تجاوز مرحلة التنمر!
تجاوز مرحلة التنمر!


تجاوز مرحلة التنمر!

أخبار الأدب

السبت، 11 يونيو 2022 - 03:17 م

كتب : عبده الزرّاع

ازدحام المشهد أصاب كتاب الأطفال الحقيقيين من القابضين على الجمر بارتباك ودهشة، علاوة على عدم وجود حركة نقدية مواكبة لما يصدر من كتب موجهة للصغار، مما زاد المشهد ارتباكا، فالكل يكتب وينشر دونما فرز حقيقى


أدب الطفل يمر الآن بأفضل حالاته، بعدما أصبح هناك اهتمام كبير به، على المستويين الرسمى والشعبى، إذ ظل لسنوات طويلة على هامش الحياة الثقافية، غير معترف به إلا فى أضيق الحدود، فكتابه ظلوا يشعرون بالغبن والتجاهل، بل والتندر عليهم ــ أحيانا- من قبل الجماعة الثقافية ممن يكتبون للكبار، وكأن كتاب الأطفال لم يكتملوا ثقافيا وإبداعيا وفكريا، ورغم ذلك فقد تحملوا كل هذا «التنمر» برضا مؤمنين برسالاتهم السامية. 

الآن أدب وثقافة الطفل أصبحا فى متن الحياة الثقافية، بل فى جوهرها بعدما أصبح هناك اهتمام لائق به من قبل مؤسسات الدولة الثقافية المصرية، وتوفير فرص النشر الجيدة فى عدد من السلاسل المتخصصة لأدب الأطفال فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومى لثقافة الطفل، وإقامة الأنشطة التى تجتذب كتاب ورسامى كتب الأطفال.

من مؤتمرات، وورش للحكى والرسم والكتابة، لدرجة جعلت لهم تواجدا فاعلا، وزاد الاهتمام أكثر بعدما افتتح العام قبل الماضى معهد فنون الطفل بأكاديمية الفنون الذى أصبح واقعا بعد أن كان حلما، ليخرج لنا دفعات متخصصة فى تذوق فنون وأدب الطفل وثقافته بل ونقده، فنقد أدب الطفل، بطبيعة الحال نادر فى حياتنا الثقافية، هذا المعهد أحدث رواجا لهذه الفنون وإقبالا عليها من قبل الراغبين فى التعلم.

كما خصصت الوزارة بقيادة الوزيرة الفنانة إيناس عبد الدايم، جائزة الدولة للمبدع الصغير وبمبادرة ورعاية السيدة انتصار السيسى قرينة رئيس الجمهورية، لتضاف إلى جوائز الدولة الأخرى، هذه الجائزة -فى ظنى- بقيمتها المادية الكبيرة، أوجدت اهتماما غير مسبوق من الأسر المصرية بأبنائها الموهوبين، وإعدادهم فنيا، وأدبيا، وثقافيا.

ليكونوا مؤهلين للفوز بالجائزة، وقد لاحظنا –نحن المهتمين بشأن ثقافة الطفل- زيادة الإعلانات على السوشيال ميديا عن الورش الخاصة بالكتابة والرسم والحكى بمبالغ كبيرة، وشهدت إقبالا لافتا من الراغبين فى التعلم. هذه الجائزة أوجدت سوقا رائجة لهذه الفنون ومدربيها من المتخصصين، وهذا جديد على مجتمعنا المصرى، وساعدت على رفع الذائقة لدى هؤلاء الأطفال ليكونوا فى المستقبل القريب مؤهلين فكريا وثقافيا لحمل لواء هذا الوطن.

وقد أطلقت لجنة فنون الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة وأعلنت عن جائزة كامل كيلانى لكتاب الأطفال، وهى جائزة تليق بكتاب الأطفال المبدعين فى مصر، ولا ننسى أنه قد تم منح جائزة الدولة التقديرية لعامين متتاليين لكتاب الطفل، العام الماضى فاز بها كاتبنا الكبير يعقوب الشارونى.

وهذا العام فاز بها شاعرنا الكبير شوقى حجاب، وهذا اعتراف رسمى من قبل الدولة بقيمة أدب الأطفال، كما أطلق اسم كاتب الأطفال الكبير عبد التواب يوسف على معرض كتاب الطفل فى دورته هذا العام وأتمنى أن يصير تقليدا سنويا، إذن هى جهود كبيرة ومخلصة فى هذا المجال من قبل وزارة الثقافة لم نشهدها من قبل، وإن كنت أطمع فى تخصيص جائزة للتفوق فى أدب الطفل، وتخصيص معرض لكتب الأطفال كما كان من قبل، وعودة مهرجان سينما الأطفال بعد توقفه ليكتمل الفرح.

وقد تنبهت مؤسسة ساويرس مؤخرا وخصصت جائزة لأدب الطفل أطلقت دورتها الأولى العام الماضى، لتضاف إلى الجوائز الكبرى فى هذا المجال، وهى بلا شك تصب فى صالح كتاب ورسامى كتب الأطفال، ملاحظتى الوحيدة حول هذه الجائزة أنها تمنح مناصفة بين الكاتب والرسام، فلماذا لا تكون جائزتان واحدة للكاتب والثانية للرسام بدلا من اقتسامها بينهما؟ أتمنى أن يؤخذ هذا فى الاعتبار الدورة القادمة.

أما على المستوى العربى؛ فقد دخل إلى مجال الكتابة للأطفال عدد كبير من الكتاب المصريين والعرب؛ الذين يكتبون لهم لأول مرة، وهم متحققون ككتاب للكبار، طمعا فى الحصول على جائزة من جوائزه الكثيرة على المستوى العربى، بعدما زاد عدد هذه الجوائز وزادت قيمتها المادية لتصل فى بعضها لمئات الألوف من الجنيهات، بل أصبح هناك لهاث من بعض الكتاب خلف هذه الجوائز والكتابة لها خصيصا، مما أوجد تزاحما وإقبالا على الكتابة للأطفال.

ودخل أدعياء كثر ليس لهم علاقة بهذا المجال، وأرى أن الأمر له وجهان، وجه إيجابى يتمثل فى رواج أدب الأطفال، ووجه سلبى يتمثل فى رداءة المستوى الفنى الخاص بما يكتبه هؤلاء الأدعياء. واكب مشهد الزحام هذا ظهور دور نشر عربية عديدة تنشر كتب الأطفال مستغلة الكتاب الجدد.

ونشر إبداعاتهم دون أن يدفعوا لهم مليما واحدا، وللأسف تجد تلك الدور إقبالا كبيرا خاصة ممن ينشرون لأول مرة، فازدحام المشهد أصاب كتاب الأطفال الحقيقيين من القابضين على الجمر بارتباك ودهشة، علاوة على عدم وجود حركة نقدية مواكبة لما يصدر من كتب موجهة للصغار، مما زاد المشهد ارتباكا، فالكل يكتب وينشر دونما فرز حقيقى. لكن على الجانب الآخر لدينا كتاب ورسامون كبار تعلمنا على كتبهم وإبداعاتهم وفنهم.

ولولا جهودهم التى مهدت لنا الطريق ما كان لنا تواجد الآن على الساحة، علاوة على وجود عدد من الكتاب فى الأجيال التالية يكتبون بشكل جيد ولهم تواجد رائع على المستوى المصرى والعربى وإن كانوا قلة.

وبالرغم من ازدحام المشهد إلا أننى متفائل بما وصلنا إليه بعدما كنا نسيا منسيا، وأرى أن الزمن كفيل بغربلة الإنتاج الأدبى المخصص للطفل، «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».

ورغم ذلك لدى طموح كبير فى الارتقاء بقيمة النص المكتوب ليصل لمستوى النص العالمى الذى نطالعه فى الترجمات القليلة التى تصلنا، وذلك يتحقق ببذل الكتاب المتخصصين الكثير من الجهد، ليخرجوا من نمطية الكتابة التقليدية إلى آفاق أرحب مدعمة بالخيال الجامح الذى يرضى طموحات أطفال اليوم، الذين ينغمسون ليل نهار فى الميديا الحديثة.

وأصبحت علاقتهم قوية ومبهرة بالتكنولوجيا، مما جعلهم ينأون عن القراءة لدرجة وصلت إلى القطيعة، مما يضاعف المسئولية الملقاة على عاتق كاتب الطفل، ولذلك يجب عليه أن يطور أدواته الفنية ورؤاه، حتى يتناسب ما يقدمه من نصوص أدبية مع العقلية المتطورة لهؤلاء الأطفال، إذن فالموضوع جد صعب ولكن ليس مستحيلا خاصة ممن يرغبون فى تطوير ذواتهم، والوصول بما يكتبون من إبداع إلى الطفل الذكى المتمرد.


لدينا ندرة فى كتابة الخيال العلمى وهذا النوع من الكتابة أراه الأكثر قربا لعالم طفل اليوم لما ينطوى على خيال جامح ورؤية مستقبلية، ولنا فى رواد هذا الأدب أسوة، فروايات جول فيرن حتى الآن تجد إقبالا كبيرا من القراء حول العالم.

وليس معنى هذا أن ننقطع عن التراث ولكن نأخذ منه ونطور بما يتفق ومعطيات العصر الذى نعيش، فمؤلفة روايات هارى بوتر، انطلقت من التراث بعدما تأثرت فى كتاباتها بكتاب ألف ليلة وليلة، ولكنها قدمته فى قالب مشوق نال إعجاب الأطفال، لتصبح من أهم وأغنى كتاب العالم، لأن روايتها الأولى وزعت حوالى 8 ملايين نسخة. 


أرى أن الطريق للوصول إلى طفل اليوم وإعادته مرة أخرى لقراءة الكتاب الورقى فى ظل التنافس الإلكترونى، أن يهتم كاتب الطفل بمعطيات التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها فى كتابته بشكل مشوق وجاذب، وضروة الاهتمام بالطباعة الجيدة والرسوم المدهشة والقطع المناسب لكل مرحلة عمرية من المراحل المختلفة.  


ودعونى أؤكد أن رسوم الأطفال الآن على المستوى المصرى والعربى تشهد تطورا كبيرا ورائعا، وأتمنى أن يصل النص المكتوب لهذا المستوى من الجودة، كما أتمنى أن يهتم المركز القومى للترجمة بزيادة التوجه لترجمة كتب الأطفال العالمية وخاصة الكتب الحاصلة على جوائز عالمية مثل جائزتى «هانز كريستيال أندرسون» وجائزة «نيوبرى» حتى تتطلع الأجيال الجديدة على مثل هذه الكتب الثمينة. 

اقرأ ايضا | مؤلفون دخلاء وناشرون غير متخصصين

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة