«جزيرة غمام»| التنميط الفنى للتاريخ
«جزيرة غمام»| التنميط الفنى للتاريخ


«جزيرة غمام»| التنميط الفني للتاريخ

أخبار الأدب

السبت، 07 مايو 2022 - 03:08 م

عمرو منير محمد

تعتبر الأعمال الفنية المستمدة من التاريخ والتراث من أكثر الأعمال الفنية رواجا خصوصا عندما تتناول هذا التاريخ البعيد بشكل عميق وناضج بعيدا عن تحميل التاريخ أكثر مما يستدعى وأكثر مما يتحمل الطرح الدرامي.
مسلسل جزيرة غمام من تلك الأعمال الفنية والتى يتم عرضها حاليا فى شهر رمضان على شاشة التلفزيون وتدور أحداثه منذ أكثر من قرن تقريبا على شاطئ البحر الأحمر فى قرية صغيرة ليست جزيرة فى الواقع وفى نطاق مدينة القصير التاريخية .


للوهلة الأولى سيجد المشاهد نفسه أمام لوحة فنية بديعة من أزياء و ديكور و تصميم كامل للقرية المتخيلة و تصوير خلاب على ضفاف البحر الأزرق و موسيقى تصورية للمبدع شادى مؤنس بالإضافة إلى حوار متقن للكاتب المحترف عبد الرحيم كمال أشبه بالزجل منه إلى الحوار الصعيدى الدارج مع تمثيل محترف لنخبة من النجوم على رأسهم رياض الخولى ذو الأداء السهل الممتنع و أداء أحمد أمين المبهر و المختلف كل هذا كان كافيا لجذب المشاهد لتلك الصورة الفنية الاستثنائية فى الدراما المصرية ولكن مع دوران عجلة الأحداث تبدأ فى الظهور تدريجيا طبيعة العمل والتى أتضح فيها القصدية و القولبة منذ البداية للنهاية بشكل صارخ بعيد كل البعد عن الدراما و صنعتها و حيلها المتنوعة .


كان القالب المستخدم من قبل الكاتب هو تلك القرية البعيدة والتى وضع فيها تلك النماذج النمطية للمؤلف والتى طالما أصر على وضعها فى معظم أعماله تقريبا من أمثلة كبير القرية المتجبر «العجمى» ومساعده التاجر الفاسد والمحتكر «بطلان» وصراعهم مع رجل الدين المدعى « محارب» بالإضافة إلى نماذج إفساد القرية من أمثلة «خلدون» و «العايقة» الوافدان وصولا إلى نموذج المؤلف المفضل «عرفات» هذا الصوفى ...الحالم والذى هو أقرب إلى الملاك منه إلى البشر .


اصطدم الكاتب بشكل غير مبرر مع التاريخ من أجل إبراز فكرته القائمة على الصراع بين تلك النماذج المختلفة المكررة و ذلك بإغفال العديد من الحقائق التاريخية منها ان تلك الجزيرة فى ذلك العصر البعيد لا يمكن أن تكون مكتظة بالسكان إلى هذا الحد و كيف أن بها مدرسة حكومية لتعليم الأطفال وهى قرية نائية معزولة بالاضافة الى أن فكرة سفن الصيد و التى تحمل الثلج لحفظ الأسماك كانت غير موجودة فى هذا الزمن من الأساس....وهنا يجب أن يحترم المؤلف التاريخ و حدوده و إبعاده قبل استخدامه فى سياق الأحداث والمواقف والشخصيات.


أعتمد الكاتب أيضا على فكرة الثنائية المعتادة فى أعماله من ممثل الخير المطلق فى صورة « عرفات» و شيخه «مدين» و ممثل الشر المطلق ممثلا فى « خلدون» و « بطلان» و ثنائية الدين المعتدل الصوفى ممثلا فى «عرفات» الذى يحمل من شيخه الأمانة الممثلة فى كتاب الخطايا ( والتى للمفارقة تتشابه مع الاعتراف فى العقيدة المسيحية) و الدين المتطرف الأصولى الممثل فى «محارب» الذى يصنع تنظيما إرهابيًا فى هذا الزمن البعيد، تلك الثنائية للأسف الشديد ابتعدت عن روح الدراما و التى يجب أن تتعامل مع الإنسان ككيان خليط من الخير والشر بنسب مختلفة وليس بأسلوب الملائكة والشياطين كما فى حالة هذا العمل .


فى كل الأحوال فإن «جزيرة غمام» عمل درامى مختلف ويحوى الكثير من المعانى السامية حتى لو كان ذلك من خلال قالب فنى خال من السياق الدرامى والذى كان يجب أن يتناول النماذج البشرية بشكل أكثر عمقا ونضجا بعيدا عن التنميط والتكرار.
 

اقرأ ايضا

 سعاد الصباح سيدة القصيدة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة