«شقى وسعيد»..التهجير وتقويض السرديات الكبرى
«شقى وسعيد»..التهجير وتقويض السرديات الكبرى


«شقي وسعيد»..التهجير وتقويض السرديات الكبرى

أخبار الأدب

الإثنين، 09 أغسطس 2021 - 01:26 م

 كتبت  - دينا‭ ‬نبيل

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لمصرى‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عربى‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬نكسة‭ ‬1967‭ ‬وما‭ ‬أعقبها‭ ‬من‭ ‬انتكاسات‭ ‬أخرى‭ ‬وانكشافات‭ ‬كثيرة؛‭ ‬فتلك‭ ‬الفترة‭ ‬المأزومة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬يُحتل‭ ‬فيها‭ ‬جزءٌ‭ ‬عزيز‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬مكاشفة‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬السياسية،‭ ‬دفعت‭ ‬بكل‭ ‬مصرى‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬حساباته‭ ‬وتعديل‭ ‬سيره‭ ‬ومساره‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬دور‭ ‬أدب‭ ‬النكسة‭ ‬فى‭ ‬مضمار‭ ‬تلك‭ ‬المكاشفة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬رواية‭ ‬اثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيلب‭ ‬التى‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أصابع‭ ‬الفساد‭ ‬التى‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬الهزيمة،‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬الإسقاطات‭ ‬والإحالات‭ ‬الرمزية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬اشيء‭ ‬من‭ ‬الخوفب‭. ‬

وقد‭ ‬تعرّضت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭ ‬إلى‭ ‬قضايا‭ ‬موازية‭ ‬باعثة‭ ‬للأمل‭ ‬وبث‭ ‬روح‭ ‬التكاتف‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭. ‬ففيما‭ ‬يخصّ‭ ‬قضايا‭ ‬التهجير‭ ‬التى‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬امدن‭ ‬القنال‭: ‬

بورسعيد‭ ‬والإسماعيلية‭ ‬والسويس،‭ ‬جُسدت‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬لأفراد‭ ‬عاديين‭ ‬قدّموا‭ ‬العون‭ ‬وفتحوا‭ ‬بيوتهم‭ ‬لاستقبال‭ ‬المهجرين،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬بدافع‭ ‬التأريخ‭ ‬بقدر‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬الإحباطي‭

‬ورغم‭ ‬اقتراب‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ ‬من‭ ‬المثالية‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تنافى‭ ‬الواقع،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬بُعدًا‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬تجسر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الأثر‭ ‬السلبى‭ ‬للتهجير‭ ‬على‭ ‬المهجرين‭ ‬أنفسهم‭. ‬ورواية‭ ‬اشقى‭ ‬وسعيدب‭ ‬للكاتب‭ ‬حسين‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬ظلال‭ ‬وخطوط‭ (‬2021‭) ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬بعد‭ ‬مضى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬لتُعلن‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬وتكشف‭ ‬ظلال‭ ‬التغريب‭ ‬والاستلاب‭ ‬التى‭ ‬تعرض‭ ‬إليها‭ ‬أهل‭ ‬القنال‭ ‬ولاسيما‭ ‬بورسعيد‭. ‬

تأخذ‭ ‬الرواية‭ ‬شكل‭ ‬البينة‭ ‬الدائرية‭ ‬فى‭ ‬بنيتها‭ ‬السردية،‭ ‬فتبدأ‭ ‬أحداثها‭ ‬وتنتهى‭ ‬بمشهد‭ ‬مؤلم‭ ‬فى‭ ‬ثلاجة‭ ‬الموتى،‭ ‬حيث‭ ‬يودّع‭ (‬الحسين‭) ‬ذ‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬بالرواية‭ ‬وراويها‭ ‬الأوحد‭ ‬ذ‭ ‬أمّه‭ ‬قبل‭ ‬لَحْدها‭. ‬وما‭ ‬بين‭ ‬البداية‭ ‬والنهاية،‭ ‬يسترجع‭ (‬الحسين‭) ‬أحداث‭ ‬التهجير‭ ‬بمدينة‭ ‬بورسعيد‭ ‬بعد‭ ‬النكسة‭ ‬مباشرة‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬يومًا،‭ ‬والمعاناة‭ ‬التى‭ ‬يواجهها‭ ‬المهجرون‭ ‬فى‭ ‬المعسكرات‭ ‬حتى‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬البصراط‭ ‬ثم‭ ‬مستقرهم‭ ‬فى‭ ‬طلخا‭ ‬وتمضية‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬قرار‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بورسعيد‭. ‬وخلال‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬يظل‭ ‬الراوى‭ ‬صريعًا‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الاسترجاعات‭ ‬التى‭ ‬تأخذه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬اتجاه‭ ‬ويتخللها‭ ‬تيار‭ ‬الوعى‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬والهلاوس‭. ‬وهنا‭ ‬يتبدّى‭ ‬السؤال‭ ‬الآتي،‭ ‬هل‭ ‬حقًا‭ ‬مجرد‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬بورسعيد‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬قرية‭ ‬مجاورة‭ ‬ذ‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬الوطن‭ - ‬يُعدّ‭ ‬تهجيرًا‭ ‬قاسيًا‭ ‬يضع‭ ‬صاحبه‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬مشاعر‭ ‬الاستلاب‭ ‬والاغتراب‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مُبيّنٌ‭ ‬فى‭ ‬الرواية؟‭ ‬وهل‭ ‬يُدرك‭ ‬رضيع‭ ‬ابن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬يومًا‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المعانى‭ ‬وهو‭ ‬يشهد‭ ‬طفولته‭ ‬وصباه‭ ‬تتفتح‭ ‬وتزهر‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى‭ ‬قبل‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بورسعيد؟‭ ‬إن‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان؛‭ ‬إذ‭ ‬تضع‭ ‬المتلقى‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬السرد‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬ومقصدية‭ ‬الكاتب‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تتبدّى‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬عمل‭ ‬يتناول‭ ‬النكسة‭ ‬بعد‭ ‬مُضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭.‬

إن‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬تتناول‭ ‬نكسة‭ ‬67‭ ‬كمرتكز‭ ‬حدثى‭ ‬تعمد‭ ‬فى‭ ‬مجملها‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬المكاشفة‭ ‬وتجريد‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬أوهامه‭ ‬وسلطاته‭ ‬المزيفة‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أصح‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭. ‬يبدأ‭ ‬هذا‭ ‬التقويض‭ ‬بطرح‭ ‬موضوعة‭ ‬التهجير‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مغايرة‭ ‬خاصة‭ ‬بالكاتب‭ ‬كونه‭ ‬عايش‭ ‬تجربة‭ ‬التهجير‭ ‬بنفسه؛‭ ‬وهى‭ ‬زاوية‭ ‬مغايرة‭ ‬للسردية‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬طالما‭ ‬ركزّت‭ ‬على‭ ‬مركزية‭ ‬البطولة‭ ‬وتغافلت‭ ‬عن‭ ‬هامشية‭ ‬المعاناة‭. ‬فليست‭ ‬الرواية‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬سرد‭ ‬بطولات‭ ‬شعبية‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬تُركز‭ ‬بؤرة‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬الأبعاد‭ ‬النفسية‭ ‬السلبية‭ ‬المسكوت‭ ‬عنها‭ ‬لعملية‭ ‬التهجير‭. ‬ولا‭ ‬يرجع‭ ‬هذا‭ ‬لذمٍ‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬التهجير‭ ‬نفسها‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬شأن‭ ‬الحرب‭ ‬وتلك‭ ‬ثيمةٌ‭ ‬كثيرة‭ ‬التمظهر‭ ‬فى‭ ‬أدب‭ ‬الحروب‭ ‬بشكل‭ ‬عام؛‭ ‬ولكن‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬مسكوت‭ ‬عنها‭ ‬يمنح‭ ‬التجربة‭ ‬ظلالًا‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬سلبية‭. ‬فهذا‭ ‬الجيل‭ ‬هو‭ ‬جيل‭ ‬الصدمة‭ ‬الكبرى‭ ‬الآذنة‭ ‬بانهيار‭ ‬النظام‭ ‬القديم؛‭ ‬يقول‭ ‬الراوى‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الرواية‭ ‬عندما‭ ‬سقط‭ ‬رضيعًا‭ ‬من‭ ‬حضن‭ ‬أمه‭ ‬فى‭ ‬البحيرة‭ ‬وقت‭ ‬عملية‭ ‬التهجير،‭ ‬اوكانت‭ ‬صرختى‭ ‬الأولى‭ ‬التى‭ ‬هزّت‭ ‬الكون،‭ ‬سقطت‭ ‬الصّدّيقة‭

‬تحوطنى‭ ‬وتعدد‭ ‬محاولات‭ ‬يائسة‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬الباقى‭ ‬من‭ ‬جسدى‭ ‬النحيل،‭ ‬مذعورًا‭ ‬كنت،‭ ‬ينتفخ‭ ‬قماطى‭ ‬ممتلئًا‭ ‬بهواء‭ ‬البحيرة‭ ‬والغبار‭. ‬

فيرى‭ ‬المتلقى‭ ‬هنا‭ ‬أحد‭ ‬المهجّرين‭ ‬الحقيقين‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم‭ ‬وليس‭ ‬كبطل‭ ‬ذى‭ ‬هالة‭ ‬أسطورية،‭ ‬يشار‭ ‬إليه‭ ‬دومًا‭ ‬فى‭ ‬ا18‭ ‬حارة‭ ‬سعيدب‭ ‬حيث‭ ‬يقطن‭ ‬هو‭ ‬وأسرته‭ ‬باسم‭ ‬احسين‭ ‬ابن‭ ‬المهجرين،‭ ‬ويعانى‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭ ‬وفقدان‭ ‬الأمان‭ ‬والاغتراب‭ ‬كونه‭ ‬يعرف‭ ‬ذ‭ ‬محض‭ ‬يعرف‭ ‬ذ‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬نشأ‭ ‬به‭ ‬ليس‭ ‬أرضه‭ ‬أو‭ ‬مدينته‭ ‬الحقيقية‭ ‬وأنّ‭ ‬رحيله‭ ‬عنها‭ ‬شيء‭ ‬مؤكد‭ ‬مرهون‭ ‬بانتهاء‭ ‬الحرب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬طرحناه‭ ‬سلفًا،‭ ‬ألا‭ ‬تقع‭ ‬بورسعيد‭ ‬والبصراط‭ ‬وطلخا‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬وطن‭ ‬واحد؟‭ ‬إن‭ ‬قضية‭ ‬الانتماء‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بحدود‭ ‬وطن‭ ‬بقدر‭ ‬الشعور‭ ‬بالتجذر‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬بعينها،‭ ‬وهنا‭ ‬تنتفى‭ ‬تلك‭ ‬الصفة‭ ‬عن‭ (‬الحسين‭) ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬تحط‭ ‬فيه‭ ‬قدماه؛‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يفتر‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬أحلامه‭ ‬داخل‭ ‬شوارع‭ ‬غريبة،‭ ‬يقول‭: ‬افى‭ ‬شارعى‭ ‬الطويل‭ ‬الممتد‭ ‬لآخر‭ ‬الزمان‭ ‬فاقدًا‭ ‬مكانى‭ ‬والعنوانب،‭ ‬وتعقيباته‭ ‬فى‭ ‬صدره‭ ‬على‭ ‬تلاوة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬عندما‭ ‬يقرأ‭

‬اوالتين‭ ‬والزيتون‭* ‬وطور‭ ‬سينين‭* ‬وهذا‭ ‬البلد‭.

فيقول‭ ‬اأى‭ ‬بلد‭!‬ب‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬يتبدى‭ ‬التشظى‭ ‬النفسى‭ ‬للشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬كونه‭ ‬فاقدًا‭ ‬لبوصلة‭ ‬المكان‭ ‬وعليه،‭ ‬تضل‭ ‬منه‭ ‬أيضًا‭ ‬بوصلة‭ ‬الزمان‭ ‬فيرى‭ ‬نفسه‭ ‬رضيعًا‭ ‬تارة‭ ‬وبالغًا‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬يتكلم‭ ‬بلسان‭ ‬الصبى‭ ‬المراهق‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬لسان‭ ‬الرضيع‭ ‬مجددًا‭. ‬فيسيطر‭ ‬الزمن‭ ‬النفسى‭ ‬المشتت‭ ‬على‭ ‬الزمن‭ ‬السردى‭ ‬خالقًا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والارتباك‭ ‬المقصود‭ ‬لدى‭ ‬المتلقى‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التصدع‭ ‬النفسى‭ ‬الذى‭ ‬يعانيه‭ ‬مهجّرو‭ ‬الحرب‭. ‬

ويمتد‭ ‬هذا‭ ‬التصدع‭ ‬النفسى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬سردية‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬وهى‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬نفسها؛‭ ‬فالشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬بالرواية‭ ‬ليست‭ ‬ذاتًا‭ ‬واحدة‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬المعهود‭ - ‬وإنما‭ ‬مشطورة‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬ذوات‭. ‬يقول‭ ‬الراوي‭: ‬اأنظر‭ ‬فى‭ ‬دهشة،‭ ‬أستطلع‭ ‬وجوه‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬الأشقياء،‭ ‬كانوا‭ ‬وحدهم‭ ‬يسيرون‭ ‬بخفة‭ ‬بلا‭ ‬صوت‭... ‬يشبهوننى‭ ‬وقت‭ ‬الخطو‭ ‬والركض‭ ‬واستشعار‭ ‬الخطرب‭. ‬يرى‭ (‬الحسين‭) ‬خمسة‭ ‬أشخاص‭ ‬يشبهونه‭ ‬يظهرون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬يخلقون‭ ‬لديه‭ ‬ولدى‭ ‬المتلقى‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬المخاتلة‭ ‬تزداد‭ ‬حدتها‭ ‬كلما‭ ‬استشعر‭ ‬الوحدة‭ ‬والاغتراب‭. ‬ففى‭ ‬المشهد‭ ‬الذى‭ ‬يسبق‭ ‬دخول‭ (‬الحسين‭) ‬ذ‭ ‬فى‭ ‬السيارة‭ ‬وحيدًا‭ - ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬مدينة‭ ‬بورسعيد،‭ ‬وفى‭ ‬أحد‭ ‬هلاوسه،‭ ‬تحدث‭ ‬معركة‭ ‬بين‭ ‬ذاته‭ ‬وظلالها‭ ‬الأخرى،‭ ‬يستجوبهم‭ ‬فيردّون‭ ‬عليه‭ ‬اأنا‭ ‬ظلّك‭

.. ‬أنا‭ ‬عملك‭.. ‬أنا‭ ‬الطفل‭ ‬المغولي‭... ‬أنا‭ ‬الطفل‭ ‬القابع‭ ‬فى‭ ‬روحك‭ ‬ويحمل‭ ‬بلطة‭ ‬ويهمّ‭ ‬بتقطيعهم‭ ‬لولا‭ ‬ضربه‭ ‬بكفه‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬كابينة‭ ‬السائق‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬يقف‭ ‬المتلقى‭ ‬على‭ ‬توصيف‭ ‬لنفسية‭ ‬أحد‭ ‬المهجّرين‭ ‬فانفصاله‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬أيضًا‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانفصال‭ ‬يحمل‭ ‬داخل‭ ‬طيّاته‭ ‬تدميرًا‭ ‬للذات‭ ‬فى‭ ‬لحظاتها‭ ‬الماضية‭ ‬بآلامها‭ ‬وأتراحها‭ ‬ويُعيد‭ ‬بناء‭ ‬الذات‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬اتساقًا‭ ‬مع‭ ‬الحاضر‭ ‬بعد‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المخاتلة‭. ‬لذا‭ ‬تنماز‭ ‬شخصية‭ (‬الحسين‭) ‬بتطور‭ ‬ديناميكى‭ ‬رغم‭ ‬صخب‭ ‬وتوتر‭ ‬الشخصية‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬يُصاغ‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الأحداث‭. ‬لذا‭ ‬بدأت‭ ‬الرواية‭ ‬بمشهد‭ ‬موت‭ ‬الأم‭ ‬وبتسمّرب‭ (‬الحسين‭) ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدرى‭ ‬أى‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسلك،‭ ‬بل‭ ‬أخذ‭ ‬يفكر‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬لحظاتهما‭ ‬سويًا‭. ‬لتأتى‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاسترجاعات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬فصلًا‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬وعند‭ ‬انتهاء‭ ‬الرواية‭ ‬وبعد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬الكشف،‭ ‬ينفجر‭ (‬الحسين‭) ‬فى‭ ‬البكاء‭ ‬ويناديها‭ ‬اخذينى‭ ‬معكِب‭ ‬ذ‭ ‬وهو‭ ‬الرد‭ ‬الطبيعى‭ ‬من‭ ‬الابن‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭.‬

وتستمر‭ ‬سياسات‭ ‬التقويض‭ ‬بتوظيف‭ ‬الكاتب‭ ‬لوجهة‭ ‬نظر‭ ‬سردية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها؛‭ ‬فالراوى‭ ‬رجل‭ ‬فى‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬منغمس‭ ‬فى‭ ‬ذاكرة‭ ‬الطفولة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذى‭ ‬يُنسى‭ ‬فيه‭ ‬أمر‭ ‬ذلك‭ ‬الراوى‭ ‬البالغ‭ ‬برمته‭ ‬ويسيطر‭ ‬الصوت‭ ‬السردى‭ ‬للطفل‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬بتذبذبه،‭ ‬وملاحظته‭ ‬لدقائق‭ ‬الأحداث‭ ‬دون‭ ‬فهم‭ ‬المغزى‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬ومراقبته‭ ‬السلبية‭ ‬دون‭ ‬تدخّل‭ ‬فعّال‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سطوة‭ ‬الحلم‭ ‬على‭ ‬أفكاره‭ ‬وواقعه،‭ ‬يقول‭ ‬مثلًا‭: ‬اأجول‭ ‬ببصرى‭ ‬فى‭ ‬الفضاءات‭ ‬الخلفية‭ ‬عند‭ ‬الرفاس،‭ ‬أستطلع‭ ‬الطفل‭ ‬الأسمر‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬يرمى‭ ‬بطيارة‭ ‬ورقية‭ ‬تحمل‭ ‬ألوانًا‭ ‬زاهية‭

... ‬كنت‭ ‬أدقق‭ ‬النظر،‭ ‬أرقب‭ ‬الآفاق‭ ‬العاليةب‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬فإن‭ ‬لوجهة‭ ‬نظر‭ ‬الطفل‭ ‬الأثر‭ ‬البالغ‭ ‬فى‭ ‬خلق‭ ‬مشهدية‭ ‬عالية‭ ‬ترصد‭ ‬صورًا‭ ‬مختلفة‭ ‬عبر‭ ‬جمل‭ ‬سردية‭ ‬قصيرة‭ ‬متلاحقة‭ ‬دون‭ ‬إسهاب،‭ ‬ودون‭ ‬تدخّل‭ ‬فى‭ ‬رؤية‭ ‬المتلقى‭ ‬نفسه؛‭ ‬فيترك‭ ‬تأويل‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬وقراءة‭ ‬المشهد‭ ‬للمتلقى‭ ‬فى‭ ‬حيادٍ‭ ‬تام‭. ‬

ويؤثر‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬السردى‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬فى‭ ‬بنية‭ ‬الرواية‭ ‬بأكملها؛‭ ‬فيتشظى‭ ‬الخط‭ ‬السردى‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬والهلاوس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬قد‭ ‬يفقد‭ ‬فيه‭ ‬المتلقى‭ ‬أحيانًا‭ ‬إمساكه‭ ‬بزمام‭ ‬الخط‭ ‬السردي‭. ‬يسعى‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬سطوة‭ ‬البالغين‭ ‬ولاسيما‭ ‬الأب‭ ‬الذى‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الحدثى‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬منتصف‭ ‬الرواية؛‭ ‬لذا‭ ‬يتكرر‭ ‬سؤال‭ (‬الحسين‭) ‬دومًا‭ ‬اأين‭ ‬أبي؟ب،‭ ‬ثم‭ ‬سؤاله‭ ‬اأين‭ ‬أمي؟ب‭ ‬فى‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الرواية‭. ‬ولعل‭ ‬لغياب‭ ‬البالغين‭ ‬مدلولًا‭ ‬واضحًا‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عن‭ ‬المتلقى‭ ‬ألّا‭ ‬وهو‭ ‬انهيار‭ ‬السلطة‭ ‬الأبوية‭ ‬لمجتمع‭ ‬الآباء‭ ‬بعد‭ ‬النكسة‭. ‬فــ‭(‬الحسين‭) ‬وأقرانه‭ ‬هم‭ ‬جيل‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬النكسة،‭ ‬هم‭ ‬الجيل‭ ‬الذى‭ ‬عليه‭ ‬تشييد‭ ‬البنيان‭ ‬الذى‭ ‬هدمه‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬بسبب‭ ‬تعنتهم‭ ‬وعنجهيتهم‭ ‬وقسوتهم‭ ‬أحيانًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬فى‭ ‬معاملة‭ ‬والد‭ (‬الحسين‭) ‬القاسية‭ ‬لأولاده‭. ‬وعليه،‭ ‬تحتّم‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬جعل‭ ‬راوى‭ ‬روايته‭ ‬طفلًا‭ ‬أو‭ ‬بالغًا‭ ‬بذاكرة‭ ‬طفل،‭ ‬يُعطّل‭ ‬صوت‭ ‬الكبار‭ ‬ويصير‭ ‬هو‭ ‬مركزًا‭ ‬للقوة‭ ‬السردية‭ ‬والمتحكّم‭ ‬فيها‭ ‬رغم‭ ‬صمته‭ ‬الدائم‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬المشاحنة‭ ‬الذى‭ ‬يتجلى‭ ‬بين‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬وجيل‭ ‬الصغار،‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬توظيف‭ ‬الكاتب‭ ‬لبعضٍ‭ ‬من‭ ‬الإحالات‭ ‬الرمزية‭ ‬ولاسيما‭ ‬فى‭ ‬أسماء‭ ‬بعض‭ ‬الشخوص‭. ‬فبدت‭ ‬والدة‭ (‬الحسين‭) - (‬الصّدّيقة‭) ‬ذ‭ ‬شخصية‭ ‬تحمل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬التناقضات،‭ ‬وفى‭ ‬أحيانٍ‭ ‬أخرى‭ ‬يخلق‭ ‬الكاتب‭ ‬تماسًا‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ (‬فؤادة‭) ‬ذ‭ ‬شادية،‭ ‬بعينيها‭ ‬النجلاوتين‭ ‬ذ‭ ‬فى‭ ‬فيلم‭ ‬اشيء‭ ‬من‭ ‬الخوفب،‭ ‬فيقول‭ ‬بعد‭ ‬مشهد‭ ‬محاولة‭ ‬اغتصاب‭ ‬أمه‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬المهجرين‭ ‬فى‭ ‬حمام‭ ‬معسكر‭ ‬البصراط،‭ ‬اأستعيد‭ ‬طلتها،‭ ‬ملامحها،‭ ‬جبروتها‭ ‬وقوة‭ ‬شكيمتها‭ ‬صلابتها‭ ‬عندما‭ ‬تكشّر‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭. ‬دارت‭ ‬بى‭ ‬خيالاتى‭ ‬والفيلم‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬ينطق‭ ‬بالحوار‭ ‬فى‭ ‬أرضية‭ ‬مغبّرة‭ ‬داهل‭ ‬شاشة‭ ‬سوداء‭: ‬اباطل،‭ ‬باااااطلب‭. ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬الذى‭ ‬يرتبط‭ ‬فيه‭ ‬الوعى‭ ‬الجمعى‭ ‬بشخصية‭ (‬فؤادة‭) ‬التى‭ ‬ترمز‭ ‬لمصر‭ ‬نفسها،‭ ‬يبدأ‭ ‬المتلقى‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬تماس‭ ‬بين‭ (‬الصّدّيقة‭) ‬ومصر؛‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الراوى‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يقوّض‭ ‬ما‭ ‬رسمه‭ ‬المتلقى‭ ‬عبر‭ ‬إبراز‭ ‬علاقة‭ (‬الحسين‭) ‬المضطربة‭ ‬بأمه‭ ‬ونظراته‭ ‬الـــ‭ (‬أوديبية‭) ‬ذ‭ ‬نسبةً‭ ‬إلى‭ ‬اأوديب‭ ‬الملكب‭ ‬ذ‭ ‬لأمه،‭ ‬التى‭ ‬يمتزج‭ ‬فيها‭ ‬الوصف‭ ‬العاطفى‭ ‬بالحسى‭ ‬لجسدها‭. ‬

ويتبدّى‭ ‬هذا‭ ‬التقويض‭ ‬الأشد‭ ‬إيلامًا‭ ‬فى‭ ‬اسم‭ ‬شخصية‭ (‬أم‭ ‬هاشم‭)‬،‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬التى‭ ‬أحبها‭ (‬الحسين‭) ‬فى‭ ‬صباه‭. ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬المتلقى‭ ‬مدلول‭ ‬اسم‭ (‬أم‭ ‬هاشم‭) ‬فى‭ ‬الوعى‭ ‬الجمعي،‭ ‬وارتباطه‭ ‬بالسيدة‭ ‬زينب‭ ‬أم‭ ‬المساكين‭ ‬التى‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬مكروب‭. ‬وفى‭ ‬الرواية‭ ‬تظهر‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬التى‭ ‬تمثّل‭ ‬النبراس‭ ‬الوحيد‭ ‬للأملٍ‭ ‬لدى‭ (‬الحسين‭)‬،‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬شعر‭ ‬بالوحدة‭ ‬أو‭ ‬الحزن،‭ ‬وتأتيه‭ ‬فى‭ ‬هواجسه،‭ ‬وتقول‭ ‬اتمسّك‭ ‬بالأمل‭ ‬يا‭ ‬حسين،‭ ‬غدًا‭ ‬ستعود‭ ‬لبلدك‭.. ‬بورسعيد‭.. ‬مكان‭ ‬الميلادب‭. ‬كما‭ ‬اتسمت‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬بحبّها‭ ‬للمسجد‭ ‬وحفاظها‭ ‬على‭ ‬الصلاة؛‭ ‬وعليه‭ ‬يبنى‭ ‬المتلقى‭ ‬علاقات‭ ‬متشابكة‭ ‬بين‭ ‬دلالات‭ ‬اسم‭ (‬أم‭ ‬هاشم‭) ‬والطُّهر‭ ‬ومساعدة‭ ‬المكروب‭ ‬ودلالة‭ ‬اسم‭ (‬الحسين‭) ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ثم‭ ‬يقوّض‭ ‬الكاتب‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬جميعًا‭ ‬عندما‭ ‬تُغتصب‭ (‬أم‭ ‬هاشم‭) ‬فتشعل‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬جسدها‭ ‬وتموت‭. ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬شبح‭ ‬يظل‭ ‬يلاحق‭ (‬الحسين‭) ‬فى‭ ‬صحوه‭ ‬ومنامه‭ ‬وتأتيه‭ ‬فى‭ ‬صور‭ ‬مرعبة‭ ‬عبر‭ ‬النافذة‭: ‬اافتح،‭ ‬جئت‭ ‬إليك‭ ‬لتطفئني‭.. ‬أنا‭ ‬أم‭ ‬هاشم‭.. ‬أنا‭ ‬بموووت‭ ‬يا‭ ‬حسين‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬يوظّف‭ ‬الكاتب‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭ ‬فى‭ ‬الوعى‭ ‬الجمعى‭ ‬ثمّ‭ ‬يقوّضها‭ ‬لبناء‭ ‬أجواء‭ ‬مصاحبة‭ ‬للتشتت‭ ‬والتصدع‭ ‬النفسي‭.‬

وأخيرًا،‭ ‬فإن‭ ‬رواية‭ ‬اشقى‭ ‬وسعيدب‭ ‬للكاتب‭ ‬حسين‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬تتناول‭ ‬أحداث‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬1967،‭ ‬وقد‭ ‬تناول‭ ‬الكاتب‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬عبر‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬التهجير،‭ ‬ثم‭ ‬شرع‭ ‬فى‭ ‬هدم‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبناء‭ ‬سرديات‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة‭. ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬ما‭ ‬الجدوى‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬النكسة‭ ‬فى‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين؟‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬بهدف‭ ‬التأريخ‭ ‬الاجتماعى‭ ‬بقدر‭ ‬تمثيل‭ ‬التشوهات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التى‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬النكسة‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭ ‬وزمنها‭ ‬ولفت‭ ‬نظر‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬تفتقد‭ ‬الصلة‭ ‬بتاريخها‭ ‬وأصالتها‭ ‬إلى‭ ‬الأمانة‭ ‬الثقيلة‭ ‬على‭ ‬كاهلهم‭ ‬ألا‭ ‬وهى‭ ‬حفظ‭ ‬الأرض‭ ‬والوطن‭.‬

المصدر : جريدة أخبار الادب 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة