مأمون الشناوي
مأمون الشناوي


حكايات| مأمون الشناوي .. الشاعر الذي أغضب أم كلثوم وقاطع العندليب!

أخبار النجوم

الخميس، 27 يونيو 2024 - 02:15 ص

ندى‭ ‬محسن

متفرد في كتاباته، لا يشبه أحدًا، كان يتعاطى مع الشعر وكأنه لوحة فنية يُجسدها على الورق بتفاصيلها وصورها الجمالية، مسيرة عطائه الفني تمتد إلى أكثر من 60 عامًا، ورغم تعدد السنوات الطويلة، إلا أن إبداعاته الشعرية لم تنضب وشملت أجيال عديدة، إنه الشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي، أحد أبرز الشعراء المصريين الذين أثروا المحتوى الشعري والموسيقي بالعديد من الأعمال الخالدة حتى يومنا، والذي نُخلد هذا الأسبوع الذكرى الـ30 لرحيله، حيث وُلد في 28 يناير عام 1914 بمدينة الإسكندرية، وتوفى في 27 يونيو عام 1994 عن عمر 80 عامًا، وتميز منذ صغره بحفظه للأشعار من القراءة الأولى، ونمت موهبته سريعًا بحكم نشأته في بيئة ثقافية.

كانت لنشأة مأمون الشناوي في عائلة مُولعة بحب القراءة والتطلع والثقافة أثرًا كبيرًا في تكوين ذائقته الشعرية والفنية، حيث امتلك والده الشيخ سيد الشناوي مكتبة كبيرة زاخرة بآلاف الأعمال والدواوين الشعرية إلى جانب موهبته في صياغة الشعر، والتي أورثها إلى أبناءه بالفطرة، وحرص على تنميتها بالتوجيه، كما أن لشقيقه الأكبر الصحفي والشاعر كامل الشناوي الفضل في إثقال موهبته ودعمها، حيث كان يهتم بقراءه جميع قصائده، وروى الشناوي في أحد لقاءاته الإذاعية كواليس رحلته مع عالم الشعر، والتي بدأ شغفه واهتمامه ينمو تجاهها منذ أن كان طالبًا بالصف الرابع الإبتدائي، وتحديدًا بعد قراءته لكتاب “الأجنحة المكسورة” للشاعر الكبير جبران خليل جبران، والذي غيَر مسار حياته - على حد تأكيده -، كما كان من أشد المُعجبين بالشاعر أحمد شوقي والمتنبي.

في ثلاثينيات القرن الماضي، بدأ مأمون رحلته الفنية كشاعر فُصحى، ونُشر له 12 قصيدة في مجلة “أبوللو”، وهو في مقتبل العشرينات من عمره، قبل أن ينخرط بعمله في العديد من الصحف والجرائد المصرية، بداية من انضمامه إلى مجلة “روزاليوسف”، ثم انتقل إلى مجلة “آخر ساعة”، وشارك في تأسيس “أخبار اليوم” مع مصطفى وعلي أمين، وعمل بها سكرتير تحرير قرابة 5 أعوام، ثم حرر بالإشتراك مع صلاح عبد الحميد مجلة “كلمة ونص” عام 1949، إلى أن صدر قرار بمنعه من الكتابة عام 1962 بعدما أُشيع عنه أنه يكتب ويصدر نكتًا عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذلك قبل أن يستأنف عمله الصحفي مرة أخرى من خلال انضمامه لجريدة “الجمهورية” التي حرر بها بابه الشهير “جراح القلوب”.

قبل بداية رحلته مع بلاط “صاحبة الجلالة”، اتجه مأمون لكتابة الأغنيات من أجل التعبير عن حبه ومشاعره تجاه “بنت الجيران” التي تزوجها فيما بعد، وأنجب منها 7 أبناء، حيث كان يكتب الشعر ليوجه لها رسائله عبر صوت صديقه المطرب محمد صادق الذي كان يُلحن الكلمات ويُغنيها عبر إحدى الإذاعات الأهلية المملوكة لوالدها، لينطلق بعدها في مسيرته الفنية التي امتدت إلى 60 عامًا من العطاء.

جاءت شهرة مأمون الواسعة بعد لقاءه بـ”موسيقار الأجيال”، محمد عبد الوهاب، الذي طلب رؤيته بعد إعجابه بالأغنيات التي كتبها للإذاعة من ألحان وغناء محمد صادق، وأسمعه موسيقى وطلب منه كتابة كلمات عليها، فكانت البداية مع أغنية “أنت وعزولي وزماني” عام 1941، التي حققت نجاحًا كبيرًا آنذاك، ثم توالت النجاحات فيما بينهما من خلال العديد من الأغنيات العاطفية، منها “ردي عليا” من فيلم “ممنوع الحب”، “انسى الدنيا” من فيلم “رصاصة في القلب”، و”آه منك يا جارحني”، “على بالي”، “قابلته”، “كل ده كان ليه”، “من قد إيه كنا هنا” وغيرها من الأعمال الغنائية البارزة التي ساهمت في تعزيز مكانة كل منهما كأحد أبرز رموز الأغنية العربية في فترة الخمسينيات والستينيات، حيث وصل حصيلة التعاون بينهما إلى 122 أغنية، وكان للتفاهم الفني والانسجام الإبداعي بينهما أثر كبير على نجاح هذا التعاون، إلى جانب العديد من الأغنيات التي لحنها عبد الوهاب لمطربين آخرين والتي ظهر من خلالها تأثره بالأبعاد الفكرية والفلسفية في شعر الشناوي، وانعكست على ألحانه.

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في بداية علاقة الثنائي مأمون وأم كلثوم، لكن لم تسير العلاقة بينهما على نحو يتخلله التفاهم والانسجام، بسبب تمسك كلا منهما بوجهة نظره، حيث كتب لها مأمون العديد من الأغنيات منها “حبيب العمر، الربيع، أول همسة، حكاية غرامي”، لكنها كانت تطلب بعض التعديلات والتغيير في الكلمات، وهو الأمر الذي كان يرفضه الشناوي وبشدة حيث كان يعتبر الأغنية مثل لوحة الرسام لا يستطيع أحد التعديل فيها، حتى أطلقت عليه لقب “مأموص” الشناوي، وعلى الفور كان يهم بعرض الأغنيات على المطرب الكبير فريد الأطرش الذي تحمس لتقديمهم، وحقق من خلالهم نجاح منقطع النظير، خاصة مع أغنية “الربيع” التي أحدثت نقلة نوعية في مشوار فريد الفني، وهذا النجاح الذي جعل أم كلثوم في حالة ندم على فقدانها تلك الأغنيات، لذا طلبت من الموسيقار بليغ حمدي أن يُنظم لها لقاء مع مأمون للإتفاق على أغنية جديدة.

اعترف مأمون أيضًا بندمه على إصراره على رأيه، وعدم رضوخه لبعض طلباتها، لذا لم يُسفر إنتاجهما الفني إلا عن 4 أغنيات من أجمل ما غنت أم كلثوم، بعد أن قرر أن يكون أكثر مرونة في التعاون معها، والبداية مع أغنية “أنساك” عام 1961، التي أبدت أم كلثوم إعجابها بها، لكنها توقفت عند المقطع الثاني الذى يقول “وأعمل في حبك إيه، وأعمل في روحي إيه”، وطلبت استبدالها بالقول “وأعمل في حبك إيه، وأقول لقلبي إيه”، ووافق مأمون على هذا التغيير البسيط، ثم وضع لها خصيصًا أغنية “كل ليلة وكل يوم.. أسهر لبكرة في انتظارك يا حبيبي”، وتضمنت مقطعًا يقول: “اكتبلي قول أنت فين لو تقدر، باستنى منك كلمتين مش أكتر”، وطلبت تغيير “إكتبلي”، فكتب لها مأمون بدلًا منها “ابعتلي”، ثم تعاونا في أغنية “بعيد عنك حياتي عذاب” عام 1965، وأغنية “ودارت الأيام” عام 1970.

شكل مأمون مع فريد الأطرش ثنائيًا مُميزًا، وجمعتهما علاقة فنية من نوع خاص، حيث كان مأمون يُحب صوته، بينهما كان فريد يُقدر كتاباته، وكان التعاون بينهما في البداية يتسم بالتجربة والتعلم المشترك، حيث كانا يبحثان عن أفضل الطرق للتكامل الفني، ومع مرور الوقت نضج هذا التعاون وأصبح أكثر إحكامًا وإنسجامًا فنيًا بين الكلمات والألحان، وركزا في بداية تعاونهما على الأغنيات ذات الطابع الرومانسي، ثم توسع النطاق تدريجيًا ليشمل مزيدًا من الأنماط والأساليب الموسيقية، ومن أشهر أعمالهما “حبيب العمر، بنادي عليك، أول همسة، الربيع، حكاية غرامي، خليها على الله، سافر مع السلامة، نجوم الليل، جميل جمال، يا قلبي يا مجروح، ماتقولش لحد، لحن حبي، طال غيابك، أنا كنت فاكرك ملاك، إنت اللي كنت بدور عليك، أنا واللي بحبه، تقول لا، سنة وسنتين، حفضل أحبك، ليه دايمًا معرفش، أنا وإنت والحب كفاية علينا، مقدرش أقول آه، الحب لحن جميل، بحبك إنت”.

كانت له تجربة فريدة أيضا مع “العندليب” عبد الحليم حافظ، قبل أن تنقطع العلاقة بينهما تمامًا بعد فيلم “يوم من عمري”، ولعل أبرز وأشهر أعمالهما سويًا أغنية “أنا لك على طول” ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، وتميز التعاون بينهما بالتجديد والتنوع، فلم يقتصر على نمط موسيقي واحد، بل امتد ليشمل الأغنيات العاطفية والوطنية والإجتماعية، ومن بين أعمالهما أغنيات “عشانك يا قمر، بيني وبينك إيه، صدفة، كفاية نورك، حلفني، نعم يا حبيبي نعم، في يوم من الأيام، حلو وكداب، خسارة خسارة، بعد إيه، أقول ماقولشي، لو كنت يوم أنساك، خايف مرة”.

وتعاون مأمون أيضًا مع العديد من الأصوات النسائية، وقدم لهن أهم الأعمال في مسيرتهن الفنية، من بينهن الفنانة أسمهان التي قدم لها أبرز أغنيات فيلمها “غرام وانتقام” وهما أغنيتي “أهوى” و”إمتى هتعرف”، كما كتب الشناوي واحدة من أشهر أغنيات الفنانة فايزة أحمد، وهي أغنية “تهجرني بحكاية”، وأيضا “بصراحة” ألحان محمد عبد الوهاب، كما تعاون مع الفنانة ليلى مراد في أغنية “ليه خلتني أحبك” ألحان كمال الطويل، وكتب “حبك حياتي” لنجاة الصغيرة.

ساهم مأمون في اكتشاف وتقديم العديد من الأصوات والمواهب سواء في مجالي الشعر أو التلحين، على رأسهم الموسيقار بليغ حمدي، الذي كتب له أول أغنية “خايف من الحب”، والتي قام بغناءها عبد الحليم حافظ، والموسيقار سيد مكاوي، والشاعر سيد مرسي، بالإضافة إلى تقديمه فتحي قورة إلى السينما، وكان سببًا في شهرة الشيخ الطبلاوي، إذ ألح عليه بضرورة تسجيل القرآن بصوته، كما إنه قدم المطرب حسن فؤاد، وأول مَن كتب لمحرم فؤاد، وقدم أيضًا عدد من الأصوات الشبابية آنذاك، من بينهم المطربة عزيزة جلال التي كان مقتنعًا بموهبتها، ورغم إعتراض شريكه المنتج عاطف منتصر عليها، إلا إنه أصر على الإنتاج لها، وحققت نجاحًا كبيرًا بأغنيتها “بتخاصمني حبة وتصالحني حبة”، وقدم المطرب الشعبي أحمد عدوية بموال “سيب وأنا أسيب”، ونسب البعض له أغنية “كركشندي”، رغم أنها ليست من تأليفه، لكن تم وضع اسمه عليها في الشريط بالخطأ، كما أنه أول من تبنى موهبة المطرب هاني شاكر، وكان مُعجبًا ومقتنعًا بصوته، ويقدمه دائمًا للملحنين والصحفيين والنُقاد حتى نال ما يستحق من مكانة.

وعلى الرغم من تميزه في كتابة الأغنية العاطفية، بزغ نجمه أيضًا في تقديم الأغنية الوطنية بأصوات كِبار النجوم، حيث كتب “نشيد الجهاد، زود جيش أوطانك، نشيد مصر والسودان، ونشيد الوادي” للموسيقار محمد عبد الوهاب، و”ثورتنا المصرية، حرية، وإني ملكت في يدي زمامي” لعبد الحليم حافظ، كما كتب قصيدة “سمعته” وأغنية “غنى الحمام” لنجاة، وأغنية “أهلا بيك” لفايزة أحمد، و”عربي في كلامه” لشادية، و”سنة وسنتين” لفريد الأطرش. 

اقرأ أيضا : الخميس والجمعة.. منى الشاذلي تحتفي بمسيرة مأمون الشناوي الغنائية 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة