توم أهارون مدافعاً عن دولته
توم أهارون مدافعاً عن دولته


قشرة صدئة تستند إلى كليشيهات فارغة: الكوميديا الإسرائيلية تنضم للمعركة

أخبار الأدب

الإثنين، 31 مايو 2021 - 02:53 م

نائل الطوخى
 

مثلما دارت المعركة، على الصعيد العربى، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى والفنون الجديدة المرتبطة بها، فقد دارت هكذا فى الجانب الإسرائيلى، وواحد من أبرز تجلياتها كان فن الستاند آب كوميدى، أو «الكوميديا على الواقف» كما يُترجم أحيانًا بالعربية، ويختار فيه العارض موضوعًا محددًا ليتكلّم عنه أمام جمهوره، مستعينًا بحضوره وسرعة بديهته اللذين يتيحان له الارتجال لدقائق طويلة.


عُرف توم أهارون، أحد فنانى الستاند آب كوميدى الإسرائيليين الأشهر، بانتقاده لإسرائيل وبتحيزه لهويته الشرقية المزراحية (من أصول عربية)، وعلى خلاف الكثيرين من نشطاء الهوية المزراحية فى إسرائيل، الذين يكتفون بانتقاد هيمنة الإشكنازيين دون أى تلميح للفلسطينيين، فقد أكثر أهارون سابقًا من الكلام عن قمع الفلسطينيين وعن تمييز الدولة ضدهم، رابطًا هذا باضطهاد اليهود المزراحيم كذلك. فى فيديو يعود لعام 2018، شرح لماذا تُعد إسرائيل مسئولة عن الكارثة فى قطاع غزة، وكيف أنها لم تغادر القطاع فى الحقيقة، وكيف أن الحصار الطويل يشجّع العنف والإرهاب والحرب.
لم يكن هذا سوى توم أهارون القديم، إذ يبدو الآن أن تحولًا قد وقع له فى الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ففى عز قصف غزة بالصواريخ، قدّم عرضًا جديدًا حاول فيه الدفاع عن دولة إسرائيل، حاول فعلها بخفة ظل ولكنها فشلت فى إضحاك متابعيه، حاول فعلها رغم أنه يقول: «ليس دفاعًا عن إسرائيل ولا عن الحرب، ولكن..»
بدأ أهارون عرضه بالقول إن «هذه أيام صعبة على شعبى». قبل أن يأخذ فى تعداد مظاهر تغيّر الرأى العام العالمى بخصوص إسرائيل.
«دوا ليبا [المغنية البريطانية] نشرت دعوى على صفحتها بموقع انستجرام لإنقاذ الشيخ جراح. العارضة جيجى حديد كتبت منشورًا يوضح أنه «من غير المسموح لكم محو فلسطين». [المغنى الكندي] ذى ويكند شارك منشورًا يتهم إسرائيل بـ«التطهير العرقى»... ولكن لا تخطئوا، فقائمة المشاهير الداعمين لإسرائيل هى لامعة على أقل تقدير: عبّر الممثل الأرجنتينى البالغ 49 عامًا فاكوندو أرينا عن دعمه لإسرائيل فى محادثة شخصية مع صديق له نشرها بعد ذلك على حسابه فى انستجرام».
بعد هذه المقدمة، ينتقل أهارون إلى الهدف الأساسى من الفيديو؛ فنان الستاند آب البريطانى جون أوليفر، والذى انتقد إسرائيل بحدة فى حربها الأخيرة ضد غزة. بعد مرور دقيقة من الفيديو، المكون تقريبًا من سبع دقائق، تبدأ حوارية بين فنانَيْ الستاند آب كوميدي؛ البريطانى الذى ينتقد إسرائيل، والإسرائيلى الذى يدافع عنها.
جون أوليفر: السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط مخلصة لفكرة أن أمريكا هى صديقة لا تهادن لإسرائيل، وهذا أمر رائع، ولكن فى نهاية اليوم، كنت آمل أن يخبرنى الصديق الحقيقى عندما أصبح وغدًا، وبالتأكيد عندما أنفّذ جرائم حرب لعينة. 
توم أهارون: وأنا كنت آمل أن يكون عندى فتات من ثقة الرجل الأبيض بنفسه عندما يتكلّم عن أمور تحدث بعيدًا عن المكان الذى يعيش فيه بآلاف الكيلومترات... ليست لديّ ثقة كهذه بنفسى حتى عندما أتكلّم عن أمور تحدث داخل بيتى، رأيت كلبتى تأكل من على الطاولة وكان وضعى مثل [وبحركة تنمُّ عن التردد]: لا أعتقد أنك ينبغى أن تفعلى هذا.
جون أوليفر: (بعد عرض تقرير إخبارى للقصف يستخدم مصطلح «حرب العين بالعين») أوكى، هناك الكثير من الأشياء التى ينبغى تفكيكها هنا... [منها] استخدام مفهوم «حرب العين بالعين»، وهذا بخصوص صراع مُنى فيه طرفٌ ما بقتلى يزيد عددهم عن قتلى الطرف الآخر عشرة أضعاف. انعدام التوازن له دور أيضًا. 
توم أهارون: لا أعتقد أن أحدهم ينكر فرق القوة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن عدم التوازن فى حد ذاته ليس غير أخلاقي. أن تكون قويًا فهذا يتطلب منك مسئوليات؟ بالتأكيد، أخمن، لا أعرف، أنا شخصيًا لم أكن قط أقوى من أى أحد آخر، ولكن هذا ما أسمعه. ولكن هل هذا يعنى أنك مذنب بشكل تلقائى لكونك الأقوى؟ بالتأكيد لا، هذا يبدو كما لو أنك غاضب منا لأنه لم يصَب منا أناس أكثر.
فى عرض الستاند آب الجديد، حاول أهارون استخدام كل ترسانته المعهودة، لماحيته وخفة ظله، غير أن شيئًا فيه جاء منطفئًا وغير مقتنع بما يقوله. لم يبق فيه غير «قشرة صدئة»، بتعبير الصحفية أورلى نوى فى منشور كتبته على فيسبوك تعليقًا على الفيديو الأخير له.
حتى تركيزه السابق على المزراحيم، لم يتبق منه هنا سوى «إدانة الرجل الأبيض» لكونه ينتقد إسرائيل. وبخصوص هذه النقطة بالتحديد، تذكّره نوى أن النقد الأكثر حدة ضد إسرائيل كان من نصيب ترفور نواه، فنان الستاند آب من جنوب أفريقيا، وهو ليس أبيض على وجه التأكيد، وكان قد قدّم فيديو ركّز فيه أيضًا على فرق القوة بين الطرفين، طارحًا سؤالًا على متابعيه: «لو أنكم تتعاركون مع شخص غير قادر على ضربكم، فبأى قوة يمكنكم «الرد بالمثل» عندما يحاول الطرف الآخر إيذاءكم؟»، ليتبعه بسؤال آخر إلى إسرائيل نفسها: «إذا كنتم تملكون كل هذه القوة، فما هى مسئوليتكم إذاً؟».
عودة لفيديو توم أهارون وتلميحه الذى وجّهه لجون أوليفر بكونه غاضبًا لأنه لم يُقتل إسرائيليون أكثر، والذى أثار حفيظة الكثير من متابعى الرجل، وترد عليه نوى فى منشورها قائلة:
«بجانب الإحباط، فمن المحزن أن نرى كيف يتدنى الذكاء وتتدنى الحجج بسرعة عندما ننزل لهذا الموقف. [هو] يتهم جون أوليفر، ولأنه أصر على عرض موازين القوى بين الجانبين، والمنعكسة فى عدد القتلى بينهم، بأنه يبدو غاضبًا لعدم موت أناس أكثر منا. فى مونولوج له من 2018، يتطرق أهارون نفسه، وبتفصيل، لعلاقات القوى المشوهة بين الجانبين، فيقول من بين ما يقول: نحن نمنع الفلسطينيين فى غزة من اقتناء المبيدات الحشرية، بينما لدى ليبرمان قنبلة ذرية. توم أهارون الحالى يتهم توم أهارون السابق بأنه يبدو غاضبًا لكون حماس لا تمتلك قنبلة ذرية».
بدا للكثيرين، كما أسلفت، أن ثمة تحولًا كبيرًا قد وقع فى أفكار أهارون، ويبدو أنه هو نفسه قد انتبه لهذا التحول، فقرّر تبريره لمتابعيه، وكانت طريقته فى هذا هى التنصل من تاريخه كله: «لا أريد أن أبدو دعائيًا، من حق الجميع انتقاد إسرائيل، هذا تمام، أعنى، الهولوكست حدث لتوه، ولكن تمام. أنا أيضًا أسترزق من انتقاد إسرائيل».
هذا هو الأمر إذن، لم يكن الفنان، فى كل الانتقادات التى وجّهها سابقًا لدولته، سوى مرتزق أو يأكل عيشًا. من المحزن أن نرى فنانًا يتبرأ من كل تاريخه لخدمة بروباجندا دولته.
مع هذا، لا يعدم أهارون الحيل لإضفاء المصداقية على كلامه، منها ادعاء الحيرة فى مقابل اليقين الذى يتحدّث به منتقدو إسرائيل، هو الذى لا يستطيع أن يقول لكلبته، وبشكل يقينى، أن الأكل من على الطاولة فعل خاطئ، ومنها إشارة سريعة، لا تستغرق سوى ثانية، بكونه ضد نتنياهو؛ يبرر أهارون قصف غزة بـ«كوننا» لا نستطيع تغيير النظام الحاكم هناك، فى مقابل قدرتنا على تغيير نظامنا نحن، نحن الذين أجرينا عشرين انتخاباً فى العام الحالى فقط، وهذا الرجل [نتنياهو] لم يفهم هذا الأمر.
يثير هذا التلميح حفيظة الصحفى توم مهاجير، الذى يصفه، فى منشور له بالفيسبوك، بـ «المقرف» : «[كأنه يقول] أنا والعياذ بالله لست من أتباع نتنياهو، ولكن الجيش والشرطة هم على ما يرام جدًا».
لاهتمامها الكبير بالهوية المزراحية، كما بحتمية ربطها بالنضال الفلسطينى، تختم الصحفية أورلى نوى منشورها، فيما يبدو وكأنه رسالة تذكيرية إلى أهارون، قائلة: 
«الهوية المزراحية كموقف سياسى، كما أفهمها أنا، عليها أن تكون راديكالية فى جوهرها... لو انحصر طموح المزراحية فى التسلق لأعلى السلم، لنشق لأنفسنا طريقًا إلى حضن الهيمنة الصهيونية المتكبرة، العمياء والعنيفة، بدلًا من الصراع بحثًا عن بديل يقع خارج جدرانها، فلن تكون هذه الهوية هنا أكثر من قشرة فارغة تستند إلى كليشيهات ولمحات فارغة».
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة