أرتفاع أسعار الغذاء
أرتفاع أسعار الغذاء


أسعار المواد الغذائية العالمية قفزت 33 % فى سبتمبر 2021

الاقتصاد العالمى تحت رحمة أسعار الطاقة والغذاء

آخر ساعة

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 10:37 ص

دينا توفيق

وجد العالم نفسه ديسمبر 2019 فى مواجهة مع فيروس غامض بعد أن تفشى فى ربوع الأرض.. آلاف الوفيات والإصابات يوميًا، محاولات لاحتواء الأزمة، لا حل سوى التباعد والبقاء فى المنازل، الحياة توفقت؛ والإغلاق الكامل أحكم قبضته على الاقتصاد العالمى مع تفشى وباء كوفيد-19، أغلقت الموانئ وتوقفت حركة الطيران، وكذلك الحركة التجارية وعجلة الإنتاج، ما أدى إلى فقد الملايين لوظائفهم ومدخراتهم، عجز فى ميزانية الدول الكبرى وصل إلى تريليونات الدولارات.. الواقع مرير والأمر لا يزال ضبابيا مع استمرار نشاط الفيروس وتحوره، ما كان له أثره على الاقتصاد العالمى.

والآن يشهد العالم تداعيات ما بعد كورونا التى لم تنته ولكن الحياة ومتطالبات العيش لا تحتمل أكثر من ذلك وضرورة عودة عجلة الإنتاج بكامل طاقتها، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ومع محاولات تخفيف القيود التى فرضها الوضع الوبائى فى بعض الدول، أثار ارتفاع التضخم القلق فى جميع أنحاء العالم؛ فمع الزيادة فى الطلب ونقص العرض، تكافح الشركات وأرباب العمل للعثور على عمال وسفن وقطع غيار ووقود، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام ومن ثم السلع والخدمات وبات تهديدًا للاقتصاد العالمي. إنها المرة الأولى منذ السبعينيات التى تكون فيها صدمة العرض هى السبب الرئيسي؛ خلال فترة الركود الاقتصادى التى عاشتها الولايات المتحدة عقب حظر النفط عام 1973، شهدت البلاد تضخماً متصاعداً وتباطؤاً اقتصادياً فى آنٍ واحد، وهو الأمر الذى استبعده الاقتصاديون حينها واستحالة حدوثه، ليُصدم الجميع بحقيقة أن التضخم المتزايد والنمو المتباطئ من الممكن أن يتزامنا، وأن العلاقة بين التضخم والبطالة ليست عكسية دائمًا وبين التضخم والنمو الاقتصادى ليست طردية دائمًا. 

وهذا ما يراه بعض المحللين وذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" ويحدث الآن ولكن على المستوى العالمي، حيث يستمر التضخم فى الارتفاع فى جميع أنحاء العالم، مما يزيد الضغط على بعض البنوك المركزية لزيادة أسعار الفائدة. ووفقًا لمحافظى البنوك المركزية الذين يختلفون حول مسألة ما إذا كانت الضغوط التضخمية مؤقتة، فإن رؤساء الصناعة فى جميع أنحاء العالم لديهم رسالة واضحة وهى أن الأسعار ترتفع فقط؛ إلى جانب الانقطاعات فى سلاسل التوريد والإمداد ومتغير دلتا، تمثل ضغوط الأسعار خطرًا آخر على النمو العالمي، ما دفع صندوق النقد الدولى (IMF) إلى خفض توقعاته لهذا العام. وأعرب الصندوق عن قلقه من أن تعافى الاقتصاد العالمى فقد زخمه وأصبح منقسماً بشكل متزايد، حتى فى الوقت الذى أبقى فيه على توقعه بحدوث انتعاش قوى من الركود الناجم عن تفشى فيروس كوفيد-19.

 

ويتوقع الصندوق فى أحدث تقرير له عن آفاق الاقتصاد العالمي، أن يحقق الاقتصاد العالمى نموا قدره 5٫9% فى 2021 و4٫9% فى 2022، أى بانخفاض قدره 0٫1 نقطة مئوية فى عام 2021 عما ورد فى تنبؤات يوليو الماضي، وانتعاشًا من انكماش بنسبة 3٫1% عن عام 2020. ويعكس تخفيض التوقعات لعام 2021 الخفض المتعلق بالاقتصادات المتقدمة، والذى يرجع جزئيا إلى الانقطاعات فى سلاسل الإمداد، وكذلك المتعلق بالبلدان النامية منخفضة الدخل، الذى يرجع فى معظمه إلى تفاقم ديناميكية الجائحة. ويتوازن هذا التخفيض جزئيا مع تحسن الآفاق قصيرة الأجل فى بعض اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأولية. وقد زاد عدم اليقين بشأن مدى السرعة التى يمكن بها التغلب على الجائحة، نتيجة لسرعة انتشار سلالة "دلتا" ومخاطر ظهور سلالات متحورة جديدة. وأصبح الاختيار بين بدائل السياسات أكثر صعوبة، نظرا لمحدودية المجال المتاح للتصرف. كما أظهر تقرير جامعة ميشيجان الأمريكية، أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع التضخم بنسبة 4٫8% خلال العام المقبل، وبمعدل متوسط 3% سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008. ويبدو أن النمو المفرط للأجور يمكن أن يكون العامل التالى لرفع الأسعار، خاصة إذا طالب العمال بأجور أعلى، ما سينتج عنه ارتفاعات مستقبلية فى تكلفة المعيشة.

وعندما تفشت الجائحة، بدأ الخوف يتصاعد حول سلاسل الإمداد الغذائى العالمية؛ حيث أثار النقص التى عانت منه المتاجر الكبرى فى العديد من الدول الغنية مخاوف مبكرة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية محليًا، فى حين أثارت إجراءات احتواء الفيروس وعدم اليقين بشأن تجارة السلع العالمية القلق على مستوى العالم. حيث قفزت أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 33% فى سبتمبر 2021 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مع ارتفاع أسعار العديد من السلع مثل الزيوت والحبوب واللحوم، وفقًا لمؤشر أسعار الغذاء الشهرى لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والذى وجد أيضًا أن الأسعار العالمية ارتفعت بأكثر من 3% منذ يوليو، لتصل إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2011.

 

وقد حدثت ذروة أسعار المواد الغذائية فى أعقاب ارتفاع أسعار النفط عام 1973، مما أدى إلى تضخم سريع فى أجزاء كثيرة من الاقتصاد العالمي، بما فى ذلك إنتاج وتوزيع الغذاء، وأرجع موقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالى الأسباب التى أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الآن إلى مستويات تاريخية إلى أسعار الوقود وسوء الأحوال الجوية والجائحة. دائمًا ما تكون العوامل المحركة لمتوسط أسعار المواد الغذائية الدولية معقدة؛ حيث ترتفع أسعار السلع المختلفة وتنخفض بناءً على عوامل عالمية، فضلاً عن تلك الخاصة بكل سلعة ومنطقة. وعلى سبيل المثال أثر ارتفاع أسعار النفط الذى بدأ فى أبريل 2020 على أسعار جميع السلع الغذائية المدرجة على مؤشر منظمة الأغذية والزراعة، من خلال زيادة تكاليف إنتاج ونقل الغذاء. كما أدى نقص العمالة الناتج عن تفشى الفيروس إلى عدم توافر العمال لزراعة وحصاد ومعالجة وتوزيع الغذاء، وهو سبب عالمى آخر لارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ونما مؤشر أسعار محاصيل زيوت الطعام بشكل كبير منذ مارس 2020، مدفوعًا بشكل أساسى بارتفاع أسعار الزيوت النباتية بنسبة 16٫9% بين عامى 2019 و2020. ووفقًا لتقارير المحاصيل الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، كان هذا بسبب الطلب المتزايد على وقود الديزل الحيوى وتغيرات المناخ غير الداعمة. كما ارتفعت أسعار السكر، بسبب سوء أحوال الطقس، بما فى ذلك أضرار الصقيع فى البرازيل، والتى أدت إلى انخفاض العرض وتضخم الأسعار. فيما يمثل القمح والشعير والذرة والذرة الرفيعة والأرز 50% على الأقل من التغذية العالمية، وما يصل إلى 80% فى البلدان الفقيرة. وكانت قد تقلصت المخزونات الوقائية العالمية لهذه المحاصيل منذ عام 2017، حيث فاق الطلب العرض، حتى ارتفعت الأسعار بشكل حاد منذ عام 2019.

حثت اللجنة الموجهة لصندوق النقد الدولى صناع السياسة العالميين على مراقبة آليات التسعير عن كثب، مع متابعة الضغوط التضخمية المؤقتة والتى ستتلاشى مع عودة الاقتصاد إلى طبيعته. ويقول محافظ بنك إنجلترا "أندرو بيلي" إنه لا يزال يعتقد أن القفزة الأخيرة فى التضخم ستكون مؤقتة إذ إن ارتفاع أسعار الطاقة سيدفعها إلى الأعلى، ولكن إذا استمر صعودها لفترة أطول مما يزيد من مخاطر ارتفاع التضخم وهذا الأمر ما يجعل بنك إنجلترا يضطر للتحرك. فيما أوضحت شركة "راندستاد بروفيشنالز" العالمية للتوظيف أنها تتوقع استمرار نقص العمالة لسنوات مع مغادرة الموظفين الأكبر سنًا وانخفاض عدد الذين ينضمون إلى القوى العاملة.

وفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، ارتفعت الأسعار بنسبة 5٫4% على أساس سنوى فى سبتمبر حيث أدت الانقطاعات فى سلاسل التوريد ونقص العمال وارتفاع الطلب إلى ارتفاع الأسعار. شكلت الزيادات فى الغذاء والمأوى أكثر من نصف الزيادة فى المؤشر، مع ارتفاع الغذاء بنسبة 0٫9%، وارتفع البنزين بنسبة 3٫9%، وزادت أسعار السيارات الجديدة بنسبة 1٫3%. ووفقًا لـ"بنك أوف أمريكا"، أدت أزمة الطاقة العالمية التى ظهرت وسط زيادة فى الطلب وأزمة العرض المستمرة إلى إلقاء أسواق النفط والغاز فى اضطراب غير مسبوق؛ حيث ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 60% هذا العام.

وفى الصين، ارتفعت أسعار المنتجين بأكثر من 10% فى سبتمبر مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، وهى زيادة قياسية، حيث كافحت المصانع لتأمين ما يكفى من المواد الخام والكهرباء، مما سيضيف إلى ضغوط التضخم العالمية فى حال بدء تمرير الشركات المحلية التكاليف الباهظة للمستهلكين. كما سجلت العقود الآجلة للفحم الحرارى أعلى مستوياتها وتضاعفت ثلاث مرات هذا العام أيضًا.

وفى منطقة اليورو، ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 3٫4% فى سبتمبر مقارنة بالعام السابق، وهو أسرع ارتفاع منذ عام 2008، مع الزيادات الأخيرة فى أسعار الطاقة التى من المقرر أن تدفع التضخم إلى أعلى فى الأشهر المقبلة. فيما أظهر تقرير شهرى يجريه البنك الدولى لأسعار السلع الأساسية ارتفاع أسعار الطاقة بمعدل سنوى مركب قدره 20% خلال العامين الماضيين، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 19% سنويًا. فى المملكة المتحدة، وصل معدل التضخم إلى 3٫1% خلال العام الجارى وفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنى البريطاني. وبدون تغييرات جذرية، ستؤدى الأسعار المرتفعة إلى تقليل الأمن الغذائى وستسبب فى واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية منذ الحرب العالمية الثانية.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة