د. أيمن فؤاد سيد
د. أيمن فؤاد سيد


«المقريزى» أول من وصف التضخم

عمدة المؤرخين والمحققين:أكـتـب التـاريـخ كمـا جــرى

عبدالهادي عباس

الأحد، 20 مارس 2022 - 09:01 م

 حمل غلاف كتابك عن الدولة الفاطمية كلمة «تفسير جديد».. هل ترى أن التاريخ العربى يحتاج إلى مزيد من التفسير الجديد؟
- عندما يكون هناك موضوع قد سبقت دراسته، مثل الفاطميين، فإن الرواد قد درسوه دراسة شاملة دون اهتمام بالدراسات الجزئية الضرورية لأى دراسة شاملة؛ ولقد كتب الكثيرون عن الدولة الفاطمية، لكن ما كُتب لم يستوف المصادر التى وصلت إلينا عنها، فما كتبه حسن إبراهيم حسن، أو جمال سرور، أو محمد كامل حسين، أو عبدالمنعم ماجد، قد استوفى المصادر التى كانت متاحة وقتها، لكن ظهرت مصادر جديدة، وقد قمتُ بنشر أربعة نصوص مهمة، منها: الجزء الأربعون لكتاب «أخبار مصر» للمسبحي، و»نزهة المقلتين فى تاريخ الدولتين» لابن الطوير، وقد قمتُ فيه بإعادة بناء كامل للمخطوط، و»السيرة المأمونية» لابن البطائحي

وأعدت كتابة «اتعاظ الحنفا للمقريزي»، وهو أشمل كتاب تحدث عن الفاطميين من خلال الوثائق، إضافة إلى الدراسات الجزئية التى قام بها مستشرقون وباحثون عرب، كل هذا جعلنى أقدم إعادة عرض وتفسير جديد بناء على المعطيات والمصادر الجديدة التى ظهرت.


 ولكن، ألا تناقض كلمة «تفسير» بمعنى التأويل مفهوم الوقائع التاريخية الثابتة؟
- الحقائق التاريخية معروفة، وما نقوم به هو تفسير الأحداث من خلال استقراء المعطيات المعاصرة، والظروف التى صاحبت هذه الأحداث، ومن ثم نقدم من خلالها كتابة جديدة أو تفسيرًا جديدًا، أما السرد التاريخى فهو تكرار لا جديد فيه.. ودورنا استقراء النصوص وتقديم تفسير من خلالها.


 وما قصة إعادة بناء كتاب «نزهة المقلتين» لابن الطوير؟
- نسخة الكتاب نفسها لم تصل إلينا، ولكن الكتاب كان متاحًا عند مؤرخين عاشوا فى القرن الثامن أو التاسع الهجري، ونقلوا نصوصًا مطولة لأحداث حدثت نهاية عصر الدولة الفاطمية، وابن الطوير كان معاصرًا لهذه الأحداث، وبالتالى عندما نقل المؤرخون المتأخرون أوصافًا للرسوم والتقاليد والاحتفالات الموكبية التى كانت فى عهد الفاطميين عن ابن الطوير المعاصر لهم، وقمتُ أنا بإعادة بناء الكتاب من خلال هذه النصوص.


 هل لديك مشروعات «بنائية» أخرى شبيهة بهذا العمل المهم؟
- توجد بعض النصوص المطولة حفظها المتأخرون ولم تصل إلينا، وأسعى إلى إعادة بنائها بتوفيق الله، منها نص «الذخائر والتحف وما كان بالقصر من ذلك» لمؤلف مجهول يتكلم عن الذخائر التى كانت موجودة فى قصور الفاطميين وخرجت أثناء الشدة المستنصرية العظمى.


رسائل المقريزي
 ما أبرز العناوين التى تعمل عليها وسنراها مطبوعة قريبًا؟
- أعمل على إصدار سلسلة «رسائل المقريزي» وينشرها معهد المخطوطات، وصدرت منها السلسلة الأولى ويصدر الباقى تباعًا، ومنها مجموعة عن «شذور العقود فى ذكر النقود».. و»إغاثة الأمة» يُعد واحدًا من أهم المؤلفات التى تتناول التراث الاقتصادى والاجتماعي؛

والمقريزى هنا تلميذ نابه لأستاذه عبدالرحمن بن خلدون، بحيث نستطيع القول إنها رسائل «خلدونية»؛ والتاريخ الاقتصادى الذى يعرضه المقريزى منذ سيدنا يوسف إلى سنة 806، العام الذى فقد إحدى بناته، وكتب رسالته مطلع 808 ليتحدث عن الأسباب التى أدت إلى الأزمة التى مرَّت بها مصر، ثم رواج النقود النحاسية، أى النقود التى ليس لها رصيد، وقد فصَّل فى هذه الرسالة أن التقييم للنقود هو الذهب أو الفضة، وهذا يوضح أن فكرة التضخم معروفة عند المؤرخين المصريين.


 تدافع فى كتبك عن الدولة الفاطمية وتخالف الآراء الشعبية حول «الحاكم بأمر الله» أو «قراقوش».. ما صحة ذلك؟
- أنا لا أدافع عن أحد، وإنما أستعرض التاريخ كما وصل إلينا، وهذه هى مهمة المؤرخ، أن يكتب التاريخ كما جرى لا كما يُريده أو يتوهمه الآخرون، فعندى مصادر ونصوص أقدّم من خلالها عرضى للتاريخ، وكون بعض الناس تحمل أفكارًا خاطئة عن بعض الفترات التاريخية، فهذا لا يعنى عندما تصحح الوضع أنك تُحابيها أو تتعاطف معها.


 لماذا لا تزال إشكاليتنا فى ماضينا بعكس الأمم الأخرى، التى تتطلع دائمًا إلى المستقبل؟
- حتى فى الأمم الأخرى لا تستطيع إقامة بناء حضارى دون أن تستعيد التاريخ، وعندما تُحاول أن تفهم الحاضر لا بد أن تتفهم شكل ما كانت عليه الأوضاع وما آلت إليه، وإذا كنا نتحدث عن الإسلام، فهناك فرق بين التاريخ والإسلام كعقيدة وفقه، بحيث يجب أن يحدث نوعٌ من التطوير والتحديث يتواكب مع التغيرات الحديثة.


تصحيف وتحريف!
 تقوم بتحقيق مخطوطات تم تحقيقها من قبل فى الوقت الذى توجد فيه مخطوطات لا تجد من يُحققها.. ما السبب؟
- هناك نصوص كلاسيكية تم إخراجها بطريقة سيئة أساءت إلى النص، وبها تحريف وتصحيف كثير، أدى إلى أن الكثير من النتائج التى توصل إليها الباحثون الذين اعتمدوا عليها كانت غير حقيقية، وكان لزامًا علينا تقديم نصّ صحيح بعدما اكتشفنا نسخًا أصلية، وبعضها بخط مؤلفيها، كما أن الدراسات الحديثة قدمت إلينا تيسيرات لشرح مصطلحات وأحداث وربطها ببعض لتقديم نص صحيح نستطيع أن نعتمد عليه باطمئنان، ولذلك فإننى أرى أن كل النتائج التى اعتمدت على نشرات مطبعة بولاق تحتاج إلى إعادة نظر


 ألا تعتقد أن توزع المخطوطات بين المعاهد العلمية والجامعات يُبدد جهود تحقيقها؟
- إطلاقا، لأنها عملية متكاملة، فإذا كانت لدينا هيئات ومراكز كثيرة، فهناك المجمع العلمى بدمشق، ومؤسسة بيت الحكمة، فهناك تراث محلى وتراث إسلامي، ويوجد تواصل بين هذه الهيئات والمنهجية التى تعمل بها؛ ولكننا نحتاج إلى الشخص الذى يملك الأدوات اللازمة لمواجهة النص المخطوط مع توافر النسخ الأصلية، والمنهج الذى يقوم عليه، ولدينا دورات لتدريب الشباب، ونأمل فى إخراج جيل جديد يعمل مع النسخ الأصلية ويُضيف إلى المكتبة العربية.


 ما صحة ما يُشاع عن وجود سوق سرية لتجارة المخطوطات وتهريبها؟
- هناك مبالغات كثيرة حول هذا الأمر، لأن لدينا مكتبات عامة لها رصيد وكتب معروفة وفهارس، وهناك ملكية شخصية لا نستطيع منعها وهى نسخ معدودة قد توجد عند بعض الأسر فى اليمن أو المغرب أو الجزيرة العربية، وتبقى النسبة الأكبر فى المكتبات العامة.


 هل يوجد حصر بالمخطوطات التى تلفت أو تم إتلافها منذ الثورات العربية؟
- هناك تدمير للآثار ولا يوجد تدمير للمخطوطات، ونادرا ما يقوم أحد بتهريب المخطوطات، ويظهر هذا فى الكتالوجات عند الجرد، ونحن نُبالغ فى هذه الأمور.


الإتاحة الأوروبية
 وماذا عن مخطوطات مدينة القدس التى نهبها الكيان الصهيوني؟
- هذه مخطوطات عربية، مؤلفوها عرب، ولا أحقية لإسرائيل فيها، وقد قام معهد المخطوطات بتصوير معظم هذه المخطوطات قبل 47، ولدينا بيان بهذه المخطوطات وأسماء الأسر التى تملكها، كما أن الإتاحة هى الأصل مثلما يحدث فى أوروبا التى تهتم بها وتُيسرها للباحثين فى التصوير والمطالعة وأنا شخصيا تعاملت مع المخطوطات هناك.


 ما تقييمك لمركز تحقيق التراث بمكتبة الإسكندرية؟
- هو مركز ناشئ، وأنا مستشار المكتبة لشئون المخطوطات والتراث، وهناك تعاون فى الدورات واختيار النصوص، وأخرجتُ فى مكتبة الإسكندرية كتاب «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»، وفى سبيلى لإخراج نص بطريقة «الفاكسميلي» وهو «تحفة ابن القيعان» استكمالًا لنص «الانتصار» لابن دقماق.


 ألا ترى أن الدراما التاريخية تفتقر إلى الضوابط لتفيد فى كشف محطاتنا المضيئة؟
- للأسف فى الفترة الأخيرة تراجعت القراءة، ويستمد الناس معلوماتهم من الإعلام والدراما؛ وإذا لم يكن ما يُقدم إليهم معروضًا بطريقة صحيحة فيثبت الخطأ فى أذهان الناس، ولذا على كل مَن يتصدى لإنتاج عمل تاريخى أن يلجأ إلى مراجع تاريخى متخصص لمراجعة الأحداث والأماكن والشخصيات والملابس وغيرها؛ وفى أوربا يهتمون جدا بالدراما التاريخية.

اقرأ ايضا | خبير آثار: بالقاهرة التاريخية مباني أثرية محتفظة بشكلها منذ ألف سنة

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة