عزة كامل تكتب : قبل أن تقرأ المذكرات:منيرة.. البدايات والمسيرة
عزة كامل تكتب : قبل أن تقرأ المذكرات:منيرة.. البدايات والمسيرة


عزة كامل تكتب: قبل أن تقرأ المذكرات: منيرة.. البدايات والمسيرة

أخبار الأدب

الأحد، 10 يوليه 2022 - 02:00 م

مثلما لعبت منيرة المهدية دورا كبير ومؤثرا فى الحياة الفنية المسرحية، فقد ساندت ثورة 1919 من خلال أغانيها ومسرحياتها المناهضة للاحتلال، لم تكن مجرد مغنية تغنى أغانى طرب رخيصة، بل كان لها انحيازها الوطنى والسياسى الواضح ضد الاحتلال الإنجليزى.

بدأت منيرة المهدية الغناء فى القرى والمدن المحيطة بمركز ههيا وذاعت شهرتها فى محافظة الشرقية وخاصة عاصمتها الزقازيق، وكان اسمها آنذاك « زكية حسن» ، ثم جاء يوم حظها عندما سمعها أحد أصحاب الملاهى « محمد فرج» فى القاهرة وهى تغنى،  فسحره جمال صوتها، صوت الصبية الصغيرة، وطار بها إلى القاهرة حيث الشهرة والأضواء والمال. 


والغريب فى الأمر أنها كانت تعرف القراءة والكتابة بصعوبة.، بدأت مسيرتها الفنية فى القاهرة عام 1905 فى قهوة فرح، ثم انتقلت إلى ملهى الألدرادو والعديد من الملاهى، حتى افتتحت قهوتها الخاصة « نزهة النفوس».


أثناء انتهاء الحرب العالمية الأولى 1914 قامت سلطات الاحتلال البريطانى بإصدار أوامر بإغلاق القهاوى وبارات الرقص والغناء من الساعة 10 مساء وطال ذلك قهوة « نزهة النفوس»، وفى ذلك الوقت احتجب الشيخ سلامة حجازى عن المسرح نتيجة لمرضه.

فخلا الجو للفنان والمخرج عزيز عيد الجو، فذهب إلى منيرة المهدية واتفق معها أن تظهر على مسرح فرقة التمثيل التى كونها،  وكانت تعمل على مسرح الشانزلزيه بالفجالة، واتفق معها أن تقدم بعضا من قصائد الشيخ سلامة حجازى بين فصول الرواية.

وكانت المفاجأة التى لعبت الدور الأكبر فى تغيير حياة منيرة المهدية أن الجمهور أقبل على سماع  كل أغانيها وازداد الاقبال يوما بعد يوم، فقررت تكوين فرقة خاصة بها، وعملت فى مسرح برنتانيا وقدمت فيها أعمال الشيخ سلامة حجازى وتحديدا أدوار الشيخ سلامة حجازى نفسه.


وتفاعلت منيرة المهدية  خلال رحلتها فى الغناء على المسرح مع ثورة 1919 ، هذه الثورة الشعبية التى لم تنطلق فقط من المدن الكبر، ولكنها انطلقت من قرى ونجوع وأزقة وحوارى مصر المحروسة، خرج الفقراء والأغنياء والعمال والفلاحون والطلبة والموظفون والفنانون والأدباء ليقاوموا سلطة الإنجليز وبطشهم الذى بلغ درجة لا تحتمل.


وقد عبر عن حالة الشعب الثورية عدد من الملحنين والمؤلفين والممثلين الذين تأثروا بمسرح سلامة حجازى، واستطاعوا إنشاء أجواقهم الخاصة،  مثل جوقة أولاد عكاشة، وجوقة جورج أبيض، وجوقة منيرة المهدية، وجوقة عزيز عيد، وجوقة نجيب الريحانى وغيرهم، وبرز اسم القصبجى وسيد درويش وداود حسنى، ومنيرة المهدية وفتحية أحمد ومن بعدهم بديعة مصابنى ثم أم كلثوم.


والغريب فى الأمر رغم أن ثورة 1919 كانت حاسمة فى تاريخ مصر للقرن العشرين وفى تاريخ الفن، وساهمت فى إنضاج فن المسرح وتأثره بمعطياتها، إلا أنه لم تكن هناك أية إشارة فى الصحافة الفنية على أحداث هذه الثورة العظيمة فى جميع مسارح مصر.

والعروض المسرحية باختلاف أنواعها استمرت فى عروضها الطبيعية، وسبب ذلك يرجع إلى الرقابة التى فرضتها السلطة البريطانية على الصحف وربما حدث ذلك أيضاً لأن الانجليز كانوا يعتقدون أن استمرار هذه العروض من الممكن أن تلهوا الشعب ونخبه عن الثورة.


ورغم القيود التى كانت تفرضها السلطة على السهر فى الأماكن العمومية ورغم الدور الكبير والمؤثر الذى لعبته النساء والفتيات المصريات فى أحداث ثورة 19 إلا أن حفلات المسرح كانت تنقسم لحفلات نسائية، وحفلات عائلية وحفلات للعموم أى للذكور، فلم يكن الاختلاط فى المسارح والمنتديات العامة مستحب وعلى مستوى التمثيل كان هناك مطالبات من بعض النقاد والقراء بضرورة تشجيع النساء المصريات على امتهان التمثيل.


منيرة المهدية هى أول امرأة مصرية تتحدى الاحتكار الذكورى للتمثيل وتقف لتمثل فى البداية أدوار رجال، ثم بعد ذلك تقرر تشكل فرقتها والتخلى عن أدوار الرجال، لصالح أدوار نسائية تقوم ببطولتها.


ورغم الكساد المالى الكبير الذى ضرب البلاد فى سنوات الثورة إلا أن هذه السنوات كانت سنوات ازدهار لمنيرة المهدية وفرقتها التى كانت لها سلطان وسطوة على قلوب المستمعين.
لقد أحدثت منيرة المهدية ثورة فى العالم الذكورى، الذى كان يحتكر فيه الرجال الفن، وحطمت القيود الصارمة التى قيدت احتراف النساء للغناء والفن، وتربعت على عرش الأغنية بلا منافس وظلت تتربع على قمة الغناء العربى بما يزيد على ثلاثين عاما.


لقد شهد عام 1915 وقوف منيرة المهدية على خشبة المسرح فى مصر، لتكون بذلك صاحبة السبق فى وقوف أول سيدة على خشبة المسرح مع فرقة عزيز عيد لتؤدى دور رجل (حسن) فى رواية للشيخ (سلامة حجازى)، والغريب فى الأمر أن أفيشات هذه المسرحية كانت تكتب عليها (الممثلة الأولى) بالرغم أن «السلطانة»  تقوم بدور رجل.


لم يكن الغناء والطرب هو كل مسيرة منيرة المهدية فقد قدر لها أن تكون أول مطربة تغنى فى الإذاعة المصرية حفلات واسطوانات، أول امرأة مصرية مسلمة تتحدى القواعد الذكورية وتعتلى خشبة المسرح فى مصر والوطن العربى.

وأول مغنية تقوم بتسجيل أسطوانات غنائية، أول مصرية تغنى باللغة العربية أوبرا (كارمن) وأوبرا (تاييس) وأول سيدة تمتلك فرقة خاصة بها بالإضافة إنها تميزت عن الممثلات والمطربات الأخريات بإدراكها السياسى وحسها الوطنى العالى واشتباكها مع القضايا السياسية والاجتماعية.


وعندما افتتحت مقهى «نزهة النفوس» بالأزبكية، أصبح ملتقى لكبار رجال الدولة، الباشاوات، والأعيان، والعمد، المثقفين، ونخبة التجار، والسياسيين ورجال الفكر والصحافة، وتوافد عليها أثرياء الريف من كل حدب وصوب، تعرفت عليهم وأطلعت على خباياهم وآثرتهم بصوتها وشخصيتها القوية. 


هذا المقهى لم يقدر الإنجليز على إغلاقه، كما فعلوا مع أماكن التجمعات الأخرى خلال ثورة 1919، وذلك نتيجة لعلاقة «منيرة» بكبار رجال السياسة. 


وعندما أصدر الانجليز قراراً بمنع التجمعات، فتحت أبواب عوامتها ليجتمع فيها مجلس الوزراء فى 1919 ليتخذوا فيها قرارات مصيرية، وليستمتعوا أيضاً بغنائها وطربها، وكان من زوار العوامة إبراهيم فتحى باشا وزير الحربية.

وعبد الخالق ثروت وحسين رشدى باشا رئيس الوزراء، وأطلقوا على مسرحها وكذلك عوامتها ( هواء الحرية)، وأصبح اسم منيرة على كل لسان،  واستطاعت بشكلها وحلاوة صوتها وحضورها الساحر أن تتربع على عرش الغناء! 


ومثلما لعبت منيرة المهدية دورا كبير ومؤثرا فى الحياة الفنية المسرحية، فقد ساندت ثورة 1919 من خلال أغانيها ومسرحياتها المناهضة للاحتلال، لم تكن مجرد مغنية تغنى أغانى طرب رخيصة، بل كان لها انحيازها الوطنى والسياسى الواضح ضد الاحتلال الإنجليزى، ولعبت دوراً أساسياً فى انتشار الأغانى الوطنية التى تلهب حماس الشعب.

شاركت النساء فى ثورة 1919، وعندما أعلن «طلاب الحقوق» عن تنظيم مظاهرة فى 9 مارس خرجت النساء لتنظيم المظاهرة للإعراب عن تأييدهن للثورة، وكان اعتراضهن الأساسى ككل فئات الشعب المصرى بخصوص نفى زعماء الأمة.

وعلى رأسهم «سعد زغلول»، وسقطت أول شهيدة بالجمالي، حميدة خليل) فى يوم 14 مارس، وفجرت جنازة الشهيدة الشرارة التى دفعت بآلاف النساء للانضمام إلى المظاهرات، وقامت بعض طالبات المدارس بإلهاب حماسة المتظاهرين بالخطب النارية.

وفى 16 مارس توالت سقوط الشهيدات كنعيمة عبد الحميد من كفر الشوام بامبابة، وفاطمة محمود ونعمات محمد وحميدة سليمان من الفيوم، وأم جاد من قليوب ويمنى صبيح من الشرقية وغيرهن كثيرات.


وتولت هدى شعراوى قيادة وتنظيم مشاركة النساء فى الثورة، والبدء فى تأسيس حركة نسائية مصرية، وتكوين لجنة الوفد المركزية، لمقاطعة لجنة ملنر، ثم مقاطعة البضائع الأجنبية، لتكون بذلك أكبر مقاطعة شعبية تساهم فى قيادتها النساء.


وتوج كفاح المرأة المصرية بتأسيس الاتحاد النسائى المصرى فى 16 مارس 1923 فى ذكرى أول مظاهرة نسائية ضخمة فى ثورة 1919، وفى هذا الوقت نشطت الفرق المسرحية آنذاك، نشاطا لم تشهده من قبل، ومن بينهما فرقة « منيرة المهدية».

وعندما نُفيَ سعد باشا زغلول إلى مالطة فى ٨ مارس، ونشبت أحداث ثورة ١٩١٩ تفاعلت منيرة مع هذه الثورة، فصدحت بصوتها القوى الساحر أغنية على اسمها وهى «أنا منيرة المهدية، حب الوطن عندى غية».


وتدعيما لكفاح المرأة المصرية فى ثورة 1919 فى كل ربوع مصر، ظلت منيرة ليال عديدة تقف على خشبة المسرح قبل رفع الستار لتغنى أغانى وطنية تمجد المرأة المصرية. ومن هذه الأغانى أغنية تقول فيها: 
الواحدة منَّا بأدبها
تصون ناموسها وعفافها 
تدوس غرامها برجليها
عشان وطنها وشرفها
منذ ثورة 1919 ضمنت منيرة المهدية أعمالها المسرحية وخاصة الأعمال التى كتبها الشيخ محمد يونس القاضى وألحان سيد درويش وكامل الخلعى إسقاطات وإيماءات سياسية، تحذر فيها من استبداد الاحتلال واستيلائه على مقدرات البلاد الاقتصادية ومنها مسرحيات كلام فى سرك وكلها يومين والتالتة تابتة:
يابويا ادينى عقلك 
الأجنبى بدو يكلك 
لو شفته فى البورصة وقابلك 
سلم عليه وعد صوابعك
فى المنشية دولا حرامية
ويسرقوا الكحل من العين 
وفى مسرحية» كلام فى سرك» التى كانت فى شكل كوميدى ساخر، قدمت منيرة المهدية دعوة للجمهور لكى  ينشئ مصانع مصرية وينافس المصانع الأجنبية، وقامت بدعوة النساء والفتيات للمشاركة فى النهوض بحياتها ووطنها ونجحت هذه الرواية نجاحا منقطع النظير، وتربعت منيرة وفرقتها على عرش المسرح الغنائى بصوتها الذى تميز ببحة طبيعية طبعت طريقة أدائها، وكان له تأثيره القوى على السامعين.
وغنت أيضا فى « التالتة تابتة» من الحان سيد درويش:
يا مصرى اسمع                نصيحة تنفع 
مالك وكسبك                 يقوى قلبك
لو تعطى قرشك               لابن جنسك
بكره ييجى لك                 ويبات فى جيبك 
وإن راح لغيره                  عمره ما ييجى 
وفى أوبريت « كلها يومين» وكان عنوان المسرحية يقصد به يومين ويخرج الانجليز، صدحت منيرة بحنجرتها القوية وبحتها المميزة، وأشعلت الحماس فى السامعين، مما جعل مشاعرهم تملأ ببغض وكراهية ضد الإنجليز.
شرفك لو ضاع منك واتهان 
منين تجيب غيره بكره
وإن عشت عيش حر ومنصان 
وإن مت خل ده ذكرى 
مالك مرصود ربك موجود 
عمرك محدود
وغنت منيرة فى هذا الأوبريت أيضا أغنية «الزبدة « من تلحين الشيخ سيد درويش التى كانت رأسمال الفلاحين الغلابة وسجلتها على أسطوانة نجحت وانتشرت فى ربوع مصر، ورغم غضب الباشوات والعمد والبكوات والمتآمرين على الفلاحين، إلا أنهم اشتروا هذه الأسطوانة التى طبعت أكثر من مرة على أسطوانة بيضافون.
صابحة الزبدة                بلدى الزبدة
يا ولاد بلدى                  زبدة يا ولدى
اشترى واوزن                 عندك وخزن 
وإوعى تبعها                  ولا تودعها 
عند اللى يخون              لتعيش مغبون 
وخلال فترة منع ذكر اسم سعد زغلول والتهديد بالحبس لمدة 6 أشهر مع الشغل وجلده 20 جلدة لمن يذكر اسمه، قامت منيرة بالغناء لسعد شال الحمام حط الحمام من مصر السعيدة كما السودان، زغلول وقلبى مال عليه، أندهله لما احتاج إليه.
ومن الأهازيح الوطنية التى غنتها عن زعيم ثورة 1919 طقطوقة شال الحمام حط الحمام لحن محمد القصبجى:
شال الحمام حط الحمام                      من مصر للسودان 
زغلول وقلبى مال إليه                           أنده له لما احتاج إليه 
يفهم لغاه اللى يناغيه                          ويقول حيمى يا حمام 
عشق الزغاليل غيتى                           وحبهم من قسمتى
حبيت كتير يا فرحتى                          والناس عوازل فى الغرام 
بيجى بإيدى اطوقه                            وبين شفايفى أزققه
وبوسة واحدة تفوقه                         ومع النديم يحلى الغرام
البدر ينظر من سماه                         ويحسده على علاه 
وإن كان يريد ألعب معاه                    شال الحمام حط الحمام
هذه الأغنية كانت ردا على الرقابة البريطانية التى غضبت على سعد زغلول ومنعت ذكر اسمه فى أى محفل أو مكان وكل من يخالف ذلك يعاقب بالجلد عشرين جلدة والسجن ستة أشهر، فتحايلت منيرة على ذلك بذكر اسمه، فالمقصود بزغلول فى الأغنية سعد باشا وليس حمام الزغلول.
انتشرت هذه الأغنية انتشار النار فى الهشيم وأصبحت تتردد على كل لسان كأنها نشيد وطنى يتحدى الاحتلال، وأصبح مسرحها « بيت الوطنية» الذى يلهب حماسة الشعب ويحثهم على المقاومة.

اقرأ ايضا | محمد الرزاز يكتب: أن تحب «مراثى أوفيليا»

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة