أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان


الناقد الفنى .. رمانة الميزان

أخبار النجوم

الجمعة، 29 أكتوبر 2021 - 01:47 م

أ‭.‬د‭.‬إلهام‭ ‬سيف‭ ‬الدولة‭ ‬حمدان‭ ‬

من‭ ‬الظواهر‭ ‬اللافتة‭ ‬للنظر‭ .. ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬بعض‭ ‬الأمواج‭ ‬التي‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬بحار‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية‭  ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تسبح‭ ‬عكس‭ ‬التيار‭ ‬السائد‭  ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬سواء‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬العربية؛‭ ‬وذلك‭ ‬بإعادة‭ ‬السؤال‭ ‬المتكرر‭ ‬عن‭ : ‬هل‭ ‬أتى‭ ‬الإبداع‭ ‬أولاً‭ ‬أم‭ ‬سبقته‭ ‬بعض‭ ‬الإرهاصات‭ ‬النقدية‭ ‬ـ‭ ‬ولو‭ ‬ـ‭  ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المحاولات‭ ‬الشكلية‭ ‬؟‭! ‬وكأننا‭ ‬ندور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬ونهدر‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬والعرق‭ ‬في‭ ‬الصدام‭ ‬بالمعارك‭ ‬الكلامية‭ ‬على‭ ‬سطور‭ ‬أعمدة‭ ‬الصفحات‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات؛‭ ‬لمحاولة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إيجاد‭ ‬إجابة‭ ‬ناجعة‭ ‬للسؤال‭ ‬الساذج‭ ‬الأزلي‭ ‬عن‭ : ‬أيهما‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬أولا‭ : ‬البيضة‭ ‬أم‭ ‬الدجاجة‭ ‬؟‭!‬

والحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لامراء‭ ‬فيها؛‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يفضي‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“النقد”‭ ‬و”الأدب‭ ‬“‭ ‬صنوان‭ ‬أو‭ ‬توأمان‭ ‬مزدوجان‭ ‬ملتصقان‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬لايصح‭ ‬أحدهما‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الأخر،‭ ,‬صار‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬يتوقف‭ ‬النقد‭ ‬معه‭ ‬طويلا؛‭ ‬فقد‭ ‬أصبحا‭ ‬في‭ ‬جدليـة‭  ‬دائمة‭ ‬ومستمرة‭ ‬بكل‭ ‬النشاط‭ ‬العقلي‭ ‬والذهني‭ ‬والجمالي،‭ ‬والذائقة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬وتحدٍ‭ ‬مستمر‭ ‬مع‭ ‬القواعد‭ ‬ـ‭ ‬شبه‭ ‬الثابتة‭ ‬ـ‭  ‬القائمة‭ ‬للتغيير‭ ‬والإنطلاق‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ .  ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تواكبه‭ ‬النظرة‭ ‬النقدية‭ ‬المحايدة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تنحاز‭ ‬إلى‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يرها‭ ‬المبدع‭ ‬قبل‭ ‬وأثناء‭ ‬وبعد‭ ‬عملية‭ ‬“الخلق‭ ‬“لإبداعه‭ .. ‬وأرى‭ ‬ـ‭ ‬بعين‭ ‬المتابعة‭ ‬للساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬ومجادلات‭ ‬البعض‭ ‬بنظرة‭ ‬دينية‭ ‬ـ‭  ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭  ‬قد‭ ‬يستهجنون‭ ‬استخدامي‭ ‬لكلمة‭ ( ‬الخلق‭ ) ‬و‭ ‬ـ‭ ‬حاشا‭ ‬ـ‭ !‬؛‭ ‬أليس‭ ‬الإبداع‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬إيجاد‭ ‬شيء‭ ‬جميل‭ ‬من‭ ‬العدم؟‭ ‬بلى‭ .. ‬بالتأكيد‭ ! ‬وأنا‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ـ‭ ‬ضد‭ ‬مقولة‭ : ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬النقد‭ ‬إبداعٌ‭ ‬موازٍ‭ .. ‬ولكنني‭ ‬أرى‭ ‬انه‭ ‬استنطاق‭ ‬لمضمون‭ ‬ومحتوى‭ ‬النص‭ ‬ـ‭ ‬من‭ ‬الناقد‭ ‬ـ‭  ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خافيًا‭ ‬ـ‭ ‬كما‭ ‬أوردت‭ ‬ـ‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬المبدع‭ ‬أثناء‭ ‬تدوينه‭ ‬لأفكاره‭ .‬

وهنا‭ ‬أيضًا‭ .. ‬لابد‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬وقفة محايدة‭ ‬ـ‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬ـ‭ ‬ضد‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬يرددها‭ ‬بعض‭ ‬المغرضين‭ ‬على‭  ‬الساحةوالغرض‭ ‬مرض‭ ‬كما‭ ‬تعلمون‭ : ‬“إن‭ ‬الناقد‭ ‬مُبدع‭ ‬فاشل”‭! ‬أي‭ ‬أنه‭  ‬فاشل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬وقصة‭ ‬وشعر‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لأقول‭ ‬كلمتي‭ ‬للتوثيق‭ ‬العلمي‭ : ‬إن‭ ‬الناقد‭ ‬مبدعُ‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ !‬

وقد‭ ‬نصطدم‭ ‬بمن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ : ‬إن‭ ‬الإبداع‭ ‬فـي‭ ‬حد‭ ‬ذاتـه‭ ‬يحمل‭ ‬عناصر‭ ‬النقد‭  ‬في‭ ‬طياته‭ ‬وإنه‭ ‬معجونٌ‭ ‬في‭ ‬سطوره‭  ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬شكل‭ ‬الإبداع‭ : ‬نثرًا‭ ‬أو‭ ‬شعرًا‭ ‬أو‭ ‬قصصًا‭ ‬أو‭ .. ‬رواية،‭ ‬بما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المُبدع‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬تنقيح‭ ‬وتصحيح‭ ‬مابعد‭ ‬“فعل‭ ‬الكتابة‭ ‬الأصلية”؛‭ ‬ويعد‭ ‬بعض‭ ‬الأساتذة‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬ومحترفي‭ ‬النقد‭ ‬أن‭ ‬النظرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬ـ‭ ‬من‭ ‬المُبدع‭ ‬ـ‭ ‬هي‭ ‬محك‭ ‬الإبـداع‭ ‬الحقيقـي‭ ‬وأهـم‭ ‬مرحلة‭ ‬فيه‭ . ‬فهو‭ ‬يحمل‭ ‬نقدًا‭ ‬مرافقـًا‭ ‬مـن‭ ‬قبـل‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬علاقته‭ ‬بالنقـد‭ ‬أصـلا‭!!  ‬ولعلي‭ ‬ــ‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬ــ‭ ‬أضيف‭ ‬للإنصاف‭ : ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المبدعين‭ ‬لاينظرون‭ ‬البتة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬بعد‭ ‬كتابة‭ ‬وتفريغ‭ ‬الدفقة‭ ‬المتوهجة‭ ‬الأولي‭  ‬على‭ ‬الورق‭ ! ‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬استقرت‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬ـ‭ ‬تلك‭ ‬النظريات‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتباينة؛‭ ‬مذ‭ ‬كانت‭ ‬الساحات‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬تشرُف‭ ‬فيها‭ ‬المنصَّات‭ ‬باعتلائها‭ ‬أساطين‭ ‬وأفذاذ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬أمثال‭  ‬ــ‭ ‬مع‭ ‬احترامي‭ ‬للألقاب‭ ‬والدرجات‭ ‬العلمية‭ ‬ــ‭  ‬الأساتذة‭ :  ‬محمد‭ ‬مندور‭ ‬وأنور‭ ‬المعداوي‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬القط‭  ‬وعبد‭ ‬العزيز‭ ‬الأهواني‭  ‬وعبد‭ ‬الحميد‭ ‬يونس‭ ....‬إلخ‭ ‬تلك‭ ‬الكوكبة‭ ‬العظيمة‭  ‬التي‭ ‬حفلت‭ ‬بها‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ .‬

إن‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬المصرية‭ ‬ذاخرة‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأقلام‭ ‬الجادة‭ ‬والمخلصة‭ ‬لإثراء‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬بكل‭ ‬جديد‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬العظيم‭ ‬لها؛‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يختلق‭ ‬المعارك‭ ‬الوهمية‭ ‬؛‭ ‬بمحاولة‭ ‬إطلاق‭ ‬قنبلة‭ ‬دخان‭ ‬مفادها‭ : ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬نظرية‭ ‬نقدية‭ ‬مصرية‭ ‬أو‭ ‬عربية‭ ! ‬كيف‭ .. ‬وكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفذاذ‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم‭ ‬تركوا‭ ‬لنا‭  ‬ـ‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬غادروا‭ ‬عالمنا‭ ‬أو‭ ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بين‭ ‬ظهرانينا‭ ‬ــ‭  ‬تراثًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬اشتمل‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬العلوم‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والقصة‭ ‬والرواية‭ ‬والمسرح‭ ‬والسينما‭ ‬؛‭ ‬فقط‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬ليستخرج‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬قلبه‭ ‬“‭ ‬دررًا‭ ‬“‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬يثرثرون‭  ‬ويملأون‭ ‬الساحة‭ ‬ضجيجًا‭ ‬عن‭ ‬ضحالة‭ ‬“النظرية‭ ‬النقدية‭ ‬“‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية؛‭ ‬وحتى‭ ‬لانتعامل‭ ‬مع‭ ‬النظريات‭ ‬النقدية‭ ( ‬المعوْلبة‭ ) ‬التي‭ ‬تأتينا‭ ‬عبر‭ ‬الثقافات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يتشدق‭ ‬بها‭ ‬دون‭ ‬فهم‭ ‬جاد‭ ‬للأبعاد‭ ‬التي‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭/‬وعن‭ ‬واقعنا‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ .‬

ولعلنا‭ ‬بإيجاد‭ ‬وتوثيق‭ ‬النظريات‭ ‬النقدية‭ ‬الجادة؛‭ ‬التي‭ ‬تستكشف‭ ‬أعماق‭ ‬وأهداف‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬بعيدًا‭ ‬عما‭ ‬يسمي‭ ‬بـ‭ ‬“النقد‭ ‬الانطباعي‭ ‬“؛‭ ‬نقوم‭ ‬بتأصيل‭ ‬وتأكيد‭ ‬محصلة‭ ‬الذائقة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية؛‭ ‬واتساع‭ ‬رقعة‭ ‬هذه‭ ‬الذائقة‭ ‬لتشتمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭  ‬على‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬ونثر‭ ‬وقصة‭ ‬ورواية؛‭ ‬ولتكون‭ ‬قطبًا‭ ‬جاذبًا‭ ‬لمن‭ ‬يحاولون‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الإبداع‭ ‬المائز‭ ‬الجاد؛‭ ‬لإصلاح‭ ‬عيوب‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬عبر‭ ‬ــ‭ ‬بعض‭ ‬ــ‭ ‬سنوات‭ ‬ا‭ ‬التجريف‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬ابتعدت‭ ‬بإبداعاتنا‭ ‬المصرية‭ ‬الأصيلة‭ ‬عن‭ ‬مسارها‭ ‬الذي‭ ‬أنشأته‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ . ‬

فأهلا‭ ‬بالنقد‭ ‬الجاد‭ ‬المثمر‭ ‬غير‭ ‬الهدام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؛‭ ‬فهو‭ ‬الضمير‭ ‬لكل‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬ورمانة‭ ‬الميزان‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬الأمور‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬النسق‭ ‬البناء‭ ‬الذي‭ ‬يؤمل‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬إبداعية‭ ‬تتماهي‭ ‬مع‭ ‬مايطمح‭ ‬إليه‭ ‬دوما‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬غايات‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والجمال‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬وخير‭ ‬منق‭ ‬للغرض‭ ‬ومايستتبعه‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬فكلنا‭ ‬يريد‭ ‬السلامة‭. ‬


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة