مؤتمر التراث وترسيخ الهوية
مؤتمر التراث وترسيخ الهوية


مؤتمر «التراث وترسيخ الهوية» بدار الكتب والوثائق..

الحضارة الإسلامية تعرضت لمحاولات اقتصاص من سياقات التاريخ الحضاري العالمي

عبدالنبي النديم

الأربعاء، 21 سبتمبر 2022 - 05:51 م

 

انطلق مؤتمر "التراث وترسيخ الهوية" الذي نظمته دار الكتب والوثائق القومية لليوم الثاني على التوالى، والتي تناولت جهود رواد التحقيق في دار الكتب والوثائق 

 

تناولت مروة الشريف، الباحثة بمركز تحقيق التراث في كلمتها جهود رواد التحقيق في عقد حلقة الوصل بين الماضي والحاضر" وركزت على "جهود عبد الحميد صبره" أنموذجا.

وأكدت أنه مما لا شك فيه أن الحضارة الإسلامية تعرضت لمحاولات اقتصاص واغتيال من سياقات التاريخ الحضاري العالمي, وكذلك تعرضت الإنجازات العلمية العربية الإسلامية للانتقاص أو الإنكار, وبخاصة في الفلك والطب والهندسة والرياضيات. ومن جانب مؤرخي العلوم, وفلاسفة التاريخ, أكثر مما هو من جانب المستشرقين, الذين ما كانوا يجيدون التعرف عليها في أي حال.

إلا أنّ الأمر تغير تغيراً كليا بعد الحرب العالمية الثانية وعلى مستوى الدراسات النظرية والتاريخية, كما على مستوى النشرات العلمية للنصوص الطبية والفلكية والرياضية وعلوم النبات والحيوان. وبسبب التقدم في مجال نشر النصوص, حدث تقدم في الدراسات في شتى المجالات, وصولاً إلى إمكان كتابة الموسوعات, وكتابة تاريخ للطب العربي أو للفلك العربي أو لعلم المناظر أو للكيمياء أو الرياضيات... وغيرها. وفي السياق نفسه ما عاد من الممكن تجاهل العلوم العربية باعتبارها جزءاً تكوينياً في الحضارة الإسلامية, وفي الإنجاز العلمي العالمي في الوقت نفسه. وكان التراث العلمي العربي محظوظاً أيضاً من حيث انّ القائمين على نشر نصوصه ودراساته بينهم اليوم عدد كبير من العرب والمسلمين ذوي الشهرة العالمية أمثال: عبد الحميد صبره ورشدي راشد وسلمان قطّايه وأحمد سليم سعيدان وأحمد يوسف الحسن وأحمد فؤاد باشا وجورج صليبا. وغيرهم.. 

 

فاالتراث العلمي والفلسفي والثقافي, العربي الإسلامي, هو اليوم جزء أساسي في تاريخ العلم والثقافة في العالم.

وكان لإسهامات عبد الحميد صبره في العلوم العربية جُهد لا يخفى على القاصي والداني، فقد وضع العديد من المؤلفات والترجمات باللغتين العربية والإنجليزية فضلا عن تحقيقاته الرائدة في التراث العلمي العربي، حيث تُمثل هذه المؤلفات أساس رصين لأجيال جديدة من مؤرخي العلم تساعدهم على فهم التراث العلمي العربي فهما صحيحا.

ولمن لا يعرف حياة عبد الحميد صبره، أذكر له أنه عالم فكري أكاديمي، حياته مليئة بالتحولات الفكرية والأكاديمية، فقد درس الفلسفة في جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1947، ثم أُرسِل في بعثة دراسية للمملكة المتحدة؛ حيث درس تحت إشراف الفيلسوف الإنجليزي، كارل بوبر، في كلية الاقتصاد بلندن، وقد كان لكارل تأثير كبير على تحول عبد الحميد صبره من الفلسفة إلى فلسفة العلوم، بعدما استمع إلى محاضرة ألقاها كارل بوبر عن ألبرت أينشتاين، وحصل صبره بعد ذلك على الدكتوراة عام 1952 في موضوع البصريات في القرن السابع عشر.

وعن قصة اختياره لهذا الموضوع في أطروحة الدكتوراة، ذكر صبره: أنه جمعه لقاء مع ألكسندر كوريه المؤرخ الفرنسي الشهير في أحد فنادق لندن، وتحدثا سويا حول إسحاق نيوتن والثورة العلمية، وقال له كواريه: إذا بقيت في القرن السابع عشر فلن تستطيع مغادرته، ومن هنا التفت صبره إلى ضرورة تجاوز تلك الحقبة والاطلاع على باقي الحقب، لأن الباحث حين يعكف على حقبة واحدة قد يقع فريسة للظن أنها أفضل الحِقَب على الإطلاق، وأنها أصدق تعبير على التطور العلمي.

 وقد التفت بالفعل صبره بعد ذلك إلى العلم في العالم العربي وقضى ما تبقى من عمره في إعادة النظر في مفهوم الثورة العلمية، وتصحيح الظن الذي قد يعتقد أن التطور العلمي نشأة وتطور منبعه غربي.

وقد ساهم صبره في العديد من الترجمات كإسهاما منه في تلاقي الحضارات، أذكر له من تلك الترجمات: 

ترجم عبد الحميد صبره كتاب كارل بوبر عقم المذهب التاريخي وذلك عام1959, وكانت هذا الترجمة هي أول اتصال مباشر بين كارل بوبر والعالم العربي.

وعن إسهاماته في تحقيق التراث: فهي متنوعة وعديدة أضاءت الطريق للعديد من الباحثين شرقا وغربا الطريق إلي فهم تاريخ العلم بوجه عام وتاريخ العلوم العربية علي وجه الخصوص, بحيث وجدوا ضالتهم وأعادوا اكتشاف حقيقة ساطعة وهي أن العقل الإنساني بما هو إنساني هو الذي أبدع العلم, وهو الذي رسم معالم وأحداث تاريخ العلم ذاته. لهذا ليس غريبا أن نجد عبد الحميد صبره يؤكد في كتاباته أن دراسة تاريخ العلم لا تتم بمعزل عن السياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تساهم في تقدم العلم والتفكير العلمي, أو تؤدي إلي تدهور العلم وسيادة الخرافة واللامعقول. وقد ترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية. خاصة كتابات الحسن بن الهيثم، الذي نبغ في القاهرة بجانب اشتغاله بالفلك والرياضيات ونبوغه في علم البصريات، بنزعة تجريبية، لها الفضل في تغيير وتطوير الأفكار المتصلة بالمنهج العلمي في أوربا والعالم أجمع، والحديث عن ابن الهيثم قد يطول إذا أفسحنا له الخِطاب، ولكن للاطلاع هناك العديديد من الكتابات عنه من قبل المؤرخين، ومن أبرزهم كتالات مصطفى نظيف.

وقد حقق صبرة كتابات ابن الهيثم في الضوء "المناظر" الكتاب الذي حقق طفرة في تاريخ العلوم الطبيعية والتجريبية في أوربا.

وقد عارض نظرية بيير دوهام التي تقول بأن الثقافة الإسلامية لم تُضف أو تحافظ على العلوم اليونانية القديمة، ولكنها استخدمتها وعدلتها، فكان بمعارضته تلك منهجيا عادلا مُنصفا بمنهج علمي عن تاريخ العلوم. وجاء بحثه "الاعتماد وتطوير العلوم اليونانية على أيدي المسلمين في العصور الوسطى". وله العديد من اللقاءات التلفزيونية المصرية، والمقالات التي تحدث فيها عن أهمية دراسة تاريخ العلوم، أذكر منها:

على أعتاب الكون، رأي جديد في العلم ومنهجه،

"لمحة في تاريخ العلوم عند العرب" وتحدث فيه عن تاريخ العلوم عند العرب وأنه يرجع إلى القرن الثامن الميلادي إلى نهاية القرن 14 أو بعده بقليل، وأن فترة ازدهاره وتفوقه كانت مع عصر الدولة العباسية، منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن 11، وأنصف العلوم العربية إنصافا محقا فيهأ حيث ازدهرت العلوم في تلك الفترة ازدهارا ملحوظ، لا يمكن إغفاله، واستشهد صبرة بكلمات جورج سارتون عن العلوم العربية وازدهارها في تلك الحقبة الوسطية من القرون، وأنها اتخذت نفس مكانة العلوم اليونانية في العصور القديمة، وتضاهي الآن العلوم الغربية في ازدهارها في العصر الحديث، وقد تنبه بعض المؤرخين إلى تلك الحقيقة قبل سارتون، ولكنه كان أول من أقام البرهان عليها بما قدمه من دراسة مقارنة لتاريخ العلوم، وذلك في كتابه الشامخ"المدخل إلى تاريخ العلم" وقد ذكر من أعلام الحقبة العربية " جابر بن حيان، الكندي، الخوارزمي، الرازي، ابن سينا، ابن يونس، ابن الهيثم، حنين بن إسحاق، الفارابي، البيروني" .

وكانت الثقافة العلمية العربية وقتها تشع من أكثر من منبر، فقد كانت بغداد التي أسسها المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين، أول هذه المراكز، ومنها لقى العلماء من مختلف الأجناس والأديان من الحفاوة والتشجيع ما لم يلقوه في أي مكان آخر، وأنشأ وقتها المأمون أول معهد للدراسات العليا في الإسلام "بيت الحكمة"وكان هذا المعهد دار للترجمة ومدرسة للتعليم العالي، وألحقت به مكتبة ضخمة زخرت بالكتب التي جلبها المنصور والرشيد والمأمون من بيزنطة والهند وفارس، وقبل قيام الدولة العباسية كان الأمويون قد فتحوا إسبانيا، وهناك عملوا على إنشاء حضارة أندلسية، وما إن حل القرن 10 حتى أصبحت قرطبة مركزا هاما من مراكز الثقافة الإسلامية، يؤمها طلاب العلم من إسبانيا وأوروبا وأفريقيا وآسيا، وازدهرت جامعة قرطبة بكتب ونسخ من مكتبة الإسكندرية ودمشق وبغداد حتى بلغ عددها كما يقول المؤرخون 400 ألف كتاب.

وفي مطلع القرن 11 أنشأ الخليفة الفاطمي دار الحكمة بالقاهرة، وتم تدريس علوم الفلك والطب بجوار العلوم الإسلامية، ونبغ في مصر علماء كأمثال ابن الهيثم وابن يونس أعظم علماء الفلك.

وازدهرت أيضا حركة الترجمات، وقال سارتون أن الفترة ما بين القرن 8 والقرن التاسع فترة حماسية فقد شملت الترجمة فروع المعرفة العلمية من طب ورياضة وفلك وغيرها. وأرسل المنصور والرشيد البعثات إلى بيزنطة طلبا للمخطوطات اليونانية، وكذلك فعل مثله المأمون بعده.

وقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، وأبرزها وسام جورج سارتون الذي ناله من جمعية تاريخ العلوم عام 2005. وقد توفي عام 2013، بعد أن ترك تَرِكة من العلم للمكتبة العلمية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة