كل الناس وكل الوفود لتزور بيت الله الحرام، ولا أدل على ازدحام البيت الحرام من أن الرجال والنساء يختلط بعضهم ببعض، والإنسان يطوف بالبيت الحرام، ولا يدرى أنه يسير وقد يلمس امرأة أثناء الطواف.

و«بكة» هى المكان الذى فيه الطواف والكعبة، أى هى اسم مكان البيت الحرام، «ومكة» اسم البلد كلها الذى يوجد به البيت الحرام. و«مكة» مأخوذة من ماذا؟ إن «مكة» مأخوذة من «مك الفصيل الضرع» أو «امتك الفصيل الضرع»، أى امتص كل ما فيه من لبن، والفصيل كما نعرف هو صغير الإبل أو صغير البقر. وما دام الفصيل قد امتص كل ما فى الضرع من لبن فمعنى هذا أنه جائع، ومكة كما نعرف ليس فيها مياه، والناس تجهد وتبالغ فى أن تمتص المياه القليلة عندما تجدها فى مكة.

وفى كلمة «مباركا» نجد أنها مأخوذة من «الباء والراء والكاف» والمادة كلها تدور حول شيء اسمه الثبات، فهل هو الثبات الجامد، أم الثبات المعطى النامى الذى مهما أخذت منه فإنه ينمو أيضا؟ إننا فى حياتنا اليومية نقول: «إن هذا المال فيه بركة مهما صرفت منه فإنه لا ينتهى»، أى أنه ثابت لا يضيع، ويعطى ولا ينفد. وكلمة «بِرْكة» فى حياتنا تعنى أنها تَجَمعُ الماء تأخذ منها مهما تأخذ فيأتى إليها ماء آخر.

وكلمة «تبارك الله» تعنى «ثبت الحق» ولم يزل أزلا ولا يزال هو واحدًا أحدًا، إنه الثبوت المطلق. وهكذا نجد أن الثبات يأتى فى معنى البيت الحرام. إن البيت الحرام مبارك أبدا «كيف»؟ أليست تضاعف فيه الحسنة؟ وهل هناك بركة أحسن من هذه؟ وهل هناك بركة أفضل من أنه بيت تُجبى إليه ثمرات كل شىء ولا تنقطع؟ فقديما كان الذاهب إلى البيت الحرام يأخذ معه حتى الكفن، ويأخذ الإبرة والخيط، والملح، والآن فإن الزائر لبيت الله الحرام يذهب ليأتى بكماليات الحياة من هناك. ويقول سبحانه عن هذا البيت الحرام المبارك: إنه «هُدًى لِّلْعَالَمِينَ». ما هو الهدى؟ قلنا: إن الهدى هو الدلالة الموصلة للغاية، ومن يَزُرْ البيت الحرام يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فهل اهتدى للجنة أم لا؟ إنه يعرف بزيارة البيت الحرام الطريق إلى الجنة. وحينما ننظر إلى هذه المسألة نجد أن الحق سبحانه وتعالى عندما تكلم عن البيت لم يتكلم إلا عن آية واحدة فيه هى مقام إبراهيم مع أن فيه آيات كثيرة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة