مصطفى أمين
مصطفى أمين


كنوز | أم كلثوم تنقذ أخبار اليوم

عاطف النمر

الأربعاء، 02 فبراير 2022 - 05:04 م

بقلم : مصطفى أمين

كانت أم كلثوم متحمسة جداً لإصدار صحيفة مصرية خالصة.. وأول نسخة من أخبار اليوم حملتها وذهبت بها إلى بيتها فى الزمالك.. كان الوقت منتصف الليل.. فرحت جداً وكانت من اللحظات السعيدة فى حياتها وطبعاً فى حياتى.. وكانت أم كلثوم أول من شجعنا على إصدار أخبار اليوم..

وأول من وقفت معنا. 
وحدث أن خاضت أخبار اليوم معركة طاحنة مع إحدى الحكومات.. فكانت صحفها تصادر كل يوم! المظاهرات تضربها بالطوب..

مجهولون يلقون عليها القنابل والديناميت..

محرروها يزجون فى السجون والمعتقلات.. وأصدرت الدولة أمراً إلى الشركات والمحال التجارية بعدم نشر إعلانات فى .

«أخبار اليوم».. ورضخت بعض الشركات للضغط وخافت أن تغضب الدولة فامتنعت عن نشر الإعلانات!


ووقعت «أخبار اليوم» فى ضائقة مالية.. بعنا البيت الذى نملكه.. ولكن لم يكف سداد المطلوب، وبعنا أسهم أبى فى شركة «بيع المصنوعات المصرية» ولكن ابتلعتها الجريدة الجائعة..

ذهبنا إلى البنوك نقترض منها.. ولكن صدرت الأوامر للبنوك بالامتناع عن إقراض «أخبار اليوم».. وكنا قد استنفدنا كل ما نستطيع أن نقترضه من البنك العربى!.


ونذكر هنا أن صاحب البنك العربى الفلسطينى عبد الحميد شومان فتح حساباً لأخبار اليوم على بياض بثلاثين ألف جنيه، ولكن الثلاثين ألف جنيه انتهت أيضاً وامتدت أيد كثيرة لتنقذنا، وكنا نخفى هذه الحقيقة عن كل من يعمل معنا. 


كنا نضحك وقلوبنا تبكى.. كنا نكتب ولا نعرف هل سنجد ثمن الورق الذى ستصدر به الجريدة فى اليوم التالى.. وذات يوم دق جرس التليفون فى مكتبى وإذا بها أم كلثوم.. قالت إنها تريد أن تقابلنى أنا وعلى أمين فوراً فى بيتها.. فذهبنا إليها فقالت إنها علمت أننا فى أزمة خانقة وأن «أخبار اليوم» مهددة بالإفلاس..

وأنها على استعداد لأن تضع كل مليم تملكه تحت تصرف «أخبار اليوم»..

بهتنا وسألناها: من أين عرفت هذا السر؟ ! فقالت إنها ترفض أن تقول من أين علمت بهذا السر..

وأحضرت لنا مبلغ عشرين ألف جنيه وقالت إنها مستعدة لأن تبيع مصاغها وبيتها وتقدم لنا حتى مائة ألف جنيه. 


قلنا لها: «انت مجنونة.. إن هذا المبلغ قد يضيع» قالت: «إن الذى يهمنى هو ألا تموت جريدة مصرية». فقلنا لها: «إننا نشك فى أننا نستطيع أن نسدد لك هذا المبلغ قبل سنوات». 


قالت: «لا أريد أن تسددوه إلا بعد أن تسددوا آخر دين عليكم للآخرين»، واكتفينا بمبلغ 18 ألف جنيه.. وأردنا أن نكتب إيصالاً باستلامنا المبلغ ورفضت أم كلثوم أن نكتب هذا الإيصال.. وكتبنا الإيصال فمزقته ورمته فى وجوهنا.


دخلت السجن عام 1960 ووضعونى تحت الحراسة وصادروا أموالى، قرروا أن أموت جوعاً وسدوا جميع المساعى حتى لا يصلنى قرش واحد من أخى على الموجود فى لندن..

كنت أعرف أن الكثير من أصدقائى سوف يقبلون أن يقرضونى فى هذه المحنة ولكننى رفضت أن أحرجهم لأننى أعرف أنهم يقبضون على كل من يمد يده بالمساعدة لمسجون سياسى..

وبعثت برسالة لأم كلثوم وقلت لها إننى محتاج إلى مائة جنيه فوراً ونبهتها أن هذا المبلغ سوف يعرضها لتوضع أموالها تحت الحراسة..

وقلت إننى لن أتضايق إذا رفضت أن تقرضنى المبلغ وقلت إننى قد لا أستطيع رد المبلغ قبل عشر سنوات وقد لا أستطيع رده أبداً..

وأرسلت أم كلثوم لى 500 جنيه وقالت إنها مستعدة أن ترسل لى خمسة آلاف جنيه .


من كتاب «شخصيات لا تنسى»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة