محمد النعاس
محمد النعاس


الفائز بالبوكر هذا العام لـ «الأخبار»: نسجت روايتى من جملة واحدة

الأخبار

الأحد، 19 يونيو 2022 - 08:45 م

بقلم : محمد سرساوى

لمع اسم الأديب الليبى محمد النعاس كنجم فى سماء الثقافة العربية خلال الأسابيع الأخيرة بمناسبة حصوله على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عن نصه الرائع «خبز على طاولة الخال ميلاد»، وقد تمكن الأديب الشاب -الذى لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره- فى أولى رواياته أن يُحوِّل المثل الشعبى الليبى «عيلة وخالها ميلاد».

وتعد مقولة عن الرجل الذى لا يملك السيطرة على نسائه- إلى حالة رجل اسمه «ميلاد» يعمل خبازًا، ونجد النعاس، قد ابتكر هذه الشخصية لتعبر عن روح ليبيا منذ السبعينات حتى مطلع الألفية عبر عالم الشخصية الرئيسية الذى يضم شخصيات جرى تصميمها، لتكون مرآة للحياة الليبية، وقد خَصَّ النعاس بهذا الحوار المطول جريدة «الأخبار» حول روايته الفائزة -الصادرة عن دارى المسكليانى/ دار رشم للنشر- عبر السطور التالية:
لماذا اخترت هذا المثل الشعبى بالتحديد كمحور لأحداث روايتك؟
-لماذا نفعل كل ما نفعله؟ لا أظنّ أننى اخترت المثل، بل هو من فعل ذلك. هو مثل مثير للاهتمام، أولًا لأنّه فريد من نوعه، فرغم أنّ ثقافتنا العربية زاخرة بالأشكال الإنسانية، وبتعريفاتها للرجولة إلا أنّه لا وجود لمثل أو مقولة شبيهة بمثل «عيلة وخالها ميلاد» على حدّ علمى لا فى الثقافة الليبية أو العربية بصفة عامة، قد توجد تعبيرات مشابهة له، لكنها لا تصل إلى قوته، سواء اللغوية بكم السخرية اللاذعة التى يحملها، أو الاجتماعية بكم الرقابة التى يمارسها على الفرد، كل رجل فى ليبيا هو «خال ميلاد» مؤجّل.

لذا، كان من الطبيعى أن يكون محورًا للرواية، ذكرتُ مسبقًا فى مقال لى كتبته بعد كتابة الرواية، كما ذكرتُ فى لقاءات أنّ الصورة التى يقدمها المثل هى صورة مضادة للرجل المتعارف عليه فى مجتمعى الليبى على الأقل، هو مثل وحيد داخل مجموعة من الأمثال الليبية التى تحتفى بالرجل المغامر، الرجل المسيطر، الرجل المحارب، الرجل الذى لا يعيبه شيءٌ، الرجل الميّت أحيانًا.

لا وجود لتعبير شعبى مُتفق عليه فى المجتمع الليبى يُشابه هذا المثل، إذن...هو وحيد وحدة شخصيته المحورية «الخال ميلاد»، وهو إذن بالنسبة إليَّ، جديرٌ بتتبعه وتشريحه والحوار معه. ألا يعد ذلك تحديًا جميلًا؟ بلا. أن تنسج عالمًا من جملة واحدة لا تتعدى كلماتها الرئيسية ثلاثًا، هو أجمل تحدٍ يُمكن للمرء أن يحظى به.


هل تتحدث روايتك عن مفهوم الرجولة فى العالم الثالث، أم رصد لحياة الشخص الطيب أو الضعيف، أم توثيق لحياة الليبين فى فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؟
-هى تتحدث عن كل ذلك ويزيد، إنّ الرواية هى بناء متكامل سينهار إن قررنا أن نختار منه صورة واحدة، أو إن حملناه ما لا يحمل، فما مَرَّ به الليبيون فى عقودٍ أربعة من السبعينيات حتى نهاية العشرية الأولى من ألفيتنا هذه هو ما شَكَّل شخصيات الرواية، بدءًا من «بطلها» إلى الجميع.

وشخصية ميلاد نفسها و «طيبته» أو «سذاجته» هى ما جعلته يرتكب كل ما ارتكبه، مفهوم الرجولة هو الموضوع الرئيسي، إلا أنّها أيضًا تحمل على متنها ما مرّ به عمّالٌ عرب داخل بلدنا، رواية التحولات الاجتماعية والاقتصادية لبلدي، رواية تحمل أيضًا همّ نساءٍ ليبياتٍ لا يعترف الكثيرون الآن بوجودهن صحبتنا.

وكأنّ على المرأة والرجل أن يكونا على صورة واحدة لا تتغير. هى رواية تحمل الذوق الموسيقى لجيل بأكمله، أتعابه ومعاناته وما مرّ به أبناؤه. جيل سبق جيلي، وتربى وتعلم وشَبَّ وعجز عن الحياة فى فترة سياسية واحدة. إذن، هى أيضًا رواية سياسية رغم اختباء السياسة فيها وتنكر بطل الرواية للمضى قدمًا فى الكثير من الأحاديث السياسية وصورته التى رسمها للأخ القائد، هى رواية درامية وساخرة وكوميدية وجادة فى آنٍ واحد.


وصف والد ميلاد أن صناعة الخبز تشبه الحياة، فكيف تكون الحياة كالخبز؟
-فى البدء، يمكن تشبيه الحياة بأى شيء، وبأية مهنة أحببت، هى «ديمقراطية» إلى ذلك الحد، ولكن للخبز سطوة على الحضارة البشرية تتعدى ما عناه الحاج مختار، يعد اكتشاف الخَميرة وتأثيرها على القمح المطحون ثورةً لا تضاهى ثورة فى حضارتنا البشرية، إذ أشعلت نهم الإنسان نحو الزراعة.

وبهذا يكون الخبز لا كالحياة فقط، بل الحياة بحد ذاتها، الخبز نفسه، مكوناته وطريقة صنعة تشبه صناعة الإنسان، لأنّه يبدأ نطفةً (دقيق) ويتحول مع الزمن بعد تدخل مكوّن الحياة فيه (الخميرة) إلى جنين يكبر ويتنفس ويتعلم كيف يتحرك فى زمانه ومكانه حتى يخرج فى النهاية كاملًا أو محروقًا أو فاسدًا أو قد لا يخرج البتّة.


الرواية تمتلئ بتجليات الثقافة الشعبية سواء فى الأغانى وأفلام الفيديو المهربة، وأبطال الملاكمة، ما سبب اختيارك لتلك الفئات؟
-كل ما حضر فى الرواية هو ذاكرة جيل بأكمله، الجيل الذى وُلِد نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، جيل عاش فترة الجماهيرية الليبية بكامل عنفوانها منذ طفولته، له أذنه الموسيقية التى لا يملكها جيل قبله أو بعده، له ذوقه فى الأفلام والرياضات التى يحب وله كذلك حياة مختلفة عن غيره.

وبما أنّ بطل القصة ينتمى إلى ذلك الجيل، كان من الطبيعى أن أدمج هُوية جيله الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأصهرها فيه، إذ أنّه يعبر عنهم، وهو جزء منهم، وعاش معهم وبهم، لا أحد -فى ليبيا على الأقل- يمكنه أن ينكر أنّ ميلاد هو ابن جيل السبعينيات، إذ سيجد أبناء ذلك الجيل أنفسهم فيه.

وسيجد كل ليبى ذلك حسب ظنّي. وبهذا يمتلك ميلاد ليبيته وتمتلك الرواية ليبيتها، وتصبح معبرة عن وطن بأكمله، وهذا دور الأدب حسب ظنّي، أن يحمل المحلّى -بأى شكلٍ كان- إلى العالمي.

اقرأ ايضا | «البوكر العربية».. منافسة بين الناشرين لا الكُتَّاب

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة