مترو الأنفاق
مترو الأنفاق


أسرار الناس «لم تعد فى بير» .. ثرثرة فوق قضبان المترو

آخر ساعة

الأحد، 06 فبراير 2022 - 12:57 م

ريحاب محمد

المصـــــريون عِشـــــريـون يحبـــــون الأحــــــاديث والحكايات.. واجتماعيون إلى درجة سرعة التآلف بشكل غريب مع من يجاورهم فى  المواصلات العامة حتى ولو كان غريباً، ربما لن تجمعهم الصدفة مرة أخرى ولدرجة تصل إلى حد التطرق إلى المشكلات الشخصية، وإفشاء أسرار البيوت فى  المواصلات العامة! هل يرجع ذلك لولع الناس بالكلام؟ أم البحث عن ونيس فى  الطريق؟ أم أنه هرب من الضغوط النفسية والاجتماعية؟.. "آخرساعة" قامت بجولة فى  خط مترو الأنفاق من أوله حتى آخره، لرصد الظاهرة، ثم ناقشت المختصين لتفسيرها.

ما شجعنى على هذه المغامرة أننى أثناء جلوسى فى عربة السيدات بمترو الأنفاق، فوجئت بمن تجلس بجوارى تقول لى: "ممكن آخد رأيك فى موضوع شخصي.. أصل أنا مخنوقة ومش عارفة أعمل إيه".

وبدأت تحكى  لى  عن بداية علاقتها بزوجها الذى ارتبطت به عن حب رغم أنه أقل منها تعليمياً واجتماعياً، لكنها فوجئت بعد مرور عدة أشهر من زواجهما بتغيُّر فى تصرفاته لدرجة أنها أصبحت تعيش مع شخص أصبحت لا تعرفه، وباتت الحياة بينهما جحيماً، وهى الآن حامل.

حديث هذه السيدة شدنى وقررت أن أخوض هذه المغامرة، فركبت المترو من بداية محطة المرج وصولاً لمحطة حلوان، ورغم الظروف التى فرضتها جائحة كورونا وفرض ارتداء الكمامات وضرورة التزام التباعد بين الأشخاص فإن الأحاديث تقرب بينهم المسافات.

على أية حال، بدأتُ الرحلة، وكان أول ما رصدته مجموعة من الفتيات يبدو من ملامحهن أن معظمهن تجاوز سن الثلاثين عاماً وتجمعهن مشكلة العنوسة، وكل واحدة تتحدث عن قصتها مع المشكلة. قالت إحداهن إن والدها سبب وقف حالها، فقد رفض تزويجها من العريس الذى تقدم لها بحجة أنه أقل منها تعليمياً ومستوى عائلته أقل منهم، فأبوه يعمل نجاراً وهو سيعمل معه.

وهنا قاطعتها صديقتها قائلة: "أنا لو منك أوافق عليه وخلاص وأخلص من العنوسة، البنات مش لاقية عريس"، فردت عليها: "أنا عارفة الكلام دا.. بقولك أنا كنت موافقة مش رافضة وأبويا هو اللى رفض يعنى كنت أتجوزه من وراه؟"، فردت الثالثة: "بصراحة أنا مستعدة أوافق على أى حد ومش هطلب منه أى حاجة بل سأساعده أيضاً".

وظل هذا الحديث مستمراً إلى أن نزلت الفتيات من العربة فى محطة حلمية الزيتون. وفى الوقت نفسه، صعد شابان يتحدثان عن مشكلتهما مع البطالة وأنهما قاما بتقديم أوراقهما فى أكثر من جهة عمل لكن من دون فائدة، مؤكدين أنه لم يعد أمامهما الآن سوى العمل مندوبى مبيعات رغم أنهما كانا يرفضان ذلك من قبل.

وفى  محطة منشية الصدر، صعدت فتاتان برفقتهما شابان، اتضح من حديثهم أنهم طلبة بجامعة عين شمس حيث كانوا يتحدثون عن الامتحانات فى  ظل كورونا حتى أن واحدة منهم قالت: "رغم وباء كورونا ومخاطره إلا أنه جاء لمصلحة كثيرين فى الامتحانات"، فرد عليها زميلها: "الطلبة بتوع المدارس هما اللى فرحانين عشان عدم الحضور وسهولة الامتحانات، دول مش هيسّقطوا حد فى المدارس وخصوصاً طلبة صفوف النقل عشان يخلصوا والسنة تعدى على خير"، فقالت الفتاة الأخرى: "أخويا فى ثانية إعدادى بس برضو بياخد دروس خصوصية، والمهم إنه ينجح وخلاص".

وهنا تدخلت سيدة فى الحديث قائلة: "أنا بنتى فى أولى ثانوى وبتاخد دروس برضو بالشيء الفلانى فى كل المواد فى السناتر، وفيه مواد تانية بتاخدها فى بيوت زميلاتها"، فردت عليها واحدة من الطالبات: "مفيش داعى لكل الدروس دي، هى ممكن تاخد فى المواد الصعبة بس، وفى كل الأحوال هتنجح"، فقالت السيدة: "لا برضو مانضمنش، لأن لازم تجتاز درجة النجاح يعنى لازم تنجح فى  كل المواد ومش مهم المجموع فى سنوات النقل".

وعند محطة سعد زغلول، وهى من المحطات المزدحمة بالركاب، غادرت السيدة العربة، فى  الوقت الذى صعدت مجموعة من الموظفات، كل واحدة منهن تحمل أكياس خضار وبصل وأكياس لحوم من المنافذ الحكومية المتواجدة بجوار أعمالهن، ودار حديثهن كله عن الأسعار.. وسألت راكبة أخرى عن سبب شرائها البصل الآن ولماذا لم تقم بتخزينه هذا العام؟ فقالت: "والله خزّنت وخلص، لأن فيه بصل كتير تلف ورميته".

وفى محطة جامعة حلوان، كان معظم الركاب من طلبة الجامعة، ودارت الحوارات بينهم حول امتحانات الفصل الدراسى الأول.. ولم يتبق فى رحلة المترو إلا  محطتان على نهاية الرحلة فى  محطة حلوان.

وهنا بدأت رحلة عودتى إلى محطة نزولى منطقة الزيتون، وأثناء عودتى كان معظم الأحاديث متشابهة تقريباً، لكن لفت انتباهى رجل كان يتحدث فى الموبايل بصوت عالٍ ويقول: "يعنى لازم أطلقها بالثلاثة عشان ترتاحوا خلاص كده الموضوع بقى متعب بالنسبة لى وسيبونى بقى أرتاح شوية، كل واحد لازم يدفع ثمن أخطائ ه، وأنا حذرت كذا مرة ومفيش فايدة يعنى إيه معناه اللى بتعمله دا". ثم سكت برهة مستمعا لمن يهاتفه، قبل أن يواصل حديثه قائلاً: "طيب خلاص ربنا يعمل اللى فيه الخير".. وأغلق الهاتف.

واللافت أن من جلس بجواره أخذ يهدِّئ من انفعاله ونصحه بألا يفكر فى الطلاق لأنه أبغض الحلال عند الله.

جاءت محطة الزيتون،  فغادرت المحطة، وفى اليوم التالى حاولت أن أخوض التجربة فى الأتوبيس أيضا، فاتجهت لمنطقة رمسيس وركبت خط السيدة عائشة وحاولت أن أخرج بأحاديث مميزة، لكن وجدت أن طبيعة المواصلات فى الأتوبيس مختلفة عن المترو، حيث يسيطر عليه الزحام مع ضيق المسافات، فيصبح كل هم الشخص الذى لا يجد مكانا للجلوس أن يقف آمنا فقط ويكمل مشواره.

وعن محاولات تفسير هذه الظاهرة تقول الدكتورة هالة حماد، أستاذة الطب النفسى وزميلة الكلية الملكية البريطانية للطب النفسي: هذه الظاهرة تحدث نتيجة ضغوط نفسية والتحدث فى  المواصلات العامة هو نوع من الإحساس بالألفة ومشاركة الناس مشاعرنا نتيجة الإحساس بالضغط النفسى  وعدم الإحساس بأن لدينا شيئاً نخفيه ونبحث عن تعاطف أكبر عدد من الناس، وقد يكون الأمر سببه البحث عن ونيس فى  الطريق، كما أن ذلك يعكس جزءاً من الثقافة المصرية الريفية، عندما كان الأهالى يجلسون على المصاطب ويحكون عن أحوالهم، فهذا جزء من الطبيعة المصرية، فلم تعد الأسرار "فى بير".

ومن جانبها، تقول الدكتورة عفاف إبراهيم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن ظاهرة التحدث فى  الأسرار الشخصية فى المواصلات العامة ربما يكون سببها ضغوط الحياة التى  تجعل البعض يتحدث بانفعال وبصوت عالٍ.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة