طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

الجار للجار.. وقطارنا السريع

طاهر قابيل

الإثنين، 01 فبراير 2021 - 09:25 م

أشتاق لأيام زمان التى تتجمع فيها أسرتي وتجلس على مائدة واحدة لتتناول طعامها سواء كان فقيرا أو غنيا وخاصة وجبتى الغذاء والعشاء اللتين كانتا غالبا تتضمنان الدجاج والبط أو قطع من اللحم المحمر مع "الفتة أو الرقاق" وأحيانا أنواعا مختلفة من "المحاشى"

كانت صلاة الجمعة فرصة لألتقى مع الجيران والاصدقاء ونتبادل التحية و"القفشات" والحكايات وما يمر بنا من أحداث ومواقف خلال الاسبوع الماضى.. وعلى صياح بائع الفاكهة والخضروات الطازجة عقب الصلاة يتجمع المصلون ويجدون فرصة للشراء بأسعار معقولة ويحملنى والدى − رحمة الله عليه − أكياسا لتوصلها للبيت وعندما يجدنى "مزوغا" يحملها هو إلى أمى أو يعطيها لأحد أبناء الجيران أو الاصدقاء.. كان اليوم إجازة رسمية وفرصة لأشاهد برنامج "عالم الحبوان" وإبدعات الله فى خلقه بالمملكة الحيوانية والحشرية استكمالا لمتابعتى برنامج "عالم البحار" فى يوم آخر من أيام الاسبوع.. كنت أحيانا أجلس مضطرا لمتابعة "خواطر الشعراوى" التى يعشقها والدى لأننا لا نملك سوى جهاز تليفزيون واحد ماركة "تلى مصر" اشتراه أبى بالتقسيط حتى لا نذهب إلى الجيران.. أنظر إلى الساعة المعلقة على الحائط انتظارا لمشاهدة مبارة "كرة القدم" وأنا أستمع إلى التوبيخات لتركى صلاة العصر فى وقتها بالمسجد.. وأستكمل باقى يومى حتى منتصف الليل او الواحدة صباحا لمتابعة برامج القناتين الاولى والثانية بالتليفزيون المصرى وما تقدمه من افلام ومسلسلات تجتمع عليها أسرتى وتتبادل الاراء ونغترف من ذكرياتنا التاريخية والتى دائما نقتطعها لنبدأ المذاكرة والتحضير لدروس الغد.. فقد حصلنا على راحة باقى نهار وفى ليل الخميس ونحن نشاهد مسرحية أو حفلا غنائيا أو فيلما يقولون عنه أنه أول عرض.

أشتاق لأيام زمان التى تتجمع فيها أسرتي وتجلس على مائدة واحدة لتتناول طعامها سواء كان فقيرا أو غنيا وخاصة وجبتى الغذاء والعشاء اللتين كانتا غالبا تتضمنان الدجاج والبط أو قطعا من اللحم المحمر مع "الفتة او الرقاق" وأحيانا أنواع مختلفة من "المحاشى" مع "صوانى" الحلوى التى تصنعها و تبتكرها أمى − رحمها الله − وكان أقلها مجهودا فى رأيى "البليلة والارز باللبن والبسبوسة والكيك" وفى الشتاء مع البرودة الشديدة لا تنقطع أكواب المشروبات الدافئة من "السحلب والكركادية والحلبة والمغات" وغيرها عن مائدتنا التى تزينها أطباق "فاكهة الموسم" التى تستطيع إمكانيات والدى المالية أن توفرها لنا.

كنا نبدأ يومنا بشراء أو إعداد طبق من الفول "المدمس" وبجواره كيس أو "قرطاس" من الطعمية ويزين "الطبلية" البيض المسلوق أو المقلى بالسمن البلدى والجبن "القريش" وأكواب اللبن ونحن نشاهد برنامج "سينما الاطفال" على القناة الاولى فى العاشرة صباحا وأستمتع مع أخى الأكبر وأختى الاصغر بدفء أشعة الشمس المقتحمة للشباك بعد أن اشترى لوالدى صحيفة "الاهرام" التى يحرص على قراءتها فى هذا اليوم لدسامتها والبحث عن أى حالة وفاة فى العائلة أومن بين الاقارب والاصدقاء.. ثم يتحول باقى أيام الاسبوع إلى "أخبار اليوم" و"الأخبار" خاصة العدد الاسبوعى يوم السبت والصفحتان المخصصتان لبرامج التليفزيون صباح الاحد ونظل محتفظين بهما حتى نهاية الاسبوع.. فحياتنا فى الماضى كانت أبسط وأسهل وأسعد وأكثر اجتماعية مما نعيشه الآن وكان حقا الجار للجار لا ينقطع عن الاطمئنان علينا ومشاركتنا فى كل مناسباتنا وتقديم أجزاء من أفضل أطعمته لنا والتى بالطبع لا نرد له الاطباق "خالية" واذا جاءنا زائر يشاركنا فى الترحيب به واستضافته..كنا والجيران بالمدينة أسرة واحدة وأى فتاة بالحى هى بنتنا وأى امرأة هى أختنا نحافظ عليهن.

حياتنا الكريمة

كانت هذه حياتنا فى القاهرة الكبرى أو "العاصمة" التى تضم الكثير والكثير من متع الحياة وأماكن الزيارة و"الفسح" من آثار ومتاحف ودور عرض سينمائى ومسرحى ودارا للأوبرا ومحلات للملابس والادوات المنزلية والاثاث وغيرها وبنية أساسية من كهرباء ومياه شرب نظيفة وصرف صحى ومواصلات عامة.. ورغم التحضر والتقدم الذى كنا نعيشه لكننا نجد متعتنا فى الحياة البسيطة والاصيلة فى قرية عائلتى خاصة ونحن أطفال نقضى فيها أشهر إجازة الصيف.. فمعهم نجد "الجدعنة" وروح الاسرة الكبيرة المترابطة رغم افتقارهم لأشياء كثيرة تحتضنها العاصمة من وسائل انتقال وطرق حديثة ومدارس متحضرة وجامعات وملاهى وأماكن للتسلية وكثافة وتنوع فى فرص العمل التى تدفع أهالى بحرى والصعيد للهجرة الداخلية بحثا عن الرزق وحياة أفضل يحلمون بها.. ولذلك عندما سمعت وقرأت عن المشروع القومى الضخم الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة بمباركة شعبية عن المخطط التنفيذى للتطوير والتغيير الجذرى لجميع جوانب الحياة والبنية الاساسية والخدمات المجتمعية بالريف المصرى كدت أطير فرحا وأثلج صدرى الخطوات التنفيذية الجادة.. فغدا سنرى قطار الانجازات يصل إلى المراكز والقرى والتوابع لتصبح "مصر ثانية زى ما الكتاب بيقول".

لقد أنعم الله علي إذ أعيش وأشاهد مصرنا العزيزة كيف كانت وماذا ستكون "قد الدنيا".. لقد تابعت عن قرب خلال الاعوام الماضية كيف حولنا بأيدينا الرمال إلى أرض خضراء وصوب زراعية وبناء والطرق الضيقة إلى "هاى واى" بمقاييس عالمية ونقلنا سكان العشوائيات الخطرة إلى مدن و"كمبونات" حديثة..وشققنا الانفاق والمحاور المرورية وأقمنا الكبارى فى كل بقعة قريبة من العاصمة او بعيدة عنها..وطورنا منظومتى التعليم والصحة واستكملنا بناء المؤسسات السياسية واختفت شكاوى ومتاعب العديد من الناس إلا قليلا.. مشروع تطويرالريف المصرى حقيقة وليس "فنكوش" فكل ما تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه المسئولية هو واقع نلمسه بأيدينى ونشاهده بأعيننا الآن.. فهذا الرجل المصرى الاصيل لايقول غير صدق..فقد أذهلنا العالم بتجربتنا فى مكافحة ومواجهة انتشار وباء كورونا وأصبح فى كل محافظة جامعة وغير ذلك الكثير.. مشروع "الريف المصرى الجديد" يتم تنفيذه فى 3 سنوات بتكلفة 500مليار جنيه ليخدم 50 مليون مواطن مصرى وهو أمل لأهل الريف فى "حياة كريمة".

خريطة المشروع العملاق فى مرحلته الاولى يتضمن 50 مركزا فى 20 محافظة تشمل 7 مراكز فى أسيوط ومثلها بسوهاج و5 فى قنا وكذلك المنيا ومركزين فى كل من أسوان والاقصر والفيوم وبنى سويف ومركز بالوادى الجديد.. واذا انتقلنا إلى الدلتا ووجه بحرى سنجد 6 مراكز بالبحيرة ومركز بكل من القليوبية والدقهلية والاسكندرية والشرقية والاسماعيلية ودمياط وكفر الشيخ ومركزين بالجيزة.. معايير الاختيار ركزت على القرى التى تزيد فيها معدلات الفقر والأمية والاسر التى تعولها المرأة وتفتقر لخدمات مياه الشرب والصرف الصحى وهو من أهم البرامج التنموية فى دولة لا تتوقف عن البناء والعمران والاصلاح..ويهدف الى النهوض بكافة مشروعات البنية الاساسية ومد وتدعيم وإحلال وتجديد شبكات مياه الشرب والغاز الطبيعى والاتصالات الحديثة ورصف الشوارع الرئيسية والطرق بين القرى وتوفير خدمات الانارة العامة والتعليم والصحة والشباب والطب البيطرى والتضامن الاجتماعى..ويشارك المقاولون والعمال والمهندسون من أبناء القرى والنجوع فى تطوير مجتمعهم وإعادة بناء قراهم فهم شركاء ويجب عليهم التكاتف مع الحكومة وأجهزتها لسرعة التنفيذ وتذليل العقابات لتصبح مصرنا حقا جميلة ومتحضرة.

الحلم والحقيقة

فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى استمتعت بأول قصة واقعية مصرية من روائع الاديب العالمى "محمود تيمور" وهى القصة القصيرة "فى القطار" والتى تحكى عن معاناة الكاتب من الاكتئاب وتغلبه عليه بالقراءة والسفر والجلوس للتفكير.. وتتلاشى أزمته ومعاناته حين يركب القطار ليحل محلها حوار شيق بأسلوب قصصى عن "تعليم الفلاح" وهو محور حديث الكاتب والأستاذ أسمر اللون النحيل وطويل القامة والشاب الجامعى الذى أنهى تأدية الامتحانات وهو عائد لقريته لقضاء الإجازة الصيفية والافندى المتأنق الجالس واضعا رجلا فوق الاخرى والشيخ الشركسى أحمر الوجه والعمدة ذوالجسد الضخم والشارب الكبير وتظهر عليه مظاهر القوة والجهل وذلك من خلال رحلة ممتعة لا تتعدى ساعتين او ثلاثة تتضمن مشاهد واقعية..القطار الكهربائى فائق السرعة ظل حلما يراودنى لسنوات طويلة خاصة عندما كنت أسافر فى مهام عمل للخارج وأسمع عن القطارات السريعة التى تقطع المسافة بين ميناء"سان نزير" و"باريس" فى ساعات قليلة رغم أنى قضيت 12 ساعة تقريبا فى الذهاب اليها بالاتوبيس مع أكثر من استراحة للتدخين ودخول دورات المياه والتزود بالوقود وتناول الوجبات السريعة.. وما سمعته من حكايات وما شهدت من عروض وأفلام تسجيلية عنها بالصين وتجربتى القصيرة جدا التى عشتها مع القطارات السريعة فى سويسرا.

لقد أسعدنى الانجاز الجديد الذى تسير اليه القيادة المصرية بخطوات متسارعة لنصبح بعد عامين بإذن الله من ركاب القطار الكهربائى السريع لربط أقصى الشرق بالغرب والشمال بالجنوب مثل أوروبا والدول المتقدمة متنقلين بين سواحل البحرين الاحمر والمتوسط ومن القاهرة إلى أسوان مستمتعين بجمال وروعة مصرنا الحبيبة.. فالخطوات التنفيذية بدأت بلقاء السيسى مع الرئيس التنفيذى للشركة الالمانية "سيمنز" لإعلان دخولنا عصر تكنولوجيا النقل الحديثة لدعم جهود التنمية وفتح الآفاق للمستقبل المنشود بقطارات جديدة سريعة غير ملوثة للبيئة تقطع ألف كيلو متر من أرضنا الطيبة تبدأ من العين السخنة وحتى العلمين بطول 460 كيلو مترا مرورا ب15 محطة.. وتستكمل بعد ذلك لربط مدينة 6 أكتوبر بأسوان لتصلها فى ٤ ساعات.. وأعتقد أن هذا الشريان الحيوى السريع سينطلق كالطلقة فى كل أنحاء مصر.. فالحقيقة تبدأ دائما بالحلم الذى يكبر مع الايام وتحوله السواعد الفتية من الصبيان والبنات الذين تحتضنهم أيدى وقلوب الشيوخ من النساء والرجال إلى واقع نعيشه جميعا فى سعادة وأمان.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة