الاستقبال والكشف: الشاعر ليس شخصًا عاديًّا بالمرة
الاستقبال والكشف: الشاعر ليس شخصًا عاديًّا بالمرة


قراءة في كتاب.. الشاعر ليس شخصا عاديا بالمرة

أخبار الأدب

السبت، 07 مايو 2022 - 03:51 م

عاطف محمد عبد المجيد

وحده الشاعر دون غيره أكثر من عانى من عقدة التاريخ، وكل شاعر ذى أهمية وجد نفسه غريبًا ولا ينتمى إلى عالمه إلا من خلال ما يسعى هو لإزاحته، فالعرف والأصول البشرية كلها سلاسل وقيود، وما من شاعر حقيقى إلا وتمنى كسرها والتحرر منها، ومن أكدها فهو يكتب الشعر.


هذا ما يكتبه محمد يونس مفتتحًا كتابه «الاستقبال والكشف..لسانيات قصيدة النثر فى تجربة الشاعر محمد آدم» الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفيه يقول إن تلك ميزات تتسق مع التاريخ من وجه من الوجوه، والشاعر محمد آدم يعاكس ذلك المنتج الشخصى للشعر، والذى لديه الشعر صنعة أو حرفة وليس فنًّا أدبيًّا خلاقًا، والشاعر يرى الشعر ذلك الفن المرهف والموهبة المتفردة، والحياة نطاف البشر ووجه ملامح أحوالهم.


يونس الذى يرى أن محمد آدم رأس مال ثمين روحيًّا، وليس مصرف مال جاثم يرتاده أهل المال، يقول إن عالم آدم قد يتصف بمثالية، لكنها المثالية التى تتفق مع إنسانه وليست التى يهتم بها المضمون الفلسفى عند «كانت»، والشاعر الذى يسعى إلى إنسانه وليس يسعى إلى شخصه، فسعيه لتلك المثالية لشخصه قد يخيب ظنه، ولكنها فى النمو الإنسانى تنتج ذاتًا متفوقة، وهذا أحد الأسباب التى جعلت مالارميه يُمنح لقب شهيد الشعر وهو لا يزال على قيد الحياة.  


الشعر أصيل الفكرة
هنا يعتقد يونس أن معنى الحرية المشوه لا يتلاءم مع الشعر بأى حال من الأحوال، خاصة وأن الشعر أصيل الفكرة إنسانيًّا، وهو الشعور الروحى للحياة، وليس تلك التقولات الغرضية التى تسعى لتسخير الشعر إلى مصالح ضيقة، تفقده قيمته وتحدد موقفه لصالحها.كذلك يؤكد الكاتب أن رهان الحرية لدى الشاعر رهان عصيب وليس بالسهل، لكنه جميل وجليل، ولابد منه، فالشاعر تملكه الطبيعة الغناء أكثر ما يملك نفسه، وتسحره الغيوم والأزهار، وهو ليس شخصًا عاديًّا بالمرة، إلا اليذن يجعلون الشعر نظمًا ووزنًا فقط ويلغون المحسوسات، ولا يهتمون ببث المعرفة الإنسانية فى صورة من الصور. كذلك يقول المؤلف إن الشاعر الناظم يميز كيانه الاجتماعى فقط، فيما الشاعر محمد آدم ميز بوعى ذاته الفاعلة شعوريًّا ونفسيًّا كيانه الإبداعى، مضيفًا أن الشعر عند محمد آدم ليس تلك المادة المكتوبة فقط، بل هو تلك العذوبة التى تنساب بين الجنيات، ورغمًا عن تمادى القهر وصعوبة وعناء الظروف، وهنا، يقول يونس، نتفهم أن الألق الروحى هو المعيار الجمالى الذى تفسر الأمور وفقه. أيضًا يشير المؤلف هنا إلى المعنى الأهم للحرية الشعرية عند محمد آدم، قائلًا إنه موجود فى هذه الروح، وهنا لا قيود ولا حواجز يمكنها منع تلك الحرية النوعية من التجلى، ولتلك الروح الشعرية مكانة نوعية لدى المتلقى الذى يشعر بها.


هنا يؤكد الكاتب أن الشعر مقرون تاريخيًّا بتطور الحضارات وغير منفصل عنها، فهوميروس وامرؤ القيس والمتنبى والسياب أبناء أساطير بشرية، وإن كانوا فى المنسوب الشعرى أبناء للآلهة، وهم يقع موقعهم بين هذا وذاك، ذاكرًا أن الشعر قد اهتم بأن يكون نسقًا أسطوريًّا رغم أنه كتابة بشرية، وفى سيرورة الشعر نجد بلاغات أسطورية انسجمت مع الخيال.


وضوح غامض
ومما تصل إليه رؤية الكاتب هنا أن النص النثرى عند محمد آدم يسعى لأن يفرد الصورة الشعرية حسيًّا إلى أقصى المستويات كى تكون حكمته ذات طابع خاص، ويبلغ عمقًا فى إتاحته للمعنى المتجدد المنفعل، وإن كان وضوحه غامضًا نسبيًّا، لكن ليس على الدوام، وقد يكون هذا السعى أحيانًا ممتعًا حد خلق انطباع جمالى، مضيفًا أن للشعر فى نصوص محمد آدم مبادرات تجعله بقابلية ذات ميزة فى إنتاج نمط من القصائد المتحركة المعنى. كذلك يقول المؤلف إن القيمة المعنوية للنص عند محمد آدم تشكل قيمة اعتبارية من جهة وقيمة فنية من جهة أخرى.


كما يصل الكاتب إلى القول بأن الفن الشعرى فى قصائد نثر محمد آدم يتميز بقيمة المعنى كبعد استاطيقى حيوى وإيحاء يميز ذلك المعنى ويجعل الزمن الشعرى غير ثابت ومحدد، أو يقف عند نتائج نهائية، مؤكدًا أن أكثر ما يتميز به الشعر كفن جمالى هو اللغة الشعرية التى تتجاوز حدود الوصف التقليدى أو السمة الاجتماعية، كما يقول المؤلف إن محمد آدم يتلاعب بالشكل الشعرى من خلال التقطيع الفنى للجُمل الشعرية، ويباغت فى تجاوزه السياقية المعتادة لتقطيع الجمل، وتلك سمة مضافة للأداء الشعرى.


حين يتحدث الكاتب عن لسانيات قصيدة النثر يقول إنها تفرق بين جملة شخصية بلا مقومات فنية، وبين جملة تتعدد أغراضها الشعرية سيميائيًّا، والفارق واسع فى أسلوبية محمد آدم والغرض الشعرى فى نصوص قصائد النثر، مؤكدًا أن خلق القيمة الروحية فى قصيدة النثر ليس لعبة خيال وانهماك فى إنتاجه، بل اعتراف من الشاعر لا إنسانه عبر المحسوس والبادى من حيز الألم المشترك فى اللغة وتدفق المعانى الحقيقية فيها. كذلك يكتب قائلًا إنه فى النثر يكون الزمن معادلًا تمامًا للقيمة الجمالية فى المستوى الحسى إلى حد ما، ونجد محمد آدم أصدق ما يكون فى الشعر دون أن يفارق ذاته الواعية بأدنى نسبة معينة دون دليل.


من دراسته لنصوص آدم يقول يونس إن اللغة عند محمد آدم قد تمكنت من خلع ثوبها العام وإبراز مفاتنها، ومن ثم لبست رداء الشعر الذى بين مفاتن أكثر إثارة، وأعمق مشاعر وأحاسيس، مضيفًا أن تعدى اللغة فى الشعر وتجاوز الوظيفة الآلية لها جعل الشعر بخصوصية تاريخية وميزة دلالية. يونس يكتب أيًا قائلًا إن محمد آدم يسعى عبر الشعر إلى ما لا نهاية فى تغيير ملامح الوجود داخل إطار المعنى، ولكن داخل أفق الواقع، كما يشكل الخيال السوسيولوجى عنده أحد أنساق التفكير الواعى النشط فى سياق اللغة والتفكير، ذاكرًا أن الحس الشعرى يتوهج عند محمد آدم بمستويات عدة للغة الشعر وتوهجه الشعرى إلى النفاذ من المعنى الاجتماعى وطبيعته التاريخية إلى بعد أكثر حيوية وصورةترجح صفة التام بدلًا من الكامل، وقد شكلت قصيدة النثر عند محمد آدم حالات متعددة من الفن. 

اقرأ ايضا

«جزيرة غمام»| التنميط الفني للتاريخ


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة