أيام همام
أيام همام


فى أيام همام

لغة سردية تؤطر قضايا التصنيف

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 23 فبراير 2021 - 05:43 م

د. محمد على سلامة
يطوف بنا فاروق عبد الله، فى آفاق زمانية ومكانية فى متواليته السردية «أيام همام»، فهو يحلق فى زمان طويل يتخطى نصف القرن، فى خط زمنى صاعد تتخلله بعض الاسترجاعات (الفلاش باك) تفرضها حركة السرد، وطبيعة الحكاية ، ولكنه يستعمل إمكانياته الروائية والسردية ليجعلها أشبه برواية أو مجموعة متوالية من القصص المسرودة، ولكن يربط بينها رابط وهو همام.
   وفى أثناء ذلك لاينسى- فاروق عبد الله أن يوثق هذه السيرة تاريخيا فيستعرض أحوال البلد أو الحى الذى يسكنه، ويمضى الرجل فى وصف رحلته المفعمة بالآلام والصراعات، وتنقله ما بين وظيفة وأخرى جامعا بين إشادته بالتزامه فى كل وظيفة شغلها، وبين كشفه للتناقضات والصراعات الكفيلة بتأخر البلد، أو وقوفه محلك سر من رشاوى ووساطات ومجاملات، والدفاع عن أهل الثقة مهما كانت أخطاؤهم، ويحكى همام، وهو الاسم الذى اتخذه الكاتب لنفسه ليقص قصته، وهو اختيار موفق فهو مشتق من الهمة، وهى التى تسلح بها كاتبنا فى كل مراحل حياته، بدءا من حياته التعليمية الأولى فى الابتدائية لينتقل إلى الثانوى العام الذى كان مقصورا على الأغنياء ويلتحق به استثناء الطلبة المتفوقون من أبناء الطبقة الوسطى. 
    مخزونه الهائل من التجارب والمعاناة، مكنه من أن يخط أعمالا صادقة شجاعة قدرها النقاد فأعطوه عنها الجوائز والأوسمة وشق بها طريقه الواسع ما بين أقرانه من كبار الكتاب والأدباء، من بين مجلداته التى كتبها عن الجزائر جاءت روايته بعنوان « سيبيجاج» فى جزءين، حكت عن بطولات المجاهدين فى حربهم ضد المحتل الفرنسى الغاصب، وكيف ساهمت مصر بقيادة عبد الناصر فى مؤازرة الثورة الجزائرية حتى النصر.
  حكى همام فيما حكى، عن زياراته التى تكررت، والتى عبر خلالها البحر الأبيض إلى الضفة المقابلة حيث بلاد الفرنجة بكل ما حوت من غرائب ومتناقضات، منها قصته التى نشرت بمجموعته القصصية بعنوان «ملك ليلة» عن الهيئة المصرية للكتاب، حكى فيها قصة أغرب من الخيال، ليصدقها أو يكذبها من شاء، عن شخص عربى – ربما همام – فى زيارته إلى إحد الشواطئ الأوربية حيث قوبل بجفاء لاقتصار الشاطئ على رواده من أثرياء الشمال، حين هم بالإنصراف، إذا باستغاثة لغريق يصارع الأمواج، ولأنه يجيد السباحة فقد هب لنجدة الغريق الذى تبينه لامرأة قادها بسلام نحو الشاطئ بين إعجاب الرواد واستحسانهم، فى طريقه للانصراف جاءته دعوة السيدة التى أرادت مكافأته، لكنه أبى بشهامه العربى الأصيل، فلا شكر على واجب أداه، وتستمر الأحداث حتى تقيمه السيدة ملكا فى حفل المساء الذى أقيم على شرفه، وقبل أن تشرق الشمس يستأذن فى الرحيل إلى بلاده رافضا العرض السخى للبقاء، معلقا بأن الساخن والبارد لا يلتقيان.
   فى هذه القصة نشعر بملكات فاروق عبد الله القصصية والسردية، حيث نعاين عنصر التشويق، ثم يفاجئنا بنهاية القصة التى تحمل المفارقة، فمثل همام لا يمكن أن تقدم له العروض المجانية من أمثال هذا العرض، ثم يتركه يذهب ولا يغتنمه، إنما يريد كاتبنا أن يوضح مدى التزام همام وصرامته، وهو إطراء للنفس مقبول، ويتفق مع الأوصاف التى تمتع بها همام عبر رحلته القصصية فى هذه المتوالية السردية المراوغة، فأحيانا يأخذنا إلى التاريخ، ويوثق الأحداث وكأنه مؤرخ، ولكن تغلب عليه روح القاص والسارد فيحكى أحداث بأسلوب روائى يتحكم فيه عنصر التشويق.
 ولو فكرنا فى مثال لهذا لأخذنا رحلته الى الواحات مثالا دالا من بدء الرحلة التى آثر فيها الواجب على العاطفة ( وإلا لما سمى بطله همام)، فهو صاحب الهمة كيف يتوانى عن مهمة حتى ولو كان العائق هو احتفاله بعيد ميلاد ابنته، ثم يصف معاناة الرحلة، ثم ترك السيارة له مدة تقرب من الشهر ليجمع بين المهمة وبين السياحة، وتكون الرحلة على عنائها ممتعة حيث زار العديد من أماكنها التاريخية من معابد وبحيرات وواحات خضراء، وبالتالى خرجت الرحلة الموثقة بكونها مهمة عمل، لتصبح قصة قصيرة تحمل من المعانى الدلالات الكثيرة.
    ويدهمنا سؤال: هل يمكن أن تعد هذه المتوالية السردية  ضمن أدب الرحلات؟ إنها تحمل كثيرا من مقوماته، النشأة والتكوين والتمهيد، إذن يتنازع هذه المتوالية السردية قضايا التصنيف، فهى يمكن أن تقرأ على أنها رواية بطلها الراوى العليم الذى يتماهى مع المؤلف، وشخصياتها نماذج بشرية من كل نوع وصنف، ويمكن تصنيفه كذلك على أنه أدب رحلات، فرحلة البطل تنقلت بين بلدان كثيرة وشاهد فيها نماذج  وأنماطًا من البشر متنوعة، وعادات وتقاليد أهالى هذه المناطق، وهو نص معبر بكل معنى الكلمة عما عاناه همام فى حياته العملية والتعليمية، بقى أن نتحدث عن لغة التعبير فقد استخدم السارد لغة عربية معبرة عن وجهة نظره، وكانت لغة سردية ممزوجة بلغة شعرية حيث تضمنت المتوالية قصائد شعرية مستوحاة من الموقف الذى يسرده، سواء أكانت من شعره الذى قاله فى أعقاب الحادثة ليوجزها ويكثقها فى قصيدة، أم من شعر شعراء آخرين مشهورين مثل عمر الخيام، وعبد الرحمن الخميسى، ونزار قبانى، وقصيدة أبى العلاء المعرى، وكذلك بعض الأغانى الشهيرة مثل: يا وابور الساعة اتناشر يا مقبل عالصعيد، لكن أغلب الأشعار جاءت من إبداعه هو تأثرا بالمواقف التى واجهها وكانت أحيانا تطول لتستغرق الصفحتين من العمل الإبداعى الذى نتحدث عنه.
   وفى النهاية فنحن أمام عمل إبداعى جميل ومعبر عن رؤية صاحبه للحياة والواقع الذى يعيشه بكل آماله وآلامه، وقد عبر صاحبه عن رؤيته بسرد يجذب القارئ، ويتمتع بقدر من التشويق والإثارة ويستحق القراءة والاستمتاع به.
الكتاب: أيام همام
المؤلف: فاروق عبد الله
الناشر» ببلومانيا


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة