الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭
الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭


البستان

جمعة .. فيلسوف الكاريكاتير

أخبار الأدب

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 03:37 م

‭ ‬يبقى‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬لحظة‭ ‬تتوقف‭ ‬عندها‭ ‬عقارب‭ ‬الثوانى‭ ‬ليكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬سطوراً‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬الزمن‭ ‬وينقش‭ ‬أزميل‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ .. ‬هنا‭ ‬عاش‭ ‬فلان‭ .. ‬ويغزل‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬نول‭ ‬خاص‭ ‬حكاية‭ ‬فلان‭ .. ‬وتستمر‭ ‬الحياة،‭ ‬قد‭ ‬نتذكر‭ ‬وأحياناً‭ ‬ننسى،‭ ‬وتأخدنا‭ ‬هموم‭ ‬خاصة‭ ‬وحكايات‭ ‬عبر‭ ‬العمر‭ ‬الممتد،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬جمعة‭ ‬حدوتة‭ ‬إنسانية‭ ‬خاصة‭ ‬ترفض‭ ‬قوانين‭ ‬البشر‭ ‬فى‭ ‬النسيان‭ .. ‬ترك‭ ‬جمعة‭ ‬‮«‬حته‭ ‬منه‭ ‬فينا‮»‬‭ ‬باقية‭ ‬تذكرنا‭ ‬به‭:‬‭ ‬هنا‭ ‬جلسنا‭ ‬على‭ ‬قهوة‭ ‬التكعيبة‭ .. ‬انتظرته‭ ‬بمقر‭ ‬الجمعية‭ .. ‬زرته‭ ‬فى‭ ‬روز‭ ‬اليوسف‭ .. ‬حضر‭ ‬زفافى‭ .. ‬سلفنى‭ ‬أنا‭ ‬المفلس‭ ‬دائما‭ .. ‬كلمات‭ ‬تسمعها‭ ‬ولا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬بطل‭ ‬الحدوتة‭ ‬أبداً‭ .. ‬لأنك‭ ‬تعرفه‭ ‬عشت‭ ‬معه‭ ‬كثيراً‭ ‬دندنت‭ ‬معه‭ ‬أغنية‭ ‬فات‭ ‬المعياد‭ ‬يقبل‭ ‬منك‭ ‬نقد‭ ‬رسومه‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الأستاذ‭ ‬ولكنه‭ ‬أراد‭ ‬ان‭ ‬يعلمنا‭ ‬ويزرع‭ ‬فينا‭ ‬بستان‭ ‬80‭ ‬سنة‭ ‬فن‭ ‬وحكايات‭ ‬وشقاوة‭ ‬وخفة‭ ‬دم‭ ‬وصرامة‭ ‬ومواقف‭ ‬لا‭ ‬تلين‭ .. ‬ابن‭ ‬المنطقة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجدع‭ ‬بزيادة‭ .. ‬عمنا‭ ‬جمعة‭ ‬يبقى‭ ‬حدوتة‭ ‬مصرية‭ ‬خاصة‭ ‬ورسوم‭ ‬تحمل‭ ‬بصمة‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصرى‭ ‬والعربى‭ ‬والعالمى‭ ‬ساكن‭ ‬جوانا‭ ‬بأحلى‭ ‬مافينا‭ ‬حلمنا‭ ‬الدائم‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬عمره‭ .. ‬ولكنه‭ ‬القدر‭ ‬لا‭ ‬يستأذن‭ ‬

وعند‭ ‬الانصراف‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬

سوى‭ ‬الرحمة‭ . ‬

صلاح‭ ‬بيصار‭ ‬يكتب : فيلسوف‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الاجتماعى

 

عن‭ ‬يناهز‭ ‬80‭ ‬عاما‭ ‬رحل‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬مع‭ ‬المرض‭.. ‬ويُعد‭ ‬فيلسوف‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الأجتماعى‭..‬من‭ ‬الجيل‭ ‬التالى‭ ‬لمؤسسى‭ ‬المدرسة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬للكاريكاتير‭: ‬جاهين‭ ‬وحجازى‭ ‬ومصطفى‭ ‬حسين‭ ‬وزملائهم‭..‬جيل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬بعد‭ ‬الرواد‭ ‬الأوائل‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬العلامة‭ ‬الأولى‭:‬صاروخان‭ ‬المصرى‭ ‬الأرمينى‭.. ‬ورخا‭ ‬صاحب‭ ‬أول‭ ‬لمسة‭ ‬مصرية‭..‬وعبدالسميع‭ ‬وزهدى‭ ‬وطوغان‭. ‬

وهو‭ ‬صاحب‭ ‬البرنامج‭ ‬التلفزيونى‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬كل‭ ‬جمعة‮»‬‭.. ‬وكان‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭..‬مظلة‭ ‬رسامى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فى‭ ‬مصر‭..‬والتى‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬عهده‭.. ‬الدور‭ ‬الحيوى‭ ‬والدافع‭ ‬للكاريكاتير‭ ‬المصرى‭ ‬بعد‭ ‬ماشهد‭ ‬من‭ ‬انحسارفى‭ ‬الصحف‭..‬فقد‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬الصحيفة‭ ‬إلى‭ ‬اللوحة‭ ‬داخل‭ ‬قاعات‭ ‬العرض‭ ‬الفنية‭..‬ومايعزينا‭ ‬ماترك‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬فنية‭ ‬هائلة‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭..‬والصور‭ ‬الشخصية‭ ‬‮«‬البورتريه‮»‬‭..‬لرموز‭ ‬الثقافة‭ ‬والفن‭ ‬والسياسة‭ ‬ونجوم‭ ‬السينما‭.‬

الكاريكاتير‭..‬والصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬

فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فن‭ ‬مشاكس‭ ‬بلغته‭ ‬النافذة‭ ‬الخاطفة‭ ‬كالبرق‭ ‬السريع‭.. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطوط‭ ‬موحية‭ ‬وعبارات‭ ‬تضىء‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬المرسومة‭.. ‬وفى‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬بلغة‭ ‬صامتة‭ ‬بدون‭ ‬كلام‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬يخاطب‭ ‬الوجدان‭.. ‬وهو‭ ‬فن‭ ‬يكشف‭ ‬ويواجه‭ ‬ويتصدى‭ ‬بريشة‭ ‬ذكية‭ ‬لماحة‭.. ‬أيضاً‭ ‬يرسم‭ ‬البسمة‭ ‬والضحكة‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬ويخاطب‭ ‬القلوب‭ ‬والعقول‭..‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬عصرنا‭ ‬المضطرب‭ ‬المسكون‭ ‬بالأزمات‭ ‬وبؤر‭ ‬الصراع‭..‬وهو‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬فى‭ ‬طلاقة‭ ‬و‭ ‬حرية‭.. ‬أداته‭ ‬الرمز‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المباشرة‭ ‬والقوالب‭ ‬المحفوظة‭.‬

عرفت‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭.. ‬الكاريكاتير‭ ‬فى‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ ‬الأجانب‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭ ‬بقليل‭..‬فقد‭ ‬استقبلت‭ ‬مصر‭ ‬الأسبانى‭ ‬‮«‬خوان‭ ‬سانتوس‮»‬‭.. ‬الذى‭ ‬جاء‭ ‬إليها‭ ‬للعمل‭ ‬أستاذاً‭ ‬فى‭ ‬مدرسة‭ ‬الفنون‮»‬‭ ‬الجميلة‭..‬فجعل‭ ‬منه‭ ‬الصحفى‭ ‬سليمان‭ ‬فوزى‭ ‬الرسام‭ ‬الأول‭ ‬لمجلة‭ ‬الكشكول‭..‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬التركى‭ ‬‮«‬على‭ ‬رفقى‮»‬‭ ‬رسام‭ ‬المساحة‭ ‬العسكرية‭ ‬الذى‭ ‬اختطفته‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭..‬ورسم‭ ‬فى‭ ‬المصور‭ ‬والفكاهة‭.‬‭.‬وثالثهما‭ ‬الأرمينى‭ ‬الكسندر‭ ‬صاروخان‭ ‬الذى‭ ‬اكتشفه‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬التابعى‭ ‬وبدأ‭ ‬معه‭ ‬الرسم‭ ‬فى‭ ‬روزاليوسف‭..‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬اللهجة‭ ‬الأكثر‭ ‬قرباً‭ ‬من‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬والأكثر‭ ‬تأثيراً‭.. ‬وكان‭ ‬معهم‭ ‬الرائد‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬ومثال‭ ‬مصر‭ ‬مختار‭ ‬وكانا‭ ‬يرسمان‭ ‬فى‭ ‬الكشكول‭.‬

انتقل‭ ‬صاروخان‭ ‬من‭ ‬روزاليوسف‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ساعة‭ ‬1934‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أخبار‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الاخوين‭ ‬على‭ ‬ومصطفى‭ ‬أمين‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أسسا‭ ‬وقدما‭ ‬صحافة‭ ‬مصرية‭ ‬تستمر‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭..‬وعندما‭ ‬أطلقت‭ ‬روسيا‭ ‬أول‭ ‬صاروخ‭ ‬فى‭ ‬الفضاء‭..‬رسم‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬رخا‭ ‬الرائد‭ ‬المصرى‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬رسما‭ ‬تحية‭ ‬إلى‭ ‬صاروخان‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬وجاء‭ ‬التعليق‭:‬‮»‬‭ ‬واحنا‭ ‬كمان‭ ‬عندنا‭ ‬صاروخان‭ ‬‮»‬‭.‬

ورخا‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬مصرى‭ ‬يحترف‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقى‭..‬وكان‭ ‬عليه‭ ‬مسؤولية‭ ‬ضخمة‭ ‬ألا‭ ‬وهى‭ ‬تمصير‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصرى‭ ‬وتحريره‭ ‬من‭ ‬اللكنة‭ ‬أو‭ ‬اللهجة‭ ‬البصرية‭ ‬الأجنبية‭.. ‬

بينما‭ ‬نجد‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬طوغان‭ ‬‮»‬‭ ‬مع‭ ‬‮«‬عبدالسميع‮»‬‭ ‬و«زهدى‮»‬‭..‬العلامة‭ ‬والنقلة‭ ‬الثانية‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بعد‭ ‬رخا‭..‬وساهم‭ ‬الثلاثة‭ ‬فى‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬المدرسة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬والتى‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الاختزال‭ ‬والتلخيص‭ ‬فى‭ ‬الخطوط‭..‬كما‭ ‬مزجت‭ ‬السياسة‭ ‬بالكاريكاتير‭ ‬الاجتماعى‭..‬تزعمها‭ ‬فى‭ ‬تواصل‭ ‬من‭ ‬الخمسينيات‭:‬جاهين‭ ‬وحجازى‭ ‬ومصطفى‭ ‬حسين‭ ‬ومعهم‭ ‬بهجت‭ ‬وبهجورى‭ ‬وليثى‭ ‬وحسن‭ ‬حاكم‭ ‬ومن‭ ‬جيل‭ ‬الستينيات‭ ‬اللباد‭ ‬وفنانا‭ ‬جمعة‭ ‬وكمال‭ ‬ودياب‭ ‬وعز‭ ‬العرب‭ ‬ومحمد‭ ‬حاكم‭.. ‬إلى‭ ‬توالى‭ ‬أجيال‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬المشاكس‭ ‬الذى‭ ‬مايزال‭ ‬يتألق‭..‬ويضخ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رساميه‭.‬

 

جمعة‭.. ‬وكاريكاتيرالطفولة‭ ‬

بدأت‭ ‬قصة‭ ‬جمعة‭ ‬مع‭ ‬الرسم‭ ‬ككل‭ ‬الاطفال‭.. ‬يرسم‭ ‬فى‭ ‬كراسات‭ ‬الدراسة‭ ‬مع‭ ‬كراسة‭ ‬الرسم‭..‬وفى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬غلب‭ ‬عليه‭ ‬الفن‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬طالباً‭ ‬بالمدرسة‭ ‬السعيدية‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬مادة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كان‭ ‬يستبدل‭ ‬كتابة‭ ‬الدروس‭ ‬بالرسوم‭..‬وحين‭ ‬وشى‭ ‬أحد‭ ‬الطلبة‭ ‬لأستاذ‭ ‬المادة‭ ‬‮«‬البرت‭ ‬مسيحة‮»‬‭.. ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬الكراسة‭ ‬ومع‭ ‬خوفه‭ ‬الشديد‭.. ‬طالع‭ ‬‮«‬مستر‮»‬‭ ‬مسيحة‭ ‬رسوماً‭ ‬كاريكاتيرية‭.. ‬لكل‭ ‬أساتذة‭ ‬المدرسة‭ ‬مع‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والناس‭.. ‬وهنا‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬نلتقى‭ ‬بعد‭ ‬الحصة‭.. ‬وصحبه‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬وأعطاه‭ ‬كتاباً‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭.. ‬بل‭ ‬وأخذه‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬روزاليوسف‭ ‬وهناك‭ ‬تعرف‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬بهجت‭ ‬عثمان‭ ‬الذى‭ ‬أعجب‭ ‬بكشكول‭ ‬المدرسة‭..‬الملىء‭ ‬بالرسوم‭ ‬وبدأ‭ ‬فى‭ ‬التردد‭ ‬على‭ ‬المجلة‭ ‬ونشر‭ ‬أول‭ ‬كاريكاتير‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬نادى‭ ‬الرسامين‮»‬‭.. ‬ورغم‭ ‬التحاقه‭ ‬بكلية‭ ‬التجارة‭.. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬واصل‭ ‬الرسم‭ ‬والكاريكاتيربرعاية‭ ‬الفنانين‭: ‬بهجت‭ ‬وناجى‭ ‬كامل‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬صباح‭ ‬الخير‭.. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1964كتب‭ ‬عنه‭ ‬أستاذنا‭ ‬حسن‭ ‬فؤاد‭ ‬الفنان‭ ‬الشامل‭ ‬وراعى‭ ‬الموهوبين‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬والصحافة‭: ‬‮«‬جمعة‭ ‬رسام‭ ‬جديد‭ ‬ورقيق‭ ‬الخط‭.. ‬هادىء‭ ‬السخرية‭ ‬يطوف‭ ‬بملامح‭ ‬المشاهير‭.. ‬عابثاً‭ ‬من‭ ‬تضاريس‭ ‬وجوههم‭ ‬على‭ ‬استحياء‭.. ‬وبالطبع‭ ‬ستزداد‭ ‬جرأته‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭.. ‬وبالفعل‭ ‬تطورت‭ ‬خطوطه‭ ‬وأصبح‭ ‬له‭ ‬لغته‭.. ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬بمسدس‭ ‬كاتم‭ ‬للصوت‭.‬

ومن‭ ‬فرط‭ ‬تألقه‭.. ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬عمل‭ ‬عقداً‭ ‬مع‭ ‬وكيل‭ ‬اعماله‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يُدعى‭ ‬‮«‬جيرى‭ ‬روبنسون‮»‬‭.. ‬ونشر‭ ‬رسومه‭ ‬فى‭ ‬الصحف‭ ‬فى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭..‬لقيمتها‭ ‬وتاثيرها‭ ‬التعبيرى‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬هيرالد‭ ‬تربيون‭ ‬‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬و‮«‬يوميورى‮»‬‭ ‬اليابانية‭ ‬ذات‭ ‬الانتشار‭ ‬والتى‭ ‬توزع‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬نسخة‭.. ‬وكانت‭ ‬رسومه‭ ‬تنشر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.‬

‭ ‬عمل‭ ‬جمعة‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬المعارضة‭.. ‬مما‭ ‬أعطاه‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬فى‭ ‬الرسوم‭ ‬والافكار‭.. ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬بغيته‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬الشعب‭ ‬فى‭ ‬فترتها‭ ‬الأولى‭ ‬ذات‭ ‬الاتجاه‭ ‬الناصرى‭..‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬جاء‭ ‬انتقاده‭ ‬وتصديه‭ ‬للحكومة‭ ‬والمسؤولين‭ ‬ورسومه‭.. ‬للشخصيات‭ ‬الرسمية‭ ‬بالكاريكاتيرعامى‭ ‬1986‭ ‬و‭ ‬1987‭.. ‬وهنا‭ ‬صدر‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬حكومات‭ ‬ومعارضة‭ ‬‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬جمع‭ ‬فيه‭ ‬حصاد‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭.‬

وفى‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬عندما‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬الرسم‭ ‬بالوفد‭.. ‬وجمعة‭ ‬يمثل‭ ‬التيار‭ ‬اليسارى‭ ‬جاءت‭ ‬حيرته‭..‬لكن‭ ‬الرسام‭ ‬زهدى‭ ‬أشار‭ ‬عليه‭ ‬بالموافقة‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭ ‬بقوله‭: ‬إن‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نافذة‭ ‬يطل‭ ‬منها‭ ‬مسافة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬الجريدة‭ ‬اليومية‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬حجازى‭: ‬نحن‭ ‬مسؤولون‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭..‬وليس‭ ‬الجغرافيا‭ ‬مادامت‭ ‬هناك‭ ‬حرية‮»‬‭.. ‬أما‭ ‬اللباد‭ ‬فجاءت‭ ‬موافقته‭.. ‬ففى‭ ‬هذا‭ ‬تأكيد‭ ‬بأن‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬مؤسسة‭ ‬مستقلة‭ ‬بذاتها‭..‬وطوال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬تُرفض‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬3رسوم‭ ‬فقط‭.. ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬خاصة‭ ‬بالحزب‭ ‬والصحيفة‭..‬ولم‭ ‬يتعارض‭ ‬عمله‭ ‬مع‭ ‬توجهه‭ ‬السياسى‭. ‬

‭ ‬انتفل‭ ‬جمعة‭ ‬من‭ ‬روزاليوسف‭ ‬التى‭ ‬يرسم‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬صباح‭ ‬الخير‭.. ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬الأهرام‭ ‬فى‭ ‬التسعينيات‭ ‬وكانت‭ ‬رسومه‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الاهرام‭ ‬ويكلى‮»‬‭ ‬أيضاً‭.. ‬الأكثر‭ ‬تعبيراً‭ ‬إلى‭ ‬شخصيته‭ ‬الفنية‭ ‬المشاكسة‭ ‬بالرسوم‭.. ‬بتشجيع‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬الكاتب‭ ‬حسنى‭ ‬جندى‭..‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يعطيه‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬السياسى‭.‬

 

هو‭.. ‬ودنيا‭ ‬المكاريكاتير‭ ‬

جمعة‭ ‬فرحات‭ ‬صاحب‭ ‬نظرة‭ ‬ثاقبة‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬السياسى،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬رسومه‭ ‬التى‭ ‬ناصر‭ ‬فيها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأقصى‭ ‬بالكاريكاتير‭..‬جاءت‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬رسم‭ ‬ونشر‭ ‬منها‭ ‬منتخبات‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬الدم‮»‬‭.. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أتهم‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمعاداته‭ ‬للسامية‭ !.. ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مارسمه‭ ‬لرؤساء‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬وكل‭ ‬منهم‭ ‬تحت‭ ‬شخصيته‭ ‬اسم‭ ‬المذبحة‭ ‬التى‭ ‬اشتهر‭ ‬بها‭.. ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬خطورة‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬أيضاً‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬ريشته‭ ‬المتألقة‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الاجتماعى‭ ‬وقد‭ ‬رسم‭ ‬بورتريه‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬شخصية‭ ‬للوطن‭..‬وفى‭ ‬الحقيقة‭ ‬تعد‭ ‬رسومه‭.. ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الرسوم‭ ‬المصرية‭ ‬وأكثرها‭ ‬تأثيراً‭ ‬وصلة‭ ‬بالواقع‭.. ‬بتلك‭ ‬الخطوط‭ ‬المستديرة‭ ‬والمنحنية‭ ‬المتكسرة‭ ‬والمتآكلة‭ ‬التى‭ ‬جسد‭ ‬فيها‭ ‬مشكلات‭ ‬وهموم‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.. ‬بتلك‭ ‬الشخوص‭ ‬ذات‭ ‬الجيوب‭ ‬الخاوية‭ ‬التى‭ ‬تنتمى‭ ‬لمصر‭ ‬الشعبية‭.. ‬من‭ ‬هموم‭ ‬موظفى‭ ‬الدرجة‭ ‬الثالثة‭ ‬ومن‭ ‬فاتتهم‭ ‬العلاوة‭.. ‬ونسيهم‭ ‬السلم‭ ‬الوظيفى‭ ‬وأصحاب‭ ‬المعاشات‭ ‬والمهمشين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الحرف‭.. ‬يحملون‭ ‬ملامح‭ ‬كسيرة‭ ‬متاكلة‭.. ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬والحكومات‭ ‬والظلم‭ ‬فى‭ ‬العمل‭.. ‬وعالج‭ ‬أيضاً‭ ‬مواجهة‭ ‬مشكلات‭ ‬زيادة‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬وارتفاع‭ ‬سن‭ ‬الزواج‭ ‬والصور‭ ‬المقلوبة‭ ‬للحب‭.. ‬وأزمة‭ ‬أنابيب‭ ‬البوتاجاز‭ ‬والثانوية‭ ‬العامة‭ ‬ومكتب‭ ‬التنيسيق‭ ‬والرياضة‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولى‭ ‬وهوس‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬والانتخابات‭ ‬وأحلام‭ ‬الطفولة‭ ‬وغلاء‭ ‬اللحوم‭.. ‬وحواديت‭ ‬النساء‭ ‬والصراع‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬والموسيقى‭ ‬والطرب‭ ‬والأغانى‭ ‬الشبابية‭.. ‬وكلها‭ ‬مشاكل‭ ‬يعيشها‭ ‬المجتمع‭.‬

وملامح‭ ‬شخصيات‭ ‬جمعة‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭.. ‬تبدو‭ ‬بوجوه‭ ‬بارزة‭ ‬مسكونة‭ ‬بالروح‭ ‬المصرية‭.. ‬وهو‭ ‬يجسد‭ ‬الانفعالات‭ ‬تبعاً‭ ‬لكل‭ ‬موقف‭.. ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والفرح‭ ‬والقلق‭ ‬والتوتر‭ ‬والخوف‭ ‬والحزن‭ ‬والآلم‭.‬

وكان‭ ‬مثقفاً‭ ‬ومتابعاً‭ ‬جيداً‭ ‬ومتأملاً‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬بالمجتمع‭.. ‬يقول‭: ‬‮«‬الكاريكاتير‭ ‬له‭ ‬قوة‭ ‬المقال‭ ‬وأكثر‭ ‬والمقال‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تقرأه‭ ‬ولكن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬مدته‭ ‬نصف‭ ‬دقيقة‭.. ‬توصل‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬أما‭ ‬قراءة‭ ‬المقال‭.. ‬فتستفرق‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬لتصل‭ ‬الفكرة‮»‬‭.‬

وهنا‭ ‬تعد‭ ‬أفكاره‭ ‬بالرسوم‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬البرقيات‭ ‬السريعة‭..‬بعضها‭ ‬بدون‭ ‬كلام‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭.. ‬من‭ ‬التعليق‭ ‬بالكلمات‭ ‬يضىء‭ ‬مع‭ ‬الرسم‭ ‬ويوضح‭ ‬الفكرة‭.‬

 

جمعة‭ ‬كل‭ ‬جمعة‭ ‬

وجمعة‭ ‬صاحب‭ ‬البرنامج‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬كل‭ ‬جمعة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيونى‭ ‬سياسى‭ ‬اجتماعى‭ ‬بالكاريكاتير‭.. ‬يناقش‭ ‬قضايا‭ ‬الوطن‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم‭.. ‬ظل‭ ‬يبث‭ ‬أسبوعياً‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭.. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬بقناة‭ ‬النيل‭ ‬للاخبار‭ ‬من‭ ‬بداياتها‭ ‬الأولى‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬الثقافية‭.‬

حين‭ ‬بدا‭ ‬فى‭ ‬قناة‭ ‬الأخبار‭.. ‬رحبت‭ ‬بفكرته‭ ‬الأستاذة‭ ‬سميحة‭ ‬دحروج‭ ‬رئيس‭ ‬القناة‭.. ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬اقترحت‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬كل‭ ‬جمعة‮»‬‭ ‬ورغم‭ ‬إعجابه‭ ‬بالاسم‭.. ‬وهو‭ ‬مثير‭ ‬فيه‭ ‬حيوية‭ ‬يجد‭ ‬رواجاً‭ ‬لدى‭ ‬المشاهد‭.. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تحفظ‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الذاتية‭ ‬والنرجسية‭ ‬فنفت‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬واستقر‭ ‬الرأى‭ ‬عليه‭..‬كان‭ ‬جمعة‭ ‬يتابع‭ ‬الصحف‭ ‬العالمية‭ ‬والعربية‭ ‬والمصرية‭ ‬ويقتطع‭ ‬منها‭ ‬الكاريكاتير‭.. ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬الإنترنت‭ ‬بدأ‭ ‬يدخل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المواقع‭ ‬للصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭.. ‬وعقب‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المعارض‭ ‬للشرق‭ ‬العربى‭ ‬والإسلامى‭.. ‬و‭ ‬يقوم‭ ‬بالتحليل‭ ‬والشرح‭ ‬للرسوم‭ ‬الأجنبية‭ ‬من‭ ‬نكت‭ ‬الكاريكاتير‭.. ‬والشخصيات‭ ‬المصورة‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬السياسة‭ ‬والثقافة‭.. ‬بأسلوبه‭ ‬الهادىء‭ ‬البسيط‭ ‬والعميق‭ ‬الذى‭ ‬يمس‭ ‬الوجدان‭.‬

وهناك‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬شخصية‭ ‬جمعة‭ ‬الفنية‭.. ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬وجوهه‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الشخصية‭ ‬لنجوم‭ ‬السينما‭.. ‬أكثر‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬الواقعية‭.. ‬لما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الشخصية‭..‬وفى‭ ‬احدى‭ ‬رسومه‭ ‬اختار‭ ‬ستة‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬‮«‬الأبيض‭ ‬والأسود‮»‬‭.. ‬واستدعى‭ ‬لكل‭ ‬نجم‭ ‬أشهر‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬تعبيرمصاحب‭ ‬لشخصيتة‭..‬‭ ‬فنرى‭ ‬استيفان‭ ‬روستى‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬نشنت‭ ‬يافالح‮»‬‭.. ‬ونجيب‭ ‬الريحانى‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬كدا‭ ‬حظى‭ ‬كدا‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬قالت‭ ‬مارى‭ ‬منيب‭ ‬‮«‬مدوباهم‭ ‬اتنين‭ !.. ‬‮«‬وعبدالفتاح‭ ‬القصرى‭ ‬يردد‭ ‬قولته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬ياصفايح‭ ‬الزبدة‭ ‬السايحة‮»‬‭.. ‬وزينات‭ ‬صدقى‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬كتاكيتو‭ ‬بنى‮»‬‭ ‬وإسماعيل‭ ‬يس‭: ‬‮«‬جتك‭ ‬نيلة‭ ‬وأنت‭ ‬شبهى‮»‬‭.. ‬ويبقى‭ ‬تعليق‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬للأب‭ ‬أسفل‭ ‬الصور‭: ‬‮«‬انتو‭ ‬جيل‭ ‬أبيض‭ ‬وأسود‭ ‬و‭... ‬و‭..‬‮»‬‭.‬

هكذا‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬فكر‭ ‬وفن‭..‬كان‭ ‬تعبيرياً‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬ريشته‭ ‬الذكية‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬لهموم‭ ‬الإنسان‭ ‬فى‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر‭. ‬

 

رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭ ‬

تعد‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭..‬مظلة‭ ‬فنانى‭ ‬كاريكاتير‭ ‬مصر‭.. ‬تأسست‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬بفكر‭ ‬الفنان‭ ‬زهدى‭ ‬وكان‭ ‬رئيسها‭ ‬الأول‭ ‬الفنان‭ ‬رخا‭.. ‬وبعده‭ ‬تولى‭ ‬الفنان‭ ‬مصطفى‭ ‬حسين‭ ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬الجمعية‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬تحت‭ ‬رئاسته‭ ‬وأصدرت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬كاريكاتير‮»‬‭ ‬التى‭ ‬تبنت‭ ‬المواهب‭ ‬الجديدة‭ ‬وشجعت‭ ‬الرسامين‭ ‬الشباب‭ ‬بنشر‭ ‬رسومهم‭..‬وفى‭ ‬عهد‭ ‬الفنان‭ ‬طوغان‭ ‬الذى‭ ‬تولى‭ ‬بعد‭ ‬مصطفى‭ ‬حسين‭..‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬الملتقى‭ ‬الدولى‭ ‬للكاريكاتير‭.. ‬التى‭ ‬عضدها‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬باعتبار‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إثراء‭ ‬الحركة‭ ‬الفنية‭.. ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬دورها‭ ‬الحيوى‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬باعتباره‭ ‬أحد‭ ‬الفنون‭ ‬البصرية‭ ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬والتحليل‭ ‬للظواهر‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭..‬ومع‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬عفت‭ ‬رسام‭ ‬أخبار‭ ‬اليوم‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬منظمات‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فرع‭ ‬مصر‭ ‬وبترشيح‭ ‬وتشجيع‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬لتلميذه‭ ‬الفنان‭ ‬فوزى‭ ‬مرسى‭ ‬قوميسيراً‭ ‬عام‭ ‬‮«‬منسقاً‭ ‬ومنظما‮»‬‭ ‬للملتقى‭..‬من‭ ‬بداية‭ ‬انطلاق‭ ‬الملتقى‭ ‬فى‭ ‬دورته‭ ‬الأولى‭.. ‬اختارالملتقى‭ ‬قضايا‭ ‬تمس‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬وكان‭ ‬الموضوع‭ ‬الرئيسى‭ ‬فى‭ ‬الدورة‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬مصر‭ ‬فى‭ ‬عيون‭ ‬رسامى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬‮«‬عام‭ ‬2014‭ ‬وناقش‭ ‬الملتقى‭ ‬الثانى‭ ‬قضايا‮»‬‭ ‬الصحة‭ ‬وتحدى‭ ‬الفقر‭ ‬‮«‬وعالج‭ ‬‮«‬قضية‭ ‬التعليم‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الدورة‭ ‬الرابعة‭ ‬له‭ ‬حول‭ ‬المراة‭ ‬وقضاياها‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬الثالث‭..‬بمناسبة‭ ‬اختيار‭ ‬2017‭ ‬عاما‭ ‬للمراة‭ ‬المصرية‭.‬

وجاء‭ ‬الملتقى‭ ‬فى‭ ‬دورته‭ ‬الخامسة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬مونديال‭ ‬2018‭ ‬‮«‬وتناولت‭ ‬الرياضة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مع‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬بمناسبة‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬الذى‭ ‬أقيم‭ ‬بروسيا‭.‬

وحملت‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الثقافة‮»‬‭ ‬بمعناها‭ ‬المتسع‭ ‬الشامل‭ ‬بوسائلها‭ ‬المختلفة‭ ‬والتى‭ ‬تالقت‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارات‭ ‬إلى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالى‭ ‬وصنعت‭ ‬جسورا‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭..‬

‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقى‭ ‬والصحيفة‭ ‬والمجلة‭ ‬إلى‭ ‬الدراما‭ ‬فى‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح‭ ‬والأوبرا‭ ‬والشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬وفى‭ ‬عمق‭ ‬الثقافة‭ ‬العالمية‭ ‬جاء‭ ‬الاحتفاء‭ ‬باديب‭ ‬نوبيل‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عشرات‭ ‬الصور‭ ‬الشخصية‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬ملحمة‭ ‬تعبيرية‭ ‬تنوعت‭ ‬فيها‭ ‬الريشة‭ ‬من‭ ‬فنان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭..‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصرى‭ ‬والعربى‭ ‬قد‭ ‬تالق‭ ‬وازدهر‭ ‬بمساحات‭ ‬متسعة‭ ‬بالصحافة‭.. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يشهد‭ ‬حالياً‭ ‬انحساراً‭ ‬فى‭ ‬الصحف‭.. ‬وقد‭ ‬عوض‭ ‬ذلك‭ ‬وأصبحت‭ ‬لوحة‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬تتحاور‭ ‬مع‭ ‬لوحة‭ ‬التصوير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬قاعات‭ ‬العرض‭ ‬مشاركة‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬الإبداع‭.. ‬بلمسة‭ ‬رسامى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال‭.. ‬مع‭ ‬رسامى‭ ‬العالم‭ ‬شرقه‭ ‬وغربه‭.‬

ومع‭ ‬ايزابلا‭ ‬البولندية‭ ‬شاركت‭ ‬بنات‭ ‬حواء‭ ‬من‭ ‬الفنانات‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬كل‭ ‬فنانة‭ ‬مساحة‭ ‬وكل‭ ‬مساحة‭ ‬تعبير‭: ‬أمنة‭ ‬الحمادى‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬وعفراء‭ ‬يوسف‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬ومن‭ ‬الكويت‭ ‬سارة‭ ‬النومس‭ ‬وضحاً‭ ‬الناصر‭ ‬ومنى‭ ‬التميم‭ ‬مع‭ ‬هدير‭ ‬يحيى‭ ‬ومروة‭ ‬إبراهيم‭ ‬ونورا‭ ‬ورشا‭ ‬مهدى‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

هكذا‭ ‬شهد‭ ‬ملتقى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الدولى‭ ‬فى‭ ‬دوراته‭ ‬العديدة‭.. ‬التألق‭ ‬والازدهار‭ ‬بفضل‭ ‬دعم‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭.. ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬المعنوى‭ ‬وتشجيع‭ ‬الشباب‭..‬حتى‭ ‬حقق‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬ملتقيات‭ ‬ومشاركات‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فى‭ ‬العالم‭.‬

إنسانيته‭ ‬

كان‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭.. ‬هادئاً‭ ‬مبتسماً‭ ‬مهذباً‭ ‬محباً‭ ‬للجميع‭.. ‬وكان‭ ‬راعياً‭ ‬واباً‭ ‬روحياً‭.. ‬لكل‭ ‬أجيال‭ ‬الفن‭ ‬المشاكس‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭..‬محتفيا‭ ‬دائماً‭ ‬ومضيئاً‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬زملائه‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الكبار‭. ‬

فى‭ ‬عام‭ ‬2016‭..‬عندما‭ ‬أقيم‭ ‬معرض‭ ‬الفنان‭ ‬طوغان‭ ‬‮«‬ليالى‭ ‬الشرق‮»‬‭ ‬بجاليرى‭ ‬ارت‭ ‬كورنر‭ ‬احتفاء‭ ‬بفنه‭ ‬بعد‭ ‬رحيله‭ ‬‮«‬معرض‭ ‬تصوير‭ ‬بالكاريكاتير‮»‬‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يفتتح‭ ‬المعرض‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭.. ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬المت‭ ‬به‭ ‬وعكة‭ ‬صحية‭ ‬صعبة‭ ‬وكان‭ ‬خارجاً‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭.. ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬توصيلات‭ ‬التنفس‭ ‬بأنفه‭.. ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬تحامل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وجاء‭ ‬بكل‭ ‬حب‭.. ‬وافتتح‭ ‬المعرض‭.. ‬وكان‭ ‬مساءً‭ ‬رائعاً‭ ‬وقد‭ ‬أشاع‭ ‬بإنسانيته‭ ‬البهجة‭ ‬فى‭ ‬الحضور‭ ‬من‭ ‬الزملاء‭ ‬الفنانين‭.. ‬وجلس‭ ‬بعد‭ ‬الافتتاح‭ ‬وسط‭ ‬زملائه‭.. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭.. ‬شديد‭ ‬الإنسانية‭ ‬مع‭ ‬دوره‭ ‬ولمسته‭ ‬المؤثرة‭ ‬فى‭ ‬الكاريكاتير‭.‬

يقول‭ ‬الفنان‭ ‬فوزى‭ ‬مرسى‭ ‬أحد‭ ‬تلاميذه‭: ‬رحيل‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬يوم‭ ‬حزين‭ ‬للكاريكاتير‭ ‬ولنا‭ ‬جميعا‭.. ‬ورغم‭ ‬مرضه‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كنا‭ ‬نلجأ‭ ‬إليه‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مشكلات‭ ‬نواجهها‭.. ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬دعموا‭ ‬تلك‭ ‬المهنة‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬للجمعية‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬حياته‭.‬

وسوف‭ ‬تقوم‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭..‬بتنظيم‭ ‬فاعلية‭ ‬تكريم‭ ‬لجمعة‭ ‬الإنسان‭ ‬والفنان‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬اسرته‭ ‬لعرض‭ ‬منتخبات‭ ‬من‭ ‬ابداعاته‭ ‬وبورتريهات‭ ‬‮«‬صور‭ ‬شخصية‮»‬‭ ‬له‭.. ‬رسمها‭ ‬فنانون‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال‭.‬

سلام‭ ‬عليه‭ ‬وتحية‭ ‬إلى‭ ‬روحه‭..‬بعمق‭ ‬عطائه‭ ‬الفنى‭ ‬والانسانى‭. ‬

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة