جوته
جوته


بين جوته وباكثير أثر «فاوست» في الأدب العالمي

أخبار الأدب

السبت، 27 أغسطس 2022 - 01:53 م

أُلِّفت أعمال كثيرة ترتكز ارتكازاً مباشراً على «فاوست» وتعالجه من منطلق علاقة الشيطان بالإنسان

يُرجع النقاد والمؤرخون فكرة فاوست إلى شخصية ألمانية حقيقية تدعى جورج فاوست الذى عاش فى الفترة من 1480 إلى 1540

يبقى لعنانى جمال التلخيص لمن لم يقرأ النص الأصلى، ولمن لم ير فى إضافات جوته للمسرحية ما يستحق معاناة التفكير والتمثيل. 

قام توفيق الحكيم فى مسرحيته «امرأة غلبت الشيطان» بتأنيث فاوست، ظناً منه أن المرأة أقرب إلى روحه

يعود سبب تأثر الأدب العربى بـ «فاوست» إلى أنها قابلة للتأسلم والتصوف، ولا تتعارض مع الرؤية الإسلامية للشيطان


أصبحت شخصية فاوست ذات طابع رمزى أسطورى إذ أسقط كل كاتب عليها رؤاه وفلسفته وموقفه من الدين والحياة

لم ينجح الشيطان عند جوته فى أن يخدع فاوست بالمتعة، ما جعل هذا العمل يلقى رواجاً فى الفكر الإنسانى
 

إن محاولة باكثير التوفيق بين الرؤيتين الإسلامية والمسيحية لمفهوم الخير والشر تتفق مع البعد الصوفى

فاوست عنانى لا يختلف كثيراً عن فاوست الآخرين، إذ يطرح قضية الخطأ والخطيئة طريقاً نحو التوبة

يوظف باكثير بعض آيات القرآن الكريم فى تناص لفظى، وكذلك بعض الأحاديث النبوية .

وهذا يلقى الضوء على ثقافة باكثير الدينية من جهة وعلى عدم حرمة ذلك من جهة أخرى.

 

تحولت مسرحية فاوست» منذ لحظة كتابتها إلى نص مُهيمن فى الآداب العالمية التى تلقفته ترجمةً ومحاكاة ونقداً واختلافاً. ولم يكن الأدب العربى بمعزل عن فكرة «فاوست»، بل تأثر بها على نحو ما سأوضحه لاحقاً، وقد قام على أحمد باكثير (1910-1969) بتأليف مسرحيته «فاوست الجديد» عام 1967 تقريباً. وقد عثرتُ لدى المستشرق الألمانى البروفيسور Stefan Wild  بجامعة بون بألمانيا على نسخة من مسرحية على أحمد باكثير «فاوست الجديد»، وقد قامت مؤسسة التبادل الألمانى العربىDAAD بإعطائى منحة تفرغ علمى قضيتها بجامعة بون للتفرغ لدراسة هذا العمل ونقده، وكانت فرصة للتعايش بين فاوست جوته فى أرضها وبين فاوست باكثير.


وقد شغلتنى شواغل كثيرة عن نشر التحقيق والدراسة التى قمت بإعدادها، حتى عرفت من الصديق عبدالحكيم الزبيدى أن مسرحية فاوست الجديد لباكثير قد صدرت فى مكتبة مصر عام 2001، مع مقدمة صغيرة للدكتور محمد أبوبكر حميد وقد رأيت النسخة وبقدر حزنى على الجهد الذى بذلته فرحت لظهورها.


فاوست فى الأدب العالمى
يُرجع النقاد والمؤرخون فكرة فاوست إلى شخصية ألمانية حقيقية تدعى جورج فاوست الذى عاش فى الفترة من 1480 إلى 1540، ومن هذه الشخصية تكونت أسطورة فاوست فى الأدب الألمانى ومن ثم الآداب العالمية، وحيث إننا لا نملك مصادر عربية عن نشأة فاوست الحقيقى كان لزاما عليّ أن أرجع إلى المصادر الألمانية.


تذكرElisabeth Franzel فى كتابها حول «مواد الآداب العالمية» أن فاوست درس  الكثير من العلوم المتداولة فى ذلك العصر كالطب وعلم الفلك والكيمياء وعلم السحر (الدجل والشعوذة) وَوُصِف من معاصريه بمواصفات أسطورية.

وهنالك عديد من المصادر تؤكد دراسته السحر واستدعاء الأرواح فى مدينة krakau، وحاول فى مدينة Venedig الطيران، وتقول إحدى الروايات إن «الشيطان قد تشكل  له فى صورة كلب ظهر له وأخذه إليه».


أى أن هذه الشخصية حقيقية عاشت فى نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادييْن، وكانت النواة الأولى التى شكلت منها العقلية الأوربية فاوست شخصيةً وفكرة. ومن هذه البدايات كما تذكر Elisabeth Franzel تكونت أسطورة فاوست التى طبعت فى مطبعة Spiess بفرانكفورت على شكل سيرة شعبية تحت عنوان: «سيرة الدكتور يوحنا فاوست 1587».


وحسب هذه الرواية فقد ولد فى Roda بمدينة  Weimarودرس فى  Wittenbergعلم الأديان، وبعد أن حصل على الدكتوراه اتجه لدراسة السحر، وكان متكبراً ولديه حب للمعرفة، دفعه إلى عقد اتفاق بينه وبين مفستوفيس (وسيط الشيطان وخادمه) وبعد انتهاء فترة الأربعة وعشرين عاماً التى سيلبى الشيطان فيها كل رغباته سيمنح روحه للشيطان.


فى الثمانى سنوات الأوليات قضى جزءاً من سنوات الدراسة وجزءاً من الاستمتاع فى Wittenberg، وجاءت رغبته فى الزواج ضد خطة الشيطان ولذلك كان يشجعه على كل البديلات دون زواج.


ويخفف هجمات الندم التى كانت تعتريه  بالموسيقى الساحرة، وفى الثمانى سنوات التاليات التى قضاها  فاوست فى رحلات كونية وأرضية إلى الفاتيكان والسلطان فى القسطنطينية وبلاط القيصر، وفى ألاعيبه السحرية بهر الجميع وعاد إلى  Wittوحاول التوبة عن طريق رجل حكيم وتنتهى هذه السنوات بعقد جديد مكتوب بالدم مع الشيطان.


وأخيراً استدعى أمام الطلاب فى Wittenberg روح هيلينا فأصابها وتزوج من خيالها، وأنجب ابنا اسمه Justus Faust  ويموت فاوست من الفزع الشديد بعد أن ألقى خطبة رثاء أمام طلابه. ويهدى بيته إلى خادمه كرستوف فاجنر وتختفى هيلينا وابنه منها.


وينقل الدكتور عبد الرحمن بدوى ما ذكره Mennel وهو أحد تلاميذ لانجتون رفيق مارتن لوثر، أن لانجتون-وهو من بلدة فاوست نفسها- رآه شخصياً وحكى أنه كان صعلوكاً يمارس السحر ورفعه الشيطان فى الهواء، ثم يحكى كيفية موته فى فندق بمدينة Wurtemberg حيث قال لصاحب الفندق ذات الليلة وقد رآه مهموماً «(لا تفزع فى هذه الليلة) وفى وسط الليل اهتز الفندق، وفى الغداة صباحاً لـمَّا لم ينهض فاوست وبلغ الوقت ساعة الظهيرة ذهب صاحب الفندق بصحبة آخرين ودخل غرفة فاوست فوجده راقداً بالقرب من السرير ووجهه ملتفت إلى ظهره وعلى هذا النحو قتله الشيطان».


وعلى الرغم من أن هذا الوصف يحمل كراهية لفاوست إذ أنه خرج على تعاليم المسيحية فى عصره وقلل من أهمية الدين المسيحى، إلا أن هذا الوصف يجعل -دون أن يدرى صاحبه- من فاوست صالحاً، لأن الشيطان قد قام بقتله أى أنهما اختلفا فى النهاية.


وقد نُشرت قصة فاوست عام 1589 بشكل موسع، وأُكملت فى 1593 من قِبل كرستوف فاجنر خادمه، وفى عصر النهضة شُوهت صورة فاوست الساحر وربطوا صورة الساحر الملعون فى القرون الوسطى به، وأنه خرج من طاعة الله وعقد عقداً مع الشيطان، وهنالك أسطورة تيوفيلوس هذا الساحر الذى كان أشبه به ولكن يُنقَذ من خلال التوبة وبمساعدة السيدة مريم؛ وهنالك تشابه بين هذه الأسطورة وفاوست.


لكن الخصائص التى يمتاز بها فاوستهى تكبُّر العالِم، وطموحه، وحبه للقوة والسلطة وتسلط المثقف وعصيانه للمسيحية ليس عن طريق عقده مع الشيطان فحسب، وإنما ارتباطه مع هيلينيا الكافرة التى تسعى إلى جهنم.


إن أكبر خطأ ارتكبه فاوست كما يرى Widmann أنه شكّ فى الله؛ فى التوكل على الله . 
 قام Christopher Marlowe بكتابة مسرحية «تراجيديا دكتور فاوست» عام 1594 وطبعت عام 1605 بإنجلترا، وفيها روح الجدل بين الخير والشر، بين الإنجيل والسحر، بين التوبة والذنب، بين التراجيديا والكوميديا؛ وصور حب فاوست بينما صور Mephisto خادم الشيطان على أنه حزين، ورفيقه فاوستفى سوء الحظ  فى النهاية المُفجعة.


وقد لاحظ الدكتور عبد الرحمن بدوى فى مسرحية Christopher Marlowe جانب الشك لدى فاوست، الذى كان أكثر شكاً من الشيطان ذاته: «إنه يحاول أن يثبت للشيطان أنه لا يوجد جحيم وما الجحيم إلا خرافات عجائز وأنه ليس بعد الموت شىء إلا العدم ولا ينقذ فاوست من الانتحار إلا جمال شعر هوميروس».


وهذا الجانب الشكى هو الذى يعتمد عليه فى بنائية مسرحيات فاوست التى تتخذ منه مدخلاً يؤثر من خلاله الشيطان على فكر فاوست وإيمانه المسيحى الذى سرعان ما يتهاوى.


وقد أخذ Pfitzer شخصية فاوست ومنعه من الزواج فى مسرحية تناول فيها قصة حب جديدة 1674، وخطة زواج فاوست من فتاة فقيرة أُبطلت من مفيستو عن طريق ارتباطه بهيلينيا. 


وفى القصص الشعبية يبدو أنه فقير وفى حاجة إلى المال وعند  Marloweنجد شخصية الخادم المرح.
وفى  Wienفيينا اشتهرت شخصية الخادم المرح عن «حياة فاوست وموته» وجعل الخادم شخصية مناقضة لفاوست وساخرة منه وتطورت هذه الصورة الساخرة عند A. Baeuerle فى حواديت «معطف الدكتور فاوست»، كما حولوا فى فيينا صورة مفستو  إلى متنكر فى صورة (راهب) جاء على شكل فارس مهذب مع النساء.


وفى انجلترا كتب WlliaimMountforts مسرحيات ساخرة حول حياة وموت دكتور فاوست 1684، وبعد ذلك أُلف بانتوميم د. فاوست ولُعب على شكل عرائس متحركة فى المسرح والشكل الجاد بقى فى الأغانى الشعبية عن فاوست.


وفى عصر جوته كتب كل من  Soden و Schink عن فاوست بمعزل عنه، مزيجاً من الواقعية والإنقاذ الأسطورى. Soden جعل فاوست يحاول التوبة إلا أن اللعنة تحيق به فى النهاية، بينما Shink حاول أن يدخل فى القصة حب فاوست لفتاة تنقذه من العَقد مع الشيطان، ويرتكب فاوست ثلاثة ذنوب أخرى حتى تقع اللعنة عليه.


أما جوته فنشر أول جزء من عمله فاوست فى 1808، وحوَّلها إلى تراجيديا حب ما بين الاستجمام والطموح، وجعل العقد بين فاوست والشيطان على أنه عصيان (الإنسان مخيّر) ومفستو رمز الشر والكذب والشك.


بعد 25 سنة ظهر الجزء الثانى من فاوست، ويخمن النقاد أن شخصية فاوست أصبحت ذات طابع رمزى أسطورى إذ أن أقلام الكتاب تلقفوها؛ وكل منهم أسقط عليها رؤاه وفلسفته وموقفه من الدين والحياة والأيديولوجيات المعاصرة، بل غدت «فاوست» قناعاً نقديا لنقد العصر ورجالاته؛ فعند A. V. Chamisso ينتحر فاوست حتى يصل إلى الحقيقة التى لم يعرفها فى حياته، بينما حوَّل بوشكيه عام 1826 حب المعرفة إلى معرفة عبثية الوجود؛ فالملل الذى تسبب فى بُعد فاوست عن الله عند Gesill.


فى القرن الـ 19 نجد فاوست قد اكتملت صورته بصنع شخصية صورة مضادة عن فاوست جوته، وتبتعد عن الفلسفة المبالغة وعملية أكثر، لذا تقترب من شخصية «دون جوان»، فهم يلعنون فاوست وأنه يستحق الموت إلا عند Holtei، فإنه يتوب قبل أن يُقذف فى جهنم.


وأنهم يوظفون الشخصية الطاهرة (البريئة) فـ  Hoffmanجعل فاوست يتوب، وكذلك مفيستو يتوب أيضاً.
مدام دى ستال الفرنسية لأول مرة شجعت الفرنسيين على قراءة جوته، فكتبوا فى موضوع فاوست، وفضلوا تصوير مفستو والشر على الإنسان الخاطئ الطموح فاوست.


فى 1832 كتب جوته الجزء الثانى من فاوست، حيث يعود جوته إلى التراث عند فاوست، واستدعاء روح هيلينا ورحلاته إلى القيصر وغيره. والمحور الرئيسى فى العمل هو استمتاع فاوست بفرحة ما قبل التجربة، وفى النهاية هو راض عن عدم قناعته الأبدية.


عند جوته لم ينجح الشيطان فى أن يخدع فاوست بالمتعة، ما جعل هذا العمل يلقى رواجاً فى الفكر الإنسانى. وقد توقفت الكتابة فى  القرن الـ 19 عن فاوست بعد جوته لعظمة ما كتب ولكن ظهر انعكاس لعمل جوته فى أعمالهم واستلهموه.

وهنالك استثناءات قليلة لمن كتبوا عن فاوست جوته، ومنهم لنياوس الذى ألف  قصيدة طويلة عام 1836 ورسم صورة لفاوست عبثى النظرة  تجاه الكون ويعصى الإله وينتهى بحب الموت. 


من خلال هذه الأمثلة يتضح لنا إلى أى مدى كان حضور عمل جوته مُهيمنًا على الأدب العالمى.


فاوست فى الأدب العربى
كان لفاوست أيضًا أثرا فى الأدب العربى، ويعود ذلك فى رأيى إلى أن فاوست قابلة للتأسلم والتصوف، ولا تتعارض مع الرؤية الإسلامية للشيطان، الذى يشترى الإنسان ليضلّه، بينما ظلت أوديب -على سبيل المثال- تعانى من فكرة تعدد الآلهة وموقفها حيال الإنسان والعلاقات المحرمة، ولذا فقد عاشت فاوست بينما توقفت محاكاة أعمال أخرى.وقد وجدنا عدداً من المحاكاة لفاوست فى الأدب العربى، من أهمها:
فاوست توفيق الحكيم/ امرأة غلبت الشيطان
من خلال ما كتبه توفيق الحكيم حول فاوست أو «فوست» كما يسميه، نلحظ أنه لم يهتم كثيراً بفلسفة فاوست، فقد كتب مسرحيات تدور حول الفكرة لكن لم تصل إلى كُنهها، كما كتب مشاهد مسرحية صغيرة مثل «امرأة غلبت الشيطان»، ففاوست تقوم بدوره امرأة عرفت خريف العمر وشتاءه، ولم يتبق منها سوى بقايا عمر لم تر فيه سعادة.

وفى حال ضيقها وقلقها من انقضاء العمر  تنشق الجدران ويظهر لها الشيطان الذى تعقد معه اتفاقاً أن يمنحها الجمال والحياة والمتعة عشر سنين مقابل أن تمنحه روحها، بعد ذلك ليذهب بها إلى الجحيم، وحررا بدم المرأة الصك المعهود.

ويحقق لها الشيطان فى عشر سنين إلا قليلاً ما تمنته؛ بيد أنها قبيل أن تنقضى السنون  بشهرين تضيق ذرعاً بهذه المتع وتبحث بذاتها عن متعة الروح، فزهدت «وارتدت الخشن من ثياب النسك وذهبت وأدت فرائض الحج، وغرقت فى التأملات السامية.

وانقطعت للأعمال الصالحة»، وعندما يأتى الشيطان ليسوقها إلى الجحيم يرتعد لمرآها إذ يغلفها نور عميق، ومع ذلك يأخذها نحو الجحيم، لكن الملائكة تخلصها منه بسبب توبتها وتأخذها نحو الجنة.


والحكيم هنا يحاول أسلمة فاوست، ولكن الجديد فى المسرح العربى هو تأنيث فاوست وربما ظن الحكيم أن المرأة أقرب إلى روح فاوست، كما أبقى على صورة الشيطان ولم يجدد فيها؛ وقد سبقه فيشر إلى تأنيث فاوست عندما كتب بشكل ساخر الجزء الثالث لفاوست جوته وحوّل فاوست إلى امرأة.


الحكيم: الشيطان فى خطر
فيلسوف جالس فى حجرته بين أكداس الكتب، وهذا المشهد يتكرر دائماً فى معظم المسرحيات الفاوستية، والتليفون يدق ويكتشف الفيلسوف أن الشيطان يطلب مقابلته لأمر هام؛ ويأتى الشيطان فى حجرة الفيلسوف طالباً مساعدته لإنقاذ البشرية من كارثة محدقة تتمثل فى حرب قادمة بالقنابل الذرية والصاروخية وعندما يستغرب الفيلسوف من هذا يسأل الشيطانَ:
«وهل أنت شديد الرحمة بالناس؟


الشيطان:شديد الرحمة بنفسى!


الفيلسوف: وما دخلك؟
الشيطان: حياتى مرتبطة بالناس، حيث يكون الناس أكون أنا؛ فإذا قامت القيامة، وجاءت النهاية، فأنا مع الجميع فى المقدمة إلى حيث ألقى مصيرى المكتوب ونهايتى المحتومة».
ويدور نقاش بينهما يتناول الزواج، ويدعو الفيلسوف الشيطان للزواج حتى يغدو فيلسوفاً: «كل زوج قضى فى الزوجية عشرة أعوام فما فوق هو فيلسوف».


أثناء ذلك تدخل زوجة الفيلسوف ويدور نقاش حاد بينهما حول مصروفات البيت، سرعان ما يتطور إلى شجار عنيف، تمسك فيه الزوجة بالمحبرة مهددة إياه بإلقائها عليه ما لم يسلم لها الأمور دون قيد أو شرط.


«الفيلسوف: «صائحاً» هذه.. هذه قنبلة.. قنبلة ذرية!
الزوجة: «مهددة بالمحبرة» فلتكن ما تكون! اخضعْ وإلا...»
ويهرب الشيطان بعد أن ألفى الفيلسوف قاصراً عن أن يدفع عن نفسه أذى زوجته قائلاً:
«دعنى أنقذ نفسى أولاً من هنا، قبل أن تلقى فى الحجرة قنبلتكم الذرية!»


والواضح من هنا أن عداوة الحكيم للمرأة أملت عليه هذه الرؤية، وأن الشيطان يفر من المرأة ويرى نفسه مخلوقاً ضعيفاً أمام كيدها وشرورها.


الحكيم: نحو حياة أفضل
يبدأ الحكيم مسرحيته بشكل تقليدى فى حجرة بسيطة فى منـزل ريفى، والمصلح جالس يقرأ كتاباً تحت ضوء مصباح غازى موضوع فوق مائدة صغيرة، ويدور حوار بين المصلح وزوجته حول أوضاع المزارعين وفقرهم وأمنية المصلح أن يغيّر أحوالهم نحو حياة أفضل، وتسأله الزوجة عما كان يقرأ فيرد:
«كنت أقرأ قصة فاوست (...) وأسائل نفسى: ترى لو جاءنى الشيطان الليلة، ماذا أطلب إليه؟
الزوجة: ستطلب إليه بالطبع حياة أفضل
المصلح: نعم؛ ولكن ليس لنفسى.
الزوجة: للناس!
المصلح: بالضبط» 
وتمضى الزوجة إلى النوم ويظل المصلح مستغرقاً فى القراءة، وفجأة يبدو شبح قرب الباب، هو الشيطان؛ ويعرض الشيطان على المصلح أن يقوم بتحقيق أمانيه نحو حياة أفضل للمزارعين الفقراء شريطة أن يكون صادقاً، ويوافق المصلح على هذا الشرط.

ويقلب الشيطان حياة الفلاحين إلى حياة مرفهة فيقلب الأكواخ إلى مبانٍ جميلة تحيط بها حدائق صغيرة، ويتباهى الشيطان بذلك، لكن المصلح يكتشف فى النهاية بعد حواره مع الفلاحين أنه ينقصهم النفس؛ «لأن ثروة المال شىء، وثروة النفس شىء آخر»، ويواجه المصلح الشيطانَ بعد ذلك: «أنت لم تعط قومى إذن الحياة الأفضل، الحياة الأفضل هى المعنى الأفضل للحياة».


ويرد الشيطان: «ألم أقل لك إنك ستخادعنى، كما خادعنى «فاوست» من قبلك؟
إنكم دائماً تخدعوننى من هذه الناحية.. النفس.. لعنة الله على النفس.. كل المتاعب لا تأتينى إلا من هذه الكلمة.. وداعاً.


(...) [ ينصرف الشيطان، ويبقى المصلح منكباً على كتابه، فتدخل عليه زوجته وتوقظه برفق]»
أى لم يك هذا إلا حلماً.


أرى أن هذه المسرحية من الممكن أن نعدها نقداً ومحاكمة لثورة يوليو 1952، فالحكيم كتبها عام 1955، ويرى أن همَّ المصلح كان نحو حياة أفضل للمجتمع، وهذا ما حاولت الثورة توفيره كالجمعيات التعاونية والماكينات، لكنه يرى أنها أخذت النفوس، لأنها لم تستطع أن توفر للناس الحياة الكريمة، إننا هنا أمام توظيف سياسى لفاوست فالثورة أتت بإعلامها الذى لم يكن سوى كلمات جوفاء لم تغير الإنسان المصرى فى داخله، ويركز الحكيم على دور المصلح الكاتب والمفكر.


الحكيم: عهد الشيطان
صدّر الحكيم عمله هذا بمناداة شيطان الفن «لقد منحتك كلَّ شىء، كل قطرة من قطرات دمى هى لك.. وكل خلجة من خلجات نفسى هى لك (...) يا شيطان الفن.. لقد أخذتَ منِّى كلَّ شىء.. فماذا أعطيتنى أنت ؟» 


حاول الحكيم أن يكرر طرحه لفاوست فى عهد الشيطان، فالراوى عالم بلغ الثمانين عاماً ويقرأ قصة فوست فى حيرته، يأتى له الشيطان قائلاً: «أنا الذى يستطيع أن يمنحك ما تطلب»، ويطلب الشيخ الشباب من الشيطان فى مقابل أن يهب نفسه للشيطان، وكتبا العهد بدم الشيخ الذى ينقلب شاباً فى العشرين: «جميل الطلعة، بسَّام المحيا، مُفعم النفس بالسرور، متوثب القلب للحب»، لكن هذا العالم يريد من الشيطان المعرفة:
ـ أعطنى نفس فوست التى أخذتها منه، أريد أن تكون لى ـ نفس فوست أو نفس جوته.


ـ وماذا تعطينى أنت فى مقابل هذا؟
ـ كل ما تطلب
ـ الشباب
ـ هو لك
ولا يكتب عقداً بذلك، وبعد ثلاثة عشر عاماً التهم فيها الكتب التهاماً، صاح أريد الشباب.
وهى مسرحية ضعيفة ومهلهلة البناء، والفكرة مكررة عند الحكيم نفسه وغيره.
والحكيم من خلال هذه المسرحيات لم يستوعب فكرة فاوست فلسفياً، بل وظَّفها توظيفاً سطحياً لم يصل إلى كُنها الفلسفى ورؤاها وأسئلتها، ولم يأخذ إلا القشور، وخلت مسرحياته من دراما حقيقية وفكرة ناضجة.


كما أن الحكيم فى تأنيثه «فاوست» ألقى على المرأة أخطاءها وأخطاء الرجال، بل انتصارها على الشيطان نفسه، وهذا لم يجعل المرأة إلا شيطاناً يتفوق على الشياطين فتنةً وشراً دون أن يقنع المتلقى برؤيته بل بأحكامه المسبقة.


والأعجب أن الحكيم المفكر يرى أن حياة الفقر والمرض والجهل أنسب إلى عامة الشعب من حياة الغنى والصحة والعلم، وهى رؤية ليس لها ما يبررها وتفتقر إلى حب الخير والتغيير.
يعتبر الدكتور مصطفى ماهر أن «حديث مع الله «للحكيم «معالجة فاوستية جديدة، ولكننا لا نستطيع تكوين حكم كامل لأن الحديث له بقية أو أكثر من بقية»، وربما كانت معالجات الحكيم لفكرة فاوست فى أعماله الأخرى أكثر عمقاً وتأثراً.


فاوست عنانى (1998)
قدم محمد عنانى لمسرحيته «فاوست» بمقدمة قصيرة موضحاً - فى عجالة - نشأة الأسطورة وصياغة جوته لها، وترجمة محمد عوض لمسرحية جوته، ثم عدّد الترجمات فذكر أن الترجمة الثانية لمسرحية جوته كانت على يد عبد الرحمن بدوى ونشرت فى عام 1989 وقد جانبه الصواب فىذلك.


ثم ترجمة مصطفى ماهر، وعرض لمسرحية مارلو القصة المأسوية للدكتور فاوستوس، وتحدث عن تأثر جوته بمسرح شكسبير ثم برر قيامه بكتابة هذا النص، إذ أن أحد المخرجين قد طلب منه أن يعد له نصاً عربياً موجزاً لهذه المسرحية، فكان «انتقائى لأهم ما يمثل فى تصورى مأساة فاوست من وجهة نظر المشاهد والقارئ العربى قائماً على هذا المفهوم.

ومن ثم أعددت نصاً شعرياً يتضمن قطعاً مختارة من الجزء الأول فقط من ذلك العمل الشعرى، وأسميته «رؤية شعرية عربية».


إذن فالنص مستوحى من مسرحية جوته، وهو نص شعرى حاول عنانى أن يستخدم تمكنه العروضى فى نظم المسرحية، لكن جاءت بعض الحوارات أشبه بقصائد منفصلة عن النص، وقد أضرّ ذلك ببناء مسرحيته التى أوجد شخصياتها على النحو التالى: فاوست طبيب فى الثمانين، إبليس كبير الشياطين ثم مرجريت (جريتشن) فتاة فى ربيع العمر، وفالنتين أخو مرجريت ثم روح الأرض وهو عفريت صغير».


وقد جاءت المسرحية فى سبعة مشاهد بدأها كالعادة بحيرة فاوست وضجره من العلم والحياة ومجىء الشيطان إليه عارضاً خدماته، ويبدأ حوار بينهما حول العلم والمرأة ويعرض الشيطان عليه الاتفاق ويوافق فاوست «إن مرت بى لحظة.. أشعر فيها أنى كامل.. أو أنسى فيها ذكر الزمن وأرجو أن يتوقف.. فسأصبح ملك يمينك».

ويوقع فاوست على ورقة الاتفاق.ويبدأ المشهد الثانى وإبليس يزف لأتباعه من الجن بشرى انضمام عالم لأتباعه من أهل الأرض، ويكلف العفاريت بإحضار الفتاة جريتش لفاوست الذى يلقاها وقد غدا شاباً وسيماً ويغدق عليها من الهدايا التى أعطاه إياها إبليس وتهيم به حباً وتصيح به:
«حبنا حقٌّ إذن ؟
فاوست: فى بحار الحب أبحرت بلا زاد سوى قلبى
ورجوت المثل الأعلى على شطَان حسى
ما الذى أبحث عنه يا ترى؟
أنا ذاتٌ لست أدرى من أنا؟» 
ويتعانقان.
 فى المشهد الثالث نرى جريتشن وهى فى مونولوج شعرى ثم يناجى فاوست محبوبته جريتشن، ويظهر له إبليس الذى يحرضه على أن يذهب إليها فى كوخها.
ويبدأ المشهد الخامس وجريتشن فى حالة مناجاة مع الله مستغفرة من خطيئتها مع فاوست: 
«إننى لم أخطئ سوى فى دفعة الحب الأصيلة؛
 أىَّ شر ذاك ما يزهو بأثواب الفضيلة؟»
وفى المشهد السادس نرى فالنتين أخاً جريتشن وقد بلغ به الغضب أشده يذهب إلى فاوست محاولاً قتله عقاباً له على ما اقترفه من خطيئة مع أخته؛ ويحاول فاوست إقناعه بأنه فعل ذلك من أجل الحب والعلم .


فاوست: «فى الغد المأمول سوف تكون أحكم وغداً ستسمع ثم تعلم إنى قصدت الحب أنبل خافق فى الكون كى أزداد علماً، ما مقصدى إلا اغتراف العلم من نبع الحياة ‍
فالنتين: من نبع أختى؟

فاوست: من هوى المرأة أم الكون؟
فالنتين؛ حملتْ سفاحاً منك..أنجبت طفلاً حراماً.
فاوست: تنبت الأرض غراماً.. والهوى يغدو نباتاً
فالنتين: عجباً تقر بإثمك الدامى؟.. خذ هذه الضربة من حد حسامى
ويهجم بسيفه على فاوست وينهض إبليس للدفاع عنه ويتبارزان فيطعن فاوست وإبليس فالنتين فيسقط قتيلاً، وعندما يراه فاوست قتيلاً  يبدأ فى الصحو وتأتى لحظة التنوير نادماً فقد قتل روحاً طاهرة وعندها يشعر إبليس أن الأمر كاد أن يفلت من يده «هذه لحظة توبة.. ذاك إنذار خطير».


لكن عنانى يزيد من إيقاع الحدث إذ نرى إبليس يُعْلِمُنا أن جريتشن وقد قتلت طفلها غرقاً «حكموا بالإعدام عليها.. ورموها فى السجن.. وتشتت عقل جريتشن.. جُنّتْ».


إذن فذروة المأساة هنا تتجلى فى جريتشن التى قتلت الطفل وحُكم عليها بالإعدام وتصاب بالجنون، ولا يكتفى عنانى بذلك بل يخبرنا أن الشيطان قد دسّ سماً فى شراب أعطاه لفاوست حتى يسقيه لأم جريتشن كمنوّمٍ حتى يخلو لهما الجو ولكن الأم تموت.


وهنا نرى أن جريتشن فى لحظة توبتها تتحول إلى قاتلة وهذا من نقط الضعف فى المسرحية، كما أن فاوست يغدو قاتلاً لفالنتين، وإذا كان قتْل جريتشن لطفلها يودى بها إلى الجنون، فإن قتل فاوست لفانتين يجعله يفكر فى الأمور بعمق، وإن كانا قد وقعا معاً فى الخطايا فقد أضفا عليهما روح الشر.


ويذهب فاوست إلى السجن فى المشهد السابع والأخير محاولاً تهريب محبوبته جريتشن التى يفاجأ أنها تهذى بأشعار حول طفلها الذى لايصدق أنه مات، وعندما يفتح فاوست زنزانتها تظن -فى مشهد مأساوى مؤثر- أنه منفذ حكم الإعدام وتستمهله حتى الصباح، وعندما تعتقد أنه لا يرضى تتوسل إليه «أنا ملك يديك الآن! أنا جاهزة للموت!لكن أرجوك.. دعنى أرضع طفلى قبل رحيلى».


ويحاول فاوست إقناعها بأنه الحبيب، وتبدأ فى الصحو وتنتبه إليه، بيد أنها تعود إلى حالتها الجنونية ثم تفيق وترفض الفرار معه خارج السجن وتواجهه.


«ماتت أمى.. قد كنت دسست السم لها!
أغرقت رضيعى عند ولادته..
كان هدية رب الكون إليّ.. لك أيضاً (...) هذى يدك ملطخة بالدم.. امسح عنها تلك القطرات الرطبة! آه ياربى ماذا تفعل بى؟»


وتطلب من فاوست أن يتولى تصريف أمور جنازتها وقبرها، حيث أنبأته أنها ميتة عما قريب وتلح عليه أن يدفن الوالدة ويليها الأخ فالنتين:
«وأنا بعده.


لكن بالقرب من الأخ والأم!
أما طفلى فعلى ثديى الأيمن
لن يرقد شخص آخر فى قبرى» 
ويكرر فاوست محاولة إقناعها بالهروب من السجن دون جدوى، وتتوسل جريتشن إلى الله: «أيها الخلاق غفرانك.. إننى أذنبت فاصفح.. يا قابل التوبة فلتمح الذنوب.. إننى أصبحت أمة من عبيدك».

ويتدخل الشيطان آمراً فاوست أن يهرب ويتركها، ولكن فاوست يعلن نقض الاتفاق بينهما ويخرج ابليس فى برق ورعد بينما تناجى جريتشن فاوست: ضمنّى قبل الوداع!
قد تلقَّى الله روحى، (تموت بين يديه) .


ويصرخ فاوست «إننى أحبّ الله القدير.. طالباً عفوه» 
وتنتهى المسرحية، وهنا نرى كيف وظّف عنانى التراث الشعرى والإرث الفاوستى الجوتى فى المسرحية؛ فجريتشن البغى أخطأت مع حبيبها ثم تحولت إلى قاتلة ثم تتوب فتتحول إلى ولية من الأولياء حيث يعرف الولى موعد وفاته قبيل أن تجئ ويحدد توقيتها، كما أن فاوست فى المسرحية رمز الخطأ والخطيئة.

لكن  الخطيئة فى النهاية فاتحة التوبة كما ذكرت آنفاً، ويبقى قتل جريتشن لطفلها لغزاً لا تحله الأعراف الاجتماعية ولا تبرره التقاليد، ولكن نهاية المسرحية بالجثث الأربعة تجعلنا نتذكر نهاية المسرح الشكسبيرى وقد تناثرت الجثث على خشبته، ولعل تأثير شكسبير على جوته وعنانى واضح.


عنانى إلى العقد بين الشيطان وفاوست إلا من منظار العبودية وهيمنة الشيطان على الأفراد وإغوائهم، لكنه يرى التطلع إلى المعرفة طريقاً أومبرراً لعقد هذا الإتفاق.


إن فاوست عنانى لا يختلف كثيراً عن فاوست الآخرين، إذ يطرح قضية الخطأ والخطيئة طريقاً نحو التوبة، وفى الوقت نفسه فإنه يحطم أطروحة الإنسان المثال أو الكامل ففاوست وجريتشن مخطئان.


ربما كانت فاوست عنانى تلخيصاً غير مقنع لفاوست جوته، فقد غاب عنها روح جوته أسلوباً وإطناباً وشاعرية، ويبقى لعنانى جمال التلخيص لمن لم يقرأ النص الأصلى، ولمن لم ير فى إضافات جوته للمسرحية ما يستحق معاناة التفكير والتمثيل. 


 «الرجل الذى باع رأسه» ليوسف عز الدين عيسى
لا تختلف رواية يوسف عز الدين عن غيرها، فرمزى الشاب اليائس يفكر فى الانتحار، لكن جاره جابر العجبانى ينقذه ويشترى رأسه مقابل ألفى جنيه، ويوثق العقد وتنتقل حياة رمزى من الفقر إلى الغنى والشهرة كملحن ومطرب وممثل، ويتعرف على النساء ويتزوج من أحسنهن جمالاً، ولكن جابر العجبانى يطارده أينما نزل وينتهى الأمر برمزى إلى الجنون.

 


وعز الدين عيسى يكاد يسير على خطى جوته، وإن قام بتعريب أسماء الشخصيات والأماكن، وهذا يحمد له، لكن الطرح هنا لا يحمل رؤى جديدة، بل يدور فى فلك فاوست جوته.


 «طبول فاوست» لأحمد سويلم 
فى مسرحية «طبول فاوست» نجد أحمد سويلم  قسم مسرحيته بمقدمة تمهيدية أسماها «اللحظة الكونية من حالة العدم إلى سماع الصمت»، وبمشاهد حول العقل ورحلة الجمال والشهوة سباحة داخل الأجساد والنهاية بعد رحلة الشهوة.


وتبدأ المسرحية بترديد أسماء الله الحسنى، يرددها المنشدون فى الأركان الأربعة، ثم حيرة فاوست وقلقه:
«أى روح فى هذه الأرض.
يمكن أن تنشلنى من هذه الحيرة، 
أهناك مخلوق يمكنه أن يفعل ذلك
إننى أمنحه كل ما أعطتنى الحياة
لو أزال عنى هذا القلق»
يركز سويلم على الأبعاد الفلسفية لفكرة فاوست، ولذلك لم يكن معنياً بقص القصة الفاوستية بل ظل فى إطارها الفلسفى وتساؤلاتها القلقة.
فروح الأرض ترد على فاوست الذى ينشدها:
«قودينى إلى المجهول 
اكشفي لى عن ذات نفسى
وعما فى أعماق قلبى من أسرار وغموض
كيف يلتهم كل شىء مع الكل
روح الأرض: عليك أن تتأهب
الطريق شاق وعسير»
فرحلة فاوست سويلم رحلة نحو أدغال الذات ومعرفة المجهول منها، لذا يطلب الحقيقة ويدخل سويلم مفيستو والعرافة وكأنه يستشرف القادم وليس الدوران حول الماضى، إنه لا يأبه بالوجود قدر طرح أسئلة حول ماهية العدم؛ وأثناء بحثه يدرك فاوست أن «أسمى الفضائل تحيط بالعقل لأنه يدرك الحقيقة»
وفى موضع آخر أثناء جدله مع مفيستو يتمسك بالعقل:
«أما أنا فلا أتخلى عن عقلى
فعقلى فاعل»
(...) «أريد استجلاء حقيقة العقل 
إن كل حقيقة قابعة فيه»
يذكرنا هذا بمقولة المعرى: «أيها الغِر إن خُصصتَ بعقلٍ/فاتبعه فكلُّ عقلٍ نبى». ويمضى سويلم فى إبراز مشكلة الصراع بين العقل والجمال والشهوة: «لو أنى ملأت نفسى بكل ما أعرفه فأى مكان يبقى لكل ما أعرفه».


ولا ينسى سويلم فى إطار بحث فاوست عن نفسه أن يطرح الرؤى الصوفية وينقل مقولة النفرى: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». وينهى مسرحيته بإنشاد أسماء الله الحسنى فى جو صوفى، ويعود فاوست دون أن يحقق بغيته معترفاً «الأحمق المسكين أنا». 


والجديد فى هذا الطرح هو محاولة التخلص من تيمة فاوست جوته، وبناء رؤية خاصة لفكرة فاوست تتلامس مع فاوست جوته لكنها لم تكنه. ويبدو من عنوان المسرحية «طبول فاوست» وكأن الطبول إيذان بِمَقْدمه أو بشرى بوصوله إلى حقيقة كُنهه.


فاوست الجديد لـ «باكثير»
وُلد باكثير فى مدينة سوربايا بأندونيسيا عام 1900، من أبوين ينتميان إلى حضرموت التى ذهب إليها فى معية والده عام 1910، ثم زار عدن والصومال وأثيوبيا، ووصل الحجاز؛ وفى عام 1934 رحل إلى مصر، حيث التحق بكلية الآداب، وحصل على الليسانس عام 1939، كما حصل على الجنسية المصرية عام 1953، وظل بمصر حتى توفى بها فى العاشر من نوفمبر عام 1969، وكتب العديد من المسرحيات.


قسم على أحمد باكثير مسرحيته «فاوست الجديد» إلى أربعة فصول: ناقش فى الفصل الأول حيرة فاوست بعد أن ترهبت محبوبته مرجريت، وتطلعه نحو الانتحار، ويحاول صديقه بارسيلز إثناءه عن الانتحار، وينجح فى ذلك، لكن الشيطان يتدخل، ليخرج فاوست من أزمته الروحية، ويقنعه بعقد اتفاقٍ معه، يُسلم فاوست بمقتضاه روحَه للشيطان الذى يحقق له كل مآربه.


ويأتى الفصل الثانى وقد أوفى كل منهما حقوق الآخر؛ ففاوست ينغمس فى الملذات التى يوفرها له الشيطان؛ وتتوالى اكتشافاته مما يولد حقد بارسيلز صديقه عليه، ويمتلىء الفصل الثانى بالحوارات العقائدية والفكرية.


 ويصحو فاوست فى الفصل الثالث من شكوكه وحيرته لأنه رأى نور الله، واستطاع من خلاله إدراك الحقيقة التى لم يستطع الشيطان أن يوفرها له، ويدرك حقيقة مرجريت وحقيقة بارسيلز، كل الأشياء تتخلق من جديد أمام عينيه.


فى الفصل الرابع يركز باكثير على تغير علاقة بارسيلز بصديقه القديم فاوست، ويحرق فاوست كل الأبحاث التى كتبها بمساعدة الشيطان، ويطعن بارسيلز فاوست بخنجر مسموم، فيموت فاوست ومن قبله تموت مرجريت لينتحر بارسيلز وتنتهى المسرحية.


بدأ الفصل الأول بحيرة فاوست وتفكيره فى الانتحار بعد تخلى محبوبته مرجريت عنه وانسلاكها فى سلك الراهبات بالدير، وبينما هو فى يأسه يدخل عليه صديقه بارسيلز الذى لا يأبه بالحياة ومشكلاتها، وإنما يعيش لحظته مهوناً على صديقه فاوست، فالنساء غيرها كثيرات، وبعد حوار طويل يقتنع فاوست بعدم جدوى الانتحار.

ويخرج بارسيلز للقاء محبوبته إيمى تاركاً فاوست وهمومه، وهنا يظهر الشيطان لفاوست فى صورة بارسيلز واعداً إياه بمقدرته على إخراجه من أزمته الروحية وإحضار مرجريت له «ولكن ذلك لن يتم إلا بعد عقد اتفاق بينهما يسلم فاوست بمقتضاه روحه للشيطان الذى سيحقق له كل مآربه ومطالبه».

وعلى الرغم من أن العقد بين الشيطان وفاوست إلا أن باكثير يخطئ كثيراً عندما يتفق الطرفان فى العقد على أن الله هو الشاهد، وعندما يسأل فاوست الشيطان عن الشاهد يجيب الشيطان: الله جل جلاله .
فاوست: الله  
الشيطان: ألا ترضى به شهيداً
فاوست: لكنه واحد أحد
الشيطان: أقوى من شهادة الألوف، موافق
فاوست: موافق
الشيطان: «اللهم رب العزة ذا الجلال والإكرام.. أنت الشاهد لا شاهد غيرك، وكفى بك شاهداً ووكيلاً»
هذا التناقض يرجعه باكثير إلى إشكالية الشيطان ذاته، فهو أول الموحدين لكنه لم يرض أن يسجد لأنه لا يسجد إلا لله.


ويوافق الشيطان على شروط فاوست؛ أن يمنحه «المعرفة الشاملة والصحة الكاملة والقوة والشباب والغنى والشهرة». وفى موضع آخر يقسم الشيطان برب العزة، ويوقع الاتفاق بالدم من إصبع فاوست وأصابع الشيطان.

وذلك فى إشارة قديمة إلى الأهداف فى الأدب العربى قبل الإسلام، وكيف أن القبائل كانت تغمس أصابعها فى قنينة مملوءة دماً، كنوع من القسم ويُحضر الشيطان مرجريت لفاوست فيقضى منها وطراً.


وينهى باكثير الفصل الأول وما يزال الصراع داخل فاوست يشتد ليبدأ الفصل الثانى وواجنر خادم فاوست يتناجى مع محبوبته أولجا الخادمة، ثم يتحدث بارسيلز عن تفوق فاوست، ولذا فإنه يود عقد إتفاق مع الشيطان أيضاً لكن الشيطان لا يأبه به فهو فى قبضته.

ويقيم بارسيلز علاقة آثمة مع مرجريت، بينما يقيم فاوست علاقة آثمة مع إيمى محبوبة بارسيلز، وتتوالى اكتشافات فاوست التى تذهل العالم وتتسابق الدولتان العُظميان من أجل الفوز به، وينغمس فاوست فى الملذات التى يوفرها له الشيطان، لكن فاوست لا يقنع بذلك بل يود بعلومه أن ينقذ الناس ويحول الصحارى إلى جنات خضراء، بيد أن الشيطان يرفض ذلك.


ويدور حوار طويل بين فاوست والشيطان، ينفث فيه فاوست عن شكوكه العقائدية، ولكن الشيطان يأتى له بهيلينا إلهة الجمال عند الإغريق، ولكن فاوست يرفض أن يراها فيصم أذنيه ويغمض عينيه، فتختفى هلينيا، ثم يصيح: «الله.. الله.. الله.. الله، قد رأيت نور الله»، ويسدل الستار على الفصل الثانى.

ليبدأ الفصل الثالث وبارسيلز فى حجرة استقبال فى قصر فاوست، وفى نجواه عن فاوست وما وصل إليه من مكانة عظيمة ويخرج له الشيطان الذى يدفعه نحو قتل فاوست، ويدخل بارسيلز على فاوست ويتناقشان؛ ويتضح من النقاش أن فاوست قد دخل النور إلى قلبه. 
«بارسيلز: أنت تطلب المحال يا فاوست 
فاوست: كيف يكون محالاً وقد رأيته رأْى العين 
بارسيلز: ألا يجوز أن يكون ما رأيته وهماً فى وهم
فاوست: كلا إنى أشك فى نفسى ولا أشك فيما رأيت»
وينتهى الفصل الثالث وقد استطاع فاوست أن يعرف مرجريت الحقيقية ويدرك خطأ توهماته فى مرجريت الفاجرة التى لم تكن إلا بغياً استقدمها الشيطان فى مسوح الراهبات ليلهى بها فاوست.


يبدأ الفصل الرابع فى حجرة نوم فاوست ويبدو مريضاً، ويدور حوار مع إيمى التى ترهبنت وبارسيلز الذى يعرض عليها الزواج، لكنه جاء متأخراً فترفض ذلك، وتتناقل الأخبار تحرك جيشى الدولتين العظميين نحو الاستيلاء على اكتشافاته وأبحاثه، ويعجل فاوست فيبعث بخادمه واجنر إليهما يخبرهما بإحراقه كل اكتشافاته وأبحاثه.

ويبدأ فاوست بالفعل فى حرق كل أبحاثه أمام عين مرجريت وكأنه يود أن يكفِّر عن ذنوبه، ويأتى بارسيلز محاولاً سرقة الأبحاث ويكتشف أن فاوست قد أحرقها فيعاجله بطعنة فى صدره من خنجر مسموم كان قد أخفاه بين طيات ملابسه.

ويركض نحو الشيطان ليأخذ مكافأته نظير قتله فاوست لكن الشيطان يهزأ به قائلاً: «عندى من طرازك هذا مئات الملايين من البشر فى كل جيل، ولكنى أنتظر جيلاً بعد جيل وأحقاباً بعد أحقاب قبل أن أعثر بينهم على مثل فاوست».


بارسلسز: ماذا أصنع الآن، إنى خائف 
الشيطان: اذهب فانتحر
ويحذر فاوست بارسيلز من الانتحار، لكن بارسيلز يلقى بنفسه من شرفة القصر فيموت منتحراً، ويهَب فاوست قصره وممتلكاته لخادمه واجنر ومحبوبته الخادمة أولجا، وبينما يحتضر فاوست يأتى له الشيطان مرة أخيرة محاولاً إغواءه وفتنته، ولكن يحسن ختام فاوست فيقاوم الشيطان قائلاً: «لقد كُشف الغطاء عنى فلا تحاول أن تخدعنى»، وتطوف الملائكة من حوله وتصعد روحه نحو بارئها.


يوظف باكثير الجنس فى مسرحيته، فمرجريت المزيفة تقول لفاوست: «فى وسعك الآن أن تنتهك عِرضى وعرض أهلى وعرض الدير الذى أنتسب إليه»، وعندما يخاف فاوست الله تحاول أن تغريه: «ترقص مرجريت رقصة مثيرة وهى تخلع ثيابها قطعة بعد قطعة وفاوست تارة يغض بصره عنها، وتارة ينظر إليها بنهم»، وتنتصر الخطيئة «فيحتضنها فيندمجان فى عناق عارم»، وفى حوار فاوست مع بارسيلز حول الشاعرة القبرصية سافو يقول فاوست: «كنت أحفظ أشعارها الغرامية فاشتهيت أن أضمها بين ذراعى.


بارسيلز: فكيف وجدتها؟
فاوست: لا فرق بينها وبين أى راعية من قبرص»
ثم يمضى موضحاً وجهة نظره: «الهالات تذوب عند الملامسة فلا يبقى منها شئ»
والملاحظ هنا أن توظيف باكثير للجنس توظيف ذو دلالة لا يخلو من فنية دون إسفاف أو إثارة؛ فالغواية من قديم، وقد ركز باكثير على أن الشر والخير متلازمان بل يوجدان دوماً فى الشخص ذاته وهذا يخالف بعض المسرحيات الفاوستية التى أظهرت شخصيات الخير المطلق فى مقابل شخصيات الشر المطلق.


ويبدو الالتزام الدينى واضحاً فى مسرحية باكثير، وكان هذا ديدنه فى مسرحياته بل «الأهم عنده هو الالتزام الفكرى الذى ما تخلى عنه أبداً طوال مسيرته الأدبية»، على حد قول الدكتور عصام بهى.


عبّر باكثير عن أزمات شخصياته النفسية والعقائدية، فالصراع مع الشك فى نفس فاوست الذى يخاف الله، لكنه فى اللحظة ذاتها يناجى نفسه «لعلى أخاف من وهم كاذب.. »، ويقوى الصراع الداخلى. ويزداد الشك لدى فاوست فى الفصل الثانى فى حواره مع الشيطان ويدافع الشيطان عن موقفه، لكن فاوست يخاطب فى النهاية الشيطان قائلاً: «إنك زدتنى إيماناً بالله وما شهدت الحقيقة الكبرى إلا بعدما عرفتك»، وهذه الرؤية تطرح الكثير من التساؤلات كذلك؛ فمنذ بداية انشقاق فاوست عن الشيطان وعقده نجد فاوست يجادل الشيطان حول الحقيقة.


وفى بقية الحوار أرى أن باكثير قد تقَنّع بقناع شخصية فاوست، وعبر فاوست عما يكنه باكثير فى صدره من تساؤلات محيرة ورؤى مستحيلة. كما ورد فى الحوار التالى:
«الشيطان: لقد ثبت على كل حال أن الحقيقة غير موجودة.


فاوست: بل هذا يثبت وجود الحقيقة».
ويطرح باكثير أسئلة كثيرة حول مفهوم الجنة والنار والعدل، فأهل الجنة ليسوا سلبيين وإنما «.. تلك الصورة عن الجنة باطلة، ليس فيها سأم ولا ملل فلا بد أن يمارس أهلها نوعاً من الكفاح، إن يخل من التعب والمشقة والتوتر فليس يخلو من لذة التجدد والتطور»، كما حاول باكثير أن يفلسف وجود الشيطان، كما ناقش فى مسرحيته فكرة الحكم، فعندما يقترح عليه بارسيلز أن ينضم إلى إحدى الدولتين العظميين «فتكون لها الغلبة على الأخرى فتصبح أنت سيد العالم وحاكمه المطلق.      

 
فاوست: ويلك هذا ما كان يريده الشيطان، والله لا أكون جباراً فى الأرض استذل الأفراد والشعوب ولا صنما يعبدنى الناس من دون الله».


إنه يسعى إلى إيجاد الحاكم العادل، ولم يكن باكثير يهتم كثيراً بالمسرح قدر اهتمامه بفكره وقضيته.


آراء نقدية حول فاوست باكثير
أميل إلى أن أهم ما فى هذه المسرحية هو محاولة باكثير تصويف فاوست، وهنا يكمن الخلاف بين جوته وباكثير، فالكرامات تتوالى فى نص باكثير، ورؤيته نحو العلم الباطنى (الّلدُنى) الذى لا يأتى من الكتب بل يأتى من الله، ومناقشاته الطويلة حول موقف إبليس من آدم ومن الإنسان ينطلق من رؤية صوفية نجدها فى كتابات الحلاّج والنّفّرى وابن عربى وغيرهم من أئمة الصوفية.


ولعل الحوار التالى يوضح لنا مدى تأثر باكثير بأفكار بعض الصوفية:
« فاوست: أنت لا تؤمن بالله البته
الشيطان: ليس حقاً لا أومن به وآسفاه ليس فى الوجود من يؤمن     بالله أشد من ايمانى به
فاوست: الآن اعترفت بأنك كاذب فالشيطان هو أول الجاحدين الملحدين
الشيطان: كنت أظنك من الخاصة لا من العامة
فاوست: ماذا تعنى
الشيطان: أنا عند العامة أول الجاحدين الملحدين ولكنى عند الخاصة أول المؤمنين الموحدين»
كذلك فإن محاولة باكثير التوفيق بين الرؤيتين الإسلامية والمسيحية لمفهوم الخير والشر تتفق مع البعد الصوفى.
تدور المسرحية فى صراع جدلى بين الحقيقة المجردة والحقيقة المزيفة؛ هذه الثنائية الجدلية تتجلى فى صور أخرى؛ فالرحمن ضد الشيطان؛ والخير ضد الشر؛ والوجود  ضد العدم؛ والنور ضد الظلام.. إلخ، ويمنح فاوست باكثير روحه للشيطان فى سبيل الخلود والعلم والمتعة.

وتبقى سقطة كبيرة فى العمل المسرحى لباكثير، وهى أن فاوست باكثير لم يرجع إلى الله إلا عندما أخلّ الشيطان بالعقد ولم يمنحه كل الحلول العلمية التى كان يهدف إلى اكتشافها، ومعنى ذلك أن فاوست لم يهتد إلى الله من ذاته بل حينما رفض إبليس منحه مفاتيح العلم.


تبدو النـزعة الصوفية جلية في أجواء المسرحية حيث الرهبنة والكرامات وإبليس الموحّد، وحقيقة العلم اللدنى وهى رؤية يجب أن تدرس فى إطار موقف باكثير الصوفى ونزعته الفلسفية، يقول إقبال عن العلم الدنيوى: «إن هذا العلم هو الحجاب الأكبر، يصنع الأصنام ويبيعها ويعبدها وهو فى قيد الظواهر، لم يستطع الخلاص من حدود الحس. وقد عثر فى طريق الحياة، ووضع حنجرة على حلقه، إن فيه ناراً ولكنها باردة كالشقائق».


وقد أنهى جوته مسرحيته «فاوست» بمقولة الجوقة الصوفية: «كلُّ فانٍ هو رمزٌ فحسب وكل ما لا يمكن الوصول إليه سيصير هنا حادثاً، وما لا يمكن وصفه قد جرى هاهنا فعله، إن الأنوثة الخالدة تجذبنا إلى أعلى»، وتكون نهاية المسرحية بهذه الغنائية الصوفية.


إن الشيطان لديه القدرة على إغواء العلماء المؤمنين، بينما يرفض أن ينضم له مَن هم منضمون - طبيعةً - له مثل صديق فاوست (بارسيلز)، وقد استطاع باكثير أن يستغل التراث الدينى الإسلامى –الذى وعاه وعياً كاملاً – فى رسم هذه الشخصية الشيطانية، وقد حاول باكثير أن يستمد جذور رؤيته الإبداعية من خلال فهمه لدينه وينحاز إلى الحل الإسلامى فى معظم أعماله وإن كانت هنالك أخطاء تبدو على نحو ما سنرى.


نهاية المسرحية تبدو قريبة من النهايات الدرامية حيث القتلى؛ فموت مرجريت وكأنه موت الفضيلة، وانتحار بارسيلز وكأنه التكفير عن الخطأ، ومقتل فاوست قمة التراجيديا فى هذا العمل. 


وخلال موت الشخصيات الثلاثة الرئيسية تبدأ ثلاث حيوات أخرى: إيمى تترهبن وتدرك الحقيقة، وواجنر يدرك اليقين ويتثبت من شرف أولجا التى تدرك حقيقة الأمور  فى النهاية، ومقتل فاوست بداية لمعراجه الروحى.


وفى نهاية فاوست جوته يصيح قبيل موته: «توقفى أيتها اللحظة، فأنتِ فى غاية الجمال».


من  إبداع الشبيه ينفى باكثير وجود الخير والشر فى النفس الإنسانية، فمرجريت هى رمز الخير الدائم، وبارسيلز رمز الشر الدائم؛ وهى مواقف متناقضة فى رسم باكثير شخصياته.


يوظف باكثير بعض آيات القرآن الكريم فى تناص لفظى، وكذلك بعض الأحاديث النبوية . وهذا يلقى الضوء على ثقافة باكثير الدينية من جهة وعلى عدم حرمة ذلك من جهة أخرى.
يبدو الخضر وموسى فى المسرحية ولكن بشكل معكوس.

غير ما وصل إلينا فى قصة التقاء موسى والخضر حيث يجمع بينهما فموسى يطلب العلم  وفاوست يطلب العلم أيضاً، والخضر يطلب الخلود وفاوست يطلب الخلود، وموسى يصبر على تصرفات الخضر غير المفهومة ثم يضيق بها ذرعاً، وهذا ما يحدث مع فاوست حيث يعقد اتفاقاً بينه والشيطان ويصبر على مضض على شروط هذا العقد الذى ينقضه الطرفان فى النهاية.


التصوير المسرحى عند باكثير (أربع مقدمات للفصول الأربعة) ووصف للموت فى نهاية المسرحية والألوان تصويرية توحى بتفهم باكثير لأدوات المسرح الحديث، وكذلك عنايته بالأنوار وتقنيات المسرح؛ بيد أنه لا يأبه كثيراً بتقنيات المسرح على حساب عرض أفكاره.


لا أدرى متى كُتبت هذه المسرحية تحديداً -وإن  كانت هناك آراء تذهب إلى أنها قد كتبت خلال عام 1967 على نحو ما ذكرتُ آنفاً- والنص يوحى بأنه  كُتب بعد نيران الحرب العالمية الثانية، حيث يحذر باكثير من الحروب التى ألقت بظلالها على الجو المسرحى مما حدا به أن يحذر من صلْى نارها. والآراء السياسية واضحة فى المسرحية فباكثير يكتب بوعى وإحساس سياسى ونستطيع أن نرى ذلك جلياً فى النص.


صّور باكثير بعض المشاهد الجنسية فى المسرحية لكن بأسلوب لا يهدف إلى الإثارة - كما أوضحتُ آنفاً- وإنما يهدف إلى نقل مشاهد من الإغواء وهو لا يهدف إلى إلقاء الغواية على المرأة، وإنما يدافع عن المرأة دفاعاً كبيراً، فنساء فاوست باكثير هن رمز الطهر فمرجريت فى الدير رمز للصفاء والأخلاق وقوة العقيدة.

وحتى شبيهتها البغى هى إنسانة مغلوبة على أمرها لا تملك من نفسها شيئاً، وإيمى تترهبن بعد حياة ماجنة وبعد أن خدعها بارسيلز تتجه إلى الدير مبتعدة عن الحياة؛ وأولجا رمز للشرف والإخلاص، فالمرأة ليست مفتاح الغواية والشر بل هى المتدينة الواثقة من أمر الله، إن فاوست لا يعرف الحقيقة إلا عندما يرفض الإغواء عندما يغمض عينيه عن هيلين أسطورة الجمال فيبصر نور الله ويعرف مرجريت الحقيقة التى جاءت تذكّره بالله.


هل قرأ باكثير النص الألمانى؟ أو أنه قرأه مترجماً إلى اللغة الإنجليزية؟
أعتقد أن الاحتمال الأخير أقوى حيث لم يثبت معرفة باكثير للغة الألمانية من جهة، وأن هنالك أشياء أخرى تؤكد عدم إلمامه بها من جهة أخرى، مثل واجنرWagner وفى الألمانية تنطق W فاءً  أو قريبة من الفاء، بينما في الإنجليزية تنطق W = واواً ولذا صار  واجنر، ولكن أبقى على وحدة النقود بالمارك الألمانى (100 مليون مارك) مما يوحى بأصل النص الألمانى ولكنه مترجم إلى اللغة الإنجليزية.


يبدو إذن النص المسرحى عند باكثير متفقاً ومختلفاً مع النص الألمانى لجوته. كما تبدو لغة باكثير سهلة، حيث لم يستخدم فى كل المسرحية سوى لفظتين عاميتين من الممكن ردّهما إلى أصول فصحى، بينما جاءت ألفاظه فصيحة، وفى أسلوب بليغ لا يعتمد على التعقيد، ولم يستخدم الشعر إلا فى نهاية المسرحية.


توحى المسرحية بمدى ثقافة باكثير حيث الأساطير الإغريقية واليونانية والرومانية وكذلك آلهات الجمال والشاعرات كالشاعرة الرومانية، ومحاولته الجادة لفهم الثقافات المغايرة وتوظيفها مسرحياً، مع الإلمام بها جوهراً وليس قشوراً.


بالمسرحية سقطات فنية حيث لم يقنعنا باكثير بأن تحول فاوست كان اضطرارياً، وإنما لموقف عارض، وهو رهبنة مارجريت، وهذا الموقف ليس مقنعاً؛ فبسبب امرأة ترهبنت يبيع روحه للشيطان، وهو بذلك يبحث عن سبب مقنع للمتلقى لكنه أتى بسبب واهٍ غير مقنع، كذلك فإن مرجريت الحقيقية برفضها الإقامة فى القصر الممنوح من الشيطان كانت تمثل العدل وتوخى الحلال، بينما نجد إن فاوست وهو يحتضر يوصى بالقصر لأولجا  وخادمه واجنر.

ويقيم به فاوست بعد نقضه الاتفاق مع الشيطان، وإن كان قد أفنى ما حصله من علم بحرقه؛ وما جمعه من مال بتركه وهجره لكنه ظل بالقصر حتى النهاية دون أن يقنع المتلقى بجدوى ذلك.


وتبقى بالنص سقطات فنية منها أن الشيطان يفى بوعوده، وأن معرفة الله تتم من خلال العلم لكن بعض العلم يأتى عن طريق الشيطان!.


كذلك فالشخصيات عند باكثير لا تتطور، على حين نرى فى مسرحية فاوست جوته اختلاف وعى الشخصيات لذاتها ونبرتها ودرجة تأملها وخطاياها وتمرسها بمغانمها وعاهاتها.
أورد باكثير كثيراً من آرائه تجاه قضايا دينية وعلى سبيل المثال:
«الشيطان: أهل النعيم لا يكافحون البتة فهم سلبيون على الأرائك متكئون.


فاوست: كلا تلك صورة عن الجنة باطلة، فليس فيها ملل فلا بد أن يمارس أهلها نوعاً من الكفاح»


وهى آراء فى حاجة إلى المناقشة والتوقف حيالها.
حاول باكثير التوفيق بين الرؤية الإسلامية والمسيحية لقضايا عديدة مثل الخير والشر، والوجود والعدم، وحاول قدر استطاعته الابتعاد عن المحاذير المختلف والمتجادل حولها وهذا يفسر لنا رؤية باكثير التوفيقية للاختلاف، لكنها لا تقنع المتلقى حيث يترك عباءة المسرحى كى يتدثر بعباءة رجل الدين فى المسرحية.


أود أن أطرح افتراضية أن باكثير فى «فاوست الجديد» اعتمد اعتماداً كبيراً على التصوف الإسلامى، وعلى خلود الولى كما فى المفهوم الصوفى، إضافة إلى أنه وظف الخضر فى فاوست كرمز للخلود، فالخضر وصل إلى درجة عالية من العلم، لم يصل إليها موسى الرسول، وأنه شرب من ماء الحياة لذا فهو دائم الشباب.

وهذا ما كان يبحث عنه فاوست إذ أن قلق فاوست يبدأ من طموحه فى أن يصل إلى علم لا ينتهى، وشباب لا يشيخ. من هنا فإن باكثير لجأ إلى المنبع الصوفى كى يُخرج فاوست من عهده مع الشيطان بقوة المدد الذى جاء فى هيئة النور!.


فاوست الولى
نستطيع أن نقرأ مسرحية «فاوست الجديد» من منطلق صوفي فإن مقامات أهل التصوف كالحيرة نجدها ممثلة فى حيرة فاوست بعد أن باع نفسه للشيطان لكنه لا يصل بعقده إلى كل ما يصبو إليه.

ويخلط باكثير فى فاوست بين الفلسفة وعلم الكلام والمنطق وتبدو الرؤى الفلسفية مقلقة فى التعبير عن الوجود والعدم والجنة والنار والحياة والموت، وعن جدوى الحياة، وجدوى العلم.


هذه الحيرة التى تصاحب فاوست وجعلته يعقد الاتفاق، هى الحيرة ذاتها التى صاحبته بعد الاتفاق وبعد تفكير عميق يقتنع بأن مفهوم العلم البشرى مختلف عن العلم اللدنى الذى يطلبة من لوسيزر، فلا يجده لأنه ليس فى استطاعته وفى غمرة انهماكه فى المعاصى يصل فاوست إلى رؤية الله، وهذا هو حال معظم أقطاب التصوف الذى ينتقلون من حالة الضياع والفوضى والمعصية إلى حالة الطاعة عن طريق هاتف خارجى أو داخلى.


ثم إننى عندما أحلل نهاية كل من فاوست ومرجريت، فإن الذهن يذهب إلى نهاية أولياء الله من الصوفيين الذين يتمنون الموت، ويحددون موعده متنبئين بمقدمه، وهم فى سعادة غامرة لرؤية الله تعالى، فمرجريت تتنبأ بموتها وتتمناه.

وعندما يعرف فاوست أنه ميت عما قريب فلا يدفع الموت بل يرحب به، وما يصاحبه من أنوار خضراء وهى أنوار فى حكايات المتصوفين فى حالة احتضارهم وموتهم، ثم الأصوات الملائكية حيث الموسيقى والبشرى.


ومن قبل رأينا تركيز باكثير على العبد الربانى الذى يقول للشىء كن فيكون وعندما همّ بالمعصية مع مرجريت خاف الله.


ثم إن باكثير يوظف قصة موسى والخضر فى مسرحيته بما عليها من حواش صوفية؛ فصورة الخضر الشاب الخالد هى الصورة المثلى التى يطمح إليها فاوست. 


لكن تبقى إشكاليتان: الأولى: وقوع فاوست فى الخطيئة بفض بكارة مرجريت بعد توبته، لرغبته فى التأكد من صدقها، عندما ذكرت له أنها ليست مرجريت البغى التى يعرفها، واستقدمها له الشيطان لكن هذا ليس بدعة، فعند المتصوفة عندما سئل أحدهم: هل يزنى الولى قال: نعم، ثم تلا قوله تعالى: «وكان أمر الله قدراً مقدوراً».


الإشكالية الثانية: يرى فاوست باكثير أن العلم  ضد البشرية، وهى رؤية خاطئة فليس هنالك من تناقض وربما كان مبنياً على الاكتشافات التى حدثت آنذاك، والصراع بين المعسكرين الشرقى والغربى ف ذلك الوقت وتسارعهم فى العلم المؤدى إلى هلاك البشرية.

ويتناقض ذلك مع موقف فاوست فى الفصل الثالث: «أن أعرف (الله) على طريق العلم ليتسنى للناس جميعاً أن يعرفوه فيعيشوا فى حب وسلام».


وفى بحث فاوست عن الحقيقة الكبرى يتشابه مع بحث الصوفيين عن اسم الله الأعظم: «لن يهدأ لى بال حتى يكون فى مستطاع كل إنسان أن يرى الحقيقة الكبرى فى كل حى»
وفى موضع آخر: 
«بارسيلز: أليس فى قدرة الرحمن لو أراد إن يكشف لك هذا السر العلمى فى لمحة خاطفة فاوست: بلى لا ريب فى ذلك 
بارسيلز: كما كشف لك وجهه فى لمحة خاطفة فاوست: أجل»


وفى دعاء فاوست: «يا إلهى يا رب. إنى لأخجل أن أدعوك، ولكن إلى من أتوسل إلا إليك  ، اللهم يئس الطبيب فامنحها شفاء من عندك، فإن لم يكن بقى من عمرها شئ فامنحها ما تبقى من عمرى واقبضنى إليك».


ونجد إن هذا الدعاء يذكرنا بأدعية الصوفيين لاسيما فى نهاية حياتهم عندما يتمنون الموت «نهاية لهم من كل شر».


وعندما تتمنى مرجريت الموت فى نهاية المسرحية وتتنبأ به يتحقق لها مثلما أرادت؛ وتوصى إيمى: «لا تنسى أن تحملى جثمانى إلى أهلى ليضعونى بجوار أبى»، وهذا شبيه بموت الأولياء كما ذكرت آنفاً.

ويتحقق ذلك أيضاً عند موت فاوست إذ أدرك أنه ميت على يد بارسيلز فبعث واجنر إلى المعسكرين يخبرهم بموته وهو ما يزال حياً ويتحقق ما تنبأ به.
فاوست: النص المهيمن.. لماذا؟

يعد نص فاوست من النصوص المسيطرة؛ إنه النص الذى يستهوى الكتّاب ومن ثمّ يستهوى القراء، وأظن أن هذا النص قد أخذ ألباب الكتَّاب وجعلهم يسيرون تحت هيمنته، قليلة هذه النصوص التى تسيطر على الأدباء.

ولكن عندما ننظر إلى هذا النص نجد أن حدوده لم تتوقف عند الأدباء الألمان أو الأوربيين بل تعدت حدود أوربا بحيث وجدنا سعة انتشار هذا النص، ومعنى ذلك أن فى هذا النص من الأفكار ما يجعله قادراً على تخطى الحدود والحواجز اللغوية والجغرافية، ولذا فإننى أرى أن عوامل هيمنة هذا النص تعود إلى:
أولاً: إن نص فاوست يعتمد على الصراع بين الخير والشر فى ذات الإنسان بين المتع اللا محدودة والمتع المحدودة؛ أو بمعنى أدق هو التعبير المكتوب عن انشطار الذات، أو البوح عن معاناة الانسان فى الحياة بين المشروع والممنوع، بين لحظات القوة والضعف، بين المرح والملل هذه «البيْنية» - إنْ صح التعبير - نهاية ما يؤرق الإنسان، نهاية لحظة التأرجح بين العلم المحدود والنهم العلمى اللا محدود، بين تطلع الإنسان للوصول إلى نهاية العلم  بيد أنه يفقد الطريق فلا يهتدى، ولذا فإنه يقع تحت براثن من يوهمه بامتلاك كنوز العلم.


ثانياً: يمتلك نص فاوست -إضافة إلى ما سبق- تحقيق حلم الإنسان الأزلى فى الخلود، فى الشباب، فى ارتداد الزمن وتوقفه، ألم يقل جوته «توقفى أيتها اللحظة، فأنتِ فى غاية الجمال»، ففاوست باحث عن الشباب أى عن توقف الزمن عند لحظة معينة من حياة الإنسان، بحيث يسعى الإنسان إلى تخليد هذه اللحظة وتوقيفها فلا تتغير مع تغير الليالى.

وكأن الإنسان فى صراع أزلى ضد الزمن، وهذا الصراع لا يتوقف عند فرد معين فى بيئة ما أو فى زمن ما، بل هو الصراع الدائم فى كل وقت ومكان، ولذا فإن فى نص فاوست ما يغوى الإنسان فى تحقيق ما يصبو إليه حلماً فى نص إذا كان من المستحيل تحقيق ما يرنو إليه فى الحقيقة. إنه لعب بخيال الإنسان المحدود ولذا فلماذا لا يحقق له المستحيل فى إطار نصى، ولا يحقق الخلود فحسب بل يحقق المعرفة والقوة والسيطرة والشباب.

وكأنه دأب الإنسان الدائم فى الخروج من واقعه، حتى لو رأينا عند بعض من عالجوا هذا النص من يرضى بالتغير ويعيش فيه سعيداً، لكنه سرعان ما يتضح له أنه قد وقع فى فخ وهمى فيثور ويؤوب تائباً أو يظل فى غيه مكتفياً بما يحقق له من أحلام؛ إننا نجد أن إرادة الإنسان فى هذا النص -بشكل عام- إرادة عدمية، فهو يختار الشيطان بمحض إرادته فى لحظة ضعف؛ لكن هذه الإرادة تقوى وتتحول إلى إرادة إيجابية للتخلص من الشيطان وبراثينه.

أى أن النص يقنع المتلقى بالجبر لكن سرعان ما يقنعه بمحاولة الإنسان فى التخلص من الشيطان أى الإختيار، وقد تكون محاولة  فاشلة ويقبع الانسان (فاوست) فى مرحلة الجبر الأزلى وقد يُكتب لمحاولته -الخلاص- النجاح، وعندها يحمل النص الإنسان إلى مرحلة الاختيار، ومن هنا فإن النص يدور في إشكالية الجبر والاختيار.


ثالثاً: تجرّد نص فاوست من أَسْر الأمكنة والأزمنة، ولذا فقد وجد فيه الأدباء - باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم - فراغاً ومتسعاً للتعبير عن رؤاهم التى لا تُحَد.


رابعاً: ربما كان اشتغال أدباء كبار مثل جوته ومارلو وتوماس مان وهاينه وغيرهم، ما أغرى بقية الأدباء بمحاكاتهم أو محاولة التفوق عليهم. ولا نغفل سيطرة الأدب الغربى على آداب الشعوب الأخرى.


خامساً: حياد نص فاوست تجاه الجنس البشرى، فالرجل والمرأة هما مزيج من الخير والشر، فالمرأة الطاهرة موجودة وكذلك المرأة الفاجرة، وكلا المرأتين تلعبان دورين أساسيين فى النص، أى أن النص لا يحمل حقداً تجاه المرأة أو تجاه الرجل، كما أنه يعلى الفضيلة ولكن يقف ضد فكرة الإنسان الكامل أو المثالى.


إن سر نص فاوست هو تجدده وَفق رؤى كاتبه، إنه أشبه بوعاء قابل أن يُملأ بأى مشروب، ما منحه تجاوز نص فاوست جوته بحيث وَجَدَت فيه كل أمة ضالتها، ووجد فيه كل أديب ما يسع رؤيته وفلسفته تجاه الكون والحياة، هذه القابلية جعلته نصاً لا يأبه بالحدود بل يتجاوزها ولا يعيش فى بيئة إلا ليعبر عنها تاركاً إياها باحثاً عن بيئة أخرى وأديب جديد يُلبسه جلباباً جديداً.


لذا فإن الفاوستية تحمل فى طياتها ما يجعلها نصاً مهيمناً قادراً على البقاء والتجدد، ففى كُلٍّ منا فاوست صغير!

اقرأ ايضا | د.محمد أبو الفضل بدران يكتب: فاوست ولي من أولياء الله

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة