الموسيقار محمد عبد الوهاب - صورة إرشيفية
الموسيقار محمد عبد الوهاب - صورة إرشيفية


يوم بكى فيه محمد عبدالوهاب بحرقة.. ظل يتلو آيات القرآن

نسمة علاء

الجمعة، 30 أبريل 2021 - 09:08 ص

إن  فقد الأم هو أعظم الكوارث التي يمكن أن تحدث لأي شخص مهما كان صغيرا أو كبيرا،  فهو أسوأ ما قد يحدث للإنسان، ففقد الأم هو فقد للحب والحنان والأمان وإغلاق بابا من أبواب الجنة، فهو الفراق الحقيقي والألم الداخلي الذي يعصر القلب بشدة ولا يمكن لأي شيء أن يعوضه أو يداويه.

 

 

ورصدت مجلة أخر ساعة يوم 13 فبراير 1963 أكثر لحظات موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب حزنا وآلما، فقد كانت والدته كل شيء في حياته بل كل نبضة في قلبه، كل حنان عليه، كانت بجانبه طول الوقت ولو أنها في مصر الجديدة وهو في الزمالك، فكان دائما يتكلم عنها سواء في بيته أو في عمله، كان يشعر بلذة وحنين جارف حينما يصفها لأصدقائه فقد كان يرى فيها الأم والجمال والحب.

 

 

 

وحينما رفع سماعة التليفون في ذلك الصباح الحزين لم يسمع صوتها الهامس ولم تصل إلى أذنه نبضات أنفاسها من بعيد، فتقلص وجهه ولم ينتظر لكي يسمع الخبر فقد أحس قلبه على الفور بالكارثة، وأسرع إلى غرفة بعيدة من البيت وأغلقها على نفسه وأسند رأسه إلى برواز صورتها وظل يبكي ويبكي، يبكي أمه بل يبكي حياته.

 

 

وفي المساء ذهب الأصدقاء إليه يقدمون له العزاء وهو يكتم دموعه ويداري أحزانه، ولكن وجهه كان شاحبا معصورا، وكانت نظراته شاردة تائهة، وظل يدندن الآيات القرآنية بصوته مع المقرئ وكان البعض يسمعه لأول مرة وهو يرتل القرآن وتذكر أصدقائه الكلمة التي قالها لهم ذات يوم في أحد أحاديثه عن أمه فقد قال لهم: 

 

 

"إنها تحب أن تسمعني وأنا أرتل القرآن أكثر من سماعي وأنا أغني للحب، وأسعد لحظاتها حينما أجلس بجوارها على السرير وأرقيها بالآيات القرآنية وأهمس في أذنها بكلام الله"

 

 

وقطع الصمت المطبق على ردهة البيت دخول أحد المعزين واقترب منه وشد على يده وهو يقول: البقية في حياتك، وربنا يعوضك، وكأنما انتزعته هذه الكلمة من تأملاته البعيدة وشروده وكأنه أفاق على ضربات قاسية تمزق قلبه وتقلصت ملامحه بالغضب وهو يقول لصديقه:

 

اقرأ ايضا||ليلى مراد باحت بحبها لعبد الوهاب فلقنها درسًا قاسيًا

 

"إياك أن تعيد هذه الكلمة مرة ثانية، أنا ممكن أعوض أي شيء في الدنيا، أموالي، أولادي، زوجتي، لكن من الذي يعوضني عن أمي!"، وأخذ يتمتم بينه وبين نفسه: أنها لا تتكرر، لا تتكرر أبدا.

 

 

وفي آخر الليل.. أمسك عوده وجلس وحيدا في غرفته الخاصة وأخذ يهمس بنغم حزين، ومضى في نغمه والدموع تتسرب من وراء نظارته السميكة وتبلل وجنتيه، ومضى الوقت وتوقفت الدموع وأحس بالراحة تسري في كيانه فقد ودعها وحده وبطريقته، وقال في وصف إحساسه وقتها بقوله: أشعر أنني عدت طفلا، وأغسل هموم صدري وأصبح فقط الولد "محمد" الشقي الخايب.

 

 

لقد مات أبوه عام 1927 وكان عمره 17 سنة، ولكنه لم يشعر بالكارثة لأنها كانت بجواره، وكان أبوه قد ترك البيت من قبل بسنوات وتزوج واحدة أخرى وبقيت وحدها ترعاه وتشجع هوايته، وكانت تسهر طوال الليل حتى يعود في الفجر لتسخن له العشاء، وكانت الأكلة التي يحبها من يديها هي "طبق الكفته" وكان لا يأكلها إلا منها، وحتى بعد أن أصابها الشلل في الفترة الأخيرة ظلت تشرف بنفسها على أعداد الكفتة لأبنها محمد حينما يذهب لزيارتها في مصر الجديدة.

 

 

وقبل وفاتها بيوم واحد ظل يتحدث عنها لأحد أصدقائه ويقول: أمي هي الشخص الوحيد الذي أثق فيه ثقة مطلقة تصور أنها لم تخرج في حياتها سوى ست مرات، إن البيت الذي تدخله لا تحرج منه إلا لتنقل لبيت آخر، ومنزل مصر الجديدة بقيت فيه 1 سنة ولم تخرج منه إلا مرة واحدة إلى المستشفى ثم عادت إليه وكلما حاولت أن آخذها للإقامة معي ترفض الخروج من البيت الذي أحبته.

 

 

ولم يكف عن التحدث عنها أبدا فبعد وفاتها قال: كانت الحنان الكبير الذي يظللني في كل لحظة وظلت كذلك حتى بعد وفاتها، فخرجت يوم تشييع الجنازة في الظهر وكانت الشمس تلفح رأسي خلف نعشها وفجأة توقف النعش وتراجع قليلا حتى أصبحت أسير في ظلاله واحتوتني أحضانها لآخر مرة فقد كانت تعلم أنني أتعب من الشمس.

وسكت محمد عبد الوهاب الطفل الذي فقد أمه، حبه العظيم.

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم

 

اقرأ ايضا||«الكواكب» تحيل الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى لجنة تسنين !

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة