الجامع الأثرى يرى النور بعد سنوات من المعاناة
الجامع الأثرى يرى النور بعد سنوات من المعاناة


الجامع الأثري يرى النور بعد سنوات من المعاناة

أخبار الأدب

السبت، 27 نوفمبر 2021 - 03:03 م

 شهاب طارق

حاورنا المهندس نادر عليّ مدير ترميم مشروع جامع الطنبغا الماردانى، والمتخصص فى ترميم المبانى الأثرية، والذى اشترك من قبل مع مؤسسة الأغاخان فى مشروع ترميم «خاير بك» وكذلك قصر «ألين آق الحسامى» بمنطقة الدرب الأحمر، ومشروع ترميم مجموعة «طرباى الشريف» والجامع الأزرق، بالإضافة إلى  مشاريع أخرى مع مؤسسة أغاخان فى كندا وسوريا. وهنا يحدثنا عن عملية ترميم المسجد، وما حدث خلالها من عمليات معقدة.
يقول نادر عليّ إن المشروع بالكامل يتم بتمويل من الاتحاد الأوروبى، وتنفيذ من شركة أغاخان مصر، وبإشراف من وزارة الآثار، وقد جاء تحت مسمى «خلق محاور جديدة للتراث المعمارى فى القاهرة التاريخية» وقد خصص 70% من هذه المنحة لترميم المرحلة الأولى من جامع الماردانى، وتشمل إعادة تأهيل للنصف الشرقى من المسجد، ومنها القبة، والمأذنة، والواجهتين الخارجتين، بجانب سقف المسجد، وترميم جميع العناصر المعمارية الموجودة داخل إيوان القبلة. وواجهات الصحن الداخلى أما الـ30% المتبقية من المنحة فقد تم تخصيصها لخلق مزارات للزوار مع محاولة إدخال منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة لخريطة السياحة. أما الجزء الأخير من المنحة فهو برنامج تدريبى للأشخاص الذين يتعاملون مع السائحين داخل منطقة الدرب الأحمر مثل البائعين بجانب أصحاب الورش التراثية الموجودة بالمنطقة، وذلك لرفع الوعى الأثرى عندهم.

عناصر فريدة
تم استلام الموقع فى سبتمبر عام 2018، لكن قبل هذه المدة بحوالى سنة كاملة كانت مؤسسة الأغاخان تقوم بإعداد المشروع، فوزارة الآثار أرسلت للأغاخان وطلبت منهم المساعدة الفنية لترميم جامع الماردانى، فمنذ أخر مشروع قامت مؤسسة الأغاخان بترميمه وهو؛ الجامع الأزرق الذى افتتح سنة 2015، توقفت المؤسسة بعدها عن أى أنشطة ترميم بالمنطقة، وعندما طلبت منا الوزارة المساعدة بدأنا إعداد دراسات تخص الجامع، والتى اشتملت على ما يلى: أولًا التوثيق الفوتوغرافى حيث قمنا بتصوير الكثير من الصور لتوثيق حالة الجامع، وكان الاهتمام الأكبر من جانبنا يخص إيوان القبلة الموجود بالحامع، وخاصة أنه يحوى على عناصر معمارية فريدة جدًا، وهو الجزء المستخدم من قبل الناس بشكل يومى، لذلك طلب منا ترميمه بشكل عاجل. ثانيًا أعمال الرفع المساحى والتوثيق المعمارى للمبنى بالإضافة إلى التوثيق الفوتوغرافى وذلك لتغطية كافة التفاصيل، وقد استغرقت عملية التوثيق حوالى ستة أشهر. ثالثًا الدراسات الإنشائية حيث قمنا بالاستعانة باستشاريين إنشائيين، بجانب الدراسات الفنية الجغرافية، وقد أثبتت الدراسات أن حالة المبنى الإنشائية جيدة إلى حد ما، بالإضافة إلى وجود بعض الميول المقبولة فى الأعمدة، وكذلك فى المأذنة، وبعض الشروخ بالحوائط، لكنها على أية حال لم تكن تمثل خطورة داهمة على المبنى، كما قمنا بعمل مجسات، واختبارات للعناصر المعمارية الحاملة. وأخيرًا قمنا بعمل الفخوص والتحاليل  من خلال دراسات لطبقات الزخارف والألوان الموجودة بالجامع، وأخذنا عينات منها للتعرف على تكوينها الأصلى وبالتالى تحديد كيفية التعامل معها والطرق المناسبة لمعالجتها وترميمها.
طراز مملوكى

 

 

المهندس نادر على مدير

مشروع تطوير جامع الطنبغا الماردانى

 لم نلجأ لأعمال تجميلية 
خلال عملية الترميم

 

يضيف نادر عليّ : «انتهينا من إعداد هذا الكم الهائل من الدراسات، وبعدها قمنا بإعداد خطة عمل لمشروع ترميم الجامع، وفى مطلع عام ٢٠١٩ بدأت عملية ترميم المسجد، وإعادة تأهيل النصف الشرقى من الجامع، حيث شمل نطاق الأعمال عزل الأسطح، إذ قمنا بتأمين المبنى بشكل كامل، من خلال عزل أسطح الجامع، والتى تضررت بسبب مياه الأمطار واختراق المياه للأسطح الخشبية، وبعد ذلك قمنا بعمل طبقات عزل جديدة، وبدأت عملية الترميم الدقيق من الداخل، وبدأنا بترميم المأذنة، فوفقًا للدراسات التاريخية التى قمنا بإعدادها اتضح أنها أول مأذنة بنيت على الطراز المملوكى «المثمن» وهو على غير ما كان متبعًا فى العصر الأيوبى والفاطمى، إذ إن الواضح لدينا أن مأذنة الماردانى قد أعيد بنائها مرة أخرى فى إحدى الفترات التاريخية، وعندما بدأنا عملية ترميمها، قمنا بأعمال الترميم الدقيق من أعلى لأسفل، وبدأنا بتنظيف وترميم الهلال النحاسى بالأساليب الميكانيكية، وبعد ذلك قمنا بأعمال الترميم المعمارى الدقيق لدن المأذنة. وقد كانت هناك أجزاء تاريخية خاصة،

المحراب الرخامى قبل الترميم وبعد الترميم

 

أثرت علينا عند اتخاذ قرار ترميم المبنى، فالطنبغا الماردانى، هو أحد الأمراء المقربين من الناصر محمد، وقد تزوج ابنته، وأحبه السلطان كثيرًا، وقد عهد الماردانى لشيخ المعماريين لديه وهو المعلم «ابن السويفى» لبناء المسجد، وهو أيضًا من بنى جامع الناصر محمد بن قلاوون الموجود بالقلعة، لذلك نجد أن المسقط الأفقى داخل الماردانى مماثل للمسقط الأفقى الموجود بمسجد الناصر محمد بالقلعة، إذ إن تخطيط الجامع هو عبارة عن أربع إيوانات، تحيط بصحن مكشوف أكبرها إيوان القبلة الذى يتكون من أربع صفوف من بوائك الأعمدة بينما الثلاث إيوانات الأخرى تتكون من صفين فقط من بوائك الأعمدة.

تتابع الحقب
انتقل مدير عام المشروع للحديث عن ترميم قبة الجامع، والتى قامت لجنة حفظ الآثار العربية بإعادة بنائها مرة أخرى بالخرسانة المسلحة «عندما تسلموا الجامع لم يكن به قبة، لذلك قاموا بإعادة بنائها مرة أخرى، باستخدام الخرسانة المسلحة، ونتيجة لاستخدام الخرسانة فحديد التسليح الموجود داخلها أصابه الصدأ وخاصة مع عوامل الزمن، لذلك اضطررنا لمعالجة الأمر مرة أخرى».


وعن سبب ترك الخرسانة المسلحة كما هى عند عملية الترميم الأخيرة رغم أنها ليست من أصل المبنى أجاب: «هذا الأمر يمثلا جدلا كبير بين المتخصصين، فالسؤال المطروح هنا «هل أعمال لجنة حفظ الآثار العربية يمكن اعتبار أنها أصبحت جزءًا من الأثر نفسه؟» إذ إن اللجنة قامت بأعمالها منذ ما يقرب من الـ120 عام، وقد استخدموا خامات خاصة بهم فنحن لا يمكن أن نحكم على أعمالها وفقًا لمفهومنا اليوم، فعندما بدأوا عملية الترميم استخدموا أدوات كانت هى -الأفضل- بالنسبة لهذا العصر، وقد استطاعوا الحفاظ على الكثير من الآثار الموجودة فى مصر بفضل تدخلاتهم، وفى هذا العصر كانت الخرسانة المسلحة هى أفضل طريقة للبناء، وقد أثبتنا من خلال الدراسات التاريخية التى قمنا بإعدادها أن قبة مسجد الماردانى هى ثانى قبة تبنى بالخرسانة المسلحة بعد المتحف المصرى بالتحرير، وقد فعلوا ذلك لضمان بقاء المبنى بحالة جيدة لأطول مدة ممكنة،

 

المنبر الخشبى قبل عملية الترميم وبعد عملية الترميم

ولو كانت هناك صيانة للأثر طوال تلك السنوات لكان من المستحيل أن يصل المبنى لهذه الحالة التى وجدناها، لذلك فإرجاع القبة للحالة الأولى قبل إنشائها من جانب لجنة حفظ الآثار العربية، هو أمر ليس بجيد -من وجهة نظري- لأن أعمال اللجنة بالفعل أصبحت جزء من تاريخ المبنى، فقد استقر الرأى وقتها من قبل أعضاء اللجنة، على بنائها بالخرسانة المسلحة، والتى أصبحت جزءا أساسيا من طبيعة المبنى، لذلك لا يمكن محو ما فعلته اللجنة، لأنه كما ذكرت أصبح جزءا من تاريخ المبنى، يوضح تأثير تتابع الحقب عليه.
تدخل معمارى
يحكى المهندس نادر عليّ رحلة ترميم واجهات الجامع فيقول: «البنية التحتية الموجودة بمنطقة الدرب الأحمر تعانى كثيرًا، نتيجة لارتفاع مستوى الرطوبة وهذا يؤدى فى النهاية إلى هجرة الأملاح من التربة لتصل إلى الحوائط الحاملة، وذلك نتيجة البناء بالركم والدبش، ومن هنا يحدث تسريب للأملاح الموجودة لتصل إلى الحوائط، وإلى الحجر الخارجى، ومع وجود تلوث بالمنطقة بالإضافة إلى الرطوبة، تظهر وتتكون طبقة «سوداء» على الحجر، وتسبب له أضرارا كبيرة خلال السنين، فقد واجهنا هذا الأمر أثناء عملية ترميم المسجد، إذ احتاج البعض منها لترميم معمارى، والبعض الآخر قمنا باستبداله بشكل كامل، وقد استخدمنا حجارة قريبة من المستخدمة عند بناء المسجد وهى؛ «الحجر الهاشمى الجيرى»، بالإضافة إلى استخدامنا لأدوات يدوية خلال عملية القطع ومنها «الشاحوطة» وهى وسيلة بناء قديمة جدًا استخدمها المصريون القدماء عند البناء، وكل هذا كان يتم بصورة يدوية، إذ أردنا إضفاء عنصر القِدم، فنحن لم نلجأ لأعمال تجميلية خلال الترميم وما أردنا فعله هو ترك الأثر على ما هو عليه وعدم التدخل فى شىء إلا إذا كان سيسبب خطورة داهمة على المبنى ومن هنا يأتى التدخل البشرى من جانبنا.


وقد بدأنا عملية تنظيف الواجهات من أعلى لأسفل، وعند تنظيف المدخل الرئيسى وجدنا أنه مشهر بالمداميك الحمراء والصفراء بشكل تبادلى، ونتيجة لأن الناس اعتادوا المرور بجانبه وظهوره بلون واحد نتيجة تراكم التراب، وجدنا اعتراضات كثيرة من جانب الناس لأنهم ظنوا أننا قمنا بعملية «تلوين»، لكنه أمر غير صحيح بالطبع، لكنى على أية حال أعتبر أن غيرة الناس على الآثار والتراث فى محلها دائمًا، إذ إنها تخص هويتنا وثقافتنا، فلا يمكن أن نحجر على رأى أحد، لكن فى النهاية أرجعنا المدخل لشكله الأصلى، وقد تركنا جزء بسيط بدون تنظيفه لتبيين الوضع قبل ترميم المدخل، وبعده، فالمسجد غنى بالتفاصيل وهذا يوضح ما كان يحظى به الماردانى من تقدير عند الناصر محمد، إذ إنه أثناء عملية تنظيف الشباك الموجود أعلى المدخل الرئيسى وجدنا مفاجأة لم نكن نتوقعها؛ وهى رانكات للسلطان الناصر محمد بن قلاوون بألقابه كلها وقد صنعت بعملية تكفيت غاية فى الدقة باستخدام خيوط من الفضة.
كسر الضوء
انتقل الحديث عن ترميم الحجاب الحاجز بالجامع، إذ وصفه مدير المشروع بأنه من ضمن العناصر المعمارية الفريدة داخل المسجد، «لا يوجد له مثيل إلا فى جامع الصالح طلائع، والأزهر، وحول ضريح قلاوون ولكنه ليس بهذه الجودة، فالحجاب يمتد على طول 46 مترا وبارتفاع 5 أمتار، وقد صنع بواسطة الخشب الخرط، وقامت لجنة حفظ الاثار بترميمه، فوظيفة الحجاب الحاجز هو كسر تدفق الضوء، إذ يعطى الكثير من الروحانيات داخل إيوان القبلة، وقد وجدنا أنه تم سرقة بعض الأجزاء منه، بالإضافة إلى وجود أجزاء أصلية حافظت عليها اللجنة، وقد وجدنا طبقات كثيرة من «التلوين» للخشب من قبل العامة نتيجة قربه من سطح الأرض، لذلك قمنا بإزالة هذه الطبقات وتنظيفه من هذه الطبقات الكثيرة، وقد بدأنا بعملية تنظيف للخشب إلى أن وصلنا فى النهاية لطبقات الخشب الأصلية وقمنا بتدعيمها، واستكمال الأجزاء الناقصة منه، وتزويده بطبقة حماية ضد التغيرات الجوية».


أسقف خشبية
أما فيما يخص الأسقف الخشبية بالجامع، فهى تتميز  بثراء زخارفها إذ تم تذهيبها عند عملية بنائه، وعندما رجعنا للصور التى تركتها لجنة حفظ الآثار العربية للمبنى؛ والتى توضح الحالة الإنشائية التى تسلموا فيها المبنى سنة 1895، وجدنا أنهم كتبوا أن الجامع فى حالة انهيار كبير، ووقتها لم يكن يتبقى من الجامع الكثير، بسبب انهيار أجزاءه، وعندما أعادوا بناءه قاموا باستكمال أجزاء المسجد بناء على ما وجدوه من بقايا، وقد تركوا الأجزاء القديمة تلك أيضًا، فتنظيف الخشب عملية صعبة ومعقدة بشكل كبير، إذ يتأثر بالحرارة، ومن السهل أن تدهور حالته نتيجة مهاجمة الحشرات له، وكذلك الفطريات، ومن هنا فعملية تنظيفه تستغرق الكثير من الوقت، وقد قمنا فى البداية بتثبيت الطبقات اللونية، وتنظيفها بأساليب كيميائية، ثم عزلنا هذه الأجزاء، وأجرينا عملية ترميم دقيق لما يقرب من 1200متر للأسقف المزخرفة والملونة.


رسائل اللجنة
وقد وجدت العديد من الرسائل التى ربما تركتها لجنة حفظ الآثار للأجيال القادمة، إذ بالرغم من أنهم كانوا من الأجانب، إلا إنهم أحبوا تراث هذا البلد، فلم يكن علم الترميم عندهم بمثل هذا التطور الموجود اليوم، وقد اختاروا جزء صغير من الجامع عند المدخل الرئيسى، فقاموا بعمل «نموذج» لسقفين من الخشب وتلوينه بصورة كاملة، باستخدام ألوان حديثة، وأنا أتخيل أنهم قاموا بهذا الأمر نتيجة لأنهم أرادوا تقديم تصور لشكل المسجد عند بناءه؛ بناء على ما وجدوده داخل الجامع، فهذه رسالة أرادوا تركها لنا لتوضيح تصورهم لشكل الجامع الأصلى عند ترميمه، وقد قاموا بتذهيب الزخارف الموجودة فى هذا الجزء أيضًا.


عملية دقيقة 
من العناصر المهمة أيضًا الموجودة فى إيوان القبلة، والتى حوت على عناصر زخرفية فريدة؛ عنصر الرخام، فالجامع شهير بمحرابه المصنوع بالفسيفساء، وكذلك بحائط القبلة المصنوع من الرخام، وقد كان الأخير من ضمن التحديات الكبيرة التى واجهتنا فى المشروع، إذ وجدنا أن حالته متدهورة للغاية، وخاصة المحراب، وكان قرار ترميمه صعب للغاية نتيجة لحالته السيئة، فقبل أن نبدأ المشروع قامت وزارة الآثار بتثبيته كى لا ينهار بشكل كامل، وقد حاولنا ترميمه بناء على ما هو عليه لكننا وجدنا أن الوضع صعب للغاية؛ خاصة أن طبقات الملح فصلت الرخام عن الحائط بشكل كامل، وعند بداية أعمال الترميم واجهنا صعوبات بالغة حيث إن طبقات الملح فصلت الرخام عن الحوائط الحاملة بشكل كامل، لذلك اتخذنا قرار بفك الرخام بشكل كامل بعد ثوثيقه، وقمنا بعملية عزل للحوائط باستخدام مواد حديثة، ومن ثم إعادة إنشاء الرخام مرة أخرى، وقد حافظنا على الأجزاء القديمة، واستكملنا بقية الأجزاء، من نفس نوع الرخام المستخدم.


أما فيما يخص الفسيفساء، فقد واجهتنا صعوبات كثيرة إذ إنه بمجرد فكه أو نزعه، نفقد أكتر من 60% منه، لذلك عملية الفك هذه تتطلب أسلوب معين؛ وقد قمنا بتدعيم خارجى لسطحه، ومن ثم فصله بصورة كاملة، وفكه مرة أخرى لإعادة استخدامه؛ وهى عملية دقيقة للغاية وتحتاج لمرممين وفنيين متخصصين.


وقد واجهنا مشكلة ثانية وهى غياب الحرفيين المتخصصين الذين يعملون فى هذه المهنة، وقد كان أمامنا خياران وهما؛ إما أن نحافظ على الأجزاء القديمة، ونستكمل الأجزاء المتبقية برخام «سادة» وإما أن نصل بمستوى الحرفية بدرجة عالية من الكفاءة بحيث تخدم أعمال الترميم والاستكمال، لذلك قمنا بتنفيذ عينات من جانب بعض الحرفيين للوصول إلى العينة المثلى، لكننا لم ننجح فى الأمر، لذلك قمنا بالتدخل بأنفسنا فى التكنيك الخاص بتنفيذ هذا النوع من أعمال الفسيفساء المحراب بشكلها الدائرى، وبدأ التحدى يزداد، إذ إنه نتيجة لاستخدام لجنة حفظ الاثار العربية للخرسانة المسلحة أدى الأمر فى النهاية إلى تأثر الفسيفساء، وتدهور السطح بصورة كبيرة، لذلك اتخذت قرار بفك المحراب بالكامل، لكن ظهرت مشكلة أيضا بسبب صعوبة إعادة تجميعه، وقد قمنا بتصميم «مجسم خشب» وطبعنا عليه الرسومات وجئنا بصنايعى وطلبنا منه قطع كل جزئية وإعادة لصقها مرة أخرى، وقد نجحنا من تجميع هذه القطع ونجحت عملية تركيبها فى نهاية الأمر.


متحف للأعمدة

يشير نادر على إلى أن الجامع يتميز بأنه متحف للأعمدة، بسبب تنوع الأعمدة داخله، والتى تنتمى لكافة العصور، فمنهم ثمانى أعمدة صنعت من الجرانيت الأسوانى حاملين للقبة الرئيسية، وأعمدة من العصر الرومانى، وكذلك أعمدة من العصر الأيوبى، «وقد قمنا بتنظيفها، ووجدنا أن بعض من تيجان تلك الأعمدة لونت بلون أحمر، فحافظنا على هذا اللون لأنها أصبحت جزء من تاريخ المبنى، كما وجدنا آثار لتذهيب كثير من تيجان تلك الأعمدة، وقد حافظنا على طبقات الذهب التى وجدناها وقمنا بعملية حفظ لها».

 

 

 

واجهات الصحن المكشوف وفوارة الوضوء قبل الترميم وبعده


المنبر الأشهر
يعد المنبر الخشبى الخاص بجامع الماردانى الأثرى المنبر الأشهر فى القاهرة الإسلامية، إذ اكتسب شهرته من عمليات السرقة التى تعرض لها خلال تاريخه، فقد سرق مرتين، وهنا يوضح مدير المشروع أن عملية السرقة الأولى تمت منذ ما يقرب من 120سنة؛ أى منذ زمن لجنة حفظ الآثار، ووقتها أعادته اللجنة ونجحت فى استعادة 39 قطعة منه وقد دفعت 80 جنيهًا لاستعادة تلك القطع؛ وهو مبلغ ضخم جدًا بالنسبة لهذا العصر، وعندما استردت تلك القطع قامت بترميم بقية الأجزاء واستكمال المنبر فى نهاية الأمر، لكن للأسف تعرض المنبر للسرقة مرة ثانية عام 2008 وبشكل بشع، إذ تمت السرقة من خلال «لص متخصص» بناء على طلب معين للسرقة، وقد سرقوا جميع الكند والحشوات بين صلاة العشاء والفجر بطريقة احترافية، فالمعروف أن تجميع النجارة العربية يتم من خلال «النقر واللسان» وبدون استخدام المسامير أو الغراء، لذلك فالسارق كام بتكسير جميع «الشفف» كى يسرق الحشوات والكند، المصنوعة من الأبانوس المطعم بالعاج، إذ إن كل كندة حوت على زخارف معينة خاصة بها، وما تركه لنا السارق حوالى ثلاثة كند فقط من المنبر، لذلك قمنا بالرجوع للجنة الدائمة للآثار عند عملية الترميم، إذ إننا لا نملك عملية توثيق كاملة للكند والحشوات التى كانت موجودة بالمنبر قبل سرقته، وقد اتخذنا قرار بأن نستعيض عن الكند الأصلية بأخرى «سادة» حتى لا يحدث أى لبس وتحسبًا لظهور الحشوات الأصلية خلال السنوات المقبلة، إذ لم نرد أن يحدث اختلاط بين الأصلى والمقلد، وبالتالى أردنا أن نبقى حقنا فى استرداد هذه الحشوات.


نقاشات حادة
يتحدث نادر عليّ عن آخر جزء تم الانتهاء منه خلال المرحلة الأولى من ترميم المسجد، والخاص بفوارة جامع الماردانى، والتى كانت موجودة داخل مسجد السلطان حسن، لكن قررت اللجنة نقل هذه الفوارة داخل الماردانى، وقد دارت الكثير من النقاشات الحادة والجدل وقتها بين أعضاء اللجنة ﻷن البعض منهم رأوا أن ذلك ما هو إلا تزوير للتاريخ، لكن فى النهاية اتخذ القرار بالنقل، لأن جامع المردانى لم يكن يحوى على فوارة، وقد كان المعمارى ماكس هرتز باشا مقتنع تمامًا بأن جامع الماردانى كان يحوى فوارة، وكذلك فالسلطان حسن كان يضم فوارتين، لذلك اتخذ فى النهاية قرار نقل الفوارة الأصغر داخل جامع الماردانى، وقد ترميمها أيضًا خلال الأعمال الأخيرة من الترميم.


ينهى مدير المشروع حديثه ويقول: «ما أنجزناه من ترميم للجامع عبارة عن مرحلة أولى فقط، ولا زلنا ننتظر المرحلة الثانية من عملية الترميم، فالمرحلة الأولى تمثل مايقرب60% من مساحة الجامع، وهناك مفاوضات تجرى حاليًا بين الاتحاد الأوروبى والأغاخان لاستكمال المشروع، وبإشراف الآثار، فالجزأ المتبقى يحوى واجهتين رئيسيتين (الخلفية والجانبية) والفراغات الداخلية لثلاث إيوانات، والصحن المكشوف للجامع.

أقرا ايضا | القرية المنسية في سيوة.. «الزيتونة» ترجع للعصر الروماني.. وشهدت دخول الأمازيغ

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة