من لوحات المعرض
من لوحات المعرض


فى معرض سمير فؤاد : شهرزاد تسكت أم تبوح

أخبار الأدب

الإثنين، 01 فبراير 2021 - 02:11 م

منى عبد الكريم

ما أن نتذكر شهرزاد، حتى يداعبنا الشغف بالحكى، بما كشفته شهرزاد من خفايا عبر حكاياتها التى استمرت ألف ليلة وليلة، لكننا لم نفكر أبدا أن تتوقف شهرزاد عن الحكي، وأن يكون سكوتها عن الكلام المباح ليس سكوتا مؤقتا رهين طلوع الفجر وصياح الديك، فى محاولة لالتقاط الأنفاس والحفاظ على شغف شهريار حاضرا..
فى ثنائياته ما بين البوح والصمت، تأتى أعمال الفنان سمير فؤاد دوما، حتى طبيعته الصامتة التى قدمها فى معارضه السابقة، لم تكن أبدا كذلك، حملت مسطحاته وثمراته صراعا وكلاما تبحث عن عين واعية تجيد الاستماع لبوح الصمت، فليست ثمة سكوت مطلق، إذ أن الصمت نفسه يحمل كثير من الكلام ربما ما يدور داخل عقل الإنسان، لذا فإن حتى تلك المساحات اللونية التى قد توحى بالهدوء فى معرض سمير فؤاد الأخير هو صمت محمل بطاقات مشحونة.. إذ يأتى المعرض عقب فترة من العزلة الإجبارية التى لم ندخل إليها برضانا، والتى على الرغم من هدوئها الظاهرى الذى عشناه جميعا فى المدينة الغارقة فى الصمت، كان هدوءا يسبق عواصف عاتية وضعت الإنسان فى مواجهة نفسه ومخاوفه.
حتى ألف ليلة وليلة اكتسبت معنى جديد، إنها ليالى العزل التى قد تبدو غارقة فى اللاشيء، لكنها فى الحقيقة مليئة بحكايات جديدة، فحين تتساقط الثمرات الحمراء فى ركن بإحدى اللوحات تدرك أنها  سقوط جديد يقع فيه الإنسان، ليس بسبب غواية اختار فيها الخروج من الجنة بإرادته، ولكنها على العكس سقوط مفاجئ لم يكن للإنسان فيه خيار، وإنما اختياره أن يستمر فى البقاء، يحاول أن ينجو منها بالرغبة الجامحة عبر طاقة الجسد ، غواية لم تأت عبر ثمرة تفاح واحدة وإنما ثمرات الرمان التى ترمز للخصوبة تتساقط عند أقدام أجساد تبدو فى وضع ثبات، ولكن على العكس عين مدققة يمكنها أن تقرأ المشهد الخفي، إذ ثمة أبطال مستترين مشحونين بطاقة البقاء.
ويبدو المعرض للوهلة الأولى استكمالا لعدد من التجارب السابقة ومن بينها «لحم« و «المانيكان« لكن الأمر ليس كما يبدو، حتى استخدام الألوان التى اعتادها سمير فؤاد والتى خرجت ما بين الأخضر والأحمر فى معظم اللوحات، جاءت مغايرة لدلالات هذا اللون فى كثير من الأعمال السابقة، فالأخضر لم يعد هو لغة الأضرحة والأولياء والصوفية، ليس هو أخضر الخير، إنما هو أخضر محمل برغبة جامحة، عيون محملة بطاقة مفزعة غارقة فى لون أخضر، طاقة جسدية مناقضة للفعل الروحاني.. حتى الأحمر المنتشر ليس هو أحمر الدم الذى يلطخ الأجساد حاملا معنى للموت،  وإنما هو ربما الرغبة فى الحياة.. الأحمر يظهر أيضا كثقوب منتشرة على المسطح يمكن المرور عبرها للخفي، العبور من خلالها لاستعادة الحياة التى توقفت بغتة.. ثمة ثقوب كثيرة منتشرة فى كثير من الأعمال.. عين مفتوحة وعين مطموسة.. فأيهما ترى وأيهما تعجز عن فعل الرؤية.
أيام العزل تركت أثرا علينا جميعا، لكن فى حالة سمير فؤاد أثرا يتطلب قراءة واعية لفك شفرة أعماله التى يبدو كما ذكرت وأنك تعرفها جيدا، لكن الحقيقة هو أن تلك الفترة قد غيرت مضمون كثير من المفردات ليس فقط دلالات استخدامه الألوان، فاللحم ليس هو لحم الضحية أو الذبيحة التى قدمها فى معرضه منذ عدة سنوات، اللحم العارى هنا هو لحم بشري، ضلوع كادت أن تتمزق، أجساد متداخلة تكاد أن تنصهر، لقد تحول الإنسان نفسه إلى ضحية، ضحية أيام ممتدة غامضة، تتركه محمل بخوف دفين من الموت، وبرغبة أكبر فى طاقة الحياة.
إذ يقول الفنان فى النص المصاحب للمعرض الذى يحمل عنوان «سكتت عن الكلام المباح»: العودة لحواديت الطفولة كالعادة .. الجنس والخوف من الموت والرغبة فى الإستمرار فى الحياة .. المقاومة المدفونة فى جيناتنا، لقد سكتت شهر زاد لكى تؤجل ساعة القضاء المسلط على رقبتها وتكسب لحياتها فجرا جديدا .. مابين «بلغنى أيها الملك السعيد« وسكوتها كانت تداعب خيال السلطان المطعون فى كرامته المتعطش للانتقام بحكايات تهيج  خياله عن الجنس والسلطة والعفاريت والمردة .. يتسيد الجسد فضاء الليالى بحضور طاغ ويتمثل فيه قطبا الرغبة الدافعة لاستمرار الحياة ..
إن شهرزاد لم تكن هى بطلة هذا المعرض وحده فشهرزاد هى كل امرأة رسمها الفنان سمير فؤاد فى لوحاته ليقدمن للعالم حكايات جديدة عن البقاء وعن الشجاعة وعن مواجهة المجهول والخوف شهرزاد هنا هى رمز الصمود  ورؤية ما بعد الحدث، حين سكتت شهرزاد عن الكلام المباح، كان سكوتا بمعنى التأجيل ، تأجيل الموت والتطلع لما بعد الكارثة فى محاولة المقاومة .
يخرج الفنان فى كثير من لوحاته من التشخيص للتجريد، من الوجود للاوجود، من الحركة للسكون، ومن الكلام المباح للكلام المسكوت عنه، وكالعادة يبتسم الفنان سمير فؤاد تاركا عشرات الأبواب المفتوحة أمام المتلقى قائلا فى رده على كثير من الأسئلة: ربما .. التى هى حوار لا ينتهى بينى وبينه من تجربة لأخرى، وبينه وبين لوحاته، وبين لوحاته ومن يراها.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة