صورة موضوعية
صورة موضوعية


منصورة عز الدين تكتب: على هامش أغلفة محفوظ

أخبار الأدب

السبت، 06 أغسطس 2022 - 01:53 م

فى العالم العربي، يتحدث الكل باسم القارئ، لكن هل هناك من يهتم به بالفعل؟

الاهتمام الفعلى بالقارئ يتمثل، من وجهة نظري، فى السعى إلى معرفته من خلال أبحاث وإحصاءات لدراسة اتجاهات القراءة وأذواق القراء بحسب شرائحهم العمرية، موقعهم الجغرافى، جنسهم أو تخصصاتهم. يتمثل أيضًا فى العمل على إخراج الكتب فى أفضل صورة ممكنة سواء من ناحية التصميم الفنى أو المضمون الجيد، والحرص على أن تكون متاحة بسعر معقول، وهذه النقطة الأخيرة لا يتحمل مسؤوليتها الناشرون فقط وإنما الدول والحكومات بالأساس، من خلال القيام بدورها فى دعم صناعة الكتاب وتخفيض الجمارك على المواد الداخلة فى الطباعة، وهو ما نادى به ناشرون مختلفون على مدار سنوات بلا فائدة.

لكن ما الذى أعادنى للتفكير فى القارئ ومدى معرفة القائمين على دور النشر به؟ 

حدث هذا مع الضجة المثارة حول أغلفة طبعة دار ومكتبة ديوان لأعمال نجيب محفوظ، فالأغلفة قوبلت بردود فعل سلبية تنوعت بين السخرية والاستهزاء والنقد الناصح لدار النشر كى تحسن من مستوى الأغلفة القادمة والاستياء الشديد، ووصل الأمر إلى مطالبة البعض بتدخل الدولة لضمان نشر أعمال كاتبنا الكبير بطريقة لائقة.

عن نفسى لم تعجبنى الأغلفة، سواء من ناحية طريقة كتابة اسم محفوظ وعناوين الروايات أو من ناحية الألوان المختارة أو التصميم الفنى واللوحات. بدت مناسبة أكثر لروايات الكوميكس والمانجا وما يشبهها، دون انتقاص من هذه الأنواع الخفيفة التى تحظى بمقروئية عالية. الأمر فقط أن ما يناسبها من أغلفة وتصميم بعيد عن أعمال صاحب الثلاثية ولا يلائمها.

ما لفت نظرى أن دار النشر تعاملت مع الانتقادات كما لو كانت مغرضة وتبتغى أهدافًا أخرى بعيدة عن تقديم محفوظ بما يليق به. وهناك من اعتبروا أن أى رأى سلبى هو تحطيم لمواهب فى بداية طريقها، دون اعتراف بأن من الواجب، حين التصدى لمهمة كبيرة على هذا النحو، اختيار أفضل الكفاءات الموجودة للخروج بأفضل نتيجة ممكنة.

من ضمن ما قيل أيضًا أن الدار تستهدف شرائح بعينها من القراء يناسبها هذا الذوق، وهذا تحديدًا ما أثار فى ذهنى العديد من الأسئلة عن القراء وشرائحهم. هل هذا الاستهداف ناتج عن دراسات وإحصاءات ما؟ وهل القراء المولعون بالبوب آرت وما يتصل به سيقبلون بالضرورة على قراءة أعمال محفوظ؟ والأهم أليس من الأجدى أن تتناسب الأغلفة والتصميم الفنى مع المضمون ومع مكانة نجيب محفوظ ككاتب؟

كان أول كتاب قرأته للفيلسوف الوجودى واللاهوتى الأمريكى/الألمانى الكبير باول تيليش (1886-1965) هو كتاب «الشجاعة من أجل الوجود» بترجمة الأستاذ كامل يوسف حسين، وقد هزّنى الكتاب من الأعماق على صِغر حجمه، وأعاود قراءة فقرات منه  من حين إلى آخر. باول تيليش قسيس بروتستانتى.

ومنظّر لاهوتى وفيلسوف دينى وجودى، آمـن بأن الوحى ليس فقط إجابة عن تساؤلات نظرية، بل أنه يقدم حلولًا لمشكلات الحياة العملية، وللقارئ الاستزادة من كتاب قيّم ثانٍ أنجزته.

د. يمنى طريف الخولى بعنوان الوجودية الدينية دراسة فى فلسفة باول تيليش، دار هنداوى. كان كتاب الشجاعة من أجل الوجود خطابًا إلى القُرّاء للتحلّى بفضيلة الشجاعة اللازمة لمواجهة السجن الكبير الذى يُسمى الحياة. أقول هزّنى الكتاب لأنه عاودَ تذكيرى.

وفى لحظات عصيبة ومؤلمة من حياتى، بحقائق قديمة، وهى أن كل شىء مؤقت، وأن الحياة كلها مشهد عابر كما يقول شوبنهاور، وأن الراحة، كل الراحة فى التسليم بأن المعاناة والألم شرطان أساسيان لعيش الحياة. 

نحن سجناء روتين حيواتنا اليومية سواء فى العمل أم فى الراحة ، سواء فى الكدّ أم فى اللهو، مُنقادون أكثر منا قائدون. حذّر مارتن هايديجير من الانغماس فى ثرثرة العوام، ومن الانشغال بتوافه الحياة اليومية (ما عدا العمل لكسب الرزق).

التى من شأنها القضاء على اكتشاف الإنسان لوجوده الحقيقى، وبكاء الإنسان ليلًا على أحواله، برغم أنه يقضى سحابة نهاره فى دسّ أنفه فى شؤون الآخرين وتقصى تفاصيل حياتهم وطبيخ يومهم! وفى إبداء آرائه السياسية والتنظيرية الثاقبة فيما يفقه ولا يفقه. 
 

اقرأ ايضا | أحمد القرملاوي: أغلفة روايات نجيب محفوظ نتعامل معها كمشروعا فنيا وإبداعيا


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة