د.مكى حبيب خلال حواره مع «الأخبار»
د.مكى حبيب خلال حواره مع «الأخبار»


الأخبار تحاور جنود القوى الناعمة «5»

حوار | د.مكى حبيب أستاذ الهندسة الميكانيكية: التمويل وقود البحث العلمى.. وغياب موارده التقليدية ليس مبرراً للتوقف

حازم بدر

الثلاثاء، 19 يوليه 2022 - 06:04 م

أعمل على الروبوتات العلاجية.. وأنتجت نموذجاً للمنازل الافتراضية 
لدينا تصميم جاهز للسيارات بدون سائق ووفرنا التمويل اللازم لتنفيذه قريباً 
أعشق الشعر وكتبت 130 قصيدة بعد دراسة علم العَروض 

الروبوت لن يكون سبباً إضافياً للبطالة.. والدليل تعدد تطبيقاته بالصين
الشركات اليابانية تنجز 50 بحثاً فى العام.. خمسة منها فقط تذهب للتطبيق 
المنتجات البحثية يجب أن تسبق القوانين.. و«السيارات بدون سائق» أبرز دليل
 

لم تشر المعلومات التى جمعتها عن الدكتور مكى خليل حبيب، أستاذ الهندسة الميكانيكية، قبل الحوار معه، إلى جنسيته، لكنها كانت تركز على إنجازاته العلمية، كأحد الأساتذة الناشطين فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذين ورد اسمهم فى قائمة جامعة ستانفورد الأمريكية لأفضل 2٪ من العلماء فى العالم..

كانت لهجته أثناء الحوار خادعة، وتشير بشرته المائلة إلى السمرة بما لا يدع مجالاً للشك، أنك أمام رجل من أبناء صعيد مصر، وبينما كنت أتوقع الاستماع لقصة كفاح مواطن من صعيد مصر صار أستاذاً بالجامعة الأمريكية، رداً على سؤال ادخرته لنهاية الحوار، فاجأنى الرجل، وهو يبتسم ابتسامة هادئة لم تغادر وجهه طيلة الحوار.

حيث قال: «أنا من العراق، وكثير من المصريين مثلك يظنون أنى من صعيد مصر».. فكرت حينها أن يكون هذا الحوار خارج إطار سلسلة «جنود القوى الناعمة»، التى أقدم من خلالها الباحثين المصريين كجنود لقوتنا الناعمة، ولكن شجعتنى إجابته على سؤالى التالى بعد المفاجأة التى ألقاها فى وجهى، على أن يكون ضمن هؤلاء الجنود، حيث قال إنه فضل نقل تجاربه وخبراته التى اكتسبها بالخارج إلى طلاب مصريين بعد أن تعذر عليه تحقيق ذلك فى العراق، وكان ذلك رداً على سؤال: ولماذا فضلت التدريس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن العراق؟..

إذن فالرجل، وإن لم يكن بشكل مباشر أحد جنود القوة الناعمة، فهو يساهم فى تأهيل من سيصبحون جنودا، لاسيما أنه يشغل أيضا منصب مدير برنامج الدراسات العليا فى الروبوتات والأنظمة الذكية والتحكم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة...

وخلال الحوار الذى امتد لأكثر من ساعة، شخص الدكتور مكى الذى يقيم فى القاهرة منذ 15 عاما، أمراض البحث العلمى، وكيف يمكن علاجها، وتحدث بحماس المحبين عن تخصصه فى علم الميكاترونيكس والروبوتات، وكيف يدمج هذا العلم مبادئ الميكانيكا والإليكترونيات والحوسبة فى تطبيقات مختلفة مثل السيارات ذاتية القيادة والمنازل الذكية والروبوتات الطبية الحيوية..

وإلى نص الحوار.

دعنى أبدأ من عنوان سلسلة الحوارات التى أقوم بتنفيذها، وهى «جنود القوى الناعمة»، وسؤالى: كيف يصبح الباحث العلمى قوة ناعمة؟

يرد على الفور وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة: عندما يبنى النموذج الجيد، وهذا البناء له قواعد مهمة، وهى الإلتزام فى الوقت والعمل، والأخلاقيات التى يجب أن تحكم عملك كباحث، ويأتى بعد ذلك التعامل مع التحديات والمشاكل التى لها علاقة بنطاق التخصص والسعى لإيجاد حلول لها، ويجب أن يتحلى الباحث بالصبر وبذل الجهد دون كلل أو ملل، وهذا لن يتحقق إلا إذا كان الباحث يحب ما يفعله.

هذا الحب له شروط، أهمها أن يرى الباحث تطبيقا لنتائج أبحاثه؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول بلهجه متحمسة: لن يستطيع الباحث إنجاز شيء مهم، إذا لم يكن محبا لما يفعله.

عشق دائم

كثير من الباحثين الذين التقيتهم يشعرون بالإحباط لأن نتائج أبحاثهم لا تجد طريقا للتطبيق؟

تطبيق نتائج الأبحاث مهم لخلق حالة الحب التى تحدثت عنها، ولكن إذا لم يحدث ذلك؟، هل يكون سببا للإحباط؟ .. الإجابة هى: لا بكل تأكيد.

كيف؟

تظهر لمعة المحب فى عين الدكتور مكى قبل أن يقول بلهجة متحمسة: الباحث الحقيقى بداخله شغف، لأن عمله يتحول إلى هوايته التى يحبها، ومن يفعل شيئا يحبه، لن يشغل باله كثيرا بمسألة التطبيق، لأنه فى حالة عشق دائم، وأنا أزعم أنى أعيش تلك الحالة، لذلك أنصح الباحثين بأن يحبوا ما يفعلونه حتى ولو لم يروا نتيجته فى الوقت الراهن.

ما تطلبه يبدو مثاليا بعض الشيء، فالعمل بدون حصاد ثماره، هو شكل من أشكال العقاب؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول دون أن يتخلى عن لهجته المتحمسة: غير صحيح، فأنا عملت فى الصناعة باليابان لمدة 12 عاما، وكانت الشركات تجرى فى العام الواحد قرابة الخمسين بحثا، لا يأخذ طريقه للتطبيق سوى خمسة أو ستة أبحاث على الأكثر.

وما هى معايير البحث الذى يأخذ طريقه للتطبيق؟

أن يكون ملبيا لحاجة السوق، وأن يكون سعره مقبولا، حال تحويله إلى منتج، فلو كان سعره مرتفعا يتم اتخاذ قرار بتأجيل تنفيذه لفترة.

ألا ترى أن الوضع هنا معكوس، بمعنى: هل نجرى البحث ثم نقيم احتياجات السوق، أم العكس هو الصحيح؟

هناك نوعان من الأبحاث، وهما أبحاث تطبيقية يكون لها تطبيق مباشر وفورى، وأبحاث تبنى نظريات علمية، لا يكون لها تطبيق مباشر، ولكن يمكن أن يكون لها تطبيق بعد 20 عاما مثلا، عندما تكون التكنولوجيا الخاصة بها متوافرة وسعرها مقبول.


والبحوث يجب أن تسير فى الإتجاهين، فالبحوث التطبيقية هى التى تدرس احتياجات السوق وما يحتاج له المستفيدون، وتضع الأساس لمنتجات تلبى ذلك، أما البحوث النظرية، فهى التى يضع فيها الباحث تصوره لحل مشكلة ما، ثم بعد ذلك يتم تقييم احتياجات السوق لما توصل له.

آفاق أوسع

بما أنك عملت فى البحث العلمى بالصناعة والجامعة، فكيف ترى الفرق بينهما؟

تعود اللمعة المميزة لعين المحبين إلى وجهه ليقول متغزلا فى العمل بالجامعة: فى الصناعة أنت تحصر نفسك فى مسار محدد تفرضه عليك طبيعة عمل الشركة التى تعمل بها، بينما البحث العلمى فى الجامعة تكون آفاق التفكير والإبداع أوسع، لأن عندك فى الجامعة مهمة التدريس، وهذا يضع على عاتقك ضرورة إحاطة طلابك بكل ما هو جديد فى كافة المجالات، وليس مجال محدد، حتى لو كان هذا الجديد ليس له تطبيق آنى وفورى، فمثلا مجال النانو روبوت ليس له تطبيق حالى، ولكن يجب أن يعرف الطلاب أنه سيكون له تطبيقات مستقبلية فى مجال الطب.

سيرتكم الذاتية تشير بالفعل إلى أبحاث تم إجراؤها فى هذا المجال؟

بالفعل لدينا أبحاث فى مجال استخدام الروبوتات النانوية فى الاستخدامات الطبية مثل توصيل الأدوية إلى داخل الجسم وإجراء القسطرة، ولكن يظل تطبيق هذه الأبحاث فى انتظار صدور قوانين منظمة لمثل هذه الاستخدامات، وهذا هو ما كنت أعنيه عندما قلت فى البداية أن الباحث يجب ألا يتوقف كثيرا أمام التطبيق الفورى لنتائج أبحاثه.

معنى ذلك أن انجازات الباحث لابد أن تسبق القوانين المنظمة؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: بالضبط، فالسيارات بدون سائق مثلا لا توجد قوانين تسمح بسيرها، ولكن هناك أبحاث عملت عليها، حتى تكون جاهزة للتطبيق عندما تسمح القوانين بذلك، وبالمناسبة، فإن جزءا كبيرا من الأجهزة التى تنتج فى اليابان لا تستخدم، ولكن يتم إنتاجها لتكون موجودة عندما تسمح القوانين أو يتم بيعها لدول تسمح قوانينها بذلك.

ماكينة إنتاج الأفكار

وما هى المعايير التى توجه تفكيرك نحو إنجاز بحث ما سواء له تطبيق فورى أو سيحتاج وقتا حتى يكون له تطبيق؟

لم ينتظر استكمال السؤال وقال على الفور بلهجة متحمسة: أهم شيء هو الإطلاع، بدونه لن تعمل ماكينة إنتاج الأفكار، لأن الأفكار لا تأتى من الهواء، لاسيما فى الأمور المتقدمة التى أعمل عليها، فيجب معرفة ما توصل له العالم، حتى تستطيع البناء على ما توصلوا إليه، ولا تأتى بأفكار مكررة أو ذات جودة أقل.

وما هو حدود هذا الإطلاع؟.. هل يكون فى مجال التخصص فقط أم يكون أيضا فى تخصصات أخرى قريبة من تخصصك؟

يواصل الحديث بنفس اللهجة المتحمسة قائلا: الإطلاع يجب أن يكون مفتوحا بلا حدود، على الأقل فى مجال تخصصك، فالدماغ يجب أن يتحرك فى كل الإتجاهات التى لها علاقة بالتخصص، ولا يتم حصر التفكير فى اتجاه واحد، يؤدى إلى الشعور بالملل.

ربما لو قرأ باحث فى مكان آخر غير الجامعة الأمريكية كلامك قد يشعر أنك تتحدث من برج عاجى، فالإعتبارات المادية قد تحول أستاذ الجامعة إلى موظف يؤدى وظيفة، ولا يهتم كثيرا بالبحث العلمى؟

تخفت نبرته المتحمسة بعض الشيء ليقول بنبرة هادئة: لا شك أن الدعم المادى هو وقود البحث العلمى، فتنفيذ الأفكار يحتاج إلى إسناد مادى، فأنا مثلا عندما يكون لدىّ هذا الإسناد أستطيع الاعتماد على باحثين مساعدين، وهذا يختصر كثيرا من الوقت.

فالبحث يمر بمراحل تبدأ بالفكرة واختبار إمكانية تنفيذها ثم إنتاج نموذج أولى منها، ثم نموذج نصف صناعى، وأخيرا التصنيع، وكل ذلك يحتاج إلى دعم مادى، ولكن السؤال: إذا لم يتوفر هذا الدعم المادى هل أقف مكتوف الأيدى، الجواب: بكل تأكيد لا.
أهمية التشبيك

وكيف ستحل هذه المشكلة؟

تعود نبرته المتحمسة وهو يقول: دائما لابد أن يكون لديك بدائل، لن تكون بالطبع أفضل من أن توفر جامعتك لك الدعم المادى اللازم، ولكنها تحافظ لك على استمرارية العمل والعطاء.

حدثنى عن أحد البدائل المتاحة...

يمكن مثلا التشبيك مع باحثين آخرين فى جامعات أخرى متوفر لديها التمويل، فمن خلال هذا التشبيك تستطيع التغلب نسبيا على عائق التمويل، وإنجاز جزء من فكرتك.

وهل تمويل الأبحاث فى الجامعة الأمريكية قد يدفعك لمثل هذه البدائل؟

الأمور أصبحت فى الجامعة الأمريكية أفضل نسبيا من ذى قبل، فهم يعطون مبلغا من المال يمكنك من بذر البذور الأولى لفكرتك البحثية، ولكن حتى ترعى هذه البذور وترى ثمارها قد تحتاج للتعاون مع جامعات حول العالم، وأنا مثلا أتعاون فى أبحاثى مع جامعات من اليابان وبريطانيا والنمسا وغيرها.

ربما تستطيع فعل ذلك لكونك باحثا كبيرا له علاقات مع الفرق البحثية حول العالم، ولكن ماذا يفعل الباحث الصغير؟

يطلق ضحكة خفيفة قبل أن يقول: تذكر حديثى قبل قليل عن الإطلاع وأهميته، فالآخرون سيتعاونون معك عندما لا تكون متأخرا عنهم ولديك هدف تريد تحقيقه، فأنت تريد تمويلهم، وهم لابد أن يشعروا بأهمية فكرتك، وأنها ستعود عليهم بالفائدة أيضا، فالتعاون يكون قائما على تحقيق مصلحة مشتركة.
أبواب متعددة

وهل توجد فكرة كنت ترغب فى تنفيذها ولم تجد لها حلولا تمويلية بالداخل أو الخارج؟

تخصص الميكاترونيكس والروبوتات يتشابك مع تخصصات مختلفة، فهو يدخل فى السيارات والهواتف والمستشعرات والكمبيوتر والذكاء الإصطناعى، لذلك إذا أغلق باب، فلدى أبواب أخرى.

وما هو الباب الذى أغلق وكنت تتمنى لو لم يحدث ذلك؟

يصمت لوهلة على غير عادته، قبل أن يقول: تحضرنى فكرة، كنت قد أنتجت نموذجها الأولى قبل نحو 22 عاما، ثم صارت حديث العالم الآن، وهو ما يقودنى إلى ما سبق وأشرت إليه من أن الباحث يجب أن يحب ما يفعل حتى ولو لم ير نتيجته الفورية، وهذه الفكرة هى المنازل الافتراضية.

وماذا تعنى بـ «المنازل الافتراضية»؟

المنزل الافتراضى، هو آلية تمكن الأسرة الواحدة من التفاعل الاجتماعى والالتقاء مع بعضهم ومشاركة الأنشطة، حتى ولو كان كل عضو من أعضاء الأسرة فى بلد مختلف، والمستقبل سيكون للعوالم الافتراضية فى كل شيء، فالجامعة لن تكون بشكل تقليدى، فقد يكون بها المعمل الافتراضى، والقاعة الافتراضية، والآن أصبح الحديث عن إجراء الجراحات افتراضيا، وهو ما قد يمكن مثلا الجراح الذى يقيم فى أستراليا من تنفيذ الجراحة لمواطن فى إحدى المحافظات المصرية.

وكيف يتم ذلك؟

يعتمد ذلك على وجود آلة فى مكان إجراء الجراحة، والطبيب الذى يوجد فى أستراليا مثلا لديه نموذج مصغر منها يسمى «ماستر»، ومع تحريكه لهذا النموذج المصغر، تقوم الآلة بنفس الحركة، ولكن بالطبع مثل هذه التوجهات تحتاج إلى إنترنت قوى، لأنه يجب أن يكون هناك تزامن بين حركة الجراح وحركة الآلة.

ولكن مثل هذه الأفكار قد لا تبدو ملائمة للمجتمعات الفقيرة والنامية؟

يطلق ضحكة خفيفة قبل أن يقول بنبرة ساخرة: قبل 30 عاما فى بدايات ظهور الهاتف المحمول كان ينظر له على أنه من الرفاهيات، فهل أصبح الآن كذلك؟..

فما تراه الآن ترفا، قد يصبح ضرورة، والباحث الحقيقى هو الذى يسبق الزمن بتفكيره ويقدم مثل هذه الحلول، شريطة أن تكون حلوله قابلة للحياة فترة طويلة، فبعض الشركات قد تستثمر فى تكنولوجيا ضخمة وتنفق المليارات دون دراسة لأفاق استمرار تلك التكنولوجيا، وهل ستعيش لفترة طويلة أم ستتغير بعد خمس سنوات مثلا، ويصبح ليس لها قيمة.

بناء التكنولوجيا

وما أبرز الحلول التى توجد حاليا فى جعبتكم البحثية؟

أعمل مع طلابى فى اتجاهين، أحدهما أسرع فى التنفيذ وهو الذى يعتمد على تكنولوجيا مستوردة، والآخر أصعب، ولكنه قد يكون أمتع، وهو الذى يعتمد على بناء التكنولوجيا من الأساس وباستخدام خامات محلية.

وفى الإتجاه الأخير نجحنا مؤخرا فى إنتاج روبوتات نانوية حجمها أقل من الميكرون قد يكون لها تطبيقات متنوعة، أشهرها فى المجال الطبى، حيث يمكن مثلا أن تستخدم فى نقل الأدوية إلى داخل الجسم عن طريق تزويدها بمستشعرات تحدد مكان الإصابة، وعندما يصل الروبوت إلى المكان يحدث إطلاق للمادة الدوائية، وبذلك نضمن وصول الدواء إلى موقع الإصابة.

وهل اختبرتم هذه الآلية فى حيوانات التجارب؟

درسنا طبيعة الدم البشرى، واختبرنا إمكانية تحريك هذه الربوتات فى سائل مشابه لدم الإنسان.

ولكن مثل هذه الأفكار عملت عليها فرق بحثية كثيرة حول العالم، فما هو جديدكم؟

تختفى ابتسامته المميزة لتفسح الطريق لملامح أكثر جدية وهو يقول: لست من النوع الذى يقلد الآخرين، وأفكارنا تنشر بحثيا، وهذا يعنى أن بها جديدا.

ولكنى تابعت أبحاثا كثيرة فى هذا المجال؟

فى كل منطقة بحثية توجد أفكار كثيرة، وما توصلنا إليه لم يسبقنا آخرون إليه.

وما المميز فى عملكم؟

أبرز ما يميز عملنا فى هذا المجال هو قدرتنا على التحكم فى الروبوت النانوى فى 6 اتجاهات، وهذا لم يسبقنا أحد إليه.

وماذا تحمل جعبتكم البحثية أيضا؟

نجحنا أيضا فى بناء تصميم لسيارة بدون سائق بتكنولوجيا محلية وبدون الاعتماد على تكنولوجيا جاهزة، وتم توفير التمويل اللازم للتنفيذ، ولكن جائحة «كوفيد-19» أخرتنا بعض الشيء، ولكن سنعمل على التنفيذ قريبا.

وأعمل أيضا على تصميم غواصة يمكن أن يكون لها تطبيقات متنوعة، مثل جمع عينات من أعماق البحار، ومراقبة البيئة البحرية، وغيرها من التطبيقات المفيدة، ولكن يمكن أن يكون لها تطبيقات أخرى، وما يحكم التطبيق هو الجوانب الأخلاقية التى يجب أن يراعيها الباحث فى عمله.

على ذكر الجوانب الأخلاقية، هناك من يرى أن الإتجاه نحو تصنيع الروبوتات عمل غير أخلاقى، لأن استخدامها يقضى على فرص الوظائف المتاحة للبشر؟

يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة استهلها بقوله: هذا الكلام غير صحيح، فإذا زرت كثيرا من البنوك حول العالم، لن تجد الآن وظيفة موظف الشباك، وأصبحت هذه الوظيفة تقوم بها ماكينات الصرف، فهل الموظفون الذين كانوا يعملون بهذه الوظيفة لم يعد لهم وظيفة، من المؤكد أنه تم توظيفهم فى وظائف أخرى جديدة وهذا أمر معتاد، فكل فترة تظهر وظائف جديدة يجب أن يؤهل البشر أنفسهم للعمل بها، والدليل على ما أقوله، أن بلدا مثل الصين يبلغ تعداد سكانها أكثر من مليار و400 مليون نسمة، ومن المفترض أن تكون أكثر حرصا على ألا تؤثر الآلة على فرص الوظائف البشرية، لكنها من أكثر الدول إنتاجا واستخداما للروبوتات، لأن البشر يتم توظيفهم فى وظائف مختلفة، كل منها يخدم اقتصادهم المترابط والمتشابك.

ولكن يجب أن تكون هناك ضوابط لاستخدام الروبوتات؟

منذ زمن بعيد وقبل أن ينتج الروبوت تنبأ الكاتب إسحاق أسيموف بأنه ستكون هناك روبوتات ووضع قوانين لاستخدامها، لأن أى شيء يمكن توظيفه لخدمة البشرية، ويمكن فى نفس الوقت إساءة استخدامه، فالروبوتات يمكن أن تستخدم فى عمليات الإنقاذ فى أماكن لا يستطيع البشر الوصول إليها، كأن تكون أماكن بها إشعاعات نووية أو حمم بركانية، ويمكن أيضا استخدامها كبديل للجندى التقليدى، وهذا ما فعلته إحدى الشركات الأمريكية، فالمشكلة ليست فى الروبوت فى حد ذاته، ولكن فى استخداماته.

وهل أبحاثكم فى مجال الروبوتات تعتمد على تكنولوجيا مستوردة أم تقوم ببناء التكنولوجيا الخاصة بكم؟

بلهجة لا تخلو من الثقة يقول: التكنولوجيا يمكن أن تستورد ولكن العلم لا يستورد، وما أسعى إليه فى هذا المجال هو خلق تراكم علمى تكنولوجى مستمر، بحيث يبنى الآخرون عليه، ولا يبدأون من الصفر.

للأسف إحدى أزمات البحث العلمى فى العالم العربى هو تكرار الأبحاث، بمعنى أنه يوجد أكثر من باحث فى أكثر من جامعة يعملون بالتزامن على موضوع واحد؟

هذا فى رأيى سببه افتقاد التراكم العلمى، فكل باحث يعيش فى جزيرة منعزلة، وقد أدرك الغرب خطورة ذلك، ففى الاتحاد الأوروبى على سبيل المثال تكون هناك خطة بحثية كل خمس سنوات، ويتم منح أفضلية فى تمويل الأبحاث التى يشارك فيها أكثر من باحث من دول أوروبية مختلفة، ويمكن أن يدخلوا معهم فى الفريق البحثى باحثا من أفريقيا أو العالم العربى، إذا كان البحث الذى يعملون عليه ستكون له تطبيقات فى تلك الدول.

من بغداد إلى القاهرة

اسمح لى أن أتطرق لجانب اجتماعى، فأنا أشعر من لهجتك بأنك من صعيد مصر، فما هى أبرز محطات حياتك البحثية من الصعيد وصولا للجامعة الأمريكية؟

لم ينتظر استكمال السؤال وقاطعنى قائلا: أنا لست مصريا، أنا من العراق، وتحديدا العاصمة بغداد، ولهجتنا بالفعل أقرب لصعيد مصر، وكثيرون مثلك ينخدعون فى لهجتى.

ليس اللهجة فقط، ولكن بشرتك أيضا تعطى هذا النطباع؟

يضحك قائلا: بعض المصريين يظنون أنى من محافظة قنا تحديدا.

وما الذى جعلك تحط برحالك فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة؟

أعيش فى مصر منذ 15 عاما بعد رحلة طويلة من العمل فى جامعات وشركات باليابان وسويسرا وكوريا الجنوبية وماليزيا، وقد بدأت هذه الرحلة منذ غادرت العراق قبل عام 1990 للحصول على الدكتوراة من اليابان.

ولماذا لم تعد للعراق مجددا؟

كنت بالفعل سأعود فى عام 1994، ولكن نصحنى كثيرون بالاستمرار بالخارج، لأن الوضع بعد عام 1990، لم يعد كما كان، فالتعليم فى العراق كان متقدما للغاية، وعندما سافرت إلى اليابان للحصول على الدكتوراة لم أشعر بفارق كبير، ولكن بعد عام 1990 تم حصار العراق، ولم تعد هناك أجهزة وأدوات متاحة للبحث العلمى، فشعرت أن وجودى بالعراق فى هذه الظروف لن يكون مفيدا.

كان بإمكانك الاستمرار فى اليابان أو سويسرا أو حتى ماليزيا؟

اخترت العمل بمصر والإقامة بها حتى أتمكن من نقل ما تعلمته إلى أبناء بلد عربى، طالما أنى لم أستطع أن أفعل ذلك مع أبناء بلدى.

أخيرا: حرصت خلال الحوار على استخدام تعبيرات وتشبيهات بليغة، هل يعطى ذلك مؤشرا على اهتمامات أخرى بخلاف الميكاترونيكس والروبوتات؟

يبتسم قائلا: أنا بالفعل أعشق الشعر، وكانت لدى رغبة فى كتابة قصائد شعرية، فدرست علم العَروض وتعمقت بعض الشيء فى قواعد النحو، وكتبت حتى الآن 130 قصيدة شعرية، وقد اتخذ قرارا بتضمين بعضها فى ديوان أصدره قريباً.

اقرأ أيضاً | روبوت «أميكا» يثير مخاوف العلماء | فيديو

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة