جلال برجس| نتاج عصر التفاهة
جلال برجس| نتاج عصر التفاهة


جلال برجس يكتب | نتاج عصر التفاهة

أخبار الأدب

الأحد، 19 يونيو 2022 - 01:59 م

رغم الخصوصيات الثقافية التى تميز نصا أدبيا عن آخر إلا أننا لا يمكن أن نتجاوز حقيقة أن الأدب ابن الإنسانية منذ إشراقتها الأولى. لقد سبقت الموسيقى اللغة حين لاحظ البدائى مرور الريح فى التجاويف، لكنه فيما بعد ذهب إلى لغته. وحينما تكالب الخوف عليه فى طور بدائيته الأولى اخترع قصصًا وحكايات وهو أمام ما تثيره الطبيعة فيه من خوف، وشك.


 العودة إلى البداية توضيح لركاكة وخطورة ما نحن عليه الآن من انحياز مفرط إلى ما يمكننى تسميته بـ (قومية الأدب) التى لا تختلف كثيرا عن النزعة (الشوفينية) فى التعامل معه سواء فى نقده، والترويج له.

والاصطفاف معه فى موسم الجوائز. لقد بدأت –برأيي-هذه الظاهرة بعد ما أدت إليه العولمة من تسطيح لكثير من المستويات على الصعيد الإنساني، إلى أن وصلنا إلى ما اصطلح على تسميته بـ (عصر التفاهة) الذى يعلى من القشرة على حساب العمق، ومن الكم لصالح النوع، ومن الصراع على حساب التنافس، ومن الجماعة على حساب الروح الجماعية المواجهة للفردية التى جذرتها مرحلة ما بعد الحداثة حين سعت إلى إلغاء المركز ليس انحيازا إلى ما تشيعه من قيمة إيجابية متعلقة بالفرد، بل للإلغاء المحمول القيمى للمركز بحد ذاته، هذا المحمول الذى بالطبع تعجز عنه الفردية نتيجة لطبيعتها السيكولوجية. 


لا يمكن اعتبار الانحياز للفردية والترويج لها بصوت الجماعة سلوك متعلق بالخصوصية الثقافية، خاصة أننا الآن مجرد أفراد نعوم فى بحر واحد أسست له التبدلات العالمية. الاحتفاء مستوى إنساني، لكن تجاوز مستوى هذا الاحتفاء عبور إلى مرحلة الشوفينية التى أراها عبارة عن رد غير مباشر على تلاشى المراكز العالمية لصالح الأطر الفردية. 


ومن هنا يمكننى القول إن بعض الذى يحدث على صعيد الساحة الثقافية العربية الآن ليس تنافسا بل صراعا تستخدم فيه أدوات كثيرة لم تكن سائدة فى المرحلة الثقافية المؤسِّسة. ولا حل أمام هذا الشكل من أشكال الصراعات إلا الانحياز إلى علاقة الأدب بالإنسانية وتجاوز كل ما يبدو سطحيا يزيغ البصر عن العميق الذى يقارب أزمة الإنسان بوعى حقيقي.

حينما فاز (غابرييل غارسيا ماركيز) احتفى العالم قراء وكتابًا به، وبالتالى قرئت كتبه التى رغم خصوصيتها الثقافية أحدثت تقاطعات مع مختلف قراء هذا الكوكب، وهذا أيضًا ما حدث مع الراحل الكبير نجيب محفوظ، الذى كانت محليته العميقة الواعية انطلاقا إلى الإنسانية؛ فرغم فرحنا واحتفائنا كعرب به، إلا أننا لم نكن نرى فيه إلا روائيا إنسانيا يفهم جيدًا معنى الوجود الإنساني.

اقرأ ايضا

ترقب للطبعات الجديدة للأديب العالمي نجيب محفوظ في هذا التوقيت

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة