الكاتبة "آنى إرنو"
الكاتبة "آنى إرنو"


بعد فوزها بجائزة نوبل l آنى إرنو.. «كاتبة مننا»

أخبار الأدب

السبت، 08 أكتوبر 2022 - 01:54 م

دينا قابيل

يأتى حصول الفرنسية آنى إرنو  على جائزة نوبل فى الآداب ليثلج صدور الكثيرين، وخاصة بعد الجدل الدائم الذى يدور كل عام حول ابتعاد الجائزة ومرشحيها عن الأدب، سواء باتهام نوبل أنها تخدم أغراضًا سياسية فى المقام الأول، كما يتهمها البعض، أو بميلها إلى الخفة و«إيثار السلامة» باختيارها وجوه غير محسوبة على صفوف كبار الأدباء، كما يتهمها البعض الآخر. تتقاسم فرحة نوبل وحصول إرنو عليها اليوم دوائر عربية عديدة، ليس فقط فى محيط الفرنكفونية فى أقسام الأدب الفرنسى والترجمة فى الجامعات المصرية المختلفة، أوبين صفوف المترجمين، ولكن فى الساحة الثقافية المصرية على وجه الخصوص من خلال ترجمة بعض أعمالها إلى العربية.

كان أول من التفت إلى آنى إرنو فى مصر الدكتورة أمينة رشيد، وساعدت على دعوتها إلى القاهرة فى 1993 بمسرح الهناجر، حيث ناقشت مع نخبة من المثقفين آنذاك روايتها «المكان» ولاقت نجاحا كبيرا وحصلت على جائزة رينودوه الأدبية فى الرواية، ثم قامت أمينة رشيد بالتعاون مع شريكها سيد البحراوى، أستاذ الأدب والنقد العربى، بترجمتها إلى العربية فى دار شرقيات، ثم توالت الترجمات بعدها («امرأة»، و»الحدث» للمترجمة هدى حسين، و«البنت الأخرى» و«أخرج من ليلى» لنورا أمين). 

أما كاتبة هذه السطور، فقد كان لى ارتباط اعتبره «وثيقًا» بكاتبة نوبل، حيث أجريت معها حوارًا فى مجلة «أدب ونقد» ثم كانت إرنو موضوع أطروحتى لنيل درجة الماجستير فى الأدب المقارن، وعشت سنوات طويلة بين أعمال إرنو لدرجة أنى فور سماعى بالخبر صحت قائلة: «أخيرًا واحدة مننا». 

فقد كنت قبيل زيارة إرنو للقاهرة، أعد خطة لبحث الماجستير فى الأدب المقارن باشراف أستاذتى الراحلة أمينة رشيد، أبحث عن كاتب أو كاتبة فى الأدب الفرنسى ليكون محل دراسة مقارنة مع عبد الحكيم قاسم وروايته «أيام الانسان السبعة»، التى كنت استقررت مع مشرفتى عليها. نصحتنى أمينة رشيد بقراء رواية المكان بالفرنسية، وحين أعجبتنى وتحمست لها،انتهزت فرصة زيارتها لإجراء حوار معها –ولم أكن وقتذاك قد دخلت معترك الصحافة- وشجعتنى أيضا على نشر الحوار فى مجلة أدب ونقد. أذكر جيدا عنوان الحوار على صفحات أدب ونقد، بمساعدة مدير التحرير الشاعر الراحل حلمى سالم: «آنى إرنو: أكتب كى أثأر لطبقتى». 

هذه الجملة التى تحمل فى آن واحد الصدمة والألم والعذوبة والشعر هى تكثيف لمسيرة حياة الكاتبة التى نشأت فى بيئة شعبية ثم صعدت السلم الاجتماعى وصارت الكتابة بالنسبة لها: «هى الخلاص الأخير حينما تخون»، وهو الاقتباس الذى استهلت إرنو به رواية «المكان» ويحيلنا إلى تلك الفتاة-الكاتبة التى تنتمى إلى عائلة بسيطة غير متعلمة، فى اقليم نورماندى الريفى، انتقلت من طبقة العمال إلى طبقة التجار الذين سعوا إلى تعليم ابنتهم وأن يضمنوا لها مستقبلًا أفضل. تتفوق الفتاة وتصبح أستاذة مرموقة، وكلما ثبتت أقدامها، وكلما صعدت فى التركيبة الاجتماعية كلما اتسعت الفجوة بينها وبين عائلتها. ومن هذه النقطة المؤلمة، ومن هذه الهوة العميقة، تحفر إرنو فى الكتابة التى تقطر قسوة وألم وذنب واحساس دائم بالخيانة لطبقتها الأصلية، وهو ما ترويه عن أبيها فى «المكان» أو عن أمها فى «امرأة» أو فى «يوميات خارجية» بشكل صريح أوفى مجمل أعمالها بصورة مضمرة. 

فى حوار أدب ونقد، تتناول الأدب النسوى بشكل قاطع لا يقبل أى التباس «لا أعتبر أن هناك كتابة نسائية وأخرى ذكورية». وكانت الدوائر الصحفية والنقدية فى فرنسا قد اعتبرت كتابة إرنو كتابة أميل للذكورة بدون جماليات استعارية، بدون تحريك للمشاعر. 

 

كان الاحتفاء بآنى إرنو فى تسعينيات القرن الماضى جرأة تحسب لأمينة رشيد وللأوساط الثقافية آنذاك، لأنها ببساطة تكسر كل الأفكار الراسخة عن الكتابة الأدبية والنوع الأدبى، ولا تزال الكاتبة تقدم أعمالًا تجريبية فى السنوات الأخيرة تتداخل فيها الفوتوغرافيا والمونتاج الذى يتقاطع مع القارئ فى الآن وهنا. 

إذ أذكر تعليق أحد الأساتذة أثناء الإعداد لأطروحة الماجستير على رواية المكان، أنها لا تنتمى «للأدب العظيم» وأن روايتها صغيرة الحجم بشكل لافت بالاشارة إلى أنها لا تتجاوز المائة صفحة، فقد كانت المرجعية للأدب العظيم الجدير بالدراسة والمقارنة هو الأدب «المتعارف عليه» الذى يزخر بالزخرفة والاستعارة والجماليات المعروفة. بينما كتابة إرنو أعلنت منذ البداية تمردها على هذه الكتابة وانتمائها للكتابة المكثفة، التى تتقلص فى كلمات قصيرة للوصول إلى «الدرجة صفر» للجماليات كما وصفها رولان بارت قديما، بحيث تتجاوز الكتابة «ما يعجز الأدب عن التقاطه، أى الواقع العادى».

فى اختيارنا لآنى إرنو موضوعا للبحث انتصارا للحداثة، اذ ما يفيد الأدب إن لم تجاوز المتعارف عليه لإبداع منطقه الخاص، فقد كانت دعوة آنى إرنو «للكتابة المسطحة» (بمعنى غير المحملة بالكنايات) منذ 1983 فى كتابتها للمكان هى رفض أساسى وجوهرى للتعبير بلغة أدبية منمقة تنتمى للصفوة وتمثل خيانة لطبقة المقهورين الذى ينتمى إليها أبيها. 

«من أجل أن أصور حياة كاملة خاضعة لمنطق الضرورة، فمن حقى أن أتخذ جانب الفن، أو أن أقدم شيئًا «مثيرًا»، «شيء يحرك القلوب» لا شعر فى هذه الذكريات، لا تهكم مبهج، الكتابة المسطحة تأتينى بشكل طبيعى، نفس الكتابة التى كنت أستخدمها حينما كنت أراسل والديَ فى الماضى البعيد لأعلمهم بأخبارى، بالخطوط العريضة»، كما كتبت فى سيرة أبيها «المكان». 

أقرأ أيضأ : من هي  آني إرنو الفرنسية التي فازت  بجائزة نوبل في الآداب ؟ 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة