د. حسن بخيت فى حواره مع محرر «الأخبار»
د. حسن بخيت فى حواره مع محرر «الأخبار»


د. حسن بخيت نائب رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب: مصر فى قلب درع «الذهب»

عبدالهادي عباس

الخميس، 27 يونيو 2024 - 04:54 م

اكتشفنا ٢٧٠ موقعاً.. و«السكرى» أنتج ١٧٠طناً حتى الآن

أرضها ذهب وترابها زعفران، ورحم صحرائها مترع بمئات الأنواع من المعادن النفيسة، هبة ربانية، كما هو متخم بالكنوز التى تركها أجدادنا الأولون الذين كانوا روادًا فى استخراج المعادن وتشكيلها؛ وفى هذا الحوار مع أحد علماء الجيولوجيا المعروفين فى مصر والعالم العربي، وأحد الذين شاركوا فى اكتشاف الذهب بشبه جزيرة سيناء، وهى من المناطق النادرة التى لم يصل إليها القدماء المصريون، نحفر عميقًا فى جوف أرضنا الطيبة، لنكشف الغطاء عن مستقبل مصر التعديني، ونبحث عن دور قطاع التعدين فى قيادة الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، وأبرز المعوقات التى تعمل الدولة على حلها..

إنه د. حسن بخيت، رئيس رابطة المساحة الجيولوجية، والرئيس الأسبق لاتحاد الجيولوجيين العرب، ونائب الرئيس الآن، والمدير الأسبق للمناجم والمحاجر، ومدير عام الاستكشاف، ورئيس قطاع المساحة الجيولوجية الأسبق، ورئيس الشركة المصرية للثروات التعدينية الأسبق، ورئيس شركة حمش لمناجم الذهب، الأسبق، ووكيل وزارة البترول الأسبق.. وإلى تفاصيل الحوار: 

تمتلك مصر مئات المواقع من المعادن النفيسة وعلى رأسها الذهب وبها منجم «السكرى» الشهير.. كيف ترى مستقبل المعدن الأصفر؟

مصر تقع ضمن ما يُعرف باسم الدرع العربية النوبية التى تشمل: كلاً من مصر والسعودية والسودان وبعض الدول الأفريقية، ومعظم صخور هذه الدرع حاضنة جيدة لرواسب الذهب، وما تم حصره حتى الآن يزيد على ٢٧٠ موقعاً قابلة للزيادة طبقاً لبرامج الاستكشاف المختلفة؛ ولعل منجمًا وموقعًا واحدًا وهو منجم السكرى أنتج حتى الآن ما يزيد على ١٧٠ طن ذهب، وهو خير حافزٍ على ضرورة  متابعة نتائج المزايدات الأخيرة التى رست على عدد من الشركات، ونأمل فى أن تباشر عمليات الاستكشاف وتحديد الاحتياطيات لإضافة مناجم جديدة، وكذلك ما تم إعلانه مؤخرًا عن كشف تجارى لبعض المناطق بالصحراء الشرقية؛ وتصور لو أن هناك ١٠ فقط مواقع أخرى منتجة مثل منجم «السكري» لأصبح الذهب من الروافد الكبرى للدخل القومى وما يصاحبه من تشغيل الآلاف من العاملين واكتساب الخبرات المتراكمة، وتأسيس شركات الخدمات والمعامل ومصافى الذهب، وجذب المزيد من فرص الاستثمار.
تعديل النظام

إذن، ما الذى يجب أن تقوم به الدولة لتوطين هذا الاستثمار بين الشركات المصرية؟

علينا دعم منظومة تعدين الذهب بمعامل مكودة لتحليل العينات لاستقطاب الآلاف من العينات الخاصة بشركات الاستكشاف من مصر والدول المحيطة، بدلاً من تحليلها بالخارج توفيراً للوقت والعملة الصعبة؛ كما إنه قد آن الأوان لإنشاء عددٍ من مصافى الذهب طبقاً للمعايير العالمية، بدلاً من تصدير الذهب للمصافى الأجنبية، لتكون مصر قبلة لكل الشركات المنتجة للذهب بأفريقيا والدول المحيطة؛ والاستفادة من الخبرات الأجنبية لتكوين باكورة إنشاء شركات وطنية فى مجال الاستكشاف.

اقرأ أيضا| وزير البترول: استحواذ «كارلايل» على أصول «إنرجين» بمصر دليل على جاذبية القطاع

وكيف نعالج هذا الأمر، ليس فقط فى تأسيس مثل هذه الشركات، ولكن لنجعلها تنافس محلياً وعالمياً؟

لا بد فى البداية من الاستعانة بالشركات الأجنبية، وهذا يتطلب وضع خطة للاستفادة من وجود الشركات العالمية الرائدة ونقل الخبرة تدريجياً، وإنشاء المعاهد والمدارس المتخصصة للتدريب على أعمال الاستكشاف والتعدين. بل إننى أدعو إلى تأمين الكوادر البشرية المُدربة، لتأسيس شركات وطنية، من ناحية، وكذلك الدفع بهذه الشركات فى المحيط العربى والأفريقي، أسوة بالشركات التركية والصينية وغيرها من الشركات العالمية؛ وكذلك توطين صناعة معدات عمليات الاستخراج والاستخلاص مما يؤمّن لهذه الصناعة معدات التشغيل، وهذا يتطلب وجود سوق إقليمية للتسويق لهذه المعدات حتى تتم تغطية التكاليف، ولتكن البداية فى تأمين قطع غيار هذه المعدات، كمرحلة أولى.

قطاع المحاجر من القطاعات الواعدة، حيث تتمتع مصر بوفرة كبيرة من المواد المحجرية.. كيف نستفيد من هذه الثروة فى دعم الاقتصاد الوطني؟

نمتلك بالفعل ثروة ضخمة من المحاجر، وربما نجد أن تأمين صناعة الأسمنت من هذه الثروة، وكذلك صناعة الرخام، والجرانيت، والزجاج، وعشرات الصناعات الأخرى؛ ويكفى أن أقول لك إن خامة واحدة منها، وهي: خامة الحجر الجيري، يقوم عليها ما يزيد على ٣٤ صناعة، منها: الصناعات الدوائية والغذائية التى تعتمد بشكل أساسى على خام الحجر الجيرى فائق النقاوة الموجود بمناطق سمالوط بمحافظة المنيا، ويمكن على هذه الخامة إقامة مناطق صناعية ضخمة تسد الاحتياجات المحلية وتحقق فائضاً لدعم الخطط التصديرية.

إذن، ما المعوقات التى تحول دون الاستفادة القصوى من هذه الثروات التى نحتاج إليها الآن أكثر من أى وقت آخر؟

فى رأيى أنه يمكن تلخيص المعوقات التى تقلل الاستفادة من هذه الثروات فى عدة نقاط، منها: أن قطاع المحاجر والصناعات القائمة عليه يعانى من تعدد جهات الولاية مما يُصعِب على المستثمرين الحصول على المعلومات والتصاريح اللازمة لممارسة أعمالهم؛ لذا أوصى بسياسة الشباك الواحد وتبسيط الإجراءات وتقليص الفترة الزمنية. وكذلك عدم المبالغة فى فرض الرسوم المختلفة، ومنها: رسم الصادر، وتوقيع المخالفات المالية الكبيرة التى تؤدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار السلع، والتى تؤثر سلباً على المنافسة فى تصدير منتجاتنا مع الدول الأخرى؛ ولهذا لا بد من وجود لائحة واضحة وشفافة يتم اعتمادها لتكون الحكم بين الدولة والمستثمر؛ إضافة إلى عدم إصدار لوائح أو قرارات جديدة سريعة وتطبيقها بدون وجود فترة انتقالية يستطيع خلالها المستثمر توفيق أوضاعه، خاصة التعاقدات والارتباطات التصديرية الخارجية.. كل هذا مع ضرورة التدريب حول أساليب التسويق الحديثة، خاصة التسويق الإلكتروني، وبناء منصات تسويق دائمة للمنتج المصرى فى معظم الأسواق الدولية؛ مع دعم دور الغرف التجارية والصناعية، وأن يكون رأيها ملزمًا وليس استشارياً عند إصدار أى تشريع يخص نشاط الشركات التى تمثلها هذه الغرف.

كنز إستراتيجى

وكيف ترى ثروات الصحراء الغربية ؟

الصحراء الغربية بالفعل تُعد كنزاً إستراتيجياً لكثير من الثروات الطبيعية، منها: الثروة المعدنية، مثل: الفوسفات والحديد والبوتاسيوم والليثيوم واليورانيوم والذهب والفضة والنحاس والجبس والباريت والبنتونيت والحجر الجيرى والطفلة؛ ومنها الثروات الطبيعية، مثل: الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية من الينابيع الحارة والأملاح.. كما تحتوى الصحراء الغربية على محميات طبيعية خلابة، مثل: الصحراء البيضاء وجبال الكريستال وبعض مواقع النيازك، وكذلك مجارى الأنهار القديمة، مع مخزون هائل من المياه الجوفية، ومواقع مميزة للآثار القديمة .

وماذا عن الليثيوم باعتباره الخام الأكثر أهمية الآن بحسب الدراسات الحديثة؟

تكمن أهمية الليثيوم كغيره من العناصر النادرة فى صفاته الطبيعية، فهو يُعد من أخف العناصر، حيث تصل كثافته إلى 0.53، بالإضافة إلى كبر سعته الحرارية وقدرته الكبيرة على التفاعل لتكوين سبائك، وهذه الصفات أهلته للعديد من الاستخدامات، لعل أبرزها فى الفترة الأخيرة استخدامه فى بطاريات قابلة لإعادة الشحن التى تُستخدم على نطاق واسع فى أجهزة الموبايل والكمبيوتر، بالإضافة إلى السيارات الكهربية، كما أنه يدخل فى صناعات السيراميك والزجاج؛ والمؤشرات الاقتصادية تشير إلى تنامى عمليات التنقيب عن هذا الخام واستخراجه؛ ومصائد الليثيوم موجودة فى شبه جزيرة سيناء والصحراء الشرقية والصحراء الغربية؛ وأعتقد أنه قد آن الأوان لتأخذ الصحراء الغربية حقها من برامج وخطط الاستكشاف الطموحة لإحداث نقلة نوعية فى مجال التعدين على المدى القصير.

إعادة الهيكلة

تقول هذا رغم أن هذه الهيئات تباشر عملها منذ سنوات طويلة.. ولكن، كيف ترى الطريقة الأمثل لمعالجة هذا التداخل؟

هناك ثلاثة محاور أساسية، أراها ضرورية لمعالجة هذا التداخل: الأول: إعادة الهيكلة، وأقترح أن يتم تقسيم الهيئة إلى ثلاثة قطاعات: هيئة المساحة الجيولوجية المصرية: هيئة ذات سيادة تخضع مباشرة لمجلس الوزراء وتكون مهمتها إعداد الخرائط الجيولوجية والجيو تقنية والاستثمارية للثروات الطبيعية، لكل الأراضى المصرية، وتقديم الخدمات لكل أجهزة الدولة ومتخذى القرار، مع ضم الكيانات ذات العلاقة إليها، مثل: قسم الثروة المعدنية بهيئة الاستشعار (الكيان البحثي)..

وثانيا: هيئة الثروة المعدنية، وتقوم بمنح رخص المناجم والمحاجر والملاحات وتنظيم العمل والإشراف الفنى على حُسن استغلال الثروات وتطبيق القانون وتحصيل حقوق الدولة من الرسوم والإتاوات وإعداد الاتفاقيات التعدينية (الكيان التنظيمي). وثالثا: الشركة القابضة للتعدين، وتضم كل الشركات الحكومية العاملة فى استخراج الخامات والقيمة المضافة وشركات الخدمات المعاونة (الكيان الإنتاجي).

هل توجد قاعدة بيانات أو بنوك أفكار حديثة وقواعد معلومات رقمية لخدمة الاستثمار التعديني؟

لدينا تاريخ متميز لأعمال المسح الجيولوجى والاستكشاف والتنقيب عن المعادن، إضافة إلى الكم الهائل من المعلومات والتقارير فى مجالات علوم الأرض المختلفة الناتجة عن أنشطة الهيئات والجامعات والشركات العاملة والأبحاث العلمية الدولية والصديقة ونتائج أعمال الشركات الأجنبية التى عملت فى هذا المجال خلال العقود الماضية؛ لذا وجب علينا إعادة تجميع وفرز وتصنيف وتحليل ذلك الكم الهائل والمتراكم من المعلومات وتوثيقها بشكل علمي، وإصدار دليل تعريفى عربى لقطاع التعدين يتضمن كل الدراسات والبحوث العلمية المختصة بهذا القطاع وإدخالها فى نظم قواعد المعلومات الحديثة عبر الوسائط العلمية فى أجهزة الحاسب الآلى بالنظم المُتعارف عليها دولياً، وإدخال نظم الحفظ الرقمى للمعلومة عن طريق حفظ المعلومة الأصلية رقمياً لإمكانية العودة إليها واستخراجها بسهولة وسرعة.

تقليل المخاطر

بعيداً عن التعدين.. كيف يسهم خبراء الجيولوجيا فى مواجهة المخاطر الطبيعية مثل: الزلازل والسيول.. خاصة بعدما رأينا زلزال تركيا وسيول الإمارات؟

بعض الناس يظنون أن هذه المخاطر الطبيعية عشوائية، ولكن الخبراء يعلمون أن الإنسان قادر على تقليل مخاطرها إلى حدٍ كبير؛ وحزام الزلازل معروف ومرصود عالمياً : الأخطر، ومتوسط الخطورة، والأقل؛ والحمد لله مصر ليست فى تصنيف الزلازل الخطرة مثل اليابان؛ ولكن قد تمر علينا من فترات لأخرى بعض الهزات؛ ودور الجيولوجيين مهم فى تقديم تقارير عن الأماكن الضعيفة التى قد تتعرض لمثل هذه الهزات، وتأخذ بها الجهات المختصة فى خطط التنمية وإقامة المشروعات.. وكذلك خطر السيول الذى يكثر فى الدول الصحراوية، وهى أمطار غزيرة تنزل على المرتفعات وتهبط مندفعة إلى المنخفضات فتجرف كل ما تجده أمامها؛ وحوض الصرف للجبال معروف لدينا ونقوم بتحديد الوديان الخطرة لتنشئ الدولة فيها المخرات اللازمة.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة