خالد محمود
خالد محمود


« جزيرة غمام ».. رؤية ملحمية لواقع ممتد

أخبار النجوم

الأحد، 24 أبريل 2022 - 10:36 ص

دون شك، يأتى مسلسل “جزيرة غمام” ليشكل علامة فارقة فى دراما رمضان هذا العام، بل ولأعوام كثيرة اشتقنا فيها لعمل تليفزيونى عميق شكلا ومضمونا، فهو يحمل فكرا يتجاوز حتى ما حدث قبل مائة عام طبقا لمجريات ما ذكره تتر العمل، وأيضا لا يقف عند حدود المكان الذى ذكر بقلب الصعيد، فأنا أشعر أن المؤلف الكبير عبدالرحيم كمال يشرح بواقعية غير معهودة ما حدث، ومازال فى المجتمع، وهو التشريح الذى طال الإنسان والزمان والمكان أمس واليوم وربما غدا.

فى باطن التفاصيل وظاهرها أمور كثيرة ، تكشف ما أصاب المجتمع من أوجاع، وأمراض، وأوهام وأحلام غير مشروعة ومشروعة بذكاء وحنكة وإبداع، وكأن العمل ملحمة إنسانية، أى كان موطن هذا الإنسان، هناك مناطق كثيرة، يخترقها المسلسل منها جذور العنف الدينى، والنفوذ الصاعد على أهواء الغرائز، وصدام الخير والشر فى صراع السلطة والمال، وغسيل العقول بالنزوات تارة، والأفكار المسمومة تارة، وبالإغواء الشيطانى تارة أخرى، وهناك على الطرف الآخر من يتمسك بالفضيلة، وأعتقد أن حالة التشويق والشغف الكبرى التى لا تتوقف رغم هدوء الايقاع، ستضعنا فى النهاية أمام تساؤل كبير من سوف ينتصر، الحق أم الباطل؟!.

الصورة تكشف المكنون بكل ايحاءات زواياها، وبالقطع المخرج حسين المنباوى استوعب رسالة وفكر المؤلف وقدمتها فى أبهى حالة درامية ممتعة، كل جملة حوار لها قيمتها وموقفها وكأنها لطمات ولكمات توقظ عقل المشاهد وأيضا تلهم مشاعره.

نسج من الحوار بين العوالم المتعددة دراما مبهرة بمفردات فنية مدهشة فى طزاجتها، ورؤيتها فى غزل نسيج العمل من تصوير، وإضاءة، وموسيقى، وأداء ملهم لنجومه. 

نحن أمام عوالم متعددة، عالم “الشيخ عرفات” الصوفى الذى يحاول أن يغرس فى الجيل الجديد قيم الحق والحب والإخاء المساواة والحياة بفطرتها ويجسده بإقتدار وتميز “أحمد أمين”.

عالم الغجر والإغواء والشر الذى يتمثل فى  خلدون الذى يجسده طارق لطفى و”العايقة” مى عز الدين، وهو يشتبك مع عالم التطرف الدينى فى شبه عاركة والذى يقوده الشيخ محارب “فتحى عبدالوهاب”، وكم شاهدنا مباريات ملهمة وموحية فى الأداء يأخذنا بإبداع إلى منطقة أخرى من التقمص والتشخيص ، أبهرنا فيها طارق لطفى وفتحي عبدالوهاب، الأول يحمل فكر اقرب الى الشيطانى فى تغير واقع سكان الجزيرة ، وتشتيت افكارهم ، يستغل العايقة التى تحاول التأثير على الكثير من بيوت الجزيرة، من خلال تجميل الفتيات وتجهيزهن حتى يرون العرسان وتقوم بضرب الودع لهن وقراءة بختهن، وتقوم بجذب الرجال لها اعتمادًا على جمالها لتنفيذ جميع رغباتها،قبل ان تنقلب وجدانيا على افكار خلدون ، والثانى يستغل فتيان الجزيرة لتطبيق خطة أطماعه بغسيل عقولهم وتركهم يحاكمون المجتمع بحجة الخروج على شرع الله، وأعتقد أن القادم سيحمل مفاجآت.

وعالم الحج عجمي وابنته الذى يجسده كبير الجزيرة المخضرم رياض الخولى، الحائر بين الجميع وهو يحاول تحقيق العدل وفق منظومته، وعالم الشيخ يسرى الذى يقدمه بتمكن “محمد جمعه” الذى يرث البيت الكبير ويساعد الناس، ولكن فجأة تتحول شخصيته وتتبدل ويبدأ فى ألاعيبه الشريرة ويفرق بين الأشقاء ويعالج النساء بالسحر. 

بين تلك العوالم  هناك حالة اشتباك درامى فى الصراع لشخصية “بطلان “ التى منحها الفنان محمود البزاوى بريقا خاص وقدرة على التلوين والتلاعب ، ومن ناحية اخرى نجد “هلالة “ الفنانة وفاء عامر التى دافعت عن كبريائها ومشاعرها فى لحظة اداء متوهجة وهى تنفصل عن “عجمى”، وأعتقد أن قرب المخرج والممثلين من النص سبب رئيسي في نجاح العمل والمشاهدين دائما ما ينتظرون من الكاتب المقرب إليهم أن يروا عملا يشبه أرواحهم وهو ما وجدوه فى جزيرة غمام وأقبلوا عليه وما اعتادوا عليه. 

أحداث المسلسل تدور في صعيد مصر فى قرية “القصير “ على ساحل البحر الأحمر في عشرينيات القرن الماضي، وبالتالى نعيش فى شبه أسطورة وحكاية شعبية لكنها مختلفة بوجودها على ساحل البحر، وليس فى حضن جبل ومليئة بالاسقاطات الرمزية حول الصراع الأبدى بين رجال السلطة والدين والمال، رغم أن مؤلفه أشار فى بداية التتر أنه واقع يصنعه خيال أو أنه لا يمت للواقع بصلة، فالقصة تنطلق من أمام قصة بيت شافع  الشيخ مدين “عبدالعزيز مخيون”، وأبنائه وتابعيه “محارب ويسرى وعرفات” الذين يتشابكون في صراعات وأطماع وخلافات، ليبدأ المأزق والتفرقة من الداخل، قبل أن يأتيهم من الخارج ليزداد الأمر شتاتا وغماما فى انتظار طاقة نور.

 فالشيخ مدين توفى تاركا إرثه لثلاثة من مريديه وتلاميذه، منح سره وكتاب أسراره لعرفات، الذى يميل إلى النزعة الصوفية، ومحارب الذى يتخذ طريق الجهاد الدينى، ويسرى الذى تحركه أهواءه، وفى المشهد التالى لزلزلة القرية تأتى أمواج البحر محملة بالغجر الذين يقلبون الحال رأسا على عقب ويغوون حتى رجل الدين.

الأدوات  الفنية منحت العمل مصداقية كبيرة وقربته من وجدان المتلقى مثل نهج أداء الشخصيات وطبيعة عوالمهم من ديكوات وملابس وزوايا تصوير كأنها ملحمة بصرية شاعرية كشفت تفاصيلها الطمع تارة والأمان تارة اخرى، وهى الدلالات التى قصدها المؤلف بنصه الكلاسيكى ذو النزعة الصوفية الزاخم بالأفكار لنعيش واقع من قلب الخيال.. الحاضر فى صورة الماضى.. ولنذيب غمام الرؤية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة