عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب


شىء من الأمل

التاريخ ومصادفاته!

‬عبدالقادر شهيب

الخميس، 18 فبراير 2021 - 07:05 م

فى مثل هذا الشهر منذ نحو ٥٣ عاما مضت اندلعت فى الجامعات مظاهرات طلابية احتجاجاً على أحكام قادة الطيران خلال هزيمة يونيو ٦٧.. كانت هذه المظاهرات هى الأولى التى تشهدها الجامعة منذ مظاهرات ٥٤، وجاءت بعد أقل من ثمانية أشهر فقط من خروج جماهير المصريين إلى الشوارع بشكل عفوى تطالب عبدالناصر بالعدول عن استقالته والاستمرار فى موقعه رئيسًا للجمهورية وقائدًا أعلى للقوات المسلحة لكى تتم إزالة آثار العدوان واستعادة سيناء الحبيبة.

.. ولذلك فاجأت هذه المظاهرات الكثيرين ومن بينهم بالطبع جمال عبدالناصر، الذى كان يمكن أن يتخذ موقفًا مختلفًا تجاه هذه المظاهرات لولا مصادفة جعلته يتقدم بورقة إصلاحات سياسية تستجيب لمطالب الشباب الذين كان يعتصرهم الألم بسبب الهزيمة الصادمة جدًا لهم.

وتمثلت هذه المصادفة فى أن مثقفًا كبيرًا هو سعد الدين وهبة الذى كان يتولى وقتها رئاسة الشركة القومية للتوزيع أطل من نافذة مكتبه ليشاهد المظاهرات الشبابية التى كانت تمر فى شارع رمسيس فتعرض للإصابة بطلقة خرطوش نقل على إثرها إلى مستشفى الهلال القريبة من مكتبه.. ولأن الشركة كانت تتبع وقتها وزارة الثقافة فقد ذهب وزير الثقافة لزيارته فى المستشفى وكان وقتها هو أشهر وزير ثقافة فى مصر ثروت عكاشة، وهناك التقى بمجموعة من الطلاب الذين جاءوا لزيارة زملائهم الذين تعرضوا لإصابات مشابهة فاستمع منهم لشهادتهم على ما حدث..

ومن المستشفى ذهب ثروت عكاشة إلى مجلس الوزراء لحضور اجتماع عاجل للحكومة التى كان يرأسها وقتها عبدالناصر لمناقشة ما جرى وكيف تتم مواجهته، كما روى فى مذكراته التى نشرتها له دار الهلال.

وهناك وخلال الاجتماع قدم وزير الداخلية وكان وقتها شعراوى جمعة رواية مختلفة لما حدث وشهدته البلاد خلال تلك المظاهرات، وتتهم الطلاب بإثارة الشغب واللجوء إلى العنف.. وهنا رد عليه ثروت عكاشة بما شهده وسمعه من الطلاب الذين التقاهم مصادفة فى مستشفى الهلال، وقدم رواية اخرى لما حدث خلال المظاهرات.. وتفهم عبدالناصر ما حدث، او تفهم سبب غضب الطلاب وشرع بعدها على الفور للاستجابة لمطالبهم التى لم تقتصر وقتها على إعادة محاكمة قادة الطيران وإنما إزالة الأسباب السياسية التى أصابتنا بصدمة الهزيمة حتى نتمكن من إزالة آثار العدوان.. فكانت ورقة مارس التى تضمنت إصلاحات مختلفة لم يسعف الوقت عبدالناصر لتنفيذها لانشغاله بإعادة بناء القوات المسلحة لتكون قادرة على تحقيق النصر وهو ما تحقق فى حرب أكتوبر ٧٣

وهكذا.. التاريخ وإن كانت لا تصنعه المصادفات وإنما هناك أحيانًا مصادفات تؤثر فيه.. وربما لذلك نردد.. رب صدفة خير من ألف ميعاد، ونقول أحيانا.. الصدف لا تأتى إلا لمن يستحقها، وعبدالناصر كان بالفعل يحتاج لهذه المصادفة حتى يتخذ القرار السليم وقتها.

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة