الكاتبة آنى إرنو
الكاتبة آنى إرنو


بعد فوزها بجائزة نوبلl آني إرنو: ربما أنا هنا من أجل ذلك بالتحديد

أخبار الأدب

السبت، 08 أكتوبر 2022 - 01:44 م

ترجمة: كريم عبد الخالق

تُعتَبر الكاتبة آنى إرنو عميدة الأدب الفرنسى، فى كُتبها تحملُ على عاتقها بصرامة مهمة معالجة الاختلافات الاجتماعية واستقلال المرأة. نناقشها هنا حول المعالجة السينمائية الأخيرة لروايتها «الحدث» التى صدرت عام 2000.نتحدث معها عن الصراع المرير من أجل حرّية الإرادة، ليس فقط فى الماضى ولكن فى الحاضر أيضًا.

فى البندقية نال الفيلم المأخوذ عن الرواية جائزة الأسد الذهبى. يتناول الفيلم حادثة الإجهاض المخالف للقانون التى مررتِ بها فى فرنسا فى الستينيات. ماذا تعنى هذه الجائزة بالنسبة لكِ؟

أحبُ هذا الفيلم حقًا. استطاعتْ المخرجة والبطلة بجدارة نقل الشعور بالوِحدة؛ سيفديموقليس هذا المُعلّق فوقكَ. كلما رأيتُ ما يحدث اليوم فى تكساس، شعرتُ أكثر بأهمية مناقشة هذا الموضوع من جديد. أخشى أنها مسألة وقت قبل أن يواجِه حق الإجهاض تحديًا جديدًا فى بلدنا.

فى هذا الكتاب، وصفتِ شعور العَجز -عندما لا تستطيعين أن تقررى بنفسك مصير جسدكِ ومستقبلكِ- بصراحة وحشية.

أردتُ تسجيل شعور أن تكون امرأة لا تملك حرّية الإرادة. لا يمكن أن تتخيل الآن كيف كان الأمر عندما كان الإجهاض مخالفًا للقانون. لا أحد يساعدكَ، لا الأطباء، ولا الأصدقاء، ولا حتى عائلتك. كلهم ينظرون فى الاتجاه الآخر. كان شعورًا بالوحدة الهائلة. كأن حائط من الطوب قد استطال أمامى، كأن القانون كان يقول لى: «توقفى مكانك، لن تذهبى أبعد من ذلك». عامة، لم أملك المال حتى للهرب إلى سويسرا مثلما فعلتْ الفتيات الموسرات وقتها.

لقد كبرتِ بين عائلة من الطبقة العاملة فى منطقة نورماندى ووصفتِ هذه اللحظة  وكأن جسدكِ قد ألقى بكِ من جديد إلى بيئتكِ الاجتماعية. ماذا كنتِ تقصدين بالتحديد؟

عندما تحاول الهرب من أصولك الاجتماعية، مثلما حاولت أن أفعل قبلًا من خلال دراستى، تسأل نفسك عادة: ما الذى سيحدث لا قدّر الله؟ ما الذى سيوّقفنى فى النهاية؟ عندما أدركتُ أننى حُبلى، بزغت الحقيقة فجأة كالفجر: إنه جسدى، هذا ما سيوّقفنى. فى ذلك الوقت، كانت الحُبلى العزباء هى رمز البؤس. ضمان بأنك لن تكون حرًا أبدًا. أن كل شيء قد انتهى.

لكنكِ لم تقبلى ببساطة هذه القيود الاجتماعية. أردتِ أن تقررى بنفسك كيف تريدين الحياة، حتى أنكِ قبلتِ احتمالية موتكِ. بعد أن توجهتِ إلى مُجهِضة فى الأزقّة الخلفية انتهى بكِ الحال فى غرفة طوارئ.

آه يا إلهى، نعم، كان الأمر فظيعًا. متأكدة من أن الأمر يبدو جنونيًا، لكن فى مواقف كتلك لا تستطيع أن تفكر فى أنك ستموت حقًا. تدركَ أن الاحتمال موجود، لكنكَ تطرده من عقلك. فقط أكملتُ المسير ولم أدع هذا الحَظر الحكومى يوقفنى. كنتُ فخورة بذلك وقتها.

من أين تأتى رغبتكِ الهائلة فى حرّية الإرادة؟

من أمى. من دونها، ما كنت لأكون فى مكانى اليوم بالتأكيد. تحسين المستوى الاجتماعى هو نوع من المنفى. تتركُ العالم بالكامل خلفك، تودّع نفسك نوعًا ما. أمر صعب. لكى تفعل ذلك، تحتاج إلى من يشجّعك، من يقول لك: هيا، اقفز! شخص لا يُمسك بكَ من جديد، حتى لو كان يعرف أنك سترحل بعيدًا.

كيف كان دعم أمك لكِ؟

فى قريتنا كان لديَّ الكثير من الأصدقاء الذين كانت تخبرهم أمهاتهم [عن التعليم] عادة، «لا فائدة منه» وانتهى الأمر. لم تفعل أمى شيئًا كهذا أبدًا. كانت تقول دائمًا: «إنك تستحقين هذا». مثلًا، أذكرُ مرة فى حفلة راقصة بالقرية، رقصتُ فيها كثيرًا مع ولد كان والداه يملكان مقهى فاخر بالمدينة. فى طريق العودة، قالت واحدة من الأمهات الأخريات: «يا له من ولد أعلى منّا مكانة». هنا غضبتْ أمى حقًا وقالت: «عذرًا، ابنتى ستتخرج من المدرسة الثانوية! بكل الشهادات التى ستحصل عليها، فإنها تستحق ولدًا كهذا بالتأكيد!»

أصبحَ التعليم إذن تذكرتكِ إلى تحسين المستوى الاجتماعى. إذن ما الذى قادكِ إلى الكتابة فى النهاية؟

كتابان. الأول هو «الجنس الآخر» لسيمون دى بوفوار. كان كشفًا بالنسبة لى. فهمتُ فجأة أن «النسوية أمر ضروري». والكتاب الآخر كان «التميّز» لعالم الاجتماع بييربورديو. تناول فيه الاختلافات الثقافية بين الناس من طبقة معيّنة وبين هؤلاء الذين نالوا الترقّى الاجتماعى. فى قراءته تلمّست هذه الهاوية الموجودة بينى وبين بيئتى الأصلية، لكننى أدركت أيضًا أننى لن أنتمى أبدًا إلى البيئة الجديدة. وقتها أدركتُ أنه عليَّ أن أكتب عن الأمر.

فى كتبك البايوغرافية، التى يُطلَق عليها لفظة «علم الاجتماع الأدبي»، تصفين أيضًا كيف كنتِ، فى طفولتكِ، تشعرين بالخجل من بيئتك الأصلية. من أين أتى هذا؟

من الطريقة التى ينظر بها الآخرون إليك. وهى نظرة قوية حقًا. دائمًا ينظر الجميع إليك. ودائمًا يصدرون الأحكام عليك. بالنسبة لهم، إما أن تكون مساويًا لهم، أو أعلى منهم، غير ذلك فإنك حقير. كل علاقاتنا الاجتماعية تضعنا فى مكانة أعلى أو أقل.

هل ينطبق هذا على حالنا اليوم أيضًا؟ أم هل تجدين المجتمع الآن مُرحِّباً أكثر بالاختلافات الاجتماعية عن السابق؟

الاختلافات الاجتماعية موجودة فى فرنسا فى الماضى والحاضر. لا يمكن لكثير من أفراد الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة أن يطمحوا فى أكثر من أن يعيشوا فى المستوى نفسه الذى عاش فيه أهلهم. الإرادة الحرة وتحسين المستوى الاجتماعى مازالا عسيرين-لكن يظل الأمر ممكنًا اليوم.

استطعتِ حتى أن تصلى إلى قمة النخبة المثقفة: يعتبرك الناس اليوم أهم كاتبة فى جيلكِ. لكنكِ تعيشين حتى اليوم فى ضاحية باريسية منذ عقود. يبدو وكأنكِ تعزلين نفسكِ ولا تريدين الاندماج الكامل.

ببساطة لا أشعرُ براحة تامة بين بعض دوائر اليوم. لستُ فى المكان المناسب، إذا جاز التعبير.

 عندما أتمشّى فى باريس-عبر حى سان جيرمان، أمام كل المحلات المترفة على سبيل المثال- أشعر ببساطة أن هذا ليس عالمى. أحبُ الطبيعة، الهدوء. لا يمكننى أن أجد أى سحر فى هذا العالم المعقّد، ببساطة لا أهتم به.

هل جعلكِ النجاح أكثر أم أقل تحررًا فى حياتك؟

لا هذا ولا ذاك. لا يعنى النجاح لى الكثير. تأثيره ضئيل على ما أفعل والكيفية التى أرى بها نفسى. أعيش لأكتب. أكتبُ معظم الوقت هنا فى بيتى. أحيانًا أتساءل هل خسرتُ شيئًا ما مقابل خضوعى التام للكتابة. لكن حين أقرأ الرسائل الكثيرة التى يخبرنى الناس فيها كيف كانت كتبى مهمة لهم وكيف غيّرت حياتهم، وقتها أقول لنفسى: الأمر يستحق. ربما أنا هنا من أجل ذلك بالتحديد.

أقرأ أيضأ : بعد فوزها بجائزة نوبل l آنى إرنو: أكتب عن العنف الاجتماعي

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة