حكايات أحمد رجب
حكايات أحمد رجب


كنوز | حكايات أحمد رجب مع «الأبراج الفلكية» قبل حلول العام الجديد

عاطف النمر

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021 - 07:05 م

فى مثل هذه الأيام تزدحم الفضائيات والصحف والإذاعات بالمنجمين والفلكيين والنصابين والمدعين الذين يطلون على مواليد كل الأبراج الفلكية ليبشروهم بأفضل توقيتات «الحب، والصحة والمرض والمال والفلس، والعمل والسفر، والبيع والشراء، الحظ والنكد»، وبمناسبة اقتراب العام الجديد نقدم لقراء «كنوز» المقال الذى كتبه الساخر الكبير أحمد رجب بعنوان «أنت والقمر وبختك».. وقال فيه: 


يستحسن أن أقول فى البداية إننى لا أفهم شيئا فى علم الفلك وكل معلوماتى عنه تنحصر فى أن بالقاهرة شارعا اسمه شارع الفلكى، لا أفهم شيئا فى النجوم والتنجيم وقراءة الطالع غير أن هذا لا يمنع من الاعتراف بأننى اشتغلت منجما عندما كنت أحرر باب «بختك هذا الأسبوع»!


فى كتابة باب البخت لم أكن أشتغل بالتنجيم بقدر ما كنت أحاول بث التفاؤل فى نفوس القراء، فما الذى يمنعنى من أن أقول لمواليد العقرب مفاجأة سارة فى انتظارك، وأن أقول لمواليد «الحوت» سعادة فى محيط الأسرة، وأن ابشر مواليد «الميزان» بفلوس زى الرز!


صحيح أن المفاجأة السارة لواحد من مواليد برج «العقرب» قد تكون إيقافه عن العمل وإحالته إلى النيابة الإدارية، وبالنسبة لواحد حوتى قد تكون السعادة فى محيط الأسرة هى خنافة لرب السما تنتهى بالعبارة المأثورة «والله مانا قاعدة لك فى البيت»!


وفى الوقت الذى أبشر فيه واحد ميزانى بفلوس زى الرز قد يكون هذا الميزانى دايخ على جنيه سلف لأول الشهر، كل هذا صحيح، لكنه لا يمنع من أن أعطى القارئ الأمل وأملأ صدره بالتفاؤل، أليس هذا أفضل من أن أقول لقارئ «مصيبة محترمة فى انتظارك أو ضائقة مالية تنتهى بفضيحتك والحجز على هدومك»؟ !


بل إننى كنت بهذا البخت أحاول أن أعالج صديقا يتوهم أنه مصاب بالقلب رغم تأكيدات الأطباء بسلامة قلبه فكان يسعد ويتفاءل بما أكتبه له عن تمتعه بكامل الصحة والعافية، وانتهى به الأمر إلى الانبهار بذلك الفلكى الهندى العظيم «بنادورا» الذى يكتب البخت كما أفهمته، مع أن «بنادورا» هو اسم الطماطم فى سوريا ولبنان، على عكس ذلك فعل أنيس منصور، أو خبيث منصور، إذ أزعج طائفة من القراء لا ذنب لهم إلا أنهم من مواليد نفس البرج الذى أنتمى اليه فقد قمت بإجازة ليتولى هو تحرير البخت فإذا به - كل أسبوع - يتنبأ لى بمصائب ستقع فوق دماغى وهى مصائب أهون منها كثيرا المصائب التى يضعها المخرج «خميس فجلة» على دماغ بطل الفيلم الذى يصاب بالطرش والخرس والعمى والكساح والشلل !


وكان أنيس منصور يختتم قائمة المصائب بعبارة: التعساء هم مواليد ٢٠ نوفمبر، وفى أسبوع آخر المعذبون هم مواليد ٢٠ نوفمبر، وفى أسبوع ثالث : الأموات هم مواليد ٢٠ نوفمبر! 


أما لماذا كان يكتب أنيس منصور هذه الأمانى الطيبة لى فلأننى كنت فى إجازة لأتزوج ولم أحاول بعد ذلك أن أنتقم منه فقد تزوج أنيس منصوربعدى على طول وإن الله لمنتقم جبار!


تلك كانت علاقتى بالنجوم والتنجيم فى فترة من الفترات فلا أنا فلكى ولا أنا أفهم فى الفلك، غير أن تحولا مفاجئا حدث لى عندما قابلت صديقى القديم عدنان الذى لم أره منذ أن كنا فى المدرسة الثانوية، وبعد السلام والذى منه سألنى رايح فين، فقلت له إننى ذاهب أحلق شعرى، أخرج من جيبه قلما وبلوك نوت ودخل فى حسبة اختتمها قائلا: «أرجوك ما تحلقش النهاردة لأن القمر ليس فى برج الحوت»، وانطلق عدنان يتكلم كلاما فلكيا لم أفهم منه شيئا، وعاد يرجونى أن أعدل عن الحلاقة كما لو كان يرجونى ألا ألقى بنفسى تحت عجل المترو، واستطرد يشرح لى كيف أن الكواكب والنجوم تسيطر على أعمالنا من حيث التوفيق وعدم التوفيق، ومضى يتكلم كثيرا كثيرا ثم عاد ليقنعنى بالعدول عن الحلاقة ولما كنت أكره الحلاقة عمى فقد وجدت فى كلامه تشجيعا على تغيير خط سيرى إلى الحلاق لأجلس معه فى جروبى، وتبين لى أن عدنان يعيش مع النجوم والكواكب والبروج من باب الهواية وراح يغرينى لأمارس نفس الهواية على الأقل لأحيط علما بمسار الكواكب حتى أوفق فى كل عمل أقوم به، وأعترف أن حديث عدنان استهوانى جدا، وأصبح عدنان على صلة مستمرة بى، سألته فى التليفون «مش أحلق بقى يا عدنان ؟»، ورد «ارجوك مش دلوقت»، قلت «يا عدنان شعرى بقى زى الخنافس»، أجابنى «ولو.. فهذا أهون من أن تقع مصيبة»!


مرت أيام أخرى لأخبر عدنان أن شعر رأسى زحف إلى عمودى الفقرى وأخشى أن يستمر كتكعيبة العنب، لكن عدنان صمم على أننى لن أحلق إلا إذا دخل القمر فى برج الحوت بعد أسبوع، ولم يكن ممكنا أن أنتظر أسبوعا آخر وإلا طلب منى الحلاق أن ألبس مايوه ليضع الفوطة حول ظهرى لا حول عنقى، وعصيت أوامر عدنان الفلكية وما إن انتهى الحلاق من مهمته حتى شعرت بصداع رهيب لم تفلح معه أى مسكنات وربما تكون مصادفة لا علاقة لها ببرج الحوت غير أن الصداع المستمر حملنى على أن أنظر إلى كلام عدنان نظرة جديدة وهكذا أصبح عدنان مستشارى الفلكى، وأصبح التليفون يدق لأسمع عدنان يقول: «عطارد يقترن بزحل»، فقلت له: «ألف مبروك عقبال البكارى»، قال «بكارى إيه..

هذه فرصة لتفكر فى أى مشكلة معقدة لا تجد لها حلا.. فكر حالا»، عدنان لا يقتنع أننى مشغول فى العمل ولا أستطيع التفكير فى مشاكل خاصة مستعصية، فيعلن غضبه لأننى أفوت فرصة ذهبية، ويدق التليفون فى يوم آخر ليقول عدنان: «غدا القمر بربع المشترى والزهرة ثلث المشترى»، وأجيبه «مش فاهم حاجة..

اتكلم عربى»، فيقول «هذا الوضع الفلكى مناسب جدا للغزل»، وأقول له مستفسرا «غزل ؟ غزل مين؟»، فيجيبنى «أى واحدة عايزها تحبك»!


يغضب عدنان لأننى أضحك لكلامه، أعده بانتهاز كل فرصة فلكية يشير بها حتى أتجنب صياحه المجنون، تقرب من الحسناوات، حاضر..، لا تخرج من البيت غدا، حاضر.. عطارد مقارن للمريخ إياك تكذب وإلا وقعت فى بلوى، حاضر..، ثم جاء وصمم على أن أحفر بير فورا لأن القمر فى برج الجوزاء ومنزلته «بدران» وحفر البير فيه خير كثير!


اسأله « بيرإيه يا عدنان ؟ وأحفره فين؟» 


فيقول بسرعة: «خلف البيت.. بسرعة اسمع كلامى»، وانصرف غاضبا، ثم جاء مرة أخرى مصمما على أن أبيع أى شيء من البيت لأن «عطارد» يسدس «المشترى» وأى بيعة فيها مكسب ضخم ! وجاء اليوم الذى تخليت فيه عن كل اهتماماتى بزحل وعطارد والمريخ، فقد دخل عدنان يبكى وفزعت نحوه استطلع الأمر وتبين أنه يبكى بمناسبة ذكرى وفاة «قمبيز بن قورش» ملك بلاد الفرس قبل الميلاد!


ثم اتضح لى أن النوبة عادت إليه ليعود مرة أخرى إلى مستشفى الأمراض العقلية !


أحمد رجب  «آخر ساعة» - 26 مارس 1969

إقرأ أيضاً| كنوز| فاتن حمامة تحاور النجمة العالمية « ليليان هارفي» في القاهرة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة