جبران خليل جبران
جبران خليل جبران


كنوز| حياة الحب

الأخبار

الأربعاء، 27 يوليه 2022 - 06:16 م

بقلم: جبران خليل جبران

هلُمِّى يا محبوبتى نمشى بين الطلول؛ فقد ذابت الثلوج، وهبَّتِ الحياة من مراقدها وتمايلتْ فى الأودية والمنحدرات. سيرى معى لنتتبع آثار أقدام الربيع فى الحقل البعيد. تعالِ لنصعد إلى أعالى الرُّبَى ونتأمل تموُّجات اخضرار السهول حولها.

ها قد نشر فجر الربيع ثوبًا طواهُ ليلُ الشتاء، فاكتسَتْ به أشجار الخوخ والتفاح، فظهرت كالعرائس فى ليلة القدر، واستيقظتِ الكروم وتعانقتْ قُضبانها كمعاشر للعشاق، وجرتِ الجداول راقصة بين الصخور مُردِّدَة أغنية الفرح، وانبثقتِ الأزهار من قلبِ الطبيعة انبثاق الزَّبَد من البحر. تعالَ لنشرب بقايا دموع المطر من كئوس النرجس، ونملأَ نفسَيْنا بأغانى العصافير المسرورة، ونغتنمُ استنشاق عطر النسيمات. لنجلس بقرب تلك الصخرة حيث يختبئ البنفسج، ونتبادل قبلات المحبة.

وجاء الصيف: 

هيَّا بنا إلى الحقل يا حبيبتى؛ فقد جاءتْ أيامُ الحصاد، وبلغ الزرع مبلغه وأنضجَتْهُ حرارة محبة الشمس للطبيعة. تعال قبل أن تسبقنا الطيور فتستغل أتعابنا، وجماعة النمل فتأخذ أرضنا. هلُمِّى نجنى ثمارَ الأرض مثلما جَنَت النفس حبوبَ السعادة من بذور الوفاء التى زرعتها المحبة فى أعماق قلبَيْنا. ونملأُ المخازن من إنتاج العناصر كما أملأَتِ الحياة أهراء عواطفنا. 

هلُمِّى يا رفيقتى نَفترشِ الأعشاب ونَلتحِفِ السماء، ونُوسِّدْ رأسَينا بضغثٍ من القش الناعم، فنرتاحُ من عمل النهار ونسمع مُسامرة غدير الوادى.

وحل الخريف: 

لنذهب إلى الكرمة يا محبوبتى ونعصر العنب، ونُوعيهِ فى الأجران مثلما توعى النفس حكمة الأجيال، ونجمع الأثمار اليابسة، ونستقطر الأزهار، ونستعيض عن العين بالأثر. لنرجع نحو المساكن؛ فقد اصفرَّتْ أوراق الأشجار ونثرها الهواء، كأنه يريد أن يُكفِّنَ بها أزهارًا قضتْ لوعةً عندما ودَّعها الصيف. تعالى فقد رحلتِ الطيور نحو الساحل، وحملتْ معها أنس الرياض وخلَّفَت الوحشة للياسمين والسَّيْسَبَان، فبكى باقى الدموع على أديم التراب. لنرجع؛ فالجداول قد وقفت عن مسيرها، والعيون نشفتْ دموع قرحها، والطلول خلعتْ باهى أثوابها. تعالى يا محبوبتى؛ فالطبيعة قد راودها النُّعاس فأمسَتْ تُودِّع اليقظة بأغنية نهاوندية مؤثرة.

وجاء الشتاء: 

اقتربى يا شريكة حياتى، اقتربى منى ولا تدَعى أنفاس الثلوج تفصل جسمَيْنا. اجلسى بجانبى أمام هذا الموقد؛ فالنار فاكهة الشتاء الشهيَّة. حَدِّثينى بمآتى الأجيال؛ فآذانى قد تعبت من تأوُّه الأرياح وندب العناصر. أوصدى الأبواب والنوافذ؛ فمرأى وجه الجو الغَضُوب يُحزنُ نفسى، والنظر إلى المدينة الجالسة كالثكلى تحت أطباقِ الثلوج يُدمى قلبى. اسقى السراج زيتًا يا رفيقة عمرى؛ فقد أوشكَ أن ينطفئ، وضعيه بالقرب منكِ لأرى ما كتبَتْهُ الليالى على وجهِكِ. اقتربى منى يا حبيبة نفسى، فقد خمدَتِ النار وكادَ الرمادُ يُخفيها. ضمينى فقد انطفأ السراج وتغلبتْ عليه الظُّلمة، ارمقينى بعينٍ كحَّلها النعاس، عانقينى قبل أن يُعانقنا الكَرَى، قَبِّلينى فالثلجُ قد تغلَّبَ على كل شيء إلا قُبلتكِ.

آهٍ يا حبيبتى، ما أعمق بحر النوم! آهٍ، ما أبعد الصباح فى هذا العالم!

من كتاب «الرؤيا» 

إقرأ أيضاً| تكريم محافظ جنوب سيناء على هامش المنتدى العربي الثاني للسياحة بسلطنة عُمان

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة