كسوة الكعبة - صورة أرشيفية
كسوة الكعبة - صورة أرشيفية


 رغم تسجيله كآثر..

فيديو وصور| «دار كسوة الكعبة».. مخزن لـ«كراكيب الأوقاف»

محمود عبدالعزيز- أسامة حمدي

الجمعة، 01 يونيو 2018 - 05:12 م

 

موكب «المحمل» ينطلق من «الخرنفش» وصولا إلى القلعة بحضور الأمراء

 

 إرسال الكسوة توقف بعد خلاف عبد الناصر والسعودية

 

 300 نول و70 آلة لتجهيز القطن بـ «دار الكسوة»

 

 

عندما تطأ قدماك ميدان باب الشعرية، ثم تسير لبضع دقائق على الأقدام جهة اليسار نحو حارة «الخرنفش» بقلب قاهرة المعز، يجذب انتباهك مبنى قديم متهالك دار عليه الزمان وآل حاله إلى الخراب والإهمال ليذهب فى طى النسيان، إذ لا يدرك الكثيرون من سكان الحى الآثرى أن هذا المبنى هو «دار كسوة الكعبة» والذى احتضن صناعة الكسوة المشرفة لمدة تزيد عن 150 عاما، بعد تأسيس الدار هنا فى حارة «الخرنفش» بعد أن كانت تُصنع الكسوة فى أماكن آخرى بالقاهرة منذ عصر عمر بن الخطاب.

 

 

 

هنا فى ذلك الحى الآثرى القريب من منطقة الحسين، الذى شهد خروج كسوة الكعب المسماة بـ«المحمل» على مر السنين فى إحتفال بهيج، إذ كانت توضع بهودج على جمل تزين لحمل الكسوة المشرفة وقد حِيكت آياتها القرآنية بماء الذهب والفضة، ويتقدم الموكب الأمراء والسلاطين وعلماء الدين وكبار رجال الدولة وجموع الشعب المصري، وتُدّق الطبول والدفوف وتُعّزف الأناشيد وترفرف الرايات، لتستقر الكسوة المشرفة فى ميدان الرملية بالقرب من قلعة صلاح الدين حيث مقر الحكم آنذاك لتتخذ طريقها صوب مكة، بعد أن ظل يعمل نحو 90 عاملا مصريا بدار الكسوة طوال العام فى حياكة نحو 14 مترا بمنتهى الإبداع والإتقان كى يحفظوا لمصر شرف إرسال الكسوة حتى عام 1962.

 

 

واقع «دار الكسوة»

 

قامت «بوابة أخبار اليوم» بزيارة لدار كسوة الكعبة، وهو مبنى قديم مهجور ومسجل لدى وزارة الآثار، مكون من طابقين ويمتد لمسافة كبيرة بالحارة الضيقة التى لا تتعدي 5 أمتار عرضها، تساقطت بعض جدرانه، غلبت عليه الأتربة، له نوافذ عتيقة، وبوابة حديدية ضخمة خضراء تشبه بوابة السجن - كما يشبها أهالى المنطقة – تلك البوابة بحسب رواية الأهالى لا تفتح إلا عند قدوم الحارس المكلف من وزارة الأوقاف بفتحها ووضع «كراكيب» الوزارة من منابر قديمة ونوافذ متهالكة وأبواب خشبية وسجاد قديم بها، إذ تحولت الدار إلى مخزن لمخلفات الوزارة ومقلب للأخشاب و«الروبابيكيا» وتراكم عليها الغبار وصار مهجورا وموحشا - بحسب إجماع أهالى الحارة والقاطنين بها منذ زمن طويل.

 

 

وتلاحظ على الدار أنه لا يوجد عليها أى لافتة تشير إلى أهميتها التاريخية والأثرية وتفرد مهمتها على مر الزمان، خاصة وأنها حفظت لمصر طوال عقود شرف إرسال الكسوة للكعبة بما يحمله ذلك من نفوذ سياسي قوى حرصت مصر على الاحتفاظ به بلا منازع طوال قرون طويلة حتى توقف ذلك عقب أزمة سياسية بين القاهرة والرياض إبان عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 1962.

 

أهالى الحارة: «المبنى خرابة»

 

ويقول عم داود محمد، صاحب الـ 60 عاما: «حكى لي والدي عن دار الكسوة أن العمال كانوا ينسجون الكسوة بالنول والإبر والخيوط الذهبية على أقمشة الخيامية السوداء لمدة عام، وتخرج من الحارة باحتفال كبير محملة على جمل مزين، لتذهب للقلعة، وحاليا لا يوجد أحد من العمال بها على قيد الحياة لأن العمل بها توقف منذ 1962 حين كانت آخر كسوة وعادت إلى مصر مرة آخرى بعد رفض السعودية لها، وحاليا تحولت إلى خرابة ومخزن للأوقاف ولا أحد يهتم بها على الإطلاق، ومع الوقت تطمس معالمها لأن اللافتة سقطت من عليها، والباب الآثري أخفته الأوقاف بوضع باب حديدي سميك عليه».

 

 

أما عم أحمد حسني، صاحب الـ65 عاما، يقول إن الدار أختفت معالمها، والجيل الجديد لا يدرك قيمته التاريخية ولا يعلم أنها احتضن كسوة الكعبة، ونطالب المسئولين بالاهتمام بها خاصة وأن المنطقة تحوى عدة آثار آخرى فمن الممكن تحويل الشارع لمزار آثري على غرار شارع المعز.

 

محتويات الدار

 

وكانت وزارة الآثار قد وافقت على تسجيل الدار لمرور أكثر من مائة عام على إنشائها ولتفرد المهمة التي خصصت من أجلها، حيث أنشأها أحد الأمراء عام 1816 ثم حولها محمد علي إلى دار لصناعة كسوة الكعبة، واستمرت تلك المهمة حتى عام 1962.

 

وكانت الدار تضم أكثر من 300 مغزل لغزل الخيوط السميكة والدقيقة، إضافة إلى نحو 70 آلة لتجهيز القطن قبل غزله أما قسم النسيج  فيضم 300 نول لصنع القماش.

 

 

مصر وصناعة الكسوة

وتقول أغلب الروايات التاريخية، إن كسوة الكعبة الشريفة كانت تُصنع فى مصر، بدءً من عصر الخليفة عمر بن الخطاب، حيث كانت تُحاك وتجهز فى مصر، وفقًا لكتاب «تاريخ الكعبة المُعظمة»، والذى ذكر ذلك.

وفى عهد السلطان محمد بن قلاون، تحديدًا فى عام 751 هجريًا، تم تخصيص وقفًا مصريًا للإنفاق على كسوة الكعبة، نظرًا لجودة القماش المصري، ومهارة الصناع المصريين، وفى عام  1233 هجريًا فى عهد الدولة العثمانية، أنشأت دار الكسوة، وظلت تصنع الكسوة حتى عام 1381 هجريًا الموافق 1962 ميلاديًا، إذ توقفت مصر عن إرسالها لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.


واهتم السلطان سليم الأول العثماني بتصنيع كسوة الكعبة، وكسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل، وفي عهد السلطان سليمان القانونى أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة. 



وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري، وفى عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأراضي الحجازية، وقافلة الحج المصرية في عام 1222هـ الموافق عام 1807م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في العام 1228هـ

 

وتذكر بعض المراجع التاريخية أن ملك اليمن «المجاهد» أراد في عام 751 هجرية أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها من اليمن، فلما علم بذلك المماليك استشاطوا غضباً وألقوا القبض عليه وأرسل إلى القاهرة مكبلاً في الأغلال.

«حارة الخرنفش»

أما تاريخ حارة «الخرنفش» التى احتضنت دار الكسوة فورد فى كتاب «القاهرة شوارع وحكايات» للكاتب حمدي أبو جليل، أنه كان أهم شرايين قلب القاهرة الملكية، ساحة عامرة يوميًا بالأمراء والوزراء، وحينما نُقل صلاح الدين الأيوبى قلب القاهرة السياسى إلى قلعته الشهيرة، خلع الروح الملكية للشارع، وتركه عاريًا من الفخامة وعرضة لانحسار الأضواء التى تلألأت فيه طويلاً.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة