أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
الوجدان الشعبى وتأثره بالفن وسيلة للرصد المجتمعى
الأحد، 10 أكتوبر 2021 - 01:42 م
أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
اعتاد الشعب المصري والعربي في كل العصور؛ أن يلجأ بوجدانه التلقائي إلى ترجمة انفعالاته ومشاعره في الأحداث التي تمر به من تقلبات الحياة اليومية الاجتماعية والسياسية في صورٍ عدة، إما بالسخرية الحادة عن طريق “النكتة”، أو بالعزف على أوتار أفراحه وأحزانه عن طريق “الأغنية” بسيطة التراكيب اللفظية؛ أو في “مواويل الناي” في الموالد والمناسبات الدينية والاجتماعية؛ ولكن كان أبرزها تلك الأغنيات التي جرت على ألسنة عامة الشعب طوال عهود السيطرة والاحتلال الأجنبي، ومنذ تجرأ الزعيم “أحمد عرابي” وأقدم على إعلان التمرد على سلطة “الخديوي” التابع للدولة العثمانية !
ولست بصدد الحديث عن نجاح أو فشل “ثورة عرابي” أو “هوجة عرابي” كما أسماها البعض بإيعاز من سلطة الاحتلال للتقليل من شأنها، ولكن مايهمني هو مواكبة “الأدباتي/عبد الله النديم” لأحداث تلك المرحلة المهمة في تاريخ المصريين، والذي استطاع بأزجاله وأشعاره البسيطة في شكل إيقاعات غنائية يرددها الشعب؛ في تعبئة وشحن المشاعر ضد سلطة الاحتلال ـ ومنها على سبيل المثال :
أهل البنــــوكا والأطيـان ** صاروا على الأعيان أعيان
وابن البلـد ماشي عريان ** ما معــــاه ولا حق الدخــان
وربما كانت تلك الإيقاعات البسيطة تمهيدًا لتوالي الفوران الشعبي ليظهرعلى الساحة الشيخ “سيد درويش “ بموسيقاه وأغنياته الوطنية التي مهدت لثورة 1919 بزعامة “سعد زغلول” رفيق رحلة حياة “الأدباتي” والتي دفع ثمنها بالسجن والنفي إلى أن مات غريبًا في اسطنبول !
وتأتي الثورة المصرية المجيدة ( ثورة يوليو 1952 )؛ ليناصرها ويعضدها جيل من عظماء فن الأغنية؛ الذين استطاعوا أن يتركوا الأثر الجميل في الوجدان الشعبي بكل الذائقة الجمالية في ترجمة الأحداث؛ بداية من “( ع ) الدوَّار” للمطرب محمد قنديل ـ كنموذج ـ مرورًا بظهور عبد الحليم حافظ الذي يُعد مطرب الثورة إلى آخر انفاسه . ولم يكن يتسنى لهؤلاء تلك النجاحات؛ إلا بمواكبة جيل رائع من الشعراء وكتاب الأغاني، بداية من حسين الكومي وفتحي قورة وفؤاد حداد وصلاح جاهين وسيد حجاب والأبنودي... إلخ !! وكان محورهم الرئيسى في تلك المرحلة هو الأغاني الوطنية التي تواكب الأحداث السياسية على الصعيدين المصري والعربي .
ولكننا نرى هذه الأيام .. وعلى إثراجتياح “فيروس الكورونا” لكل بلاد العالم: شرقه وغربه؛ أن الشعب المصري لم يترك هذه الأزمة كي تمر مرور رياح الصيف العابرة؛ ولكنه بفطرته قرر أن يقف للتسجيل والتأريخ، لنرى “طفل الصعيد الجوَّاني” يدق بالإيقاع الفطري الساذج على “صفيحة قديمة” مندِّدًا بهذا الوباء الذي حرمه اللعب على الترعة مع أقرانه؛ لتلتقطه عدسات التليفزيون ليصبح نجمًا يغار منه المطربون على الساحة الغنائية؛ فيهرعون للمشاركة في كرنفال “ الكورونا”؛ وقد لفت الأنظار المطرب الفنان/مدحت صالح حين تغني ـ بصدق ـ لتمجيد كتائب الأطباء وجيوش التمريض؛ الذين يواجهون خطر العدوى في خط الدفاع الأول عن صحة الشعب المصري؛ بل يقدمون العديد من الشهداء على مذبح “الوفاء بقسَمْ أبقراط “ إيمانًا برسالتهم السامية في خدمة الوطن والبشرية؛ تغنى بكلمات (عمر طاهر ): البالطو الأبيض كإشارة إلى الأطباء وكتائب التمريض :
ياابو بالطو ابيض .. والقلب أبيض
أحلى مافيك الابتسامة
ياغالي عندي .. أهل البلد دي
ح يطولوا بيك بر السلامة
ياابو بالطو أبيض والقلب أبيض
عودك صلبتُه .. صاحي تمللي
ولا انسحاب ولا تخللي
رجعنا خطوة وسبقت إنت
صلِّينا وانت بينا المُصلِّي
تعبك على راسي وعلى عيني
يانجم عالي ياقصر عيني
ولا مللي خوف .. قادر تشوف
ياابو بالطو أبيض !
ونحن بدورنا لابد أن نضم أصواتنا إلى صوت هؤلاء الفنانين الوطنيين؛ الذين يؤرخون للأحداث الجسام التي تمر بالوطن؛ تيمنَّا بالرعيل الأول من الأدباء والفنانين والشعراء؛ الذين نقف لهم احترامًا وتعظيمًا لدورهم الفاعل في الحفاظ على الذاكرة الوطنية من الاندثار .
وهانحن نرى ركاب الفنون يسير جنبًا إلى جنب مع الحراك الفاعل والمخلص من الدولة بكل أجهزتها السياسية والعلمية والأكاديمية والطبية؛ لتقديم كل الخدمات لدرء الأخطار عن صحة المصريين .. ومصر المحروسة الغالية . ولعل الإيمان بالله العلي القدير وقدرته على أن يهب “العلم” لأهله من جيش الأطباء؛ للوصول إلى سرعة التغلب على الهجوم الضاري لفيروس كورونا؛ متسلحين بسلاح العلم والتكنولوجيا المتقدمة، ولم تركن الدولة إلى التقاعس أو الإهمال في مواجهة “وباء الطاعون” والجلوس على قارعة الطرقات ــ كما فعلت “أيام حكم الماليك” ليرددوا :
يارب يامتجلي ..إهلك العثمانلي !!
تلك كانت تطوافة وجيزة لرصد مدى تأثير فن الأغنية في الوجدان الشعبي؛ ومدى حرصه وقدرته على تخطِّّي حواجز مؤسسات الثقافة الرسمية؛ ويكون هو الأسبق بالرصد والتسجيل لكل مجريات الأحداث على أرض الواقع .
حفظ الله مصر متمثلة في قوتها الناعمة وعلمائها وأطبائها، لتشرق علينا شمس العافية ؛ لتضيء نهارات السعادة ؛ حتى تنقشع سحابات “الكورونا “ من سماء العلم والعلماء والبشرية جمعاء ؛فهي غمة ثقيلة حصدت أرواح الكثيرين في زمن قصير وتركت في قلوب الأحياء احزانا تكفيهم ما تبقى لهم من عمر ،فيارب أزح الغمة وأشف كل مريض ..آمين!
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة