عرض المومياوات
عرض المومياوات


عرض المومياوات تكريم لأصحابها

مثقفون وأثريون يردون على تصريحات كريمة:

أخبار الأدب

الإثنين، 01 فبراير 2021 - 02:04 م

شهاب طارق

فى رده على تلك التصــريحات قال الكاتب الدكتور عمار على حسن إن عرض المومياوات بالمتاحف والتنقيب عنها عمل ثقافى بامتياز، ولا علاقة للمسائل الشرعية به، بل على العكس فالقرآن الكريم فى حديثه عن فرعون موسى يقول «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية« الأمر الذى يعنى أن القرآن نفسه يُقر بفكرة نجاة البدن ليكون عبرة وعظة، ومومياوات الفراعنة هى عظة ودليل على قدراتهم العلمية المتقدمة فى الطب وفى التحنيط، وبها حكمة دينية عظيمة مفادها أن الجسد فى حد ذاته لا يمكنه أن يُقيم إنسانا، بل إن الروح هى التى تُقيمه، والروح حين تفارقه دليل على أن هذا الجسد أصبح غير فاعل وغير موجود لأن الروح قد فارقته. أما الوجه الثقافى والحضارى فهو مهم أيضا، فنحن نعرض هذه المومياوات ليراها العالم كى يرى تقدمنا وعظمتنا كحضارة قديمة، وبخصوص هذه الفتاوى فلا يمكن أن ننسبها إلى الغزو الوهابى الذى تعرضت له مصر بشكل كامل، فالكتب الفقهية القديمة وكتب التفسير والتأويلات وبعض الأحاديث الموضوعة، والتى ينهل منها الوهابيون فى تشددهم موجودة خارج الوهابية وقبل الوهابية وبعد الوهابية، وهذا طريق طويل ممتد من القرن الثالث الهجرى وحتى اللحظة الراهنة، بدءًا من ابن رجب الحنبلي، وابن تيمية، وصولًا إلى محمد بن عبد الوهاب، فقد أخذ عنهم الكثير من السلفيين أو دعاة السلفية الموجودين فى مصر، وبالطبع هناك تأثر كبير فى مثل هذه الأمور ولكن ليس الوهابية وحدها، فهذا الموقف ضد الحضارة الفرعونية موقف عام وخارج الوهابية عند بعض المسلمين الذين يتعاملون معها باعتبارها حضارة وثنية، أو ينظرون إليها من هذه الزاوية، فالحقيقة هى أن الأمر لم يقتصر على المسلمين فقط، فهم ليسوا وحدهم الذين اعتبروا الحضارة الفرعونية حضارة وثنية، لكن الأمر أيضًا كان عند بعض المسيحيين الذين بدأوا هذه المسألة من خلال إجهاضهم للحضارة الفرعونية القديمة والسيطرة على المعابد، وقتل العلماء وتوثين هذه الحضارة، ورفض كل ما فيها ورفض عطائها، وهذا الأمر انتقل إلى الإسلام بعد ذلك، لكن الحقيقة هى أن الحضارة الفرعونية القديمة كان من بينها أول نبى بعثه اللّه وهو إدريس عليه السلام، فهى حضارة لها عطاءات مهمة جدًا، ولها تفكير فيما وراء الطبيعة بطريقة ميتافيزيقية وخاصةً فى المسائل التى تخص الروح والحساب والآخرة والعقاب، وهى حضارة تميزت بوجود تجليات عظيمة وتصورات دينية عميقة لا يمكن إهمالها كلها واعتبارها رجسًا، أو إثما يجب التعمية عليها لأن هذا من عمل الدين فهذه مسألة خاطئة جدًا.
الدكتور محمد حمزة الحداد العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة يرى أن دراسة المومياوات لها أهمية كبيرة من الناحية العلمية ومن الناحية البحثية فعلم التشريح أفادنا كثيرًا حيث توصلنا من خلاله إلى أصول المصريين، ومدى التقدم الذى وصل إليه العلم فى تلك الفترة،  فالتحنيط بدأ بشكل بدائى إلى أن تطور وبلغ عصره الذهبى فى عصر الدولة الحديثة، وكذلك علماء المسلمين الأوائل فجميع الابتكارات التى توصلوا إليها كانت بفضل دراستهم لهذه المومياوات، وعلى رأسهم الطبيب العراقى عبد اللطيف البغدادي، الذى جاء إلى مصر سنة ٥٩٧هـ، وهو من ألف كتاب «الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر« وكان قد وضع نظرية حول بناء الأهرامات فى القرن الـ٦ الهجري، فمن خلال التشريح الذى رآه فى المومياوات الموجودة بميت رهينة بمنف خطى علماء اليونان فى تلك الفترة، ووضع دراسات بالفعل مبنية على نتائج. كذلك ففكرة عرض المومياوات داخل المتاحف ليست متعارضة مع القرآن الكريم، والدليل على ذلك أن القرآن ذكر فرعون موسى ووصف جثمانه بأنه سيصبح أمام العالمين باقيا، فهذه الآية الكريمة من الآيات الباقية، وطبقًا لعلم القياس فيمكن أن نعممها على كل مومياوات الفراعنة، فالله سبحانه وتعالى عندما كان يريد أن يخاطب قوما من الأقوام القديمة كان يخاطب كل حضارة بالإنجاز الحضارى فى عصرهم، فبالنسبة للمصريين القدماء خاطبهم بالتحنيط، وخاطبهم بمبانيهم الضخمة التى شيدوها، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة عندما ذهب موسى إلى هامان، فسأله أين يقع الله فقال له موسى فى السماء، فرد عليه  فرعون وقال «يَا هَامَانُ ابْنِ لِى صَرْحًا لَعَلِّى أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ«، فهذه الحضارة دليل على عظمة الخالق، فنحن لسنا دولة دينية كى نأخذ بآراء فقهية شاذة لا تعبر عنا كمجتمع مصري، لأن هذه المومياوات نقوم بدراستها بشكل علمى يساعدنا على فهم الطبيعة البشرية والتطورات التى شاهدها العالم على مدى تاريخه.
الدكتور وسيم السيسى الباحث فى تاريخ مصر القديمة، يقول إن المومياوات هى تاريخنا الذى يجب أن نعتز به فإذا كانت الصورة بمليون كلمة «فمبالك بمومياوات بين أيدينا اليوم يمكنا أن ندرسها لنضيف إلى البحث العلم وإلى تاريخنا المصري«، وأضاف:أنا أرفض هذه التصريحات، التى للأسف تخرج من شيوخ يحسبون على الأزهر، فالدكتور زاهى حواس عندما أعلن أن المومياء التى حيرتهم لسنوات تعود لحتشبسوت، لم يكن ذلك من قبيل المصادفة بل كان نتيجة أبحاث علمية كبيرة توصلت إليها الدراسات التى بفضلها أضافت للتاريخ ولتاريخنا المصرى على وجه الخصوص. أرى أن هؤلاء يحاولون تجريدنا من هويتنا المصرية لا أدرى لما السبب، فهم يخدمون للأسف أهدافا صهيونية سواء بقصد أو من غير قصد، فما الشيء الذى يضر فى عرض المومياوات؟ فهم أهدافهم خبيثة مع الأسف فإذا ما وافقنا على عدم عرض المومياوات لن تتوقف مطالبهم أبدًا وسيبدأون بالمطالبة بعدم عرض الآثار كلها لأنها بالنسبة لهم أوثان لا يجب أن تعرض ولا يشاهدها أحد،فالذك أرى أن الأثار هى أساس حضارات الشعوب، وإذا لم تكن هناك آثار فكيف سنعرف تاريخ وحضارات البلاد، وسقوط الدول يأتى من إسقاط تاريخها، وهذا ما حدث فى سوريا والعراق على يد الجماعات الإرهابية، الذين طمسوا تاريخ تلك البلاد ودمروا آثارها، وحاليا يحاولون أن يفعلوا بنا كما فعلوا بتلك البلاد.
من جانبه قال الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن الآية الكريمة رقم ٤٥ فى سورة الحج «فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيد»، تؤكد على أهمية آثار الحضارات السابقة على الإسلام وأنه من معالم هذه الحضارة فى الآية السابقة البئر المعطلة، وهى البئر المهملة المرتبطة بقوم كانوا يستعملونها وبفقدانهم فقدت البئر أهميتها ونضب ماؤها وتعطلت، أما القصر المشيد فهو كل بناء مشيد من أى مادة سواء من الحجر أو الطوب وتعنى كل الآثار السابقة، كما أن رفات السلالات البشرية تقع ضمن الآثار طبقُا لمفهوم الآثار كما جاء فى التعريف الوارد فى قانون حماية الآثار المصرى، كما أن تحنيط الجثامين يغير من صفات الجثامين نفسها وحتى لغويًا يتغير اسمها إلى مومياء ولو تعرضت لعوامل التعرية ستتحلل فورًا لذلك تخضع لنظم خاصة وضعت على أسس علمية وبهذا فهو تكريم وليس إهانة لصاحبها كما أن هذه المومياوات تخضع للدراسة بالفعل من أساتذة متخصصين لمعرفة السلوك البشرى والأمراض التى تعرضوا لها ووسائل العلاج والكثير من المعلومات عن هذه الحضارة وبالتالى فإن استخراج المومياوات وعرضها يخضع للإشراف والدراسات العلمية وهو ما أجازه الدكتور أحمد كريمة وليس الهدف هو حصد الدولارات حتى أن هذا النوع من السياحة يطلق عليه السياحة الثقافية للتعرف على حضارات الشعوب وليس من قبيل الترفيه.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة