أحمد عبد اللطيف يكتب الترند : اعلام بديل
أحمد عبد اللطيف يكتب الترند : اعلام بديل


فى إسبانيا وأمريكا اللاتينية الإعلام كوسيلة للترند.. والترند كإعلام بديل

أحمد عبد اللطيف يكتب الترند: إعلام بديل

أخبار الأدب

السبت، 25 ديسمبر 2021 - 03:04 م

كتب : أحمد عبد اللطيف
 كل شيء يبدأ من خبر فى جريدة، أو صورة، أو من برنامج تليفزيونى مسائي، ليملأ تويتر بالتحديد تحت هاشتاج غالبًا ما يحمل سخرية من الحدث وأحيانًا يكتفى بعنوانه. يمثّل الترند، فى حالة إسبانيا، امتدادًا للعمل الصحفي، غير أن المسئولين عنه يجب ألا يكونوا صحفيين أو إعلاميين أو مثقفين. يمكن أن نقول إن هؤلاء يدعمونه ويساعدون فى انتشاره، لكنهم ليسوا عظامه، وإنما مجموعات من المواطنين المتابعين للأحداث والمعلقين عليها. وفى كل الأحوال لا يد للسلطة فيه، لا تحركه بأى شكل، وإنما تكتفي، فى أحيان كثيرة، بموقف المدافع إن كان يمس قراراتها. بذلك، الترند اتجاه شعبي، يصنعه الأحزاب المعارضة أو أحد المهتمين بالشأن العام أو الثقافي، لينتهى به المطاف ليكون حدث اليوم، فتتناوله الصحف من جديد بناء على تطور الأحداث. دورة الترند إذن تبدأ من خبر صغير إلى حدث كبير على تويتر، ثم يرد إلى وسائل الإعلام مجددًا لتناوله كحدث كبير.

هذا ما حدث بالضبط مع ترندَين خصّا الملك السابق خوان كارلوس، أولهما كان تقريرًا صحفيًا عن تلقيه لرشاوٍ أثناء فترة حكمه، والثانى يخص علاقاته العاطفية. دعوات مجددة انطلقت من تويتر لمناقشة فكرة العائلة المالكة والدعوة للجمهورية، فيما سخرت هاشتاجات كثيرة وانتقدت الأداء الملكي. التقرير العابر فى جريدة، أو الخبر السريع فى التليفزيون، تحول، بعد مروره على تويتر، إلى فتح التحقيق بكل شفافية فى الاتهامات الموجهة للملك. بهذه الطريقة يحتل االسؤال السياسى المساحة الأكبر فى كل الترندات، بما فيها المؤيدة لرئيس الحكومة اليسارى بدرو سانتشيث، ولعله أبرزها استقباله لمركب من المهاجرين الأفارقة رفضت إيطاليا استقباله

.  
 وإذا كان الترند فى إسبانيا استكمالًا للعمل الصحفى واعتمادًا عليه، إذ فى النهاية يناقش المطروح فى الصحف التى تتمتع بالحرية والقدرة على النقد، فالترند فى دول أمريكا اللاتينية إعلام بديل تمامًا، يخلق أخباره وأبطاله، ويقوم المسئولون عنه بدور الصحفى أو الإعلامى حتى لو لم تكن وظيفته الأصلية. فخلال 2021، غطى تويتر بفضل المهتمين بقضايا الحرية العديد من المظاهرات الكبيرة والمؤثرة فى كل من كوبا ونيكاراجوا وتشيلي، وفيما كان الإعلام الرسمى يشير إلى المتظاهرين بوصفهم مخربين، كانت هاشتاجات تويتر تضم حقائق من المستحيل أن يعرضها التيلفزيون الرسمى خاصةً فى كوبا. حقائق مصورة وفيديوهات تسجل جرائم الشرطة ضد متظاهرين سلميين يطالبون بانتهاء كوبا الكاسترية وبدء كوبا الديمقراطية، مدركين اللحظة الزمنية التى تختلف عن الخمسينات ولحظة الثورة الكوبية. يمكن أن نقول إن الترند السياسى هو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا فى الدول المتحدثة بالإسبانية، وعام 2021 هو الأهم فى انتشار هذا التوبيك، وأحد أسبابه الرئيسية ما تعرض له العالم من إغلاق فى 2020 بسبب وباء الكورونا، ما أثر بشكل رئيسى على الحالة الاقتصادية، وأدى لانتفاضات ضد الحكومات.


فى نيكاراجوا، فى النصف الثانى من العام، كان الحديث الأكبر والأهم عن الثورة ضد الرئيس دانييل أورتيجا، أحد قادة الثورة الساندينية فى السبعينات، إذ بدأ مشواره السياسى ثوريًا ومناهضًا للديكتاتورية، ليتحول فى النهاية إلى ديكتاتور لا يريد التخلى عن الحكم ولا يسمح إلا بتزوير الانتخابات لصالحه، مدافعًا فى الظاهر عن قيم الثورة التى شارك فيها، فيما يرى الشعب عبر تويتر أنه قوّض نفس القيم. فى المظاهرات الحاشدة التى استمرت شهورًا، اشتعل تويتر بهاشتاجات تدينه حتى ممن كانوا رفاقه فى الثورة الساندينية، ومن بينهم الكاتبة الشهيرة جيوكوندا بيلي، والروائى الأكبر فى نيكاراجوا سيرخيو راميريث. انبثق من نفس الهاشتاج المناهض لسياسة أورتيجا هاشتاج آخر لدعم راميريث، إذ فيما كان الأخير فى زيارة لإسبانيا لتقديم روايته الجديدة، صدر أمر باعتقاله لتحريضه على قلب نظام الحكم، ما حرمه من العودة إلى بلده، واضطره للاختباء فى مكان غير معلوم خشية أن يتعرض للاغتيال. بطريقة ما، يعتبر هذا أهم هاشتاج ثقافى خلال عام 2021، إذ يمثّل عودة صريحة ومباشرة لسنوات الخمسينات الأمريكية اللاتينية، حيث كان الاختفاء القسرى والقتل خارج القانون كلمات متداولة ويومية، موجهة إلى المعارضين والمثقفين.


فى نفس الوقت، وفيما كان تويتر مشتعلًا بالمظاهرات النيكاراجوية، كان هناك تغطية كبرى لأحداث تشيلي، بداية من المظاهرات العارمة ضد الحكومة وانتهاءً بالانتخابات التى فاز فيها، منذ أيام قليلة، اليسارى الشاب جابرييل بوريك (35 عامًا). بالتأكيد، كان تويتر إحدى دعائم شاب ثورى ويسارى يواجه ماكينة إعلامية ضخمة يقودها اليمينى المحافظ خوسيه أنطونيو كاست، منافسه فى الانتخابات، وبهذا الدعم فاز بوريك بنسبة 55%، لتبدأ تشيلى مرحلة جديدة من الأمل فى الديمقراطية ومواجهة اليمين المتطرف. كملاحظة سريعة، تركزت الهاشتاجات الداعمة لـ بوريك على نضاله منذ مظاهرات 2011 وكونه قائدًا طلابيًا سابقًا، بالإضافة لبرنامجه الاجتماعى وانتقاده لإدارة تشيلى التى كانت تنمو اقتصاديًا بدون أن تصل التنمية للمواطنين. وبحسب رصد لجريدة الباييس الإسبانية، فأغلب الداعمين له كانوا من الشباب تحت سن الثلاثين يأتى بعدهم تفوق عدد النساء على الرجال، والأحياء الأشد فقرًا على الأحياء الراقية. 


فى كل الأحوال، لا تشغل الثقافة حيزًا فى الترندات اليومية، يتحرك المثقفون كمواطنين مشغولين بالشأن العام والسياسي، خاصةً فى أمريكا اللاتينية، وعادة ما يتحول أداء الحكومة والتصريحات الحكومية لحوار مجتمعى مفتوح فى هاشتاجات كثيرة، وبقدر ما يشارك فيها مواطنون غير متخصصين فى المسائل الاقتصادية مثلًا، يشارك فيها متخصصون. من خلال تويتر، أكثر من فيسبوك بالتأكيد، يمكن رصد حركة هذه المجتمعات وأسئلتها المتكررة واليومية، ويمكن ملاحظة الزخم السياسى والرقابة الشعبية لأداء السلطة.


 أما جزء الفن والثقافة، فرغم أهميته، نادرًا ما يتحول إلى ترند ما لم يتعرض لانتهاك حريته، كما حدث فى قضية العرائس. المسألة بدأت من عرض فى وسط مدريد لعرائس ماريونت تلعب مع الأطفال فى الشارع، إحدى العرائس كانت تؤدى دور شرطى يحمل لافتة «القا-إيتا» (وهو تحوير لكلمتى القاعدة وإيتا)، ويلقى القبض على إحدى الساحرات. أحد الآباء اعترض على الأداء وطلب الشرطة التى ألقت القبض على الممثلين وحوّلتهم للنيابة، ليلقوا حكمًا بسبع سنوات. العرض الساخر المقدم للأطفال كان ينتقد القانون الإسبانى الذى يسمح بإلقاء القبض على الساحرات تحت «قانون مناهضة الإرهاب».

 

حدث القبض على ممثلى عرائس ماريونت تحول إلى ترند كبير ينتقد التعدى على حرية التعبير، ودخلت جمعيات المجتمع المدنى لتعبر عن قلقها من استخدام هذا القانون لقمع الحريات وليس لمواجهة الإرهاب، فإذا كان ميلاده لمواجهة إرهاب منظمة إيتا ومن بعده الإرهاب الإسلاموي، فإن امتداده بدأ يشمل عناصر من خارج الفئتين.

 

 

اقرأ ايضا | عندما يتوه المثقف وسط أمواج مواقع التواصل الاجتماعى

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة