إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة:

الخريف

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 28 أكتوبر 2021 - 05:54 م

عشنا منذ الطفولة نعرف أن الربيع هو أجمل فصول السنة، فيه تعود الأشجار إلى خضرتها وتزدهر الزهور وتتم المتاحف فى الحدائق نزورها طلابا صغارا ومحبين كبارا ولا ننتبه قط إلى أن ذلك صحيح فى معظم أنحاء الدنيا لكن فى مصر رغم جمال الربيع وانتعاش الحب، فهناك رياح الخماسين المتربة الحارة تأتى من الصحراء الغربية تفسده.

بينما الخريف هو الفصل الأجمل فى العام، ففيه درجة البرودة منعشة خالية من الرطوبة يقدم للشتاء وتحمله.

برد الخريف المنعش والخروج فيه  يجهزك لبرد الشتاء .

كما ان الخريف على الشواطيء ينشر كل صباح قوس قزح فوق الماء ينعش المشاهد ويكاد يحمله إلى السماء. انا عشت مغرما بالربيع ولكن حبى اكثر للخريف وربما ساهمت فى ذلك مدينتى الاسكندرية التى تصلها الخماسين قبل ان تصل الى القاهرة.

لكن زاحمت الخريف أشياء أخرى لا ندركها فى الطفولة ولا الصبا ولا الشباب هى  ما يسمى خريف العمر ترى فيه الأحباء يتساقطون حولك كل يوم فى رحلة بلا عودة إلى السماء وياخذك الحزن ولا تنتبه الى أنك مثلهم وربما يكون تساقطهم حولك تذكرة بأن هذا هو المصير ولا مهرب منه لأى حى .

ورغم ايمانك بهذا مضطرا او برضا بالقدر الذى لم يكن ظالما لاحد رغم اننا نلقى عليه كل نتائج فشلنا .

لكن كما نعرف ذلك لنستريح فقط . اقول رغم رضائك  بذلك أو رضوخك له فالألم الناتج عن الفراق درس خصب  لكن الالم الناتج عن التقدم فى العمر وانهيار الصحة يوما بعد يوم لا يمكن الرضا به بسهولة وقديريفع الصوت طالبا من الله ان يمن عليك بالنهاية فلا داعى للألم . أجل.

رحلة العذاب مفهومة فى انها تكللها محبة الله . فالمنذورين للعزاب هم الأقرب إليه . لكن لماذا العذاب. سؤال يقفز أمامك  وتطلب لنفسك وللجميع ألا يدخلك الله فى تجربة  لكن الأمور تمشى على طبيعتها .

الآلام من المرض قبل الرحيل ويعتبر. محنة جوهرها محنة أو الرحيل بلا ألم وهو فضل من الله لكن فى الحالة الأولى ايضا نقول الحمد لله ربنا أراحه من الألم .

هو الزقاق الضيق لكنه الأكثر شيوعا فى الخروج . وهكذا يكون الخريف جميلا فى الفضاء وننسى  سقوط اوراق الشجر الذى يملأ الطرقات ونراه يتجسد فى الأحباء فيكون خريف البشر هو الأصعب بين فصول العام  وإن أنسانا قوس قزح الطبيعة ذلك..

هل كنت محتاجا أن أمرض كل هذا المرض لأعرف هذه الحقيقة أنا الذى دخلت الشخوخة من أكثر من عشرين سنة  وشيئا فشيئا تخلصت من كثير مما لم تعد الصحة قادرة عليه  لكن احساسى بالقوة لم ينتهى ابدا واعرف ان السبب فى ذلك هو الابداع والفن فما اكتبه يدب بالروح فى القلب والجسد وليس من مبدع أو فنان تدركه الكهولة أبدا. بل ربما يندفع الى نافذة الانتحار.

للذهاب قويا إلى السماء . هذه خدعة الفن الجميلة التى تجعل الكاتب شابا طول حياته المهم أنه كلما تقدم فى العمر يختار مرغما الجلوس أكثر من الحركة لكنه لا يدرك أبدا انه جالس فما يكتبه ويرسمه يتحرك به إلى كل فضاء.

ورغم ذلك فألم الصحة البدنية يجعل الفنان أيضا ينتبه إلى الخريف الذى نسيه والذى تصور أنه وقد كتب عنه أو نسيه قد ضمن فراقه.

للأسف الخريف حاضر إن لم يكن فى الشخص نفسه ففى  من يحب  ولا حل إلا الحمد لله يا ابن آدم على ما فزت من راحة.  

باختصار.

الربيع أفضل لكن فى مصر الخريف أفضل وفى الوقت نفسه هو موسم تساقط الأوراق كما هو فى كل العالم ونحن نحبه مرغمين أو فى رضا فلا فرق.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة