ناتاشا مع طلبة الترجمة خلال ورشة عمل
ناتاشا مع طلبة الترجمة خلال ورشة عمل


الأديبة العالمية ناتاشا دوروفيكوفا: الرومي لا يزال الشاعر الأكثر مبيعا في أميركا

أخبار الأدب

السبت، 25 يونيو 2022 - 04:38 م

عندما تطالع سيرة ناتاشا دوروفيكوفا الذاتية نجد أنها تبدأ تعريفها بأنها: تقسم وقتها بين التحرير والتدريس والعمل الأكاديمى والترجمة. والحق أن من يقترب من ناتاشا يعرف أن الجملة قاصرة فى التعريف بها، فهذه الأشغال مع ما تتطلبه من مجهود ووقت إلا أنه بجانبها ستجد ناتاشا تمارس أشغالا أخرى بدأب وحماس، ففضلا عن إتقانها لغات عدة تترجم عبرها فلديها أيضا اهتمامات متنوعة من بينها السينما حيث تنظم كل أحد جلسة فى واحدة من قاعات الجامعة يتم خلالها عرض فيلم ما لمناقشته، وخلال زيارة الكتاب إلى آيوا قام بعضهم باختيار أعمال من ثقافتهم لعرضها.


عندما عرضت عليها أن أجرى معها حوارا ضمن أعمال التغطية الصحفية التى أقوم بها للدورة الخاصة من برنامج الكتابة العالمى، ردت بأنها اعتادت أنها من يجرى الحوارات مع الكتاب لا العكس (تعد سلسلة من الحوارات القصيرة مع الكتاب المشاركين سنويا ويتم رفعها على قناة البرنامج عبر اليوتيوب) لكنها رحبت بالتواصل مع قراء «أخبار الأدب» فى مصر والعالم العربى.

 

من بين أنشطة برنامج الكتابة العالمى التعاون بين بعض الكتاب الزائرين وطلاب جامعة أيوا فى ورش الترجمة. متى بدأت ورش العمل هذه؟ ما هى الأسس التى يقوم عليها التعاون بين الطلاب والكتاب الزائرين؟ ما هى الفوائد لكلا الطرفين؟


سؤال ممتاز لأنه فى الحقيقة أصل برنامج الكتابة الدولى مرتبط بفكرة ورشة الترجمة. هذا المبدأ غير المعروف بدأ كتجربة تعليمية فى عام 1963 من خلال ورشة كتابة آيوا الشهيرة فى ذلك الوقت، وقادها  بول آنجل لعقدين من الزمان: فى مكان أقرب إلى ورشة العمل، كان بإمكان العديد من الكتاب الدوليين من الخارج.

 

والذين يدرسون ماجستير فى الفنون الإبداعية بجامعة أيوا تكوين الثنائيات مع طلاب – شعراء أميركيون إما لترجمة أعمالهم، أو للعمل على ترجمة أعمال من ثقافتهم، إلى الإنجليزية. ولم يكن من فوائد هذا أن أعمالهم سترى النور فى المنشورات الصادرة بالإنجليزية، ولكن أيضا امتلكت الثقافة الأميركية، المنعزلة نسبيا، حق الوصول إلى المزيد من الشعر العالمى.

  
بهذه الطريقة أصبح الزائرون القادمون من الخارج مرئيون ككتاب عالميين وليس مجرد طلاب أجانب، وقد بنى بول آنجل، مدير الورشة، حجته على هذه الفرضية: المنفعة للكتاب غير الأمريكيين للحصول أيضا على وقت ومكان منفصلين، بعيدا عن أى دراسة أكاديمية أميركية، للعمل على مشروعاتهم. وعلى هذا تم ميلاد برنامج الكتابة العالمى فى العام 1967 تحت قيادته، وبشراكة أساسية مع واحد من الطلاب الأجانب فى الورشة، الروائى التايوانى والمترجم نيه هوالينج.


فى المقابل، استمرت الترجمة كواحدة من الأسباب المهمة لتواجد الكتاب ولتمويلهم فى أميركا، وهذا الوعى بأهمية الترجمة كعنصر فى أى تبادل ثقافى قاد فى العام 1974 إلى تأسيس برنامج دراسات الماجستير فى الترجمة بجامعة آيوا، وهو الأول أو الثانى على مستوى الولايات المتحدة.


معظم الطلبة الذين التقيتهم خلال مشاركتك فى ورشة ترجمة برنامج الكتابة الدولى، هم طلبة فى برنامج الماجستير، والالتحاق بورشة الترجمة فى برنامج الكتابة العالمى هو أحد المتطلبات لتخرجهم. هنا بوسعهم، إن كانوا محظوظين، مقابلة كتاب يحبون أعمالهم، وباللغة التى يترجمون منها، وتصبح هناك شراكة مع الكتاب على المدى الطويل بعد عودتهم إلى بلدانهم، هذا يحدث فى كثير من الأحيان. 


فى حالات أخرى يتم إشراك طالب الترجمة بكاتب لا يعرف لغته - البورمية والإستونية على سبيل المثال- وفى هذه الحالة يطلب من الكاتب الإستونى أو البورمى أن يقوم بمسودة أولى، خشنة للغاية؛ ثم يتعاون الاثنان، فى جلسات نقاش طويلة، على تقريب جيد للعمل باللغة الإنجليزية. يتم بعد ذلك توزيع المسودة الثانية على جميع الطلاب فى ورشة العمل وتكون هناك قراءة ومناقشة دقيقة من قبل المجموعة بأكملها لكل كلمة وسطر. كما جربت بنفسك!


الفكرة هنا أنه: أولا نتعلم شيئا جديدا مع الترجمة، وحتى حول حدود اللغة الخاصة به، و ثانيا أن عالم الشعر الناطق باللغة الإنجليزية أفضل حالًا بوجود قصيدة آذرية أو روثينية فيه من دونهما. علاوة على ذلك ونظرًا لأن كل جلسة تبدأ بعرض تقديمى يقدمه الكاتب المدعو حول أسلوبه / أسلوبها، حرفته/ حرفتها، موضحًا دائمًا بعض الميزات الفريدة للغة التى يكتب بها، يتعرف الطلاب على أساليب لغوية جديدة لم يكن لديهم الوعى بها لولا تلك اللقاءات: استخدام الأزمنة والضمائر فى اللغة الصينية، ومتغيرات اللغة العربية العامية فى عمل كاتب معين، ودور البنية النغمية فى الشعر الفيتنامى، وهكذا.


خلال زيارتى للمكتبة الرئيسية بجامعة أيوا، لاحظت ضعف الارتباط بالإنتاج الأدبى للعالم العربى واقتصاره على فترات قديمة نسبيًا. هل تعتقدين أن ورش عمل الترجمة هذه قد تساعد فى تحديث العلاقة مع الأدب العربى؟


- تدعم المكتبات الجامعية بشكل عام المواد وتشتريها فى علاقة مباشرة بالبرامج الأكاديمية بالجامعة. اللغة العربية فى أيوا ليست قوية بشكل خاص: لدينا أعضاء هيئة تدريس يقومون بتدريس اللغة العربية وبعض من آدابها، ولكن هذه إلى حد كبير دورات (خارج المنهج)، لذلك لا يوجد ضغط ولا سبب خاص لبناء مجموعة شاملة من آداب اللغة العربية الحالية وتحديثها.


من ناحية أخرى، تجعل المكتبة من برنامج الكتابة الدولى أحد مجموعاتها المتخصصة، لذلك يمكنك بلا شك العثور على أى كتاب لأى مؤلف عربى انتسب إلى البرنامج على رفوفنا، بغض النظر عن قدمه أو حداثته. المعنى: سنستمر فى شراء أى كتاب مستقبلى لمن شارك. أنت أيضا، ياسر، بعد أن أصبحت من خريجى البرنامج! 


يجب أن أذكر أيضًا أنه بفضل الخدمات الممتازة التى يقدمها قسم الإعارة بين المكتبات، يمكن لأى شخص يحمل بطاقة جامعية طلب واستعارة أى كتاب فى أى مكتبة جامعية فى الولايات المتحدة. ستحصل عليه عادة فى أقل من أسبوع وقد تحتفظ به لمدة شهر على الأقل. ينطبق هذا على شيء نُشر فى القاهرة عام 2021 أو فى طهران عام 1950


ومن خلال تلك الورش وعملك كمترجمة ومحررة.. كيف ترين مكانة الأدب العربى فى أميركا؟

- الشىء الأول والأكثر وضوحًا الذى يجب قوله هو أن الحصة السوقية للأدب المترجم فى الولايات المتحدة هى عمومًا رقم ضئيل من المؤلم معرفته، حيث يبلغ 3٪ (قارن هذا بما يقرب من 50٪ من الروايات المنشورة فى البلدان الناطقة بالألمانية كعناوين مترجمة)، ومن بين هذه الـ 3٪، يشكل الأدب العربى جزءًا صغيرًا آخر، لذا فأنه من الحماقة الحديث عن «حالة» الأدب العربى بين القراء العامين فى الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، هناك العديد من المتخصصين المتخصصين وطلاب الآداب العربية فى الجامعات الأميركية، الذين يدرسون ويتابعون هذا المجال.


إذا اضطررت إلى تسمية بعض الأسماء، فمن المحتمل أن يكون أكثرها شهرة، بفضل جائزة نوبل، نجيب محفوظ، والعمل الكلاسيكى «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح. بعد حرب العراق، تم الانتباه وعلى نطاق واسع نسبيًا لكتابات أحمد السعداوى، ولا سيما عمله «فرانكشتاين فى بغداد»، وكذلك روايات خالد خليفة عن سوريا فى زمن الحرب، «الموت عمل شاق» و«فى مديح الكراهية». وبالطبع الشعر، وهو نوع أكثر أهمية فى اللغة العربية، يصعب تسويقه كثيرًا، لكن هناك ترجمات رائعة لشعر اللغة العربية وخاصة الفلسطينى، مع نجوان درويش كمثال حديث.


ما يجب ذكره على أى حال هو مقدار الترجمة الروائية والشعرية العربية التى يمكن العثور عليها فى المجلات الأدبية مثل 
Words Without Borders, Asymptote and World Literature Today
بالإضافة إلى مجلة بانيبال المتخصصة. لذلك لا يوجد نقص حقًا إذا أراد المرء معرفة ما هو مكتوب باللغة العربية اليوم ، سواء كان مترجمًا أم لا.


من بين أنشطة البرنامج مقابلات بالفيديو مع الكتاب الزائرين تقومين بإعدادها. من بين الأسئلة المطروحة: «هل هناك ما يسمى واجب عام للكاتب؟هل تعتقد أن الدولة يجب أن تدعم الأدب؟» بشكل عام، ومن خلال الإجابات، كيف ترين الرؤى المختلفة لهاتين القضيتين؟ وهل يمكن القول من خلال الإجابات أن نظرة الأدب ووظائفه تغيرت من الستينيات إلى الآن؟


- حسنًا، لقد أجرينا مقابلات الفيديو هذه، وطرحنا هذه الأسئلة بدءا من عام 2010 ، لذلك لن أتمكن حقًا من رصدالمواقف المتغيرة منذ الستينيات. لكن يمكننى أن أقول شيئًا عن العقد الماضى: حتى قبل بضع سنوات فقط، كان الكتاب من البلدان ذات الأنظمة أو القوانين الأكثر استبدادية يميلون إلى القول إن الدولة يجب أن تبتعد عن دعم الأدب.

 

لأن العواقب ستكون تسييسًا أكبر، أو ببساطة ضغط أكبر على الكاتب المستقل. من ناحية أخرى، كان الكتاب من البلدان الأكثر حرية و / أو الأكثر ثراء يطالبون دائمًا بدعم أكبر من الدولة. لكن فى السنوات الأخيرة، كان هناك عدد أقل من الكتاب - أو هكذا يبدو لى - الذين يخشون تدخل الدولة.

وبشكل عام يشعر الجميع أن الدولة يجب أن تدعم الأدب - ربما بينما يكافح أكثر من أى وقت مضى لتأكيد نفسه ضدها، وإيجاد مكان لنفسه وسط طوفان وسائل التواصل الاجتماعى. وربما ساهم الإنترنت فى أن يرى الكتاب أنفسهم جزءًا من مجتمع عالمى وليس وطنى.


على حد علمى هناك قدر هائل من المواد المؤرشفة التى تم إنتاجها على مدى سنوات طويلة من عمر برنامج الكتابة العالمى، هل هناك خطة للاستفادة من هذه المادة؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟


ـ نحن نقوم بأرشفة وحفظ كل المواد التى يتركها الكتاب ورائهم أو الممنوحة لنا، بالضبط مثل وثائق إقامتهم، حتى عام 2000 معظم تلك المواد كان محفوظ ورقيا فى مجموعات خاصة بالجامعة، وكان يسمح بالإطلاع عليها عند الطلب، بعد العام  2000 معظم الوثائق تم تحويلها إلى صيغ إلكترونية، وتم حفظها على خوادمنا، وهى متاحة للاستخدام العام عبر متاح للاستخدام العام عبر مكتبة آيوا الرقمية، وكذلك على صفحات مختلفة من موقع برنامج الكتاب العالمى (IWP).


فى 2018 صدر كتاب «البوابة نفسها» مجموعة من الكتابات فى روح جلال الدين الرومى الذى قمت مع كريستوفر ميريل بتحريره، ما هى رؤيتك واهتمامك بالتراث الثقافى العربى والإسلامى، وإلى أى حد ترين حضور هذا التراث فى أميركا؟

- أولاً وحول المجموعة: كانت هذه هى النتيجة النهائية لمؤتمر حول الشكل الشعرى للغزل، الذى عقد فى قونية، تركيا، فى صيف 2013. كان الدافع وراءه هو العثور على شىء مشترك بين كتاب من العالم الإسلامى والولايات المتحدة.

ومن المحتمل أن يكون على اتصال بالشكل الشعرى الرسمى الأنيق الذى استعاره بعض الشعراء الأمريكيين خلال الربع الأخير من القرن أو نحو ذلك. أضف إلى ذلك الحقيقة المذهلة أنه حتى يومنا هذا، لا يزال الرومى الشاعر الأكثر مبيعًا فى الولايات المتحدة. وهكذا ولدت فكرة ندوة «البوابة نفسها» (العبارة من الرومى).


 الإصدار مثير للاهتمام لجهة الطيف الواسع من المقاربات لإرث الرومى -المتنوع من التأويل الأكاديمى الأفغانى والإيرانى لمثنوى إلى شاعرات الشتات «الدياسبورا» الأفغانيات والإيرانيات وتأملهن حول من قد يكون المحبوب (مفهوم المحبوب أو هوية المحبوب)، إلى «غزل» كريس ميريل الخاص، لكن بشكل عام: العلاقات المشحونة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى ليست مجردعناوين فى الأخبار: بدءًا من أزمة الرهائن الإيرانية فى عام 1979، والدعم الرسمى المستمر لإسرائيل، وهجمات الحادى عشر من سبتمبر، والحروب فى العراق التى أعقبها عقدين من القتال فى أفغانستان.. خاصة بعد عام 2003.برنامج الكتابة الدولى حاول إبقاء بعض الأبواب مفتوحة، على سبيل المثال من خلال برامج التبادل التى تجلب الشباب من الشرق الأوسط إلى آيوا من أجل مخيمات الكتابة الإبداعية الصيفية جنبًا إلى جنب مع طلاب المدارس الثانوية الأمريكية والروسية.

 

أو أيضًا من خلال تقديم برامج صيفية للأطفال الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية مع أقرانهم من غير المسلمين لتجربة الكتابة والتفكير معًا (هذه المبادرة الأخيرة ممولة بمنحة من مؤسسة دوريس ديوك للفنون الإسلامية ومقرها الولايات المتحدة). هذه مجرد أمثلة قليلة من بين العديد من المبادرات الأخرى التى طورناها على مر السنين للدخول فى مجالات ذات توتر ثقافى وسياسى خاص.

اقرأ أيضا | في ندوة عالمية.. النقاد يناقشون فخ التورط السياسى والاستجابة الفنية لأحداث العالم

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة