د. محمد نصر الدين الجبالى يكتب : فى مئوية وفاته فيليمير خليبنيكوف مؤسس تيار المستقبلية
د. محمد نصر الدين الجبالى يكتب : فى مئوية وفاته فيليمير خليبنيكوف مؤسس تيار المستقبلية


محمد نصر الجبالى يكتب: «فيليمير خليبنيكوف» مؤسس تيار المستقبلية فى الأدب الروسى

أخبار الأدب

السبت، 27 أغسطس 2022 - 04:59 م

 ظهرت المدرسة المستقبلية فى الادب الروسى فى مطلع القرن العشرين، وتمثل هذه المدرسة اتجاهًا طليعيًّا فى الفن الأوروبى خلال العقدين الأول والثانى من القرن نفسه وخاصة فى كل من إيطاليا وروسيا. ويسعى أدباء هذه المدرسة إلى صناعة «فن المستقبل» ويتنكرون لتراث الماضى تمامًا. ودعا المستقبليون إلى نشر جماليات الإنجازات البشرية الحديثة والاختراعات والمدن الصناعية الكبيرة والضخمة وجماليات الآلة والميكنة. ويُعد فيليمير خليبنيكوف وفلاديمير ماياكوفسكى من أبرز ممثلى هذه المدرسة فى الأدب الروسي.


 ويتميز أدب هذه المدرسة بالجمع بين التوثيق والخيال، وكذا التجريب اللغوى وحرية اللعب بالألفاظ. ومثلما هو الحال فى جميع اتجاهات ما بعد الحداثة، اتسم هذا الاتجاه بالتناقض الداخلي. فهناك منهم من سمى نفسه بالشعراء المستقبليين التكعيبيين (خليبنيكوف ومايكوفسكى وكامينسكي).

وهناك من أطلق على نفسه «المستقبليين المتمركزين حول أنفسهم تمامًا» ومنهم سيفيريانين. كما ينتمى إلى هذه المدرسة شاعر روسى حصل لاحقًا على جائزة نوبل فى الأدب عام 1958 وهو بوريس باسترناك.

ودعت المدرسة المستقبلية إلى ثورة فى الشكل بصرف النظر عن المضمون وإلى الحرية المطلقة فى اختيار اللفظة الشعرية ورفض كل التقاليد الأدبية. ويتضمن البيان المعلن من قبل المدرسة، ويحمل عنوان «لطمة للذوق العام» 1912،

دعوات «لالقاء» كل من بوشكين ودوستويفسكى وتولستوى من «قارب الحياة المعاصرة». غير أنهم فى الأمر الواقع لم يلتزموا بهذه المبادئ تمامًا. فى البداية قام الأدباء المستقبليون بالفعل بإعلاء الشكل على المضمون حيث أصبح هدفًا بالنسبة للشاعر وعنصرًا أساسيًّا فى العمل الشعري، وكانوا يرفضون كتابة أى قصيدة تحمل فكرة.


وقد دعا منظر المدرسة المستقبلية الروسية فيليمير خليبنيكوف إلى فكرة أن اللغة التى ستسود العالم فى المستقبل هى «لغة ما وراء العقل»، حيث تخلو الكلمة من المعنى وتكتسب جمالًا ذاتيًّا. وقد ابتكر خليبنيكوف كلمات جديدة واشتقاقات غير تقليدية لجذر الكلمة فى محاولة منه لتوسيع حدود اللغة وإمكاناتها.


نشأة الكاتب     
ويُعتبر فيليمير خليبنيكوف شاعرًا وناثرًا وأحد كبار رجال الثقافة الروسية فى بداية القرن العشرين، ومن الشعراء الذين قادوا حركة إصلاح كبيرة فى اللغة الشعرية. وُلد فى عام 1885 فى قرية مالى ديربيتى فى محافظة كالميكيا. وكان أبوه عالمًا فى الحيوان وأمه متخصصة فى التاريخ.


وبسبب عمل الأب كانت الأسرة تنتقل باستمرار من مكان إلى مكان؛ ولذا فقد بدأ الشاعر دراسته فى مدرسة بمدينة سيمبيرسك أو اوليانوفسك حاليًا فى عام 1891م. ثم انتقل مع أسرته بعد ثلاث سنوات إلى مدينة كازان.

 

والتحق هناك بمدرسة ثانوية ثم بكلية الفيزياء والرياضيات بجامعة كازان. وقد شارك الشاعر فى مظاهرات بالجامعة فى عام 1903 فتم اعتقاله وقضى شهرًا كاملًا بالسجن.


وتعود أولى تجاربه الأدبية إلى عام 1904، حيث كتب مسرحية بعنوان «يلينا جوردياتشكينا» وحاول نشرها فى دار «المعرفة» إلا أن محاولاته باءت بالفشل. وخلال الفترة من 1904 - 1907 درس خليبنيكوف اليابانية بحثًا عن أشكال جديدة للتعبير.

كما شغف بإبداعات الرمزيين الروس وخاصة فيودور سولوجوب. وفى تلك الفترة كتب خليبنيكوف كتابه النثرى الشامل «ينيا فويكوف» (بقى غير مكتمل). ويعد هذا الكتاب من المراحل المهمة فى طريقة الإبداع وتكون شخصيته الأدبية ككاتب.


وفى عام 1908م وصل الشاعر إلى مدينة سان بطرسبورج، وهناك التحق بالجامعة بكلية التاريخ والآداب. واقترب من الرمزيين أكثر وأخذ يزور صالون فيتشيسلاف ايفانوف الأدبى و«أكاديمية الشعر» التابعة لمجلة «أبوللو» حيث التقى شعراء مدرسة الذروة.

واهتم الشاعر بالأساطير الروسية والتاريخ والفلكلور، حتى إن الرمزيين الروس منحوه اسمًا سلافيا قديمًا وهو (فيليمير). غير أن أعماله فى تلك الفترة كانت تتميز عن الرمزيين وكتاب الذروة من حيث رؤيته لطبيعة الكلمة.


وكانت أول قصائد خليبنيكوف هى "إغواء المذنب» (1908) ونشرت بمجلة «الربيع» وكانت بداية لظهور أشعار أخرى له على صفحات مجلات مدرسة المستقبليين. وسرعان ما أصبح خليبنيكوف المنظر الرئيس لهذه المدرسة. ونشرت قصائده ضمن دواوين شعرية تحمل عنوان «لطمة للذوق المجتمعي» وغيرها.


فى عام 1912 نشر كتابه «المعلم والتلميذ». وتناول فيه أسس ومبادئ الاتجاه المستقبلى فى الأدب بوصفه فنًّا جديدًا. وابتكر بالتعاون مع الشاعر الكسى كروتشينى مصطلح» لغة ما وراء العقل» وكتب العديد من الأبحاث التى تدلل وتؤسس لها المصطلح.


وفى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 بدأ خليبنيكوف فى دراسة قوانين الحروب السابقة ومسار الحرب الراهنة. ونشر كتابه بعنوان «معارك 1915 - 1917. درس جديد للحرب» (1915).


وفى عام 1916 استدعى خليبنيكوف للجيش، وتم توزيعه على فرقة قوات الاحتياط فى مدينة فولجاجراد، وشهدت تلك الفترة حسب تعبير الشاعر «تحوله إلى حيوان فاقد للعقل». واستعان بصديق له طبيب لإعفائه من الخدمة بالجيش.

كان الشاعر يحلم بتأسيس منظمة تضم قادة الكرة الأرضية، تضم كل من يشعر بتوحده مع الإنسانية ومسئوليته عن مصيرها. ويرى خليبنيكوف أن للفن أهمية كبيرة فى مصير الشاعر المبدع وفى بناء حياته.


وعند اندلاع ثورة 1917 كان الشاعر فى مدينة بيتروجراد. ووصف أحداث الثورة فى قصيدته «التفتيش الليلي» (1921). وعاش الأديب فى الفترة بين عامى 1920 - 1921م فى أوكرانيا حيث أصبح شاهدًا على انكسار الجيش الأبيض بقيادة الجنرال دينيكين ووصف هذه الأحداث فى قصائده.


ثم سافر الشاعر إلى القوقاز، وكان يموج بأحداث الثورة أيضًا. وهناك عمل الشاعر فى مختلف الصحف والمجلات والجمعيات. وصور فى قصائده رؤيته للثورة بوصفها ظاهرة كونية. وتعد تسمية القصيدة من الكلمات الجديدة التى اخترعها الشاعر ليعطى معنى جديدًا يتمثل فى التجانس العالمى الشامل. وفيها يصور الشاعر نموذج الإنسانية الموحدة والمتحدة مع الطبيعة.


وفى ديسمير 1921م عاد خليبنيكوف إلى موسكو، وفى تلك الفترة تنبأ بمصيره الشخصى حيث قال إن الناس الذين يحملون رسالته عادة ما يموتون فى السابعة والثلاثين. وقد تحققت نبوءته بالفعل حيث توفى خليبنيكوف فى عام 1922 بعد صراع مع المرض.


وقد تركت إبداعات فيليمير خليبنيكوف أثرًا كبيرًا فى الأدب الروسى وتأثر بمدرسته الكثير من الشعراء الروس فى القرن العشرين، ومنهم فلاديمير ماياكوفسكى واوسيب ماندلشتام ومارينا تسفيتايفا وبوريس باسترناك، كما لعبت رؤاه وأفكاره دورًا كبيرًا فى تطور الإمكانات الجديدة فى الشعر فى إبداع الكلمة والتنبؤ بالمستقبل.


و قد نال الشاعر تقديرا كبيرا بعد مرور عقود على وفاته حيث تم افتتاح متحف باسمه فى محافظة نوفجورود فى عام 1986 وتحويل منزله الى متحف فى عام 1993 وتدشين جائزة أدبية باسمه فى عام 2010.

اقرأ ايضا | نشوة أحمد تكتب :صباح الخير يا يافا: رواية ترصد معاناة عرب 1948


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة