عاطف محمد عبد المجيد يكتب : ضد التاريخ:الشك ضرورة !
عاطف محمد عبد المجيد يكتب : ضد التاريخ:الشك ضرورة !


عاطف محمد عبد المجيد يكتب : ضد التاريخ: الشك ضرورة !

أخبار الأدب

الأحد، 06 فبراير 2022 - 02:09 م

التدبر ضرورة حياتية، لازمة لاستمرار العالم، تنفيذ للأمر الإلهى باستخدام العقل، وسعى نحو مقاربة العدالة فى الحكم على الأمور. أن نعقل، ونحلل، ونفكر، ونطرح، ونناقش، ونعيد قياس الأمور، ووزن الناس، فتلك فضيلة بلا شك، أن نرفض ما وجدنا عليه آباءنا، بمنطق الاجتهاد، ونحاول إعادة القراءة، وإعادة الفهم، فنحن نروم مراد الله فى التساؤل والشك والتمعن استجلاءً للحق وسعيًا نحو الحقيقة.

هذا ما يقوله مصطفى عبيد فى عتبة دخوله لكتابه «ضد التاريخ.. تفنيد أكاذيب السلطة وتبديد أوهام الشعب» الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية.

واصفًا كتابه هذا، إنه محاولة تدبر فى تاريخنا الحديث، تنطلق من قاعدة نفى الحصانة، ونبذ المسلمات الموروثة جيلًا بعد آخر، وإلقاء كافة ما يُسمى بثوابت التاريخ وراء ظهورنا، مضيفًا أن كتابه نبش جديد يخاصم فكرة تحصين الرموز التاريخيين، ويقاوم قانون المُسلمات غير القابلة للنقاش.


ما يريد أن يوصله الكاتب هنا هو أن التاريخ ليس ما رواه المنتصرون، سلطة وشعبًا، وإنما ما نراه اليوم، ويراه أولادنا من بعدنا بشكل آخر، كما يؤكد أنه لا توجد قراءة واحدة للتاريخ، وإنما هى قراءات متعددة، لا حقائق ثابتة ولا أحكام نهائية أبدًا، فكل الأحداث يمكن إعادة قراءتها بزاوية جديدة لينقلب كثير من الأبطال إلى خونة، وربما يتحول بعض الأشرار إلى شهداء.


كتب الصدمات
فى كتابه الذى يرى أنه لا ينتمى إلى كتب الصدمات، بمنطق كافكا الذى يرى أن الكتاب الذى لا يصدم قارئه لا يستحق القراءة، ولا يحاول إثارة ضجة أو افتعال جدل أو لفت أنظار، يقول عبيد إن الزعامة فى بلادنا نصيب، محبة.

وربما بركة، وفى العالم المتحضر نتائج وأرقام وحقائق، مضيفًا أن ميزان العظمة يتباين من زمن لزمن، ومن مجتمع لآخر، وتلعب المصادفات الغريبة وأبواق النفخ وقصائد الشعراء والمقالات الموجهة دورًا عظيمًا فى تضخيم ذات إنسان والحط من قدر آخر.


هنا وفى كتابه الذى ينفى عنه كونه كتاب تاريخ، بل هو كتاب عن التاريخ، يقول الكاتب إنه لا توجد حقيقة راسخة ولا يوجد علم يقيني، وإن الشك ضرورة للعلم وللفهم وللوعي.


هنا يرى عبيد أن الزعيم مصطفى كامل لا يستحق كل هذا الاحتفاء ولا يمكن مساواته مع أقرانه من الزعماء الوطنيين فى زمن الاحتلال، ولا حتى مع تلميذه وخليفته فى زعامة الحزب الوطنى محمد فريد.

هنا يتصور الكاتب أن السلطة فى زمن مصطفى كامل لعبت دورًا مُهما فى تضخيم صورته وتعظيم دوره، كما حدث الأمر نفسه فى زمن ثورة يوليو بغرض صناعة نجم مواز لأسطورة شعبية عظيمة اسمها سعد زغلول، ولكن شتان بين الاثنين عملًا وأداءً ونتائج. 


هنا، وهو يتحدث عن مظلومية اليهود المصريين يكتب مصطفى عبيد قائلًا إنه يفتح نوافذ روحه ليستقبل أشعة الشمس، يخلع أردية الكراهية، ويصفى قلبه ليستنشق الحقيقة.

ويسعى إلى الإنصاف مفتشًا ومقلّبا تاريخنا الحديث ليقف كثيرًا امام مأساة اليهود المصريين الذين جرحناهم وظلمناهم مجتمعيًّا وإنسانيًّا وما زلنا ونحن نردد كلمة يهودى باعتبارها سُبة.


أصحاب الشعارات
يرى الكاتب أننا نخلط بين الجانى والبرئ، ونساوى بين الأعداء والأبناء، لأن الناس تحمل عقيدة واحدة فى صراعنا الدامى الطويل ضد الصهيونية وإسرائيل وقد وضعنا اليهود المصريين معهم فى الكفة ذاتها.

وأقمنا محاكم تفتيش على قلوبهم، ثم حاكمناهم جميعًا وأصدرنا حكمًا نهائيًّا لا يقبل الاستئناف بأنهم خونة وأشرار وغير مصريين. الكاتب يتساءل هنا كذلك فيقول هل كان اليهود جميعًا أشرارًا مرابين، لصوصًا، مستغلين، وأعداءً للوطن وللمصريين؟ ويجيب: بالقطع لا. مضيفًا أنه كان هناك يهود وطنيون فى مصر.


عبيد يكتب أيضًا قائلًا: يربح الشعبيون ولو أخطأوا، يفوز بالرضا السامى أصحاب الشعارات، والخطباء ومنافقو الجماهير، أما العقلاء النابهون، العمليون، من يزنون الأمور بمقياس المكسب والخسارة فهم غالبًا متهمون ودائمًا منبوذون. وهذا، يقول المؤلف، حدث مع أكثر من زعيم اختار الواقعية ولم يهتم بإرضاء. 


الكاتب يقول إن إسماعيل صدقى كان مثالًا واضحًا ونموذجًا صريحًا على رجل لم يقتنع بموقف الشارع غير العلمي، ولم يتقبل إرضاء أصحاب الأصوات العالية على حساب قناعاته، صال وجال وتمسك بقناعاته، وعاند القطيع ورفض الخضوع للناس مقتنعًا بأن الجماهير ليست دائمًا على صواب. 


فى كتابه «ضد التاريخ» يورد مصطفى عبيد ما قاله جلال الدين الحمامصى عن الكتاب الأسود الذى أطلقه مكرم عبيد ضد زعيم الأمة: لقد اشتركت فى كتابة الكتاب الأسود، والآن أقول بصدق: إن ما كان من فساد فيه لا يقارن بما عرفنا من فساد فى عصر ما بعد يوليو. 


أسماء لا تستحق التخليد
عبيد الذى يكتب قائلًا إن بعض السهام قاتلة، وبعضها ينغرس فى جسد الفريسة ليزيدها تحصنًا وقوة، وهذا ما حدث مع مصطفى النحاس بعد وفاة سعد زغلول. لقد تعرض النحاس لطعنات ومحاولات اغتيال عديدة نجا منها جميعًا ليزداد صلابة وقوة وتعلو همته على المقاومة.


فى كتابه هذا، يكتب المؤلف أيضًا عن المرأة التى قلبت حياة سيد قطب والتى كان لها أثر بالغ فى تحول شخصيته، كما يكتب عن محمد نجيب الديكتاتور الذى لم يأخذ فرصته قائلًا إنه فى عالم السياسة المستبعد مندوب، والخاسر مرغوب، والبعيد عن العين قريب من القلب، والبديل دومًا عظيم. كذلك يكتب عن صلاح سالم الذى كان جمال عبد الناصر شخصًا غير قادر على الشغل، وغير جدير به، لكنه يحب الكلام ويحسنه ولا يقوى على العمل.


ضد التاريخ الذى يكتب فيه مصطفى عبيد عن عبد الحليم حافظ وعن الذين قتلوا السادات يقول فيه: تُخلد الأمم أبطالها بصناعة تماثيل لهم، وإصدار كتب عنهم، وإطلاق أسمائهم على الميادين الرئيسة والشوارع المهمة، لكن فى بلادنا ثمة أماكن عديدة تحمل أسماء لا تستحق التخليد، ببساطة شديدة لأنك لو انتزعتها من السياق التاريخي، لما تغير شيء، بل ربما يبدو المشهد أفضل. 

اقرأ أيضا | التدبر ضرورة حياتية، لازمة لاستمرار العالم، تنفيذ للأمر الإلهى باستخدام العقل، وسعى نحو مقاربة العدالة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة