البحث عن شاروخان: فى الهند سر كبير  فى قلب أسطورة نادرة
البحث عن شاروخان: فى الهند سر كبير فى قلب أسطورة نادرة


البحث عن شاروخان: فى الهند سر كبير فى قلب أسطورة نادرة

أخبار الأدب

السبت، 04 يونيو 2022 - 02:34 م

بقلم :  عاطف محمد عبد المجيد

فى رحلة بحثه عن شاروخان يكتشف مبارك أن الهند ليست بالوضوح الذى يظهر فى الأفلام، إنها بلاد واسعة وحزينة وعامرة بالقصص والأحداث والآلهة والعيون المراوغة والخارقين والطيبيين الذين يقاومون الزمن والأوغاد، مؤكدًا أنه من المستحيل أن تفهمها مهما عشت فيها.

«إلى مهدي.. الذى ينام فى برلين ويستيقظ فى روما، يتعشى فى بوخارست، ويتمشى فى سراييفو، ويحتفل بعيد ميلاده فى بودابست، يتابع القاهرة، وعقله فى دلهي، وقلبه فى بلاد لن يزورها أبدًا «.. هنا يُهدى الكاتب مهدى مبارك كتابه «البحث عن شاروخان.. 40 ومًا فى الهند» الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، إلى نفسه، حيث يرى أنه وحده الذى يستحق هذا الإهداء.


فى تقديمه لهذا الكتاب يجعل د. محمد المخزنجى جملته الأولى «أيها الرحالة، ليس ثمة من طريق، فالطرق يصنعها المشي»، وهذه عبارة صاغها الشاعر الأسبانى الكبير أنطونيو ماتشادو من مأثور كثير التردد لا يُعرف مبدعه الأول، ولقد صارت «الطرق يصنعها المشي» حكمة حاكمة لمسير المخزنجى فى الحياة كمجاز، إلى أن اكتشف واقعيتها بعد ذلك فى سحر الرحلة، فالحياة، كما يقول، كلها رحلة. المخزنجى الذى يحفظ مأثورًا عن الكتابة «إن أفضل تعليق على كتابة الكاتب هى حياته، وأفضل تعليق على حياة الكاتب هى كتابته»، يقول إنه التهم صفحات هذه الرحلة، التى قام بها مهدى مبارك إلى الهند، والمكتوبة بلغة ناضجة، رشيقة وعذبة، مؤكدًا أن مبارك قدم جديدًا فى رحلته لم يكتشفه المخزنجى حين زار تلك الأماكن منذ سنوات طويلة.


مغامرة حياتية
هنا يصف المخزنجى الكاتب بأنه ابن مغامرة حياتية عنيدة لكنها لطيفة، حيث قرر أن يترك الإسكندرية ليدرس الإعلام بجامعة القاهرة، وما إن تيسر معه المال إلا وفكر فى الذهاب إلى الهند التى كان يحلم بالذهاب إليها هى وكولومبيا، وهناك عاش أربعين يومًا كمغامر حقيقى يدفعه الفضول والشغف إلى اكتشاف غرائب وعجائب ذلك البلد، يخطو بخفة وحلاوة روح، فتصنع خطواته دروب الرحلة، وتكشف له الدروب عن كنوزها وغناها، وهى إنسانية بشرية كلها.

 
كذلك يشير المخزنجى إلى أن مهدى مبارك قد لمح، فى رحلته هذه، ما لا يمكن أن تلمحه غير عين رحيمة بالعناء البشري، فكانت الهند السرمدية أمامه رحابًا «يتنافس فيه الأتباع، لكن لا أحد يخرج من أرض الآلهة والخرافات خائب الرجاء».


يبدأ الكاتب رحلته هذه بنكتة تقول إن نهرو رئيس الوزراء التاريخى للهند حين زار القاهرة، سأل عبد الناصر: كل ما واحد مصرى يحب يضحك على التانى يقول له «أنت فاكرنى هندى «.. إيه الموضوع؟، وقد حاول عبد الناصر الخروج من الموقف قائلًا له إنها دعابة المقصود منها الطيبة والمحبة، فرد نهرو: طيبة ومحبة إيه يا جمال؟ أنت فاكرنى هندي؟


النجم الأول
فى رحلته إلى الهند يكتشف مبارك أن شاروخان هو النجم الأول فى الوطن العربى فقط، وأن أفلامه قد جار عليها الزمن، بينما هناك سليمان خان وعامر خان وعمران خان وأكشى كومار وشهيد كابور ينافسونه على العرش، معلنًا أنه لم يحب شاروخان أبدًا ولم تعجبه أفلامه فى حين أسرتْه أفلام هندية أخرى. وهو فى رحلته هذه قبض على الكاتب فى ليلة من ليالى دلهى الساخنة، وكان اتهامه الوحيد أن اسمه مهدى وأنه مسلم ويتحدث العربية، وربما يكون متخابرًا مع باكستان، وبعد يوم من التحقيقات والمداولات أطلقوا سراحه. فى رحلته هذه أيضًا لم يبحث الكاتب عن الهند التى وجدها فى أفلام شاروخان، بل بحث عن شاروخان نفسه، يبحث عن الله، ويهدف إلى الوصول إلى قادة الإرهاب الذين يحركون بأصابعهم تجارتيْ الحشيش والسلاح ويتخفون تحت عمائم ولحى كاذبة.


فى كتابه هذا يذكر مهدى مبارك أن الأستاذ هيكل حين زار الهند لأول مرة صارح نهرو بأنه يحاول اكتشاف الهند بعينه وليس بعيون الرحالة القدامى أو المحدثين، فسأله وماذا اكتشفت؟ وأجابه هيكل: وهل يستطيع أحد أن يكتشف الهند فى خمسة أيام؟ المرء يحتاج لأربع سنين على الأقل ليفهم. لكن نهرو  رد بسخرية ومرارة قائلًا: لقد قضيت حتى الآن أكثر من خمسين سنة أحاول اكتشاف الهند ولم أستطع، عرفت أشياء عنها، ولكنى لم أكتشف الهند كلها بعد.


فى رحلة بحثه عن شاروخان يكتشف مبارك أن الهند ليست بالوضوح الذى يظهر فى الأفلام، إنها بلاد واسعة وحزينة وعامرة بالقصص والأحداث والآلهة والعيون المراوغة والخارقين والطيبيين الذين يقاومون الزمن والأوغاد، مؤكدًا أنه من المستحيل أن تفهمها مهما عشت فيها واعتقدت أنك اقتنصت سرها، ففى الهند سر كبير فى قلب أسطورة نادرة تبحث عن مؤلف خارق ليكتبها.


بعد رحلته إلى الهند يصل الكاتب إلى أن كل لحظة فى الهند مختلفة عن التى تليها، والليل له قواعد والنهار له طقوس، الحب مسموح به فى التليفزيون، وممنوع فى الشوارع، الشاى بمئات الوصفات والطرق والطعوم والإضافات، أثرياء بلا منطق بجوار فقراء بلا سبب، يعيشون فقراء إذا كانوا هندوسًا، ويهربون إلى الإرهاب إذا كانوا مسلمين.


المهراجا الصوفي
هنا يصف الكاتب الهند قائلًا إنها أخذت من كل ديانة ما يناسبها كى تعيش، وتخلص شعبها من الجوع والتشرد، وفرضت «صيغة اتفاق» على رقاب الجميع: اتركوا الدين والأوهام على عتبة المعبد والمسجد واهجروهما فى أوقات العمل الرسمية.. الشارع للبيزنس والفلوس والحياة، والوداع للآلهة.


فى رحلة بحثه عن شاروخان يكتب مهدى مبارك عن المهراجا الصوفي، عن الحج إلى ضريح يزوره دراويش أربعة أديان، قائلًا إنه ضريح تتدفق عليه من خارج الهند وداخلها الآلاف من الهندوس والسيخ والبوذيين والمسلمين معتبرين إياه لمسة ربانية لم تضل الطريق، مثلما يكتب عن مغارة الدراويش وكرامات الأولياء وحكاية الجاسوس الأزهري، كما يكتب عن تحذير ابن بطوطة لمن يزور الهند من النشل والنشالين، ويكتب عن موسم غسيل الذنوب، عن الحياة السرية للرهبان، عن عبادة البقر، عن تحضير الأرواح الشريرة، عن الآلهة التى تحب الدولارات، وعن صعايدة الهند فى جنة الشياطين. هنا يذكر مهدى مبارك أنه لا أثر للحب فى شوارع دلهي، الأحضان نادرة والنظرات باردة والقبلات ممنوعة، وأن الأيام غير العادية فى حياة الهنود قليلة، سيناريوهات معادة ومكررة لأيام وأوهام فى كتب الأساطير والآلهة، وأن الهند قد ضيعت فى تجربة الحرب حياتها، قصفت وضربت واخترعت السلاح النووى وصلّت وسهرت الليالى تعانى لهيب الشطة والكارى والحدود مع باكستان.


وهكذا وفى أثناء بحثه عن شاروخان طيلة أربعين يومًا اكتشف مهدى مبارك الكثير والكثير عن الهند، ولا يزال هناك الكثير الذى يحتاج إلى رحلات ورحلات ليتم اكتشافه فى السنوات القادمة.

اقرأ ايضا | نصوص كُتِبَت تحت وطأة القصف: أدب الحرب في صوره المختلفة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة