صانع الاختفاءات
صانع الاختفاءات


القصة ونظرية الألعاب

أخبار الأدب

الأربعاء، 16 يونيو 2021 - 11:55 ص

 كتب "عمر‭ ‬العسرى

إذ‭ ‬ما‭ ‬أكثر‭ ‬النصوص‭ ‬القصصية،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬التساؤل‭ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬منخرطة‭ ‬فى‭ ‬وجودها‭ ‬بالحس‭ ‬الجمالى‭ ‬والحدس‭ ‬الالتقاطى‭ ‬الذى‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬فضاءها،‭ ‬وتلمح‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬الآن‭ ‬ذاته؟‭ ‬وهل‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭ ‬محصورة‭ ‬فى‭ ‬الاستجابة‭ ‬لحاجة‭ ‬سرد‭ ‬الحكاية‭ ‬وتقديم‭ ‬الواقع‭ ‬كحياة‭ ‬مألوفة؟‭ ‬وهل‭ ‬السرد‭ ‬الآلى‭ ‬مقتصر‭ ‬على‭ ‬التتابع‭ ‬المكانى‭ ‬والزماني،‭ ‬بحيث‭ ‬يثير‭ ‬اطمئنان‭ ‬القارئ؟‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬عادية‭ ‬وطبيعية‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬التفكير‭ ‬السردى‭ ‬مهادنا؟

إننا‭ ‬فى‭ ‬جلية‭ ‬الأمر‭ ‬إزاء‭ ‬واقع‭ ‬غامض‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الحيرة‭ ‬والتساؤل،‭ ‬تتجرد‭ ‬فيه‭ ‬الأشياء‭ ‬والعناصر‭ ‬والعلاقات‭ ‬والوقائع‭ ‬المألوفة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬مظهرا‭ ‬فارقا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نظرة‭ ‬القاص‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬والعالم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستجيب‭ ‬لهذا‭ ‬التشعب‭ ‬المتحقق،‭ ‬والإرباك‭ ‬المهيمن‭ ‬ليس‭ ‬بنقله‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بحذافيره،‭ ‬وإنما‭ ‬بإعادة‭ ‬صياغته‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬جمالية‭ ‬وفنية‭ ‬خاصين‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬فإن‭ ‬الكتابة‭ ‬المعاصرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسائل‭ ‬تغيير‭ ‬الممكن،‭ ‬وهو‭ ‬استعداد‭ ‬كتابى‭ ‬لمرحلة‭ ‬مراجعة‭ ‬الشاهد‭ ‬الواقعي،‭ ‬والنموذج‭ ‬الوجودى‭ ‬مراجعة‭ ‬كلية،‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة‭ ‬والتقنية‭ ‬والتجريب،‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬حركة‭ ‬ارتداد‭ ‬هدم‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الأزمنة‭ ‬والأمكنة،‭ ‬وكذا‭ ‬إعلاء‭ ‬الإحساس‭ ‬بالنسق‭ ‬السردى‭ ‬العام‭ ‬كضرب‭ ‬من‭ ‬الترسيم‭ ‬الذى‭ ‬يتخذ‭ ‬له‭ ‬شاكلة‭ ‬هندسية‭ ‬تفتح‭ ‬أفق‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭ ‬على‭ ‬اللانهائى‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬المختلفة‭. ‬

إن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحديدات‭ ‬الأولية،‭ ‬تمنحنا‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬التجديد‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭  ‬منطلقه‭ ‬الأساسى‭ ‬الكتابة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وكيفية‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬ليس‭ ‬كقاعدة‭ ‬ثابتة‭ ‬أو‭ ‬بنية‭ ‬قارة،‭ ‬وإنما‭ ‬كمشروع‭ ‬مفتوح،‭ ‬ونص‭ ‬مقيم‭ ‬على‭ ‬التخوم‭. ‬وقد‭ ‬وجدنا‭ ‬فى‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬للقاص‭ ‬أنيس‭ ‬الرافعى‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬التحديدات‭. ‬وهى‭ ‬عمل‭ ‬ينقل‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬عبر‭ ‬لعبة‭ ‬ميتا‭-‬سردية‭ ‬تحاكى‭ ‬منطق‭ (‬مكعب‭ ‬روبيك‭) ‬هندسيا‭ ‬ووظيفيا،‭ ‬وتتمثل‭ ‬فن‭ ‬الرسم‭ ‬الساخر‭. ‬ليظل‭ ‬السؤال‭ ‬مطروحا،‭ ‬كيف‭ ‬اخترق‭ ‬نظام‭ ‬اللعب‭ ‬هذا‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية؟‭ ‬وكيف‭ ‬تعايش‭ ‬السرد‭ ‬واللعب‭ ‬والرسم؟‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬حركة‭ ‬إحلال‭ ‬وإزاحة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأسناد‭ ‬الثلاثة‭ ‬المتجاورة؟

أسئلة‭ ‬تطرح‭ ‬ذاتها‭ ‬بالتساوق‭ ‬مع‭ ‬المجهود‭ ‬التجريبى‭ ‬الذى‭ ‬اضطلعت‭ ‬به‭ ‬المجموعة،‭ ‬وأيضا‭ ‬لطبيعة‭ ‬المبرر‭ ‬فى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الإطارات‭ ‬والمتغيرات‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تطال‭ ‬النص‭ ‬القصصي،‭ ‬وهو‭ ‬يحاكى‭ ‬نظاما‭ ‬كتابيا‭ ‬بخلفيتين؛‭ ‬مكعب‭ ‬روبيك،‭ ‬والرسم‭ ‬الأيقونيالساخر؟‭ ‬

المتعدد‭ ‬السردى

إن‭ ‬كل‭ ‬اختيارات‭ ‬أنيس‭ ‬الرافعى‭ ‬فى‭ ‬أضاميمه‭ ‬القصصية‭ ‬كانت‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬أسناد‭ ‬مختلفة،‭ ‬تصرح‭ ‬بها،ثم‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تجريب‭ ‬انصهارها‭ ‬فى‭ ‬صلب‭ ‬النص‭ ‬القصصي،‭ ‬وقد‭ ‬توقفنا‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬مونوغرافية‭ ‬موسعة‭ ‬1‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬تعلى‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬سندين‭ ‬أساسين‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إليهما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فى‭ ‬تجربته‭ ‬المغامرة،‭ ‬هما‭: ‬مكعب‭ ‬روبيك‭ ‬وفن‭ ‬الرسم‭ ‬الساخر‭. ‬ومن‭ ‬خلالهما‭ ‬سنتوغل‭ ‬فى‭ ‬تفاصيل‭ ‬اللحظة‭ ‬القلقة،‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬نسيج‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬القصة،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتماد‭ ‬شخصيات‭ ‬فردية،‭ ‬وانتهاج‭ ‬صيغة‭ ‬وصفية‭ ‬أساسها‭ ‬البورتريه‭ ‬تستمد‭ ‬مشروعيتها‭ ‬من‭ ‬المحاكاة‭ ‬الساخرة‭ ‬أحيانا،‭ ‬ومن‭ ‬التعدد‭ ‬الوظيفى‭ ‬لبنيات‭ ‬السرد‭ ‬القصصي‭. ‬

تتوزع‭ ‬المجموعة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬حيزين‭ ‬مهمين،‭ ‬الأول‭ ‬بصرى‭ ‬متمثل‭ ‬فى‭ ‬الأيقونات‭ ‬البصرية‭ ‬الساخرة‭ ‬التى‭ ‬أبدعها‭ ‬الرسام‭ ‬العراقى‭ ‬برهان‭ ‬المفتي‭. ‬والثانى‭ ‬نصيّ‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬ثمانى‭ ‬قصص‭ ‬مجزأة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعتين‭ ‬بينهما‭ ‬علامة‭ ‬شارحة‭ ‬موسومة‭ ‬ب‭ (‬وقت‭ ‬مستقطع‭). ‬موقعهما‭ ‬التأليفى‭ ‬مسبوق‭ ‬بثلاثة‭ ‬نصوص‭ ‬هي‭:(‬دليل‭ ‬اللعبة،‭ ‬تشغيل‭ ‬اللعبة،‭ ‬نظام‭ ‬اللعبة‭). ‬وقد‭ ‬ذيلت‭ ‬المجموعة‭ ‬بطرس‭ ‬رابع‭ ‬معنون‭ ‬ب‭ (‬ملاحق‭ ‬اللعبة‭). ‬

إن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬الداخلة‭ ‬فى‭ ‬صلب‭ ‬معمارية‭ ‬المجموعة‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬الحس‭ ‬التأليفى‭ ‬الذى‭ ‬ارتضاه‭ ‬الكاتب،‭ ‬وذلك‭ ‬بفتح‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭ ‬على‭ ‬متعدد‭ ‬سردي،‭ ‬لا‭ ‬يكتفى‭ ‬بحكى‭ ‬الأحداث‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬باعتماد‭ ‬السند‭ ‬البصري،‭ ‬والمقصدية‭ ‬الكتابية‭ ‬التوزيعية‭ ‬للنصوص‭. ‬ولعل‭ ‬العلاقات‭ ‬البنائية‭ ‬التى‭ ‬تنشئها‭ ‬المجموعة‭ ‬بين‭ ‬مكوناتها‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬وأحداث‭ ‬وأمكنة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها‭ ‬التفكير‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬العادية‭ ‬والمألوفة‭ ‬للكتابة‭ ‬القصصية‭. ‬بل‭ ‬هى‭ ‬متوترة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعدد‭ ‬الذى‭ ‬أبانت‭ ‬عليه،‭ ‬والمنطلق‭ ‬الذى‭ ‬أرسته‭ ‬بخلفية‭ ‬معرفية‭ ‬تعمق‭ ‬الوعى‭ ‬بالموضوع‭ ‬والفكر‭ ‬القصصين‭. ‬

هكذا‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬كتابةمتشعبة‭ ‬فى‭ ‬سبيكة‭ ‬واحدة،‭ ‬ويمكن‭ ‬تحديدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬

سرد‭ ‬الرسم‭ ‬الساخر‭.‬

سرد‭ ‬النص‭ ‬الشارح،

محكى‭ ‬القصة‭.‬

السرد‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬قراءة‭ ‬بصرية‭ ‬للنصوص‭ ‬القصصية،‭ ‬وقد‭ ‬عمد‭ ‬الكاتب‭ ‬والرسامالعراقى‭ ‬برهان‭ ‬المفتيإلى‭ ‬تمثل‭ ‬شخصية‭ ‬أبطال‭ ‬القصص،‭ ‬وقدارتهن‭ ‬السرد‭ ‬بشخصية‭ ‬واحدة‭ ‬يجسد‭ ‬ملامحها‭ ‬الرسم‭ ‬المرفق‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ساخر،‭ ‬متوقفا‭ ‬عند‭ ‬خصوصياتها‭ ‬ووظيفتها‭ ‬الحياتية‭ ‬التى‭ ‬ارتضاها‭ ‬السرد‭. ‬وجاءت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قراءة‭ ‬كلية‭ ‬لعنوان‭ ‬كل‭ ‬قصة‭. (‬رجل‭ ‬العلبة،‭ ‬رجل‭ ‬الأكياس،‭ ‬رجل‭ ‬البانتوميم،‭ ‬رجل‭ ‬الأعداد،‭ ‬رجل‭ ‬الأوركسترا،‭ ‬رجل‭ ‬الفنار،‭ ‬سيدة‭ ‬المكواة،‭ ‬رجل‭ ‬العصافير‭). ‬لنسجل‭ ‬كون‭ ‬النصوص‭ ‬أسبق‭ ‬من‭ ‬الرسم‭ ‬أو‭ ‬الأيقونة‭ ‬الساخرة‭. ‬

السرد‭ ‬الثانى‭ ‬وقد‭ ‬تمثل‭ ‬فى‭ ‬النصوص‭ ‬الموازية‭ ‬الشارحة‭ ‬لمنطق‭ ‬اللعبة‭ ‬السردية‭ ‬المستوحاة‭ ‬من‭ (‬مكعب‭ ‬روبيك‭) ‬الشهير‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬بنى‭ ‬بشكل‭ ‬تقابلى‭  ‬وتناظرى‭ ‬بين‭ ‬كتلتين،‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منهما‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬نصوص،‭ ‬قبلهما‭ (‬دليل‭ ‬ونظام‭ ‬تشغيل‭ ‬اللعبة‭)‬،‭ ‬وبينهما‭ (‬وقت‭ ‬مستقطع‭)‬،‭ ‬وفى‭ ‬النهاية‭ ‬ملحق‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نص‭ (‬مرشد‭ ‬بعدي‭). ‬

المحكى‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ترجمته‭ ‬النصوص،‭ ‬التى‭ ‬اعتمدت‭ ‬رسم‭ ‬بورتريهات‭ ‬لشخصيات‭ ‬غريبة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أشّر‭ ‬عليها‭ ‬السرد‭ ‬وتدخلات‭ ‬الكاتب‭ ‬فى‭ ‬مرجعيتها‭ ‬الواقعية،‭ ‬سواء‭ ‬بذكر‭ ‬أمكنة‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬استدعاء‭ ‬أسماء‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الحياة‭ ‬الصاخبة،‭ ‬التى‭ ‬تعيشها‭ ‬أشهر‭ ‬ساحة‭ ‬شعبية‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭. ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬متخيل‭ ‬فى‭ ‬المجموعة‭.‬

لقد‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬القلق،‭ ‬ومحاولة‭ ‬التجريب‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يعنى‭ ‬بها‭ ‬مباشرة،‭ ‬وهو‭ ‬يستدعى‭ ‬معارف‭ ‬غير‭ ‬سردية‭ ‬مقترنة‭ ‬بلعبة‭ (‬مكعب‭ ‬روبيك‭)‬،‭ ‬وبأساسيات‭ ‬الرسم‭ ‬الكارتونى‭ ‬الساخر‭. ‬سنادان‭ ‬أسْهما‭ ‬فى‭ ‬خلق‭ ‬تعددية‭ ‬سردية‭ ‬لا‭ ‬تعلى‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬السرد‭ ‬القصصي،‭ ‬وإنما‭ ‬تواريه‭ ‬بإعلاء‭ ‬الخطاب‭ ‬الواصف‭ ‬والمعارف‭ ‬الغزيرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتشكيل،‭ ‬والسينما،‭ ‬والأدب،‭ ‬والمسرح،‭ ‬والفكر،‭ ‬وغيرها‭. ‬

محاكاة‭ ‬اللعب

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬تحاكى‭ ‬لعبة‭ (‬مكعب‭ ‬روبيك‭)‬،‭ ‬وهى‭ ‬لعبة‭ ‬أحجية‭ ‬ملونة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مكعب‭ ‬رياضى‭ ‬ذهني‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬قد‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬محاكاتها‭ ‬بحس‭ ‬تغيير‭ ‬مفاصلها،‭ ‬واعتماد‭ ‬نظام‭ ‬موجه‭ ‬يسمح‭ ‬بقراءة‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬فى‭ ‬نظام‭ (‬مكعب‭ ‬روبيك‭). ‬فالرؤية‭ ‬تتحقق‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الزوايا،‭ ‬وقد‭ ‬تختلف‭ ‬الألوان‭ ‬بحسب‭ ‬جهة‭ ‬النظر‭. ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬فى‭ ‬مفتتح‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ (‬الكتاب‭/‬العمل‭) ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬واحدة‭ ‬يفترض‭ ‬فى‭ ‬نظامها‭ ‬البنائى‭ ‬الجامع‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬وجوه،‭ ‬أو‭ ‬حلقة‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬يمكن‭ ‬قراءتها‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬الاتجاهات‭: ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬أو‭ ‬النهاية،‭ ‬أو‭ ‬كيفما‭ ‬اتفقت‭ ‬المصادفة‭ ‬وسياحة‭ ‬الذائقة‭ ‬‮»‬2‭.‬

وهو‭ ‬النظام‭ ‬ذاته،‭ ‬الذى‭ ‬يحاكى‭ ‬الكتب‭ ‬النظرية‭ ‬للألعاب‭ ‬الذهنية‭ ‬الرياضية،‭ ‬وذلك‭ ‬اقتصاره‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬نصوصمنتسبة‭ ‬إلى‭ ‬المربع‭ ‬الثمانى‭ ‬الأوجه‭ ‬أو‭ ‬الأضلع‭. ‬والغاية‭ ‬متمثلة‭ ‬فى‭ ‬تبدل‭ ‬منظور‭ ‬السارد،‭ ‬لأن‭ ‬بناء‭ ‬اللعبة‭ ‬السردية‭ ‬يقتضى‭ ‬تغير‭ ‬الحركة‭ ‬والمنظور‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبدى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النصوص‭ ‬الثمانية‭ ‬التى‭ ‬احتفت‭ ‬بشخصيات‭ ‬مسحوقة‭ ‬تنتمى‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬القاع‭.‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬السرد‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الوصف‭ ‬فى‭ ‬أبعد‭ ‬مداه،‭ ‬فإن‭ ‬الكاتب‭ ‬ارتأى‭ ‬أن‭ ‬يحاكى‭ ‬المكعب‭ ‬اللونى‭ ‬بتخصيص‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬بلون‭ ‬يميزها،‭ ‬ويتم‭ ‬اعتماده‭ ‬واستنبات‭ ‬دلالته‭ ‬الموجهة‭. ‬نذكر‭ ‬أن‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬اللعبة‮»‬‭ ‬اقترنت‭ ‬باللون‭ ‬أخضر‭. ‬‮«‬وكذا‭ ‬معطفه‭ ‬الصوفى‭ ‬الرث‭ ‬أخضر‭ ‬اللون،‭ ‬الشبيه‭ ‬بمعطف‭ ‬جندى‭ ‬طيار‭ ‬ميت‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬قديمة‮»‬3،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬الأكياس‮»‬‭ ‬اقترنت‭ ‬باللون‭ ‬الأبيض‭. ‬‮«‬‭ ‬يرى‭ ‬باستمرار‭ ‬لا‭ ‬متسرولا،‭ ‬مدمدما،‭ ‬مدليا‭ ‬للسانه،‭ ‬مسيلا‭ ‬الزبد‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬جانبى‭ ‬فمه‭ ‬الريق‭ ‬المدرار‭ ‬على‭ ‬ذقنه،‭ ‬حاكا‭ ‬جسمه‭ ‬كله‭ ‬بقوة‭ ‬كأنه‭ ‬يبغى‭ ‬أن‭ ‬يقتلع‭ ‬منه‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬بإمكان‭ ‬أى‭ ‬كان‭ ‬إدراك‭ ‬ماهيته‮»‬4‭.‬

هكذا‭ ‬تخلق‭ ‬القصة‭ ‬ارتباطها‭ ‬اللونى‭ ‬بالمكعب‭ ‬الثمانى‭ ‬الأضلع‭ ‬والأوجه‭. ‬وهو‭ ‬ارتباط‭ ‬تقصّده‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬فتح‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬إمكانين؛‭ ‬هما‭ ‬الإمكان‭ ‬القرائى‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬مسار‭ ‬محدد‭ ‬له،‭ ‬بمعنى‭ ‬غياب‭ ‬التراتبية‭ ‬والتعاقبية‭ ‬بين‭ ‬النصوص،‭ ‬والإمكان‭ ‬الثانى‭ ‬يتلخص‭ ‬فى‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاط‭ ‬بصرى‭ ‬أساسه‭ ‬قابلية‭ ‬تدوير‭ ‬المكعب‭ ‬القصصى‭ ‬والتحكم‭ ‬فى‭ ‬موقعه‭ ‬اللوني‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬السردى‭ ‬الذى‭ ‬عكسته‭ ‬نصوص‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬تبتغى‭ ‬إبراز‭ ‬حدود‭ ‬التأثير‭ ‬الكبير‭ ‬عن‭ ‬العمق‭ ‬التجاورى‭ ‬غير‭ ‬الاعتباطى‭ ‬بين‭ ‬القصص،‭ ‬وكأنها‭ ‬تبدى‭ ‬مرونة‭ ‬معينة‭ ‬أثناء‭ ‬السرد‭ ‬وتحقق‭ ‬لذاتها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتفسير‭ ‬التطورى‭ ‬الممكن‭ ‬لنظرية‭ ‬الألعاب‭ ‬التوازنية‭ ‬عند‭ ‬ناش5‭. ‬ورغم‭ ‬كون‭ ‬كين‭ ‬بينمور‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬التوافقية‭ ‬التى‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬نظام‭ ‬الألعاب،‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬التوافق‭ ‬التى‭ ‬ترتكز‭ ‬عليها‭ ‬المجموعة‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬استبعاد‭ ‬منطق‭ ‬التوازن‭ ‬الرياضى‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى‭ ‬اللونية،‭ ‬التى‭ ‬وجدت‭ ‬لها‭ ‬امتداد‭ ‬فى‭ ‬الأيقونات‭ ‬الساخرة‭ ‬التى‭ ‬افتتحت‭ ‬بها‭ ‬النصوص‭. ‬

قد‭ ‬تحقق‭ ‬السرد‭ ‬ولكن‭ ‬ارتبط‭ ‬باللعب‭ ‬كمؤشر‭ ‬تقنى‭ ‬وأمر‭ ‬أساسى‭ ‬للنشاط‭ ‬الاجتماعى‭ ‬الذى‭ ‬اضطلعت‭ ‬به‭ ‬الشخصيات‭ ‬الموصوفة‭. ‬ولذلك‭ ‬تماشت‭ ‬النصوص‭ ‬مع‭ ‬مفاصل‭ ‬مكعب‭ ‬روبيك‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬هندسته‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬بمحاكاة‭ ‬لونية‭ ‬تروم‭ ‬تخصيص‭ ‬كل‭ ‬ضلع‭ ‬سردى‭ ‬بميسم‭ ‬لونى‭ ‬يمزه‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬درجة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الاختيار‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬لعبة‭ ‬مكعب‭ ‬روبيك‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬اعتماد‭ ‬الكاتب‭ ‬المجموعة‭ ‬كدليل‭ ‬تشغيل‭ ‬المكعب‭ ‬السردي،‭ ‬واعتماد‭ ‬مؤشرات‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬القصص‭ ‬البدئية،‭ ‬والوسطية‭ ‬والنهائية‭. ‬

كما‭ ‬يقوم‭ ‬التنظيم‭ ‬الأيقونى‭ ‬للنصوص‭ ‬على‭ ‬إكسابها‭ ‬امتدادا‭ ‬بصريا،‭ ‬وشحنة‭ ‬رمزية،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬القصة‭ ‬دون‭ ‬الإمعان‭ ‬فى‭ ‬عتبتها‭ ‬البصرية‭ ‬الساخرة،‭ ‬وهذ‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬اعتمده‭ ‬الكاتب‭ ‬لخلق‭ ‬مفارقة‭ ‬تأليفية،‭ ‬وتوليفة‭ ‬كتابية‭ ‬تستنبت‭ ‬البصرى‭ ‬فى‭ ‬المكتوب‭ ‬وتقرنهما‭ ‬معا‭. ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬الباهرة‭ ‬لتوفير‭ ‬رؤية‭ ‬مباشرة‭ ‬وشاملة‭ ‬عن‭ ‬اللعب‭ ‬من‭ ‬كنه‭ ‬القصة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تفى‭ ‬بالغرض،‭ ‬بحسب‭ ‬المعطيات‭ ‬التى‭ ‬يحفل‭ ‬بها‭ ‬الكتاب‭ ‬القصصي،‭ ‬وإنما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تتلبس‭ ‬اللعب‭ ‬وتعالجه‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬نشاط‭ ‬له‭ ‬صفة‭ ‬جوهرية‭ ‬عامة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬خصائص‭ ‬تميزه‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬الأنشطة‭ ‬الأخرى‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬التجاور‭ ‬المتحقق‭ ‬قد‭ ‬أربك‭ ‬المسار‭ ‬القرائى‭ ‬للنصوص‭ ‬بخلق‭ ‬جغرافية‭ ‬جديدة‭ ‬لللتلقى‭ ‬والتأويل،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه‭.‬

إن‭ ‬الأدب‭ ‬فى‭ ‬حقيقته‭ ‬‮«‬‭ ‬لعبة‭ ‬سامية‭ ‬وعظيمة‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬هويتزنغا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المشاريع‭ ‬العظيمة‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الاكتشاف‭ ‬المسبق‭ ‬للأفق‭ ‬الذى‭ ‬تلتقى‭ ‬فيه‭ ‬أسئلتنا‭ ‬حول‭ ‬الأدب‭ ‬واللعب،‭ ‬يبدو‭ ‬واضحا‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬علينا‭ ‬تحديد‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬الواسعة‭ ‬جدا‭. ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬سؤالنا‭ ‬سيقتصر‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬محددة‭: ‬وهى‭ ‬دور‭ ‬فكرة‭ ‬اللعب‭ ‬فى‭ ‬داخل‭ ‬تيارين‭ ‬كبيرين‭ ‬فى‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا،‭ ‬وخاصة‭ ‬نظرية‭ ‬التأويل‭ ‬والتفكيك‭ ‬‮»‬6‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإشكالية‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬تتعلق‭ ‬بخلفية‭ ‬الحضور‭ ‬الموازى‭ ‬لأنطولوجية‭ ‬اللعب،‭ ‬وهو‭ ‬حضور‭ ‬ليس‭ ‬جديدا،‭ ‬وإنما‭ ‬الرؤية‭ ‬المتحققة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تفرض‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬وضعية‭ ‬السرد‭ ‬ومقصدية‭ ‬الكاتب،‭ ‬الذى‭ ‬ينظم‭ ‬الأحداث‭ ‬وفقا‭ ‬لخطة‭ ‬سببية‭ ‬ووصفية،‭ ‬بل‭ ‬تفسيرية‭ ‬عندما‭ ‬تكشف‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الأحجية‭ ‬اللعبية‭.  ‬ويمنحنا‭ ‬هذا‭ ‬شمولية‭ ‬تمثيلة‭ ‬فى‭ ‬تحريك‭ ‬دفة‭ ‬السرد‭ ‬وتقليب‭ ‬إيحائيته‭.‬

العتبة‭ ‬الساخرة

يمثل‭ ‬الرسم‭ ‬الساخر‭ ‬لقصص‭ ‬المجموعة‭ ‬أبعادا‭ ‬رمزية‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬استدعاء‭ ‬أسبقية‭ ‬النص‭ ‬عن‭ ‬الأيقونة‭ ‬الساخرة،‭ ‬وهذا‭ ‬الجانب‭ ‬عمق‭ ‬الدلالة‭ ‬الإيحائية‭ ‬فى‭ ‬الرسم‭ ‬والنص‭ ‬معا‭. ‬ولذلك‭ ‬قد‭ ‬نقرأ‭ ‬الرسم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفكيك‭ ‬القصة‭ ‬وردها‭ ‬إلى‭ ‬منابتها‭ ‬اللغوية‭ ‬حتى‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬ممكنات‭ ‬قراءة‭ ‬العتبة‭ ‬البصرية‭. ‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬الأكياس‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬الرسام‭ ‬برهان‭ ‬المفتى‭ ‬قدم‭ ‬رسمة‭ ‬ساخرة‭ ‬تحاكى‭ ‬التشكيل‭ ‬الكارتونيوتمثل‭: ‬رجلا‭ ‬كهلا‭ ‬أصلع‭ ‬الرأس،‭ ‬أزرق‭ ‬البشرة،‭ ‬يحمل‭ ‬أكياسا‭.. ‬إلخ‭. ‬بهذه‭ ‬الصفات‭ ‬والملامح‭ ‬التى‭ ‬تمثلها‭ ‬الخطاب‭ ‬البصرى‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬المرجع‭ ‬النصى‭ ‬القصصي‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬ذاتالقصة‭ ‬قول‭ ‬السارد‭: ‬‮«‬‭ ‬كان‭ ‬كهلا‭ ‬يدبر‭ ‬دون‭ ‬عود‭ ‬إلى‭ ‬حتف‭ ‬عقده‭ ‬الخامس،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬كان‭ ‬يعسر‭ ‬تخمين‭ ‬عمره‭ ‬الحقيقى‭ ‬المتراوح‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكهولة‭ ‬والأبدية‭.. ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬دائما‭ ‬بأنه‭ ‬منبتّ‭ ‬لا‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬أبقى‭ ‬ولا‭ ‬أرضا‭ ‬تحمل‭ ‬أصله‭ ‬قطع‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭.. ‬غامق‭ ‬السحنة،‭ ‬أزرق‭ ‬البشرة،‭ ‬أصلع‭  ‬الرأس،‭ ‬عتيد‭ ‬البنية،‭ ‬مترهل‭ ‬البطن‭ ‬مستكرشه،‭ ‬لديه‭ ‬هالات‭ ‬سوداء‭ ‬تحت‭ ‬جفنيه‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬النوم،‭ ‬وفوق‭ ‬الجفنين‭ ‬كان‭ ‬ميال‭ ‬الحدقة‭ ‬إلى‭ ‬اللحاظ‭ ‬منحرف‭ ‬سواد‭ ‬العينين‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬الصدغ‭. ‬القسم‭ ‬العلوى‭ ‬من‭ ‬أسنانه‭ ‬ناقص،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تقاربت‭ ‬أضراس‭ ‬القسم‭ ‬السفلى‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تلحظ‭ ‬بينها‭ ‬فرجة،‭ ‬ومن‭ ‬صدره‭ ‬يندفع‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭ ‬سعال‭ ‬بئر‭ ‬واكحة‮»‬7‭.‬

الحاصل‭ ‬أن‭ ‬الرسم‭ ‬يمتص‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬معطياته‭ ‬اللغوية‭ ‬التى‭ ‬تمثل‭ ‬خطابا‭ ‬ساخرا‭ ‬لشخصية‭ ‬رجل‭ ‬الأكياس،‭ ‬ولعل‭ ‬الصفات‭ ‬ذاتها‭ ‬كانت‭ ‬ممتدة‭ ‬فى‭ ‬الرسم‭ ‬بخلفية‭ ‬نصية‭. ‬وكامنة‭ ‬فى‭ ‬موقف‭ ‬السارد‭ ‬الساخر‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬وجودية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬سخريته‭ ‬إلا‭ ‬بالمراوحة‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬وعتباته؛‭ ‬أى‭ ‬بين‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬

وأيضا‭ ‬كون‭ ‬التعالق‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬والرسم‭ ‬قد‭ ‬أرسى‭ ‬مقصدية‭ ‬سخرية‭ ‬كلية،‭ ‬لأنها‭ ‬تهاجم‭ ‬أساسا‭ ‬مجموع‭ ‬أبنية‭ ‬الأثر‭ ‬الوجودى‭ ‬لبطل‭ ‬القصة‭.  ‬والشيء‭ ‬نفسه‭ ‬نجده‭ ‬فى‭ ‬نص‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬العصافير‮»‬،‭ ‬يقول‭ ‬السارد‭: ‬‮«‬‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬بالمقابل‭ ‬رأى‭ ‬بضوح‭ ‬بارز‭ ‬عبر‭ ‬واجهة‭ ‬المقهى،‭ ‬قدوم‭ ‬مرشحه‭ ‬المفضل‭ ‬الملقب‭ ‬ب‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬العصافير‮»‬،‭ ‬ذاك‭ ‬الذى‭ ‬تخيره‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬رصد‭ ‬ومراقبة‭ ‬طويلة‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬البروتوكول‮»‬‭ ‬الزمنى‭ ‬المألوف،‭ ‬موقنا‭ ‬أشد‭ ‬اليقين‭ ‬بأن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬كى‭ ‬يهجر‭ ‬حياته‭ ‬السابقة،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬حياة‭ ‬غيرها،‭ ‬ملؤها‭ ‬الحبور‭ ‬والجمال،‭ ‬وخلو‭ ‬البال،‭ ‬والنسيان‭ ‬الدائم،‭ ‬والنعيم‭ ‬المقيم،‭ ‬بوصفها‭ ‬الطبائع‭ ‬المجبولة‭ ‬الأصلية‭ ‬للكائن‭ ‬الآدمي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتمسح‭ ‬روحه‭ ‬أمام‭ ‬مرايا‭ ‬المدينة‭ ‬الحديثة‭ ‬المحرفة‭ ‬للتصاوير‭ ‬والسرائر‮»‬8‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬بورتريها‭ ‬ساخرا‭ ‬لرجل‭ ‬العصافير‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬يسخر‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬امتدادا‭ ‬سرديا‭ ‬لأحداثها،‭ ‬وإنما‭ ‬السرد‭ ‬يتحايل‭ ‬على‭ ‬مساره‭ ‬وموضوعه‭ ‬وفكرته‭ ‬بأسلوب‭ ‬أكروباتى‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭. ‬القصة‭ ‬نفسها‭ ‬تخلق‭ ‬نقط‭ ‬ارتقائها‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬وأسماء‭ ‬وأشياء‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ (‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمساعدة‭ ‬على‭ ‬الاختفاء‭ ‬الطوعي‭). ‬وكأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬بمفاهيمه،‭ ‬وينتقده‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتى‭ ‬من‭ ‬قريحة‭ ‬وصفية‭ ‬ورؤيوية‭. ‬

نجد‭ ‬فى‭ ‬المجموعة‭ ‬ككل‭ ‬انشغالا‭ ‬متقدما‭ ‬بالعتبة‭ ‬البصرية‭ ‬الساخرة‭ ‬وهى‭ ‬تحاكى‭ ‬المخيال‭ ‬الكارتوني،‭ ‬وتتمثل‭ ‬البعد‭ ‬الكتابى‭ ‬للقصة،‭ ‬وأيضا‭ ‬فيما‭ ‬تفتحه‭ ‬من‭ ‬كوات‭ ‬لا‭ ‬ترهن‭ ‬القصة‭ ‬بحدث،‭ ‬وإنما‭ ‬تخلق‭ ‬مفارقتها‭ ‬من‭ ‬التباس‭ ‬الأصوات‭ ‬والأحداث‭ ‬حول‭ ‬بطل‭ ‬مستأصل‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬ومن‭ ‬مرجع‭ ‬فضائى‭ (‬ساحة‭ ‬السراغنة‭). ‬فالكاتب‭ ‬ينازع‭ ‬واقعه‭ ‬ويعترض‭ ‬عليه‭ ‬بهذه‭ ‬الشخصيات،‭ ‬ويعلن‭ ‬ساخرا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.  ‬

النواة‭ ‬الاستعارية

اشتغلت‭ ‬الاستعارة‭ ‬فى‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬نسقي،‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬وضعية‭ ‬السارد‭ ‬والفضاء‭ ‬المرجعي،‭ ‬والشخصيات‭ ‬المستدعاة‭ ‬والموضوع‭ ‬الذى‭ ‬تغيّت‭ ‬القصة‭ ‬بناء‭ ‬هوية‭ ‬له‭. ‬وقد‭ ‬تبدت‭ ‬عناصر‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬فى‭ ‬اعتماد‭ ‬أسماء‭ ‬المقاهى‭ ‬التى‭ ‬ترددت‭ ‬عليها‭ ‬الشخصيات‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬عين‭ ‬السارد‭ ‬الملم‭ ‬والمتحول‭. ‬وأيضا‭ ‬فى‭ ‬انفتاح‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬الإحالة‭ ‬المكانية‭ ‬التى‭ ‬ترسخ‭ ‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬القصة‭ ‬والأشياء‭ ‬المستعارة‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش‭.‬

ولم‭ ‬تنفصل‭ ‬الدلالة‭ ‬التى‭ ‬بنتها‭ ‬نصوص‭ ‬المجموعة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬جوهر‭ ‬الكتابة‭ ‬عند‭ ‬الكاتب‭ ‬فى‭ ‬مختلف‭ ‬كتاباته‭. ‬فالتجريب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تنصلا‭ ‬من‭ ‬واقعه،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬استعارة‭ ‬كبرى‭ ‬تروم‭ ‬زرع‭ ‬نتوءات‭ ‬تجريدية‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تنفك‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬البورتريهات‭ ‬لشخصيات‭ ‬مروا‭ ‬أو‭ ‬تزامن‭ ‬تواجدهم‭ ‬مع‭ ‬السارد‭ ‬الملتبس‭. ‬

وانسجاما‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬أدمج‭ ‬القاص‭ ‬رؤيته‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬دلالة‭ ‬تتهدم‭ ‬فيها‭ ‬العلاقات‭ ‬المألوفة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬ومحيطه،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سمح‭ ‬بتحول‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭. ‬فأبطال‭ ‬القصة‭ ‬يرمزون‭ ‬إلى‭ ‬طبقة‭ ‬مسحوقة‭ ‬علاقتهم‭ ‬بمحيطهم‭ ‬متشابكة‭ ‬وفارقة‭. ‬والقصة‭ ‬برغم‭ ‬تجريبيتها‭ ‬فإنها‭ ‬تسائل‭ ‬الواقع‭ ‬باستعارة‭ ‬مفاصله‭ ‬التى‭ ‬تبدت‭ ‬كمؤشرات‭ ‬مكانية‭.‬

لقد‭ ‬قدم‭ ‬أنيس‭ ‬الرافعى‭ ‬هذه‭ ‬النواة‭ ‬الاستعارية‭ ‬فى‭ ‬نسقية‭ ‬متحكمة‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬دلالة‭ ‬الواقع‭ ‬كما‭ ‬السيمولاكر‭ ‬أو‭ ‬ظل‭ ‬الواقع،‭ ‬وفى‭ ‬اشتغال‭ ‬الضمير‭ ‬بين‭ ‬المتكلم‭ ‬والمخاطب‭ ‬والمعجم‭ ‬الواصف‭ ‬والدال‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬عليها‭ ‬قامت‭ ‬مقاطع‭ ‬النصوص‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭  ‬لنمو‭ ‬آلي،‭ ‬وإنما‭ ‬يتأثر‭  ‬بالهوية‭ ‬الملتبسة‭ ‬لأبطال‭ ‬المجموعة‭. ‬يقول‭ ‬السارد‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬البانتوميم‮»‬‭: ‬‮«‬‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬آخر‭ ‬جضور‭ ‬معلوم‭ ‬لرجل‭ ‬البانتوميم،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬سوى‭ ‬قناعه‭ ‬البلاستيكى‭ ‬المزدوج،‭ ‬الذى‭ ‬اكتشف‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بأن‭ ‬داخله‭ ‬مطابق‭ ‬لخارجه‭ ‬وكلاهما‭ ‬يحملان‭ ‬نفس‭ ‬الوجه‭.. ‬علاوة‭ ‬عن‭ ‬بذلته‭ ‬المنحوسة،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬ملطخة‭ ‬جهة‭ ‬البطن‭ ‬ببقعة‭ ‬حمراء‭ ‬متخثرة،‭ ‬وملقاة‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭ ‬يتحاشاها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يمر‭ ‬بمحاذاتها‭.. ‬وبجانب‭ ‬البذلة‭ ‬مرآة‭ ‬صغيرة‭ ‬مهشمة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬وضعت‭ ‬هناك‭ ‬عن‭ ‬سابق‭ ‬تصميم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التضليل،‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إليها،‭ ‬يرى‭ ‬ملامحه‭ ‬محطمة‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬الكسرات‮»‬9‭. ‬

يحيل‭ ‬المقطع‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الكاتب‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البطل‭ ‬رجل‭ ‬البانتوميم،‭ ‬وواقعه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬خلق‭ ‬بنية‭ ‬مشابهاتية‭ ‬تستعير‭ ‬التحول‭ ‬الطارئ‭ ‬والمصير‭ ‬المحتوم‭ ‬بين‭ ‬حيزين‭ ‬الأول‭ ‬واقعي،‭ ‬والثانى‭ ‬أدائى‭ ‬سردى‭ ‬وصفي‭. ‬وقد‭ ‬هيأ‭ ‬هذا‭ ‬لتشغيل‭ ‬آلية‭ ‬نقط‭ ‬الرسوخ‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سمح‭ ‬بتراجع‭ ‬واقعية‭ ‬الحدث‭ ‬والموقف،‭ ‬وبتقديم‭ ‬البطل‭ ‬عبر‭ ‬متخيل‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬الاستعارة‭ ‬باحتمالاتها‭ ‬الأسلوبية‭ ‬والتخييلية،‭ ‬التى‭ ‬تتجاوز‭ ‬أحيانا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فيزيولوجي‭. ‬

إن‭ ‬السمة‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬التوظيف‭ ‬الاستعارى‭ ‬تمكين‭ ‬الشخصيات،‭ ‬داخل‭ ‬القصة،‭ ‬فى‭ ‬قيامها‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬التناقض‭ ‬الوجودى‭ ‬الداخلي،‭ ‬فهى‭ ‬مقهورة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬رغباتها‭ ‬الدفينة،‭ ‬تحدس‭ ‬مصائرها‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تسير‭ ‬إليها‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬مرجعها‭ ‬الواقعى‭ ‬بأسمائها‭ ‬وصفاتها‭ ‬ووظائفها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تندمج‭ ‬فى‭ ‬عوالم‭ ‬خرافية‭ ‬أسطورية‭ ‬مفارقة،‭ ‬إنها‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التلازم‭ ‬بين‭ ‬البعدين،‭ ‬بل‭ ‬جوهرها‭ ‬الذى‭ ‬يحدد‭ ‬وجودها‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬أنيس‭ ‬الرافعي‭.‬

فى‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬سالفا،‭ ‬إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اللعب‭ ‬الميتا‭ ‬–‭ ‬سردي،‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التجريب‭ ‬الذى‭ ‬يتمثل‭ ‬إواليات‭ ‬نظرية‭ ‬اللعب‭ ‬وسيكولوجيته‭ ‬بغاية‭ ‬خلق‭ ‬عالم‭ ‬سردى‭ ‬تتلاقى‭ ‬فيه‭ ‬المتناقضات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭. ‬وإن‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬الاختفاءات‮»‬‭ ‬لأنيس‭ ‬الرافعى‭ ‬أولت‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬للعلامة‭ ‬البصرية‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬رسم‭ ‬كارتونى‭ ‬ساخر،‭ ‬وقد‭ ‬أقامت‭ ‬علاقة‭ ‬جوار‭ ‬وتماس‭ ‬مع‭ ‬مرجعها‭ ‬النصي،‭ ‬وأبدت‭ ‬قابلية‭ ‬للانخراط‭ ‬فى‭ ‬قالب‭ ‬سردى‭ ‬جامع‭ ‬مانع‭. ‬

عمر‭ ‬العسري،‭ ‬القصة‭ ‬والتجريب،‭ ‬مؤسسة‭ ‬أروقة‭ ‬للدراسات‭ ‬والترجمة‭ ‬والنشر‭ ‬–‭ ‬القاهرة،‭ ‬ط‭/‬1،‭ ‬2019‭.‬

أنيس‭ ‬الرافعي،‭ ‬صانع‭ ‬الاختفاءات–‭ ‬متوالية‭ ‬قصصية‭ ‬تطبيقية‭ ‬على‭ ‬نظرية‭ ‬الألعاب،‭ ‬مؤسسة‭ ‬بتانة‭ ‬الثقافية‭ ‬–‭ ‬القاهرة،‭ ‬ط‭/‬1،‭ ‬2021‭.‬ص‭. ‬9‭.‬

نفسه،‭ ‬ص‭.‬17‭. ‬

نفسه،‭ ‬ص‭. ‬31‭. ‬

كين‭ ‬بينمور،‭ ‬نظرية‭ ‬الألعاب،‭ ‬ترجمة‭: ‬نجوى‭ ‬عبد‭ ‬المطلب،‭ ‬مؤسسة‭ ‬هنداوى‭ ‬للتعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬–‭ ‬القاهرة،‭ ‬ط‭/‬1،‭ ‬2016،‭ ‬ص‭. ‬24‭. ‬

فارغا‭ ‬سلطان،‭ ‬الألعاب‭ ‬فى‭ ‬النظرية‭ ‬الأدبية،‭ ‬ترجمة‭: ‬عثمان‭ ‬الجبالي،‭ ‬كتاب‭ ‬المجلة‭ ‬العربية‭ - ‬الرياض،‭ ‬العدد‭ ‬401،‭ ‬يونيو‭ ‬2010،‭ ‬ص‭. ‬25‭. ‬

صانع‭ ‬الاختفاءات،‭ ‬ص‭. ‬30‭.‬

نفسه،‭ ‬ص‭. ‬104‭.‬

نفسه،‭ ‬ص‭.‬50‭.‬

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة