لوحة «مدرسة أثينا»
لوحة «مدرسة أثينا»


الفن يخلد الفلاسـفة| لوحات أشهرها «موت سقراط» و«مدرسة أثينا»

آخر ساعة

السبت، 29 يونيو 2024 - 05:09 ص

■ كتب: رشيد غمري

في عام 1510 رسم فنان عصر النهضة «رفاييل» لوحة «مدرسة أثينا»، التي ضمت أغلب الفلاسفة على مدى التاريخ، لتصبح أشهر عمل فني يحتفي بعالم الفكر. وهى ليست الوحيدة، فقد تناول الفنانون عبر العصور أشخاص الفلاسفة، ومواقف فارقة ورمزية فى حياتهم، كمحاكمة وموت سقراط، وبعض محاورات أفلاطون، كما عبروا عن بعض أفكارهم في إطار جمالي.

وهى أعمال تلقى الضوء على جانب من العلاقة التبادلية بين عالمي الأفكار المنضبطة، والخيال المحلق.

◄ لوحات وتماثيل خلّدت الفلاسفة وأعمالهم

◄ عربي وصعيدي وسكندري في لوحة «مدرسة أثينا» لـ«رفاييل»

■ موت سقراط بريشة جاكوب فيليب جوزيف دي سانت كوينتين

لم تحسم الفلسفة أجوبة نهائية لأىٍ من قضاياها، ولن تفعل. لكن الوعى البشرى مدين لها بتوسعه، وبرؤاها التى عززت فهم الإنسان لنفسه، وللعالم، وساعدت فى تطوير المجتمعات والحضارات. وبفضل تراكم تياراتها واختلافها إلى حد التناقض، عرفنا أن إجابات السؤال الواحد تتعدد بتعدد الأنساق الفكرية وطرق التفكير.

وأن الأهم هو تطوير الأسئلة، كضرورة للحضور الواعي ضمن وجود يتوسع كل لحظة. وبالمثل بدا الفن منذ النقش الأول على جدران الكهف، تساؤلا مفتوحا، لكنه يلتمس الجمال، فى بحثه عن المعنى. ولهذا كانت الظاهرة الفنية موضوعا أثيرا للفلسفة عبر العصور، ضمن ما بات يعرف بـ«الاستاطيقا» أو علم الجمال.

ولأن الإبداع الحقيقى هو أيضا فلسفة، تتوخى مبتغاه فى عالم الخيال، فقد ظل الفنانون، غير بعيدين عن عالم الفكر المنضبط، يتأثرون به، ويعبرون عنه بطريقتهم. 

■ محاكمة سقراط للفنان جوزيف لويس ليبرن

◄ اقرأ أيضًا | فيلسوف كرة القدم «سقراط».. محطات في حياة نجم منتخب السامبا البرازيلي

◄ مدرسة أثينا

بينما كان عبقرى عصر النهضة «مايكل أنجلو» فى منتصف عقده الرابع، ينبطح على السقالات، لينهى جدارية «خلق آدم»، ضمن مشاهد سفر التكوين على سقف كنيسة «سيستين» بالفاتيكان، وبينما كان «ليوناردو دافينشى» على مشارف الستين يعكف على صنع تمثال «الفروسية» فى «ميلانو» لأحد أعيانها الأرستقراطيين. كان ثالث العباقرة الكبار، لا يزال فى منتصف عشرينياته، يرسم لوحة «مدرسة أثينا» على جدار غرفة المكتبة الخاصة للبابا «يوليوس الثانى» فى القصر الرسولى، بالفاتيكان. وذلك ضمن مشروع سيعرف لاحقا باسم «غرف رفاييل».

وهو مجموعة من الجداريات الكبيرة، تصور فروع المعرفة، من الفلسفة إلى الشعر والموسيقى واللاهوت. وجمعت اللوحة أهم الفلاسفة، غير عابئة بالفوارق الزمنية والفكرية والجغرافية بينهم. ولكنها نسبتهم إلى «أثينا» كمهد للتفكير الفلسفى.

وجاءت تحت «توندو» أو عنوان «ابحث عن الأسباب» المستوحى من مقولة «سقراط»: «الحكمة هى معرفة السبب». ويظهر الجميع داخل معبد، بطراز ينسب إلى معمارى عصر النهضة «دوناتى برامانتى».

ويظهر فى وسطها «أفلاطون»، ممسكا محاورته «طيماؤس»، ويشير بيده إلى السماء، مع تلميذه «أرسطو» ممسكا كتابه «الأخلاق»، مشيرا للأرض. وإلى اليسار، يقف «سقراط» محاورا «اسخينيس». كما يظهر «أبيقور» أقصى اليسار يكتب على قاعدة عمود رخامى.

■ لوحة موت سقراط للفنان جاك لوي ديفيد أواخر القرن الثامن عشر

◄ ابن رشد وهيباتيا

ويحتل «ديوجين سينوب» مؤسس المدرسة الكلبية مكانه وسط اللوحة، جالسا بلامبالاة، على الدرج، معبرا عن فلسفته الزاهدة. وينحنى «أرخميدس» يمين اللوحة، معلما مجموعة من تلاميذه الجالسين على الأرض. وفى المقدمة يسار المنتصف يظهر «هرقليطس» المعروف بالفيلسوف الباكى، لحزن كتاباته، ومن خلفه «بارمنيدس» وهما من عصر ما قبل سقراط. كما ضمت اللوحة الفيلسوف الأندلسى «ابن رشد»، لحفاظه على الفلسفة اليونانية، بترجمتها، وشرحها. ويبدو كأنه ينحنى واضعا يده على صدره بامتنان.

كذلك تظهر الفيلسوفة وعالمة الرياضيات «هيباتيا» المصرية السكندرية، واقفة، تتوسط النصف الأيسر من اللوحة، بملابس بيضاء، كشهيدة للفكر والعلم، لقيت حتفها بطريقة وحشية على أيدى المتطرفين الدينيين فى الإسكندرية أوائل القرن الخامس.

وهو الحدث الذى أدخل البشرية عصورها الوسطى، وأسدل الستار على الفلسفة والعلم والإبداع قرونا طويلة، حتى جاءت حقبة الانفتاح والنهضة الإسلامية، خلال العصرين العباسى والأندلسى. ويقف «أفلوطين» المصرى الصعيدى، مهيبا أعلى يمين اللوحة، برأس أصلع، ولحية كثيفة، ورداء برتقالى.

وهو فيلسوف «الأفلاطونية المحدثة» ذات الأفكار التوحيدية، التى ألقت بظلالها على كل من تفاسير اللاهوت المسيحى، وفلسفة التصوف الإسلامى. كما تضم أيضا عالم الرياضيات والفيلسوف «فيثاغورث»، و«بوثيوس» صاحب عزاءات الفلسفة، وغيرهم. ولم ينس الفنان وضع نفسه أقصى اليمين بملابس بيضاء. وليس معروفا مدى إلمامه بتاريخ الفلسفة، ولا مدى حريته فى رسم الشخصيات والتعبير عنها. ووفقا للمؤرخ الفنى السويسرى «هاينريش فولفلين»، فاللوحة رسمت بأسلوب عصر النهضة، الذى يراعى دقة المنظور. وغالبا، أتقنه «رافاييل» من صحبته لـ«ليوناردو دافينشى» عدة سنوات فى «فلورانسا». وترجع أهميتها إلى حركيتها التى تظهر الحوار المستمر بين الفلاسفة. 

لاحقا أنتجت عدة نسخ منها، تتوزع فى عدد من البلدان. وفى مصر رسم الفنان «محمد ناجى» على غرارها لوحته الشهيرة «مدرسة الإسكندرية» التى جمعت رموز المدينة من فلاسفة وعلماء فى الحقبة اليونانية والهلنستية، وحتى العصر الحديث. وصورت «أرشميدس» يقدم رسالته إلى «ابن رشد»، أمام تمثال «الإسكندر الأكبر»، وأمامهم القديسة «كاترين»، ويظهر فيها شاعر الإسكندرية «كفافيس»، والفنان «محمود سعيد» ورسم نفسه أيضا وهو يرسم المشهد.  

■ لوحة مدرسة الإسكندرية لمحمد ناجي

◄ سقراط وأفلاطون

عاش «سقراط» فى القرن الخامس قبل الميلاد فى «أثينا»، وهو أول الثلاثة الكبار. ووصلتنا فلسفته، ومنهجه وحياته من كتابات تلاميذه، وخصوصا «أفلاطون». وقد ألهمت مبادئه الكثير من الفنانين، فخلدوه فى تماثيل. كما شغفوا بتصوير محاكمته وموته، خصوصا فترة صعود الكلاسيكية الجديدة خلال القرن الثامن عشر. وكانت جريمة «سقراط» هى إشارته إلى أهمية الإنسان، وحثه على معرفة نفسه، والسعى لتهذيبها بالمعرفة، على عكس النظرة السائدة وقتها عن ضآلة دور البشر فى إدارة حياتهم.

وهى التعاليم التى رأى فيها الكهنة خطورة على مصالحهم فوشوا به، وخضع للمحاكمة بتهمة إنكار الآلهة اليونانية. ورغم محاولة أحد أصدقائه المتنفذين مساعدته على الهرب، لكنه رفض مخالفة القانون، واعتبر ذلك تنازلا عن أفكاره. وكان الحكم بأن يتجرع السم، ففعل بثبات بينما ظل يلقى تعاليمه على الحاضرين حتى موته.

اللوحات التى حملت اسم «موت سقراط» عديدة، وأشهرها رسمها الفرنسيون «جاك لوى ديفيد»، و«بيير بيرون»، و»جاكوز فيليب جوزيف دى سانت كوينتين»، والإيطالى «جيامبتينو سيجنارولى». كما صورت المحاكمة فى لوحات أشهرها للفنان «جوزيف لويس ليبرن». ويظهر «أفلاطون» فى أغلبها بوصفه تلميذه. كما يظهر فى لوحات أخرى فى أكاديميته، بين تلاميذه. ومنها فسيفساء ترجع للحقبة الهلنستية من «بومبى» الإيطالية، ولوحة «مدرسة أفلاطون» للفنان «جان ديلفيل». وتصوره جالسا، فى وضعية تشبه تصوير المسيح فى بعض الأيقونات، وحوله تلاميذه، بالأسلوب الرومانسى للقرن التاسع عشر. 

■ تمثال المفكر للفنان رودان 1882

◄ المفكر

انتقل الفكر الفلسفى إلى آفاق غير مسبوقة بعد عصر النهضة، وتوالى الاكتشافات العلمية التى قلبت معارف البشر رأسا على عقب. وتحررت الأفكار بفضل عشرات من فلاسفة القرون 17، 18، 19، من أمثال «ديكارت»، و«سبينوزا»، و«جان جاك روسو»، و«كانْت»، و«هيجل»، و«فولتير»، و«شوبنهاور»، و«ستيوارت ميل» و«نيتشه». ولهذا جاء تمثال «المفكر» الشهير للنحات الفرنسي «أوجست رودان» عام 1882، مختلفا، وهو يصور رجلا قوى البنية، يجلس ساندا ذقنه بيده، ويبدو فى صراع مع أفكاره. 

وكما اهتم الفن بالفلسفة، فقد قامت أيضا بعض مدارسه عليها. ويبدو ذلك واضحا فى بعض التيارات كالرومانسية، والرمزية، والميتافيزيقية، والسيريالية، وحتى مدارس العبث والدادئية. كما تتضح الرسالة الفلسفية فى بعض الأعمال مثل لوحة «الزمن» لـ«سلفادور دالى». وتعكس التكعيبية فلسفة تعدد المنظور، وإمكانات الشكل اللامحدودة، كما تعكس التعبيرية البعد النفسى فى رؤية العالم، ولا حيادية رؤيتنا للوجود.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة