علاء عبد الهادي يكتب : ما لم يقله زاهى حواس
علاء عبد الهادي يكتب : ما لم يقله زاهى حواس


عودة إلى ما قبل الجائحة

علاء عبد الهادي يكتب : ما لم يقله زاهى حواس

علاء عبدالهادي

الأحد، 06 فبراير 2022 - 01:38 م

يحسب لعالم الآثار المصرية الأشهر في تاريخ مصر المعاصر د. زاهى حواس أنه عرَّف المصريين على عظمة حضارتهم، وحببهم فى علم الآثار، وخلق الشغف عند الأجيال الجديدة بتراثهم وحضارتهم، قبل زاهى حواس كان علم المصرييات أو «الإيجبتولوجى» علما للخاصة، وربما خاصة الخاصة،

علم يدًرس داخل أروقة الجامعات، يهتم به الغرب ، ويتوقون عشقا بمصر وبآثارها أما نحن فلم نكن نرى فيها إلا مجرد «مساخيط» أو حجارة غشيمة نعتدى عليها، يحسب لزاهى حواس أنه كسر احتكار الأجانب لعلم المصريات، وفند بعض ثوابت نظرياتهم، وخرج بنظريات وأدلة واكتشافات تحسب للمدرسة المصرية فى علم المصريات، فلا يبقى هذ العلم حكرا على التفسير الغربى، كما يحسب لزاهى حواس أنه صنع من الآثار المصرية «براند» واستطاع بموهبته الخاصة و«الكاريزما» التى منحها الله له أن يروج لذلك عبر أشهر القنوات.  

لك أن تتخيل الشهرة التى يحظى بها زاهى على المستوى الدولى والعالمى إلى الحد الذى جعله يتحرك مثل نجوم هوليود، تطارده الكاميرات والعدسات أينما حل فى أى من دول العالم، أتذكر عندما وقفت معه أمام متحف العلوم فى بوسطن وقت أن كان المعرض يستضيف معرضا للآثار المصرية، وفجأة التف حولنا المارة، وانتبهوا لوجود زاهى حواس وراحوا يلتقطون صورا معه، ويوقع لهم على «الأوتوجراف»، حوادث كثيرة مشابهة لهذا حدثت أمامى
 فى أهم العواصم العالمية. 

تجربة زاهى حواس الأثرى وأستاذ الجامعة، والمستكشف، والوزير، والعالم، لم تأت من فراغ، هذا النبوغ كانت له أسبابه، والمعارك التى خاضها، ومدرسته، وأسلوب إدارته، مراحل الانكسار، والانتصار فى حياته، كانت تحتاج إلى أن توثق فى كتاب.


 من عناصرالكاريزما والإبداع عند زاهى حواس، قدرته على مخاطبة الإعلام بلغته، لذلك كتب عشرات الكتب الرائعة.

وكذلك قدرته المبهرة على مخاطبة الكاميرا إلى الحد الذى وصفه صديقه الراحل عمر الشريف بأنه، أى زاهى، أعظم فنان وممثل رأيته فى حياتى، هذه القدرات وظفها زاهى لخدمة حبه للآثار فى عشرات ومئات الأفلام والبرامج الوثائقية التى أظهرت عظمة الحضارة الفرعونية، وأسباب هذه العظمة بالصورة العلمية، وليس بالكلام العاطفى الذى لا يستند إلى أسانيد علمية.

 

ومن هنا تأتى أهمية كتابه الأخير «الحارس» الصادر عن دار نهضة مصر، والذى طرح بمعرض الكتاب، ويشهد إقبالا كبيرا، الكتاب أشبه بسيرة ذاتية كاملة عن رحلة زاهى حواس مع الآثار.

وكيف بدأت بجفاء، ثم تطورت إلى حالة عشق وشغف، لم يخبت يوما، ومازال هذا الشغف هو الذى يدفع زاهى حواس أن يكون على مكتبه صبيحة كل يوم منكبا على علمه وأبحاثه، يعقد الاجتماعات مع فريقه العلمى البحثى، ويعد لموسم حفر واكتشافات جديدة أو يعد لمحاضرة فى إحدى جامعات العالم.

حكى زاهى حواس حكايته التى بدأ أول سطورها الحقيقية مع اليوم الذى أمسك فيه تمثال إلهة الحب، ووقع فى غرامها وغرام علم المصريات، إلى اليوم الحالى، عندما تقرأ الكتاب ستكتشف أن نجاح زاهى حواس لم يأت ضربة حظ، أو لأنه ابن فلان أو علان، بل لأنه كافح وناضل وعاش فى حالة شغف، وتعلم ودرس، وآمن بقدراته واعتلى السلم خطوة خطوة. 


عندما توج زاهى حياته الوظيفية باختياره أول وزير للآثار، وقامت الثورة، وحدث ماحدث بمحاولة اقتحام المتحف، والسلسة البشرية التى قام بها بعض المتظاهرين الشرفاء لحماية المتحف مع قوات الجيش كنت هناك لتغطية الحدث ممثلا لجريدتى «الأخبار» اليومية، يومها لمحت د. زاهى يجلس بكرسى على مدخل المتحف.

 

ورفض قائد حرس المتحف أن يسمح لى بالدخول، إلا بعد تدخله شخصيا،وجلست معه على باب المتحف، ورأيت زاهى باكيا، لم يذكر هو ذلك فى كتابه، ولم يذكر الحوار الذى حدث بينى وبينه.

وشرح لى كيف تسلق اللصوص سقف المتحف، وكيف بحثوا عن الذهب، مستهدفين قناع توت عنخ آمون، ولكن الله كما قال لى سلم، وأن هناك بعض القطع تم حصرها اختفت وتم تعقبها حتى عاد أغلبها.


ومن هنا تأتى أهمية اختيار عنوان (الحارس) على مذكرات زاهى حواس لأنه بالفعل كان حارسا للآثار المصرية فى الفترات التى تولى فيها الأمانة بداية من هضبة الأهرامات، ومرورا بأمانة المجلس الأعلى للآثار، ثم وزيرا.

وأنا شاهد على مافعله، ورغم ماذكره فى كتابه، يبقى قليلا بالنسبة لما قدمه فى الحقيقة، واسترجاع كل أثر من الستة آلاف قطعة التى استعادها من الخارج تمثل قصة تحتاج إلى التسجيل، والذكر، فزاهى الذى خاض كل هذه المعارك.

وجد بعض ضعاف النفوس يهيلون التراب على تاريخه وقت الانفلات الذى حدث فى أعقاب ثورة يناير ويرمونه بتهمة هو أبعد الناس عنها ووصفوه بهتانا وزورا بأنه لص آثار!!


إذا لم يكن زاهى حواس هو الحارس الأمين للآثار المصرية فمن يكون إذن؟
من الأشياء التى سيحسبها التاريخ لزاهى أنه دحض نظريات يقف وراءها بعض المحسوبين على الباحثين الغربيين، يدعون فيها أن من قاموا ببناء الأهرامات لم يكونوا مصريين، مرة يقولون قوم من قارة أطلنطس المفقودة، ومرة قوم هبطوا من الفضاء وصنعوا هذه المعجزة الفريدة وذهبوا، زاهى أثبت أن المصريين هم من بنوا هذه الحضارة.

وهم من صنعوا عظمة الهرم،عندما اكتشف مقابر عمال بناة الأهرامات، وحدد عددهم، وكشف ماذا كانوا يأكلون، وأماكن أكلهم ونومهم، والرعاية الصحية التى كانوا يحظون بها لأنهم مصريون وليسوا عبيدا.

 

ولم يكونوا من اليهود كما ادعى مناحم بيجن رئيس وزراء اسرائيل الأسبق يوم وقف أمام الأهرامات، وتخرص بمقولة إن أجداده هم من بنوا الأهرامات، يحسب لزاهى أنه أعاد الهيبة للآثار المصرية وللأثريين المصريين، قبله كان «الخواجة» صاحب الكلمة العليا، تفتح له الأبواب ليعبث بالآثار المصرية، حتى لو كان من حوارى شيكاغو، يحسب له أنه تعامل رأسا برأس.

وتحدى البعثة الفرنسية وأوقف عملها لأن متحف اللوفر رفض أن يعيد لمصر خمس قطع أثرية اشترها المتحف وهو يعرف أنها مسروقة.

ولم يستجب لطلبات زاهى بإعادتها لمصرعندما كان أمينا للأعلى للآثار، ووصل الأمر إلى حد أن الرئيس الفرنسى ساركوزى اشتكاه إلى الرئيس الراحل حسنى مبارك وقال له أن زاهى أوقف عمل البعثة الفرنسية فى دهشور والفرنسيون يعتبرون أنفسهم الأمناء على علم «الإيجبتولوجى» وبالفعل كلم مبارك زاهى واستفسر منه عن حقيقة ماحدث فأثنى على ما فعل.

وانصاعت فرنسا لإرادة زاهى وأعادت الآثار المسروقة وتسلم مبارك إحداها فى يده تقديرا لمصر وتاريخها.. زاهى ذكر ذلك فى كتابه ولكنه لم يذكر معارك كثيرة مماثلة خاضها وكنت شاهدا عليها، معارك داخل مصر وخارج مصر.

ومعركة اختياره أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار، وبعض تفاصيلها هو قد لا يعرفها إلى الآن، كنت شاهدا عليها أنا وصديقى الكاتب الصحفى عصام عمران رئيس تحرير حريتى السابق، ولكن موهبته كانت أقوى من كل ما حيك ضده.

 

وواصل تألقه بعد أن تحرر من أعباء العمل الإدارى، وحصل على جوائز فى السنوات العشر الأخيرة تعادل أضعاف ما حصل عليه وهو على رأس الهرم الوظيفى وللأمانة خدم مصر، وتاريخها وآثارها وهو خارج المنصب أكثر مما خدمها وهو داخله. 


كتاب الحارس،على عظمته وروعته لم يف تاريخ زاهى حقه، ومازال عنده ما يقوله ويحكيه، فهو يمتلك ملكة الكتابة، والقدرة على أن يصنع من المادة التى يكون تلقيها صعبا، شيئا سهلا بقصة أو حكاية طريفة. 


كتاب الحارس كتاب يحكى جانبا مشرقا من تاريخ مصر من خلال استعراض تاريخ أحد رموز مصر فى القرن الأخير د. زاهى حواس الأمين والحارس للآثار المصرية.

اقرأ أيضا | زاهي حواس: موكب المومياوات الملكية صناعة مصرية 100%

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة